الوقت ليس للرد على الطاهر حسن التوم ولكن ..!!

ماهر أبو جوح
تجنبت طيلة الفترة الماضية التعليق على ما يذكره الإعلامي الطاهر حسن التوم في برنامج (حال البلد) على قناة سودانية 24 (S24) منذ إندلاع الحراك الشعبي في ديسمبر 2018م ،لإبعاد الصبغة الشخصية على هذا التعليق لخلافاتي المسبقة معه في ما يتصل بمنهجه الإداري العقيم الذي إتبعه ويتبعه في إدارته للقناة حيث بلغ هذا المنهج المعطوب ذروته خلال الأيام الماضية بحصده بوتثيرة متسارعة غضب قطاعات واسعة بسبب تغطيته وتعاطيه مع ذلك الحراك.
لكن الرجل أجبرني على التعليق عليه مرة واحدة طيلة تلك الفترة حينما مارس (الخم) لتبرير (جلطة) على عثمان محمد طه في مقابلته التي أجراها معه مساء الثلاثاء 8 يناير الماضي ببثه لمقطع فيديو لتلك المقابلة حذف منه عمداً (4) ثواني لنفي تلويح على عثمان بإستخدام الكتائب في مواجهة المتظاهرين، وشرحت هذا الأمر بشكل مفصل في بوست منشور على صفحتي.
شهدت الرجل يطل عبر برنامج (حال البلد) مساء يوم أمس الأربعاء 16 يناير 2018م متحدثاً لما يقارب ربع الزمن المخصص للحلقة للتعليق على الحملة التي تستهدف القناة وبرنامجه وشخصه، وكان يعني في ذلك بشكل غير مباشر الحملة التي إنطلقت قبل يوم الداعية لإلغاء اللايكات والمتابعات لصفحات القناة بمواقع التواصل الإجتماعي واليوتيوب والبلاغات التي ترتب عليها إغلاق مؤقت لصفحة القناة بالفيس بوك.
في تقديري أن بواعث إنزعاجه من الحملة الأخيرة التي إنطلقت في الساعات الـ(24) الأخيرة رغم أنها تأتي إستكمالاً لحملة غاضبة متزايدة في الأسافير على شخصه منذ نشره تعليق لصورة أداء البشير للعزاء في طالبات نهر النيل اللائي إختارهن الله تعالي لجواره العام الماضي غرقاً بعد إنقلاب مركبهم في النهر، بسبب ملامستها لـ(عصب حى) متصل الدولارية للقناة التي تجنيها من موقع (اليوتيوب) ثم إنتقالها لممارسة ضغوط على الشركات المعلنة عموماً ولشريكه الأكبر بالقناة السيد/ وجدى ميرغني بشكل مباشر الذي وجد نفسه في آتون حملة رفض غير مسبوقة في تاريخه نتيجة لسلوك ومواقف شريكه بالقناة ومديرها العام وبرنامجه لينطبق على وجدي جراء هذه المصيبة التي حاقت به المقولة الشعبية (البربى المحن لابد يلولى صغارن).
سبق أن إستوقفني في حلقة البرنامج التي بثت مساء يوم الأربعاء 2 يناير 2019م بث إقتباس من إفادة نائب رئيس حركة الإصلاح الآن حسن رزق خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته أحزاب الجبهة الوطنية للتغيير في اليوم السابق أشار فيه للإتهامات الموجهة لهم بالمشاركة في الحكومة حيث عدد في تلك الإفادة التي تم بثها في الحلقة لجهات سبق لها المشاركة في الحكومة، بعدها شرع الطاهر للإستدلال بهذا الحديث لتأكيد وجود عدم ثقة ما بين المعارضة والأحزاب الخارجة من الحكومة وعدم ترحيب المعارضين بالمنضمين لصفوفها.
أصابتني الدهشة لكوني من الصحفيين الذين حضروا ذلك المؤتمر الصحفي ونشرت تلخيصاً له بصفحتي على الفيس بوك، فتعليق رزق الذي إستند عليه مقدم البرنامج تم بتره من بقية الجزء المكمل له والذي أشار فيه رزق إلي أن القضية الأساسية باتت إسقاط النظام بدلاً من نبش الماضي وأعلن أنه بعد تحقيق هذا الهدف فهو على إستعداد ليكون أول المقدمين للمحاسبة والعقاب بالقانون إذا ما كان مذنباً في نهب أموال أو سرقة.
الغريب أنه في ذات يوم الحلقة صدرت خمس مواقف من أطراف رئيسية بالمعارضة أعلنت ترحيبها بخروج مجموعة الجبهة الوطنية للتغيير وعدم الممانعة في التعاون والتنسيق معها في ما يتصل بالخلاص من النظام مع عدم إعفال أو إسقاط التجاوزات. وعلى رأس تلك البيانات الصادرة عن (الامين العام لنداء السودان مني أركو مناوي، الامانة العامة لحزب الأمة القومي، حزب التحالف الوطني السوداني) وما ذكره السكرتير السياسي للحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب في المؤتمر الصحفي الذي عقده نهار ذات اليوم بالمركز العام لحزبه بجانب بيان صادر مساء ذلك اليوم عن القوي الموقعة على ميثاق التغيير والحرية، وهي مواقف في مجملها تشيير لحدوث تطورات عكس ما أورده مقدم البرنامج وخلاصته التي إنتهي إليها في تعليقه ذلك.
يقيني أن الرجل لم يغفل تلك الحيثيات والتطورات جهلاً نظراً لطريقة عمل فريق البرنامج الذي صممته ووضعته ونفذته ثم سلمته بعد إستقالتي من القناة لمن تولوا الأمر من بعدي والذين يتمتعوا بقدرات عالية في المتابعة، حيث يقوم هذا النظام على ربط المقدم بأخر المستجدات خلال زمن البرنامج، وبالتالي فإن تلك الخلاصات حول هذه القضية التي توصل لها مقدم البرنامج لم تكن لـ(غياب وقائع) وإنما تعبيراً عن مسعي يهدف لـ(التغبيش) المتعمد.
شهدت الفقرة المخصصة لنقاش القضية الرئيسية في ذات الحلقة التي خصصت لمناقشة تداعيات مذكرة الجبهة الوطنية للتغيير المطالبة بتنحي البشير وتكوين مؤسسات إنتقالية أمر لافت للإنتباه بإستضافة وزير العمل بحر إدريس أبوقرده ورئيس لجنة الإعلام المهندس الطيب مصطفي واللذين يمثلان وجهة نظر واحدة وهو ما جعل هذه الحلقة منحازة مع سبق الإصرار والترصد لمصلحة وجهة نظر واحدة.
لكن دعونا نعود لما جاء في حلقة الأربعاء 16 يناير 2019م فقد ذكر الرجل ضمن حديثه بأنه يتعاطف مع الحراك والثوار ولكنه قلق على مستقبل البلاد ، وأنه راغب وحريص على التغيير وقدم رؤيته الخاصة للتغيير بأنها عن طريق صناديق الإقتراع.. (يا راااجل!!) .. ومصدر الإندهاش إلي أن رؤيتك هذه تقفز على بعض وقائع المشهد وتغفل حيثيات تجربة أحزاب الحوار مع المؤتمر الوطني عند مناقشة قانون الإنتخابات الذي فرض فيه الوطني (بالضراع والأغلبية) شروط ومسار الإنتخابات قبل أن تبدأ ثم إختار رئيس وأعضاء المفوضية ليضييف مقترح بتعديل الدستور، وهي العوامل التي غابت أو غيبت من الصورة الكاملة التي يقول المقدم بأنه يقدمها للمشاهد كاملة !!
في تقديري أن النقطة الأهم خلال هذه الحلقة إفصحاح مقدم البرنامج عن رؤيته للتغيير المنشود الذي يسعي له والتي تتلخص في أن الآلية الوحيدة تتم عن طريق صناديق الإنتخابات. عند التحديق في هذه الرؤية نجدها تتسق وتتوافق مع رؤية المساندين لرؤية الحزب الحاكم ومسانديه بـ(الكربون)، وبشكل إجمالي فإن تعبيره عن وجهة نظره علناً هو أمر لا غبار عليه إلا أن المعضلة الأساسية بالنسبة لي تتمثل في تعمده التلاعب بالوقائع للوصول لنتائج تتطابق مع رؤيته.
ما جعلني أحس بـ(القنبور) يخرج من رأسي حقيقة، حينما طفق الرجل يتحدث ويتلاعب بشعار (حرية وسلام وعدالة) ويفصله ليتوافق مع موقفه معتبراً أن الحرية تعني أن يقبلوا كلامهم أما السلام فعدم التعامل مع الرأي المختلف بعنف والعدالة أن لا يقوله ما لم يذكره كذباً ..!! أراني بحاجة للتكرار مرة أخرى (يا راااااجل !!) لأن ملخص الشعار عند تنزيله للمؤسسات الإعلامية وعملها في مثل هذه الظروف يصلح ليكون إطار عام وفلسفة لأداء وممارسة العمل الإعلامي.
فالحرية تعني توفير الحد الأدني –مع مراعاة الظروف الحالية التي تعيشها الأجهزة الإعلامية – من المعلومات والحقائق دون تشويه وبالعدم عدم تقديمها بشكل مشوه متعمد، مع عدم ممارسة الضغوط على العاملين في الإعلام لتبني مواقف مخالفة لقناعتهم أو حرمانهم من التعبير. هنا يمكننا السؤال هل إلتزام الرجل بهذا الأمر ؟! الإجابة ببساطة (لا) فلديك واقعة مثبتة بفصل الزميل يوسف الجلال لأنه يقوم بالإدلاء بتعليقات في قنوات خارجية حول الأوضاع السياسية بالبلاد وهذا يجعلك عملياً خارج حدود أي مسؤولية، ورغم ذلك فقد أصدرت قرار بفصله !! وطبعاً في هذا السياق ستنكر عقدك إجتماعاً مع بعض العاملين بالقناة وتهديدك المباشر لهم بالفصل لكل من سيكتب مسانداً للحراك الشعبي حتى لا يتسببوا لك في إغلاق القناة، وطبعاً عجزت عن الإقدام على هذه الخطوة لأنك إكتشفت أن ضمائرهم وأخلاقهم ليست معروضة للبيع أو المساومة أو المقايضة .. بأمانة لو كنت في مكانك لإفتخرت ولرفعت رأسي لعنان السماء لأن العاملين معي من الشباب والشابات لن ينعزلوا من وطنهم وشعبهم حينما تأتي الأوقات المفصلية في تاريخهم ولا يصابوا بالخرس أو تعمى أبصارهم فيدلون بدلوهم بغض النظر عن الإتفاق مع موقفهم أو الإختلاف معه.
أما (السلام) ففي الظرف الراهن فهو رفض الصمت تجاه أي عنف مادي تجاه المواطنين السلمين وإنتهاك خصوصيتهم ومقتلهم وإصابتهم بالرصاص وفض تجمعاتهم السلمية بالقوة المفرطة وإعتقالهم وجنوح السلطات لتييد حرية الإعلام وتدول المعلومات في ما يتصل مصادرة الصحف بغرض التأثير على التغطية الصحفية وحجب مواقع التواصل الإجتماعي ومنع الكاميرات من تصوير التظاهرات. في ذات الوقت فإنه ابان ظروف الرقابة الشديدة التي يستعصي الإيفاء بهذا المعيار فيتم الإلتزام بعدم بث أي مواد دعائية تهدف لتجريم وإدانة الضحية. لست بحاجة لتصحيح كراسة أدائك في ما يتصل هذا الأمر فأنت الأعلم بالنتيجة التي ستنالها بالرسوب أو النجاح وكما يقال (الزول بيعرف ذنبوا) !!
نأتي لـ(العدالة) والتي تعني في أبسط صورها إتاحة الفرص المتساوية للأراء المختلفة للتعبير وفي الحد الأدني منح الراي الأخر فرصة للتعبير عن نفسه. صحيح أن البرنامج أتاح هذا الأمر بشكل متناقص لكنه وصل مرحلة إستضافة ضيوف يعبرون ويتفقون في الموقف حيث يقوم الضيوف والمقدم بمحاكمة طرف مغييب عمداً، وهو ما جعل الشكل العام لحلقات البرنامج تبدو غير متزنة ومنحازة لطرف محدد على حساب طرف أخر، وما فاقم هذا الشعور هو ما يرد في تعليق مقدم البرنامج في مستهل الحلقة الذي يعد ذروة سنام الإنحياز.
على المستوي التجريبي لذات الحلقة نجد أن الرجل تناول مع ضيفه عبر الهاتف الاستاذ النور أحمد النور رئيس تحرير صحيفة (الإنتباهة) دلالات مواكب تجمع المهنيين نهار الخميس 17 يناير واستدل بأن هذا العدد الكبير للمواكب يأتي للتغطية على فشل موكب الاحد في الاستيلاء على ميدان الرابطة بشمبات !! (يا راااجل) ومن أخبرك أن موكب الأحد كان يسعي (لتحرير) ميدان الرابطة بشمبات الذي تمركزت بمحيطها أكثر من 50 عربة بخلاف قوتها الإحتياطية بقسم شرطة الصافية ؟! وما هو معيار الفشل فإذا كان بالوصول لنقطتهم الأخيرة فهذا ما حدث أما بمعيار الإستمرارية فقد إستمر الكر والفر حتى التاسعة مساء في شمبات ومواقع أخرى. أما الحدث الأخير ضمن سلسلة الأحداث فكان موكب كسلا الذي تم نهار ذات يوم بث الحلقة والجميع يعلم لماذا غض الرجل الطرف عن أي إشارة إليه في تلك الحلقنة.
ذاك ما إتصل بمنهج الوقائع ودعونا نعرج قليلاً لمسار التحليل في ذات القضية حيث سأل المقدم ضيفه عن رؤيته حول الموكب وبعد تقديمه لإستدلاله بفشل موكب بحري إنتقل لفرضية تداعيات فشل الموكب في تحقيق الموكب لأهدافه وقطع الطريق على متحدثه من الإسترستال في الفرضية الثانية من التحليل بماذا إذا نجح الموكب وما هي النتائج المترتبة على هذا النجاح، وعوضاً عن ذلك قفز الرجل للأمام وإنتقل لمناقشة مقال دكتور عزمي بشارة تاركاً الصورة ناقصة ولا تزال تحتاج لإجابة (ماذا إذا نجحوا؟) وكأن الرجل يقول (فأل الله ولا فأللك) !!
خلاصة هذا المسلك ترتب عليه تنامي الغضب على القناة خاصة أن مقدم البرنامج هو مديرها العام وشريك يمتلك ربع أسهمها ولجوء البعض للتعبير عن هذا الإحتجاج عبر رسالة قوية بإلغاء متابعة صفحة القناة بمواقع التواصل الإجتماعي وعلى رأسها صفحتها باليوتيوب التي تكتسب أهميتها بإرتباطها بعائد شهري للقناة بالدولار نظير مشاهدات الفيديوهات المنشورة عليها. لهعل هذا الأمر يطرح سؤالاً حول إمكانية النظر لهذا الموقف حق مباح أو ينطوى على قدر من العنف؟!
في تقديري أنه خطوة التقدم ببلاغات لإغلاق صفحة القناة بالفيس بوك أو اي موقع التي تعتبر تجاوزاً وتعدى على حق القناة ومخالف لقواعد اللعبة المسوح بها وغير مباح، أما التنادى لسحب المتابعة واللايك لصفحات القناة بمواقع التواصل الإجتماعي وحتى قرار حذفها من الرسيفرات وعدم متابعتها والتهديد بمقاطعة أي شركة من الشركات التي ستعلن فيها فجميعها خطوات مشروعة يجوز إتخاذها، لأن أولئك المتابعين قاموا بمحض إرادتهم بمتابعة تلك الصفحات وربما شجعوا آخرين للإنضمام إليها وإستناداً لذلك لديهم ذات الحق في أن يغادروها متي ما أردوا تعبيراً عن رفضهم لتوجهات القناة أو لأي أسباب أخرى.
هذا يقودنا لمعرفة المقصد من مؤشر المقاطعة والذي يعتبر بمثابة رسالة وتنبيه ومطالبة لتصويب مسلك غير صحيح وجب تصيحيه ولذلك نجد في المؤسسات المحترمة لزبائنها فإنها تسعي منذ تلقيها لمؤشرات تنامي عدم الرضا لإعادة النظر في موقفها ومحاولة إستداركه لمعرفتها المسبقة بأن جزء كبير من قوتها وتأثيرها يرتبط بمكانتها وسط عملائها ويتعاطظم هذا الأمر والمؤشر في المؤسسات ذات الطابع الإعلامي.
ختاماً أجدد تأكيدي السابق في زهدي على التعليق على الرجل ولكن للأسف وجدت نفسي شرعت في هذا الرد لإحساسي بأنه يحتاج للتذكير بأنه لا توجد (قنابير) في رؤوسنا !!