
عبدالله مكاوي
لم اشاهد لقاء البرهان لقمان ، بسبب حذف كل قنوات التلفزيونات المحلية ، بعد تحولها الي بوق دعائي تسطيحي تبريري للانقلابيين . ولكن ما رشح من اقوال للبرهان عبر قناة الجزيرة مباشر، لهو دليل كافٍ علي اننا حيال نفس النموذج البائس من القادة الانقلابيين. اي ذات لغتهم الخشبية المتآكلة من كثرة الاستخدام ، وكذلك اضفاء مسحة وطنية كالطلاء الباهت علي مجمل افعالهم ، والاهم ارسال رسائل تهديد مبطنة او معلنة لكل من يعترض مخطاطاتهم ، مع استخدام ذات الذخيرة من التهم في حقهم ، كالعمالة والتخريب والخيانة والفوضي . كدلالة علي فقر الخيال في استخدام اللغة ، وازدراء وعي المشاهدين ، من قِبل من لا يملك سوي لغة الرصاص واساليب الارهاب في السيطرة علي السلطة . وهذا ليس بمستغرب طالما الانقلاب في الاصل ، هو اعادة تعريف للبديهيات ، بما يخدم اغراض الانقلابيين ، في الكنكشة علي السلطة ، واستباحة موارد البلاد ، واحتكار الامتيازات المجانية للابد.
واما ما يميز البرهان عن غيره من الانقلابيين ، ان الكذب والخداع واستمراء الغدر ، تمثل وسائل للبقاء في سدة السلطة، في حين نجد ان هذه الصفات تشكل جزء من تكوين البرهان ، ومن ثمَّ تتحول هي نفسها الي سلطة امر واقع ، او غاية للسلطة (امتلاك الحق في الكذب والخداع) . خاصة وهو يحاول جاهدا استنساخ شخصه في نموذج البشير ، لافتقاره للشخصية (انتحال شخصية ودور البشير وهذا قمة التزوير) . ولكن مشكلة البرهان انه يحاول ضغط تجربة ثلاثة عقود من دجل وكذب ونفقاق البشير والاسلامويين ، في فترة وجيزة ، ككبسولة يتجرعها في جرعة واحدة ، ليتحول الي بشير جديد تستهويه مخاطبة الحشود ورفع العصا والرقص علي قرع الطبول! ومع تعذر ذلك بسبب ضغوط الثورة ووعي الثوار ، انحسر طموحه في مخاطبة القادة والجنود بلغة التحريض والحقد! والتقاءه مع حميدتي (بمركبات نقصه/ فقدان التاهيل والاهلية) في الاستعانة بنظارات القبائل وقادة الطرق الصوفية ، كبني تقليدية سهلة الشراء والتحشيد من ناحية ، وكمكونات غير ثورية ، تتضرر من عملية التغيير من ناحية ! .
اما المغالطات فهذا ديدن الانقلابات في كل حين و اوان ، منذ لحظة بيان الانقلاب حتي آخر يوم سقوطه، وفي هذا السياق يتحدث البرهان عن اهدار الفرص ومصلحة الوطن ، مع العلم انه اول من غدر بالثورة واجرم في حق الوطن ، منذ ظهوره المخادع في ساحة اعتصام القيادة ، الي لحظة خروجه المرتب مع لقمان علي تلفزيون الجيش . وهو يسعي للاحتيال بكل السبل وممارسة كل الموبقات للبقاء في سدة السلطة، وبما فيها شخصنة خلافاته مع الشركاء المدنيين ، واستخدامه آليات السلطة ضدهم ، واعتقال قادة لجان المقاومة والمعارضين ، وقتل الثوار الابرياء بدم بارد ، رغم فضلهم في وصوله لما هو فيه ! وصولا لتجويع الشعب وحرمانه اساسيات الحياة ! والاسوأ من ذلك رهن سلامة البلاد وامان اهلها للخارج ، مقابل الحصول علي الاعتراف بلا شرعيته.
والحال ، ان البرهان اتيحت له فرصة تاريخية للانحياز الصادق للثورة ، عبر خروج المؤسسة العسكرية من السلطة ، والسعي الجاد لاعادة هيكلة القوات المسلحة، بدمج كل القوات المسلحة غير النظامية داخلها بعد اعادة تاهيلها ، والعمل علي صياغة عقيدتها بما يخدم مدنية الدول وحماية شعبها وصيانة دستورها ومصالحها العليا . اي باختصار فك الارتباط بين المؤسسة العسكرية والسلطة، ورفع وصاية هذه المؤسسة من رقبة الدولة ، والاكتفاء بما سببه هذا التورط من كوارث منذ الاستقلال.
ولكن علي العكس من ذلك ، البرهان ومنذ اعتلائه سدة السلطة ، كان وفي لطبيعة شخصيته المتسلطة وسجله الاجرامي ، ليشرع في ممارسة طقوس الدكتاتورية والتآمر علي الثورة. وقبل ذلك لم يتورع عن الغدر بولي نعمته البشير ، ليزيحه ويحل محله متوسلا مطالب الثورة ، ومستثمرا في تاريخ طويل من استغلال المؤسسة العسكرية ، في اغراء السلطة ، نظير امتيازات لكبار القادة ، يتجاوز عطاءهم وامكاناتهم ومواهبهم.
والمضحك والمبكي في الموضوع ، ان البرهان كامكانات ، هو اقل قامة حتي من لعب دور قائد الانقلاب او الدكتاتور ، لافتقاده مؤهلات القيادة ولو في حدها الادني . اي كقوة شخصية وامتلاك خاصية التاثير في الآخرين ، وهذا ما دعاه للاستعانة بكفاءات من ذات طينته ، في الفقر المعرفي والقدرة علي الاقناع، كمثال ابوهاجة وشلة الضباط المتقاعدين الذين ينتحلون صفة الخبراء الاستراتيجين مثل عبدالباسط (طابونة). والذين يعكسون قبل كل شئ درجة التدهور والفوضي التي وصلتها المؤسسة العسكرية.
اما ما جعل شخصية البرهان الباهتة اشد بهتانا ، هو وجود حميدتي في المشهد القيادي ، وتصرفاته كما يشتهي ، دون اكتراث حتي لوجود البرهان ! . بل غالبا ما يعمل البرهان نفسه علي تاكيد مكانة حميدتي الطاغية !! لدرجة اصبحت طبيعة العلاقة بين الرجلين من الالغاز المحيرة !! ولكن غالبا حميدتي بجهله وسذاجته يميل للظهور الدعائي واستعراض قدراته البدوية ، عكس البرهان الذي يجيد المكر ونسج الدسائس في الظلام.
والحال كذلك ، من كان يتوقع من البرهان غير الكذب والخداع ، تلميعا لذاته وشراءً للوقت ، فهو اقرب للوهم والرهان علي الامنيات الطيبة ! لان نظرة سريعة لتركيبة السلطة الانقلابية (مكون عسكري حركات مسلحة) تظهر اننا حيال سلطة اجرامية كاملة الدسم . وان وجودها في هذا المكان، فقط بسبب سجلها المخزي ، المتضمن جرائم الابادة الجماعية ونهب موارد البلاد والعمالة المفضوحة للخارج . وما عملية القيام بهذا الانقلاب المشؤوم ، في ظل هكذا ظروف انتحارية ، إلا اكبر دليل علي ان هامش الحرية والعمل السياسي الذي اتاحته الفترة الانتقالية، شكل عامل ضغط لا يحتمله عالم الجريمة واساليب البطش والاحتيال الذي يصدر عنه الانقلابيون . اي هنالك بون شاسع بين عالم السياسة الذي يفسح المجال للتنافس الحر والصراع السلمي واللغة المقنعة لكسب الانصار والشفافية في العمل ، وبين مكونات تشكلت في بيئة البطش والاستبداد والجريمة المنظمة، وتاليا لا تسعها إلا سلطة الاجرام ، او الخروج من المشهد ومواجهة تركة الاجرام. وهذا الاختلاف الجذري في التكوين واساليب العمل والمنطلقات والاهداف ، بين الثوار والمكون العسكري ، يشكل مصدر صعوبة لايجاد مخرج آمن للازمة السودانية ، التي اصبحت تتفاقم بطريقة مطردة.
وهذا الوضع المتناقض الموروث تاريخيا ، صعَّب من ايجاد تسوية مُرضية تقود البلاد للانتقال السلس ، لتخرج الوثيقة الدستورية بعد ولادة عثرة ، وتحت رحمة شكوك متعاظمة، وتربص عسكري ينتظر الفرصة للانقضاض علي السلطة. وهو ما لم يتاخر كثيرا مع اقتراب مستحق تسليم السلطة للمدنيين ، وزيادة ضغوط ونشاط لجنة إزالة التمكين وسعيها لنبش عش الدبابير (شركات المكون العسكري وانشطته الاستثمارية). لتقع طامة الانقلاب ، وتعيد البلاد ليس لما قبل الثورة ، ولكن اسوأ من ذلك بكثير ، بسبب هدم جسور الثقة الضعيفة اصلا بين العسكر والمدنيين . وهو ما جعل من اي عملية تسوية جديدة ، بمثابة خيانة لدماء الشهداء او عملية استسلامية غرضها منح غطاء للانقلابيين . اي بصورة عامة ، اسوأ ما عمله الانقلاب هو تشويه صورة التسوية ، كعملية سلمية تعكس النضج السياسي ، ومن ثمَّ كفرصة لتجاوز اخطاء الماضي والانطلاق للامام باكبر اجماع وطني ، واستصحاب اكبر طيف من مؤسسات الدولة (اي كعملية علاجية لمرض الدولة). وبكلام آخر ، الوصول لاهداف الثورة باقل كلفة ، من خلال الوضع في الحسبان هشاشة الدولة ، وتعقيدات القضايا ، وتنافر المكونات الاجتماعية ، ومراعاة مرحلة التطور التاريخية . اي المسألة ليست ذات علاقة بالجبن والخيانة والاصطفاف في جانب العسكر ومصالح المستفيدين من بقاء الاوضاع علي حالها ، بقدر ما هي مرتبطة بقراءة وخيارات مغايرة لانصار التغيير الجذري ، الذين يهونون من امر هذه التحديات ، ويعظمون من دور ادواتهم وضعف الخصوم . وكأننا في مواجهة مجموعة وطنية واعية تضع اعتبار للوطن او للآخر او للقيم الخيرة ، وليس لها مشكلة في التفريط في امتيازاتها مجانا ! . وليس في حضرة ليس مجرمون فقط ، ولكن من تشكل له الجريمة والنهب واستباحة حياة الخصوم، اسلوب حياة.
وعموما التسوية تسمح بالمحافظة علي بعض امتيازات المؤسسة العسكرية علي وجه الخصوص ، علي ان يضمن ذلك عدم اعاقة التحول الديمقراطي والدولة المدنية علي المدي الطويل ، او الي حين اكتمال النضج الديمقراطي والمدني ، بما يكبح جموح الدائرة الخبيثة التي ترعاها المؤسسة العسكرية. ولكن للاسف ما يجعل التسوية نفسها في دائرة غير الممكن آنيا، انه ليس هنالك طرف مؤهل للتسوية في المؤسسة العسكرية ، او اقلاه لم يظهر هذا الطرف حتي الآن ، والذي من اول شروط اهليته عند ظهوره ، التخلص من قادة المكون العسكري ، كعربون ثقة في هذه المؤسسة . اما المعضلة الاخري ، ان المكون المدني نفسه لم يظهر من النضج السياسي ما يناسب تحديات المرحلة . اذ هذا المكون تتنازعه مجموعة ترغب في العودة للجبهة المدنية من غير ان تدفع ثمن اخطاءها. ومكون يسعي للاستفراد بالعمل ، او قد يسمح بمشاركة الآخرين ولكن وفق شروطه وخياراته في العمل. والاسوأ من كل ذلك عدم وجود برنامج وطني واضح الملامح يسمح للجميع بالالتفاف حوله . اي نحن حيال دولة متنازعة واولويات وخيارات اكثر تنازع ، في ظل ظروف لا تسمح بكل هذه التنازعات .
واخيرا
يبدو ان المستفيد الاول من هذا اللقاء ، هو السيد لقمان ، الذي يبدو انه وطد علاقته مع قائد الانقلاب ، عبر هذه الخدمة الاعلامية ، بما يضمن له بقاءه في منصبه دون مضايقات او منافسة ! والحال هذه ، ما الفارق بين البرهان ولقمان واستراتيجي زمن الغفلة؟ ولذلك هذه النماذج الرخوة من المدنيين الذين يتهافتون علي المناصب والامتيازات من غير اسس او مستحقات ، هم من يشوش علي قيمة المدنية ، واحترام المدنيين ، بما يصب في صالح جهالة وغرور العسكر وزيادة عنادهم وكنكشتهم في كافة السلطات؟ بالمناسبة يا سعاتو الملازم اول لقمان اخبار العميد المسؤول من ادارة التلفزيون شنو؟ ودمتم في رعاية الله.
واما ما يميز البرهان عن غيره من الانقلابيين ، ان الكذب والخداع واستمراء الغدر ، تمثل وسائل للبقاء في سدة السلطة، في حين نجد ان هذه الصفات تشكل جزء من تكوين البرهان ، ومن ثمَّ تتحول هي نفسها الي سلطة امر واقع ، او غاية للسلطة (امتلاك الحق في الكذب والخداع) . خاصة وهو يحاول جاهدا استنساخ شخصه في نموذج البشير ، لافتقاره للشخصية (انتحال شخصية ودور البشير وهذا قمة التزوير) . ولكن مشكلة البرهان انه يحاول ضغط تجربة ثلاثة عقود من دجل وكذب ونفقاق البشير والاسلامويين ، في فترة وجيزة ، ككبسولة يتجرعها في جرعة واحدة ، ليتحول الي بشير جديد تستهويه مخاطبة الحشود ورفع العصا والرقص علي قرع الطبول! ومع تعذر ذلك بسبب ضغوط الثورة ووعي الثوار ، انحسر طموحه في مخاطبة القادة والجنود بلغة التحريض والحقد! والتقاءه مع حميدتي (بمركبات نقصه/ فقدان التاهيل والاهلية) في الاستعانة بنظارات القبائل وقادة الطرق الصوفية ، كبني تقليدية سهلة الشراء والتحشيد من ناحية ، وكمكونات غير ثورية ، تتضرر من عملية التغيير من ناحية ! .
اما المغالطات فهذا ديدن الانقلابات في كل حين و اوان ، منذ لحظة بيان الانقلاب حتي آخر يوم سقوطه، وفي هذا السياق يتحدث البرهان عن اهدار الفرص ومصلحة الوطن ، مع العلم انه اول من غدر بالثورة واجرم في حق الوطن ، منذ ظهوره المخادع في ساحة اعتصام القيادة ، الي لحظة خروجه المرتب مع لقمان علي تلفزيون الجيش . وهو يسعي للاحتيال بكل السبل وممارسة كل الموبقات للبقاء في سدة السلطة، وبما فيها شخصنة خلافاته مع الشركاء المدنيين ، واستخدامه آليات السلطة ضدهم ، واعتقال قادة لجان المقاومة والمعارضين ، وقتل الثوار الابرياء بدم بارد ، رغم فضلهم في وصوله لما هو فيه ! وصولا لتجويع الشعب وحرمانه اساسيات الحياة ! والاسوأ من ذلك رهن سلامة البلاد وامان اهلها للخارج ، مقابل الحصول علي الاعتراف بلا شرعيته.
والحال ، ان البرهان اتيحت له فرصة تاريخية للانحياز الصادق للثورة ، عبر خروج المؤسسة العسكرية من السلطة ، والسعي الجاد لاعادة هيكلة القوات المسلحة، بدمج كل القوات المسلحة غير النظامية داخلها بعد اعادة تاهيلها ، والعمل علي صياغة عقيدتها بما يخدم مدنية الدول وحماية شعبها وصيانة دستورها ومصالحها العليا . اي باختصار فك الارتباط بين المؤسسة العسكرية والسلطة، ورفع وصاية هذه المؤسسة من رقبة الدولة ، والاكتفاء بما سببه هذا التورط من كوارث منذ الاستقلال.
ولكن علي العكس من ذلك ، البرهان ومنذ اعتلائه سدة السلطة ، كان وفي لطبيعة شخصيته المتسلطة وسجله الاجرامي ، ليشرع في ممارسة طقوس الدكتاتورية والتآمر علي الثورة. وقبل ذلك لم يتورع عن الغدر بولي نعمته البشير ، ليزيحه ويحل محله متوسلا مطالب الثورة ، ومستثمرا في تاريخ طويل من استغلال المؤسسة العسكرية ، في اغراء السلطة ، نظير امتيازات لكبار القادة ، يتجاوز عطاءهم وامكاناتهم ومواهبهم.
والمضحك والمبكي في الموضوع ، ان البرهان كامكانات ، هو اقل قامة حتي من لعب دور قائد الانقلاب او الدكتاتور ، لافتقاده مؤهلات القيادة ولو في حدها الادني . اي كقوة شخصية وامتلاك خاصية التاثير في الآخرين ، وهذا ما دعاه للاستعانة بكفاءات من ذات طينته ، في الفقر المعرفي والقدرة علي الاقناع، كمثال ابوهاجة وشلة الضباط المتقاعدين الذين ينتحلون صفة الخبراء الاستراتيجين مثل عبدالباسط (طابونة). والذين يعكسون قبل كل شئ درجة التدهور والفوضي التي وصلتها المؤسسة العسكرية.
اما ما جعل شخصية البرهان الباهتة اشد بهتانا ، هو وجود حميدتي في المشهد القيادي ، وتصرفاته كما يشتهي ، دون اكتراث حتي لوجود البرهان ! . بل غالبا ما يعمل البرهان نفسه علي تاكيد مكانة حميدتي الطاغية !! لدرجة اصبحت طبيعة العلاقة بين الرجلين من الالغاز المحيرة !! ولكن غالبا حميدتي بجهله وسذاجته يميل للظهور الدعائي واستعراض قدراته البدوية ، عكس البرهان الذي يجيد المكر ونسج الدسائس في الظلام.
والحال كذلك ، من كان يتوقع من البرهان غير الكذب والخداع ، تلميعا لذاته وشراءً للوقت ، فهو اقرب للوهم والرهان علي الامنيات الطيبة ! لان نظرة سريعة لتركيبة السلطة الانقلابية (مكون عسكري حركات مسلحة) تظهر اننا حيال سلطة اجرامية كاملة الدسم . وان وجودها في هذا المكان، فقط بسبب سجلها المخزي ، المتضمن جرائم الابادة الجماعية ونهب موارد البلاد والعمالة المفضوحة للخارج . وما عملية القيام بهذا الانقلاب المشؤوم ، في ظل هكذا ظروف انتحارية ، إلا اكبر دليل علي ان هامش الحرية والعمل السياسي الذي اتاحته الفترة الانتقالية، شكل عامل ضغط لا يحتمله عالم الجريمة واساليب البطش والاحتيال الذي يصدر عنه الانقلابيون . اي هنالك بون شاسع بين عالم السياسة الذي يفسح المجال للتنافس الحر والصراع السلمي واللغة المقنعة لكسب الانصار والشفافية في العمل ، وبين مكونات تشكلت في بيئة البطش والاستبداد والجريمة المنظمة، وتاليا لا تسعها إلا سلطة الاجرام ، او الخروج من المشهد ومواجهة تركة الاجرام. وهذا الاختلاف الجذري في التكوين واساليب العمل والمنطلقات والاهداف ، بين الثوار والمكون العسكري ، يشكل مصدر صعوبة لايجاد مخرج آمن للازمة السودانية ، التي اصبحت تتفاقم بطريقة مطردة.
وهذا الوضع المتناقض الموروث تاريخيا ، صعَّب من ايجاد تسوية مُرضية تقود البلاد للانتقال السلس ، لتخرج الوثيقة الدستورية بعد ولادة عثرة ، وتحت رحمة شكوك متعاظمة، وتربص عسكري ينتظر الفرصة للانقضاض علي السلطة. وهو ما لم يتاخر كثيرا مع اقتراب مستحق تسليم السلطة للمدنيين ، وزيادة ضغوط ونشاط لجنة إزالة التمكين وسعيها لنبش عش الدبابير (شركات المكون العسكري وانشطته الاستثمارية). لتقع طامة الانقلاب ، وتعيد البلاد ليس لما قبل الثورة ، ولكن اسوأ من ذلك بكثير ، بسبب هدم جسور الثقة الضعيفة اصلا بين العسكر والمدنيين . وهو ما جعل من اي عملية تسوية جديدة ، بمثابة خيانة لدماء الشهداء او عملية استسلامية غرضها منح غطاء للانقلابيين . اي بصورة عامة ، اسوأ ما عمله الانقلاب هو تشويه صورة التسوية ، كعملية سلمية تعكس النضج السياسي ، ومن ثمَّ كفرصة لتجاوز اخطاء الماضي والانطلاق للامام باكبر اجماع وطني ، واستصحاب اكبر طيف من مؤسسات الدولة (اي كعملية علاجية لمرض الدولة). وبكلام آخر ، الوصول لاهداف الثورة باقل كلفة ، من خلال الوضع في الحسبان هشاشة الدولة ، وتعقيدات القضايا ، وتنافر المكونات الاجتماعية ، ومراعاة مرحلة التطور التاريخية . اي المسألة ليست ذات علاقة بالجبن والخيانة والاصطفاف في جانب العسكر ومصالح المستفيدين من بقاء الاوضاع علي حالها ، بقدر ما هي مرتبطة بقراءة وخيارات مغايرة لانصار التغيير الجذري ، الذين يهونون من امر هذه التحديات ، ويعظمون من دور ادواتهم وضعف الخصوم . وكأننا في مواجهة مجموعة وطنية واعية تضع اعتبار للوطن او للآخر او للقيم الخيرة ، وليس لها مشكلة في التفريط في امتيازاتها مجانا ! . وليس في حضرة ليس مجرمون فقط ، ولكن من تشكل له الجريمة والنهب واستباحة حياة الخصوم، اسلوب حياة.
وعموما التسوية تسمح بالمحافظة علي بعض امتيازات المؤسسة العسكرية علي وجه الخصوص ، علي ان يضمن ذلك عدم اعاقة التحول الديمقراطي والدولة المدنية علي المدي الطويل ، او الي حين اكتمال النضج الديمقراطي والمدني ، بما يكبح جموح الدائرة الخبيثة التي ترعاها المؤسسة العسكرية. ولكن للاسف ما يجعل التسوية نفسها في دائرة غير الممكن آنيا، انه ليس هنالك طرف مؤهل للتسوية في المؤسسة العسكرية ، او اقلاه لم يظهر هذا الطرف حتي الآن ، والذي من اول شروط اهليته عند ظهوره ، التخلص من قادة المكون العسكري ، كعربون ثقة في هذه المؤسسة . اما المعضلة الاخري ، ان المكون المدني نفسه لم يظهر من النضج السياسي ما يناسب تحديات المرحلة . اذ هذا المكون تتنازعه مجموعة ترغب في العودة للجبهة المدنية من غير ان تدفع ثمن اخطاءها. ومكون يسعي للاستفراد بالعمل ، او قد يسمح بمشاركة الآخرين ولكن وفق شروطه وخياراته في العمل. والاسوأ من كل ذلك عدم وجود برنامج وطني واضح الملامح يسمح للجميع بالالتفاف حوله . اي نحن حيال دولة متنازعة واولويات وخيارات اكثر تنازع ، في ظل ظروف لا تسمح بكل هذه التنازعات .
واخيرا
يبدو ان المستفيد الاول من هذا اللقاء ، هو السيد لقمان ، الذي يبدو انه وطد علاقته مع قائد الانقلاب ، عبر هذه الخدمة الاعلامية ، بما يضمن له بقاءه في منصبه دون مضايقات او منافسة ! والحال هذه ، ما الفارق بين البرهان ولقمان واستراتيجي زمن الغفلة؟ ولذلك هذه النماذج الرخوة من المدنيين الذين يتهافتون علي المناصب والامتيازات من غير اسس او مستحقات ، هم من يشوش علي قيمة المدنية ، واحترام المدنيين ، بما يصب في صالح جهالة وغرور العسكر وزيادة عنادهم وكنكشتهم في كافة السلطات؟ بالمناسبة يا سعاتو الملازم اول لقمان اخبار العميد المسؤول من ادارة التلفزيون شنو؟ ودمتم في رعاية الله.
فى السودان الذى نعرفه .
يصفون الشخص الذى لا يُرْجَى مِنْهُ ،
ولا فائدة فيه ،
يصفونه بأنه : مَمْحُوقْ .
وهذا الوصف ينطبق على الأرعن الكذاب
الخائن عبد الفتاح البرهان .
فهو ممحوق حتى الثماله ،
كما ظهر فى مقابلته التلفزيونية الأخيره .
ويكفيه من التحقير أن يكون فَرْدَةْ المجرم
الجنجويدى الجاهل حميدتى بن دقلو .
الذى لا يُرجى للسودان منه غير التخلف والخراب .