ثقافة وآداب، وفنون

نص سردي :- المهدر دمه

فيصل مصطفى

مهدر دمه
تعامدت الشمس
في كبد السماء
إنكسر الظل
زال
إزرقت السماء
بُهتت أرجاؤها
غامت
أمست رمداء
دكنت
أبرقت
أرعدت
إستحالت سوداء
إنهمر المطر الوشيل
تساند “الطاهر مختار”
ترنح
وجل
إنهار حائطه
تهشمت صلابته
تجوفت قامته
إرتج كيانه
صار خاوياً
كالرجال الجوف
نسجت العناكب خيوطها حوله
كاد أن يفقد خيول كبريائه المطهمة
* * *
لم يكن “الطاهر مختار”
سليل صفوة !!؟…
و ليس من الرجرجة و الدهماء
بل كان من نخبة الطبقة الوسطى
لا يلو جهداً
في التشبث بعلية القوم
فظل يتلولب
بين الأعلى و الأدنى !!؟…
حتى طواه ما طوى
سواد الناس الأعظم
تحت أضراس “المعمعة الكبرى”
لم يعد الميري سنداً
لم يمض طويل وقت
حتى لُفظ
لفظ النواة
و فقد حصانته
تهرأ غطاء الظهر
إزداد البطن إلتصاقاً
عوت ذئابه في البراري
كتم رجع صداها !!؟….
* * *
حمل عصاه و إرتحل
ضرب في البيداء
يبتغي فضلاً
سعى ؛؛؛
كان سعياً عديم الجدوى ؟؟!…
لعل مرماه كان قصير المدى !!؟…
رافق أفواج الملاحقين كالطرائد
فإرتدى طريداً !!؟…
و قد غزته نشوة الطريدة !!!؟…
وهو يجثو حاسيًا تراب الحمى
أينجو ؟؟!…
* * *
(بدوت وأهلي حاضرون)
عشت البداوة
عمل أجيراً
تعاطى مع حرفة الراعي
حفيت قدماه
تجرحت بواطنهما
و إمتلأت بالثقوب
وهو يجوب سهول البطانة
طولا و عرضاً
في لحاقه اللاهث لمراح النياق
تقطعت حبال صبره ؛؛؛
بحثاً دؤوباً عن مصادر المياه
و طلباً لمراعي العشب الأخضر
في قلب فضاء شساعة الخ
تتواقع بواطن أقدامه المثقبة
(وقع الحافر على الحافر)
مع آثار أفخاخ قطعان الإبل
في فخاخ الرمال
فيختل المسير ؟؟!….
و تلتبس عليه علائم الدروب !!…
لا يدري أي الإتجاهات أصوب ؟؟….
فيبقى هناك حائصاً !!…
* * *
في مواسم الصيف الحارق
يعم المحل ؛؛؛
بنضوب كل معين للمياه السطحية
يتيبس الغطاء النباتي
و تتقصف سوقه
تتداخل أقاليمه
شبه الصحراوي مع السافنا الفقيرة
يتوجس “الطاهر مختار” خيفة
أن تطأ أخفاف نوقه
تخوم …
مراعي قبائل غريمة
لذلك يظل دوماً
يتلمس في بحثه المضني
بديلاً متنائياً
للمياه و الكلأ
لا يصطرع حولها الرعاة
كان يحسب مسعاه
سهل المنال ….
غير أنه تبين له لاحقاً
أن تحققه كولوج الجمل
في سم الخياط
إنغرس هناك وسط متاهة
من الرمال
معلولاً و خائراً
قليل الحيلة
عديم التجربة
بلا خبرة
مرعوباً
من ضراوة النهب المسلح
و الهنبتة
عاجزاً
عن إبتداع دروب مفضية
الى نجاة
متخبطاً خبط عشواء
بلا إسناد !!؟…
* * *
حاسماً “الطاهر مختار” تردده
منهياً إجارته مع مالك المراح ؛؛؛
عائداً و مدبراً على أعقابه
الى حاضرة البلاد
كسيراً و مهضوماً
ليعاود مجدداً البحث
عما يحفظ ماء الوجه
و يسد الرمق
* * *
جاس
حاص
تربص للسوانح
إقتنص السراب
دار ثانية
ربض
أخفق
حصد الهشيم
فرد قبضته
فأطارته الرياح
هباءً منثوراً
بين الحصاد و الهشيم
بين الميري و الخصصة
بين البداوة و المدنية
بين الخلاء و المعمورة
بين شهوة المعرفة
و حدود لجم أعنتها
وجد “الطاهر مختار”
ذاته مغلولة
تتساقط من بين يديه
الثنائية البينية
دون خلاص !!!؟؟؟…
* *. *
كعائد من منفى
إجترح فعل المبادءة
ضالعاً
في إطفاء
وهج أحزان الهزائم الصغيرة
لكنه كان قانطاً
مبتور الأوصال
كجذع شجرة
بترت الفأس جذوره
عُزل
ملفوظاً
في زريبة الحطب
لم يبق أمامه …
إلا التسليم بالأمر الواقع ؛؛؛

* * *
أشارت الزوجة أن يدخل السوق
كي ( يلقط رزق الأولاد )
كان السوق ساحة وغى
وهو بلا سلاح
لابدّ من الإقتراض
فُرض عليه شرطٌ
شبيه بشروط المرابيين
كاد أن يرفض المشروع برمته
و يبحث عن بديل مستحيل !!!؟…
لو لا أن مبرر ( الضرورات
تبيح المحظورات ) !!؟؟…
ألزمه بقبول شروط القرض
كمخرج آني لمأزقه
إرتج كيانه و قدماه
تطآن أرض السوق
شعور جارف بالضآلة
تملكه
ترفضه خلايا السوق ؟؟…
كأنه الجسم الغريب !!…
* * *
إستعاد شريط حياته
وهو يلج أعتاب عوالم خبيئة
أين كان ؟؟!…
و كيف هو الآن ؟؟!!..
و ماذا فعل بينهما ؟…
أوساط متعددة و متباينة
خبرها.
خالطها
وسط الأفندية
الحياة المترفة
هل سلخوه من الميري ؟؟…
بعلة الصالح العام …
ربما لعجزه لمسايرة
الأوضاع الجديدة
كما أوهموه !!؟…
و هناك وسط الرعاة
في سهل البطانة
و ها هو وسط الرجرجة و الدهماء
هنا لا يحتاج خبرة سابقة ؛؛؛
فقط كن جسوراً و لحوحاً
و عارياً من الذمة !!!؟؟…
لم تنقض عدة أسابيع
حتى عاد كالعرجون القديم !!؟….
ناحلاً و متسخاً و مهترئ الثياب
و قد خسر كل شئ !!….
كيف يسدد القرض بأرباحه المركبة !!؟…
لم يكن ثمة حل !!؟…
سوى بيع أثاث المنزل
بأبخس الأثمان
* * *
و طاوي ثلاث
مرمل
يبيت على الطوى
يستوقف السابلة
يقرع الأبواب
و لا يجرؤ على السؤال
يرفع يديه الى السماء
يتخفى خلف جذوع
أشجار اللبخ …
ليس ثمة من يلاحقه ؟؟…
يأخذه سحر السكينة الآسر
الى قلب المدينة أخذاً
* * *
( الهمباتة نحن أصلنا معروفين
و غير حق الرجال ما عندنا تعين )
ليل المدينة يلفه الصمت المتوجس
نجومه كابية بلا قمر !!؟…
يستحضر “الطيب ود ضحوية”
تتلبسه شخصية “عروة بن الورد”
يعلو سنام الجمل
يمتطي صهوة الخيل
يرتكب فضيلة النهب
يشهر أسياف العشر
تتكسر أمام سطوة الجبروت
يستصرخ الذاهبين أفواجاً
الى الموت بلا بطون !!؟…
و لا حياة لمن تنادي
معزولاً و مسلوخاً
و عديم الإنتماء
بلا إسناد
يقعي
على أعتاب ميدان
الأمم المتحدة
مستجيراً
و لا مجير !!!؟؟…..

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..