تقعد بس – تسقط بس..!!

لؤي الصادق
بعد احداث 19 ديسمبر الماضي وانتفاضة عطبرة انقسم الشعب الى مجموعتين (تسقط بس وتقعد بس)، كل من الطرفين يدعي انه الاكثر شعبية وقوة وسند.
ولا شك ان انتفاضة هذا العام هي الاقوى والاعنف والاوسع انتشارا منذ مجي الانقاذ في 89، وقد تكون ثورة سبتمبر 2015 اعنف لكنها لم تستمر طويلا فسريع ما تعاملت معها الحكومة بعنف وبطش شديدين.
وقبل انتفاضة 19 ديسمبر فقبل عام كانت هنالك ثورة شعبية تمثلت في اعتصامات واحتجاجات متفرقه حققت بعض النجاح النسبي ، وكانت تجربة مفيدة وارث للحراك الموجود الان.
صحيح ان مقومات الانتفاضة والثورة الان كانت اكثر توفرا وواقعية ، في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة التي عصفت بالوطن والمواطن (وقود – قروش – خبز ) وعجز الحكومة عن ايجاد حلول لهذه المشكلات . وفوق ذلك موت ما يسمى الحوار الوطني وعدم تحقيقه لأي هدف قام من اجله بل انه زاد من اعباء الدولة وعمل على تشوية اكثر للحكم بافتقاره لكوادر قادره على التخطيط وصنع افكار تخرج بالبلاد من ازماته.
وفوق ذلك اصرار المؤتمر الوطني على اغتيال الدستور عبر اعضائه في البرلمان بإعادة ترشيح البشير لدورة جديدة.
تسقط بس
يرى اصحاب هذا الراي والمطلب ان حكومة البشير قد استنفدت اسباب بقائها وانها فشلت بدرجة امتياز في ادارة البلاد في كل النواحي (السياسية – الاجتماعية – الاقتصادية – الديمقراطية – الحريات – الدستور – وحتى الدين شعارهم الذي اتوا به الى الحكم .
وقد يقول قائل ان الانتفاضة قامت من اجل الخبز والوقود والنقود ولكن ما سبب هذه الازمات انه فشل الحكومة في ادارة الدولة وافتقارها لكوادر قادرة على قيادة الدولة والفساد الذي عم كل اركانها ، وعليه ان علاج الازمة يكون في ذهاب من تسبب فيها ، وان ازمة الخبز والوقود والنقود هو جزء من ازمة كبيرة يعيشها الوطن في كل مفاصله وان (الحل في الحل ) أي ان حل مشكلة الوطن في حل ورحيل هذه الحكومة من اعلى راسها.
وقد نجح اصحاب هذا الراي في كسب شعبية كبيرة بين عامة الشعب وقد لعب تجمع المهنيين دور كبير في هذا النجاح بالتخطيط الجيد والتعامل مع كل مرحلة بتكتيك مختلف . واستفادت من السرية التي صاحبة الذين يقومون بقيادة هذا العمل حتى لا يتم اغتيالهم اعلاميا من الاجهزة الامنية او شل حركتهم وان كانت الاجهزة الامنية قد باعتقال الكثير منهم.
تقعد بس
وانصار هذا التيار هم عضوية المؤتمر الوطني والاحزاب المشاركة وبعض من الاسلاميين وان كانوا ليس في الحكومة ولكن يخشون من ذهاب النظام واستبداله بنظام يعادي الاسلاميين وينهي فرضية عودة الاسلام السياسي مرة اخرى لحكم البلاد (الاخوان المسلمون – الحركة الاسلامية – المؤتمر الشعبي – السائحون – انصار السنة) وزيادة على ذلك المنتفعين من بقاء النظام وهم فئة ليست قليله من التجار واصحاب النفوذ. وان ذهاب هذا النظام سوف يعرضهم الى السؤال الصعب (من اين لك هذا)؟؟
لمن الغلبة إذاً؟
الغلبة سوف تكون لمن يستطيع ان يدير المباراة جيدا ويملك العناصر الفعالة ، وصاحب النفس الاطول، فما هي اذا العناصر التي يملكها كل من المجموعتين؟
مجموعة (تسقط بس): تراهن على القوة الناعمة وهي اغلبية الشعب التي وصلت لقناعة لابد من التغيير بغض النظر عن الذي يخلف حكومة البشير.
وبنفس زهد هذه القوة في بقاء البشير الا انها لا تريد ان تستولى الاحزاب القديمة مثل (الامة والاتحادي ) على السلطة وتكون هي البديل لحكم المؤتمر الوطني وقد برز هذا الراي ابان انسحاب 22 حزب من حكومة الحوار حيث رفضت هذه المجموعة قيام المنسحبين بالاستيلاء على الثورة ، حيث انها تدرك جيدا ان تبني هذه الاحزاب لهذه الانتفاضة سوف يكون سبب اساسي في قتلها لعدم تقبل الشعب لهؤلاء.
وربما تكون هذه النقطة هي سبب رئيسي للخلاف بين قيادات الحراك الشعبي بادعاء كل حزب بانه الاب الشرعي لهذه الانتفاضة.
مجموعة (تقعد بس):وهي التي تملك القوة الصلبة (المال والاعلام والاجهزة الامنية بكل فئاتها جيش –شرطة – امن – وقوات ظل)، والناظر الى تحركات الحكومة يجد انها تبحث عن القوة الناعمة (الشعب) من خلال الزيارات التي يقوم بها الرئيس عمر البشير (الجزيرة – عطبرة – نيالا) وفي السكة مدن وولايات اخرى ليستعيد البشير بعض من اراضيه المفقودة . وان كانت هذه الزيارات لم تأت اكلها بعد . فالبشير والاجماع الذي كان حوله هو اخر ورقه سقطت من شجرة المؤتمر الوطني.
1/ المال:
الناظر الى قوة المال التي يمتلكها المؤتمر الوطني لم تكن قوة في صالحه بل كانت خصما عليه من خلال الفساد الذي ظل يطارد الحكومة واسهم بصورة كبيرة في خلق ازمة كاش وافلاس للبنوك ، وحينما احتاجت الحكومة لهذا المال من عضويتها لم تجده فقد بخلوا عليها به.
2/ الاعلام:
الناظر للمعركة الاعلامية يجد ان الاعلام الحكومي والموالي للحزب الحاكم قد خسر المعركة الاعلامية بالضربة القاضية من حيث الفاعلية والانتشار والسرعة والقوة التي يتمتع بها اعلام مجموعة تسقط بس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي (تويتر والفيس بوك والواتساب ) متفوقاً على الكتائب الالكترونية (الجداد الالكتروني ) والاعلام الرسمي من قنوات واذاعة ، بل ان القنوات والاعلام الرسمي فقدت كثير من متابعيها خلال فترة الحراك الثوري هذه وفقدت رموز اعلامية مكانتها (الطاهر حسن التوم ) كمثال ، بل ان المعركة قد بينت ان الحكومة تفتقر الى كوادر اعلامية قادرة على اقناع الشعب او حتى المجتمع الخارجي من خلال القنوات الخارجية التي يتم فيها استضافة ممثلين عن الحكومة . وقد عملت الحكومة على ابطال مفعول مواقع التواصل من خلال قطع الانترنت ، ولكن وجود عدد كبير من الناشطين خارج البلاد حول العالم لعب دور كبير في ايصال الرسالة الاعلامية وعكس ذلك الحراك.
3/ الأجهزة الأمنية:
وهو المرتكز الاساسي الذي تعتمد عليه الحكومة في مجابهة هذا الحراك من خلال استخدام القوة المفرطة (الرصاص الحي ) او الغاز المسيل للدموع او عن طريق الاعتقالات للكوادر الفاعلة داخل هذا الحراك.
والعنصر الامني او الحل الامني جعلته الحكومة هو الاساس في معالجة قضايا الوطن فبعد اول يوم للثورة اجتمع البشير بجهاز الامن والقوات المسلحة ثم زار قيادة الشرطة ببري . والمتابع لتصريحات المسؤولين يجدها كلها تتجه نحو الحل الامني وتخويف المتظاهرين (علي عثمان – الفاتح عز الدين – يونس محمود ) في وقت كانت فيه الحاجة الى حل سياسي ، ولان الحكومة شاطره مع قوى المعارضة في الجانب الامني فان اغلب تصريحات الحكومة تهدف بها الى قيادة هذا الحراك الى معركة تستخدم فيها الحكومة قوتها العسكرية.
وان فطنت قوى الحراك الى ذلك وجعلت شعارها في اغلب التظاهرات (سلمية سلمية ) ، ولكن الحكومة لن ترضى بذلك وسوف تعمل على خلق الفوضى في الفترة القادمة حتى تجد مبرر لاستخدام القوة.
والملاحظ ان اغلب الثورات التي نجحت وقف فيها الجيش في صف الشعب او انه وقف على حياد (ثورة اكتوبر وثورة ابريل )ولكن المتابع للوضع في السودان الان يجد ان الجيش منحاز الى الحكومة.
فمتى انحاز الجيش الى الشعب سقطت حكومة البشير.. القوى الدولية وموقعها من الاحداث ….
الرئيس البشير في خطاباته حرص على شكر بعض البلدان مثل (قطر – مصر – الامارات – تشاد – تركيا – اثيوبيا – جنوب السودان ) اضافة الى تحركات الاتحاد الاوربي لدعم حكومة البشير .
والملاحظ ان الدعم للبشير جاء من قوى متخاصمة مع بعضها البعض ، والدعم هذا ليس بالضرورة هو رضاء عن البشير ونظام الحكم القائم بل هو بسبب الابقاء على المصالح القومية لتلك الدول ببقاء البشير في ظل انعدام الرؤى لتلك الدول حول ماهية الحاكم القادم ، في ظل السرية التي تحيط بقيادة الحراك الثوري هذا . وسعي تلك الدول لضمان ان القادم يحفظ لها مصالحها القومية في السودان.
ولذلك ربما تشهد الفترة القادمة حراك لتلك الدولة مع حكومة البشير لغياب البشير من المشهد بصورة تضمن لهم مصالحهم ومعرفة من هو القادم ، وفتح ممر امن لخروج البشير من المشهد السياسي . في ظل رفض الحراك الشعبي والثوري للبشير وحكومته وسقوطه معنويا في اعين الشعب . وعدم قدرته على تحقيق الفوز في انتخابات 2020 .
إذاً السودان إلى أين؟؟؟
إذا لم تقدر القوى الدولية في اقناع البشير بالانسحاب وتكوين حكومة انتقالية لفترة محددة فان البلاد سوف تشهد تصعيد كبير من الجانبيين (الحكومة والثوار ) ويزداد اذا تدخلت الحركات المسلحة في المشهد وعادت الى حشد قواتها لمواجهة مسلحة.
دعوة البشير للقاء قادة الحراك خطوة في طريق ايجاد مخرج ولكن قادة الحراك على يقين بان ذلك مجرد مراوغة من الحكومة وان الحكومة لا تفي بوعودها اصلا.
أما البشير وبعد ان فقد شرعيته وشعبيته وسط الشعب ففي كل الاحوال فان 2019 هي اخر عهد للبشير برئاسة حكومة السودان ولن يكون في مشهد 2020.
شترة
بريدك يا بلد
ما اصلو ريدك قبلي اتولد
من كنت مضغة بلا لحم
كنت ريدك شايله هم
فيني باقي وما شرد
بريدك يا بلد
الدنيا دي قبال اجيها
رضعت نيلاً بجري فيها
وما انفطمت للابد
بريدك يا بلد