صادق خان …درس غربي آخر

حقق صادق خان البريطاني ذي الأصول الباكستانية فوزا ساحقا في انتخابات عمدة بلدية لندن جعل منه أول عمدة مسلم لهذه المدينة العريقة ، و هو منصب مرموق يتطلع إلى الفوز به كثير من البريطانيين ذوي الشعر الأشقر و الدماء الزقاء لما يمثله من أهمية ودلالة وطنية كبيرة ولكن صادق خان استطاع الظفر به بكل جدارة واقتدار. لم يكن فوز صادق خان هو ما أثار اهتمام الكثيرين في البلاد العربية فحسب و لكن اللافت هو انغماس بعضهم في الحديث عن أصول هذا الرجل و طبيعة عمل والده وما اذا كان مسلما سنيا أو شيعيا و غير ذلك من ملاحظات إنصرافية لم تكن محل اهتمام الناخب البريطاني الذي صوت لبرنامج خان وحزبه دون النظر إلى اصله و فصله ، فصادق خان في نظر الناخبين بريطاني كامل الأهلية لا يهمهم دينه و لا اصله بقدر ما يهمهم ما يستطيع تقديمه لهم عند توليه هذا المنصب الهام.
هذا الجيل من أبناء المهاجرين إلى بريطانيا من مختلف الأصول اصبح جزءا لا يتجزأ من مكونات هذا البلد العريق و لا يستطيع كائنا من كان مهما علا شأنه أن ينتقص من أهليتهم كمواطنين من الدرجة الأولى حسب الدستور البريطاني والقوانين المرعية في المملكة المتحدة ودوننا الحملة الشعواء التي شنتها الصحف البريطانية على الأمير هاري المصنّف ثالثاً على عرش بريطانيا حين وصف منذ بضع سنين احد زملائه خلال دراسته في أكاديمية ساندهيرست العسكرية الملكية البريطانية بصديقنا الصغير (باكي)، وهو اسم التصغير لباكستاني الذي يعتبر نعتا مسيئاً في بريطانيا فلم يملك هذا الأمير المبجل إلا الاعتذار عن استخدامه لتك العبارة العنصرية و لم يقف الأمر عند هذا الحد بل اصدر المقر الرسمي لولي العهد البريطاني بيانا أشار فيه إلى إن الأمير هاري يدرك تماما أن العبارة التي استخدمها غير لائقة ويعتذر بشدة لأي مضايقة سببتها لزميله ولغيره ، حدث هذا رغم أن هذا “الصديق الصغير” لم يقم بتحريك أي إجراء ضد الأمير هاري و لكن الشعور العام لدى البريطانيين و سلطتهم الرابعة كفته القيام بما يلزم في مثل هذه الحالات.
المتتبع لسلوك صادق خان إثناء حملته الانتخابية و ما أعقبها من نتيجة يلحظ انه كان يتصرف بأريحية و ثقة بينة دون تأثر بأي قيود عقدية أو تنميط اثني فضلا عن حصافته في كثيرمن المواقف التي تعرض لها أثناء حملته الانتخابية فالرجل الذي ولد وترعرع في بريطانيا و انتمى إلى حزب العمال منذ أن كان في الخامسة عشرة من عمره مستوعب تماما للمزاج العام لهذا الشعب المتحضر فخاطب الناخبين بلغة تسربت إلى نفوسهم و طمأنتهم إلى ما يمكن أن يكون عليه حاله حين يؤتمن على هذا المنصب المرموق ثم اكد لهم عقب فوزه بأن يكون رئيس بلدية لجميع اللندنيين “وانه فخور بأن يرى أن لندن اختارت الأمل بدلا من الخوف والوحدة بدلا من الانقسام” فهو يدرك و هم يدركون كذلك أن الكذب لن يكون شيمة من شيمه عند جلوسه على كرسي “العمودية ” الوثير فالرجل عندهم يُمسك (من لسانه) بحق و حقيق و بالتالي ليس لصادق من سبيل غير التماهي مع سلوك المواطن الغربي في الالتزام بالكلمة و الوفاء بالعهود رجاة أن يكون الفوز من نصيبه و حزبه في قادم الانتخابات. ليست حالة صادق خان هي الحالة الوحيدة لفوز أجيال من المهاجرين بمناصب كبيرة في انتخابات بلدانهم لكنها الحالة الأولى لفوز مسلم بمثل هذا المنصب الكبير في بريطانيا ففي أمريكا الجنوبية فاز خوليو طربية و هو من أصول عربية بانتخابات الرئاسة في كولومبيا وكذا فعل كارلوس منعم في الأرجنتين وعبدالله بوكرم وجيمس عبد النور رئيسا جمهورية الإكوادور السابقين وإدوار صاغيه رئيس وزراء جاميكا الأسبق .
لكن، تبدو الصورة مغايرة تماما حين ننظر لها بمنظار البلاد العربية خاصة الغنية منها ففي الوقت الذي عمدت فيه دول الغرب وما تزال تعمد إلى اجتذاب المتميزين والمبدعين من جميع أنحاء العالم لتعزيز مفهوم التنوع المفضي إلى القوة و الاستفادة من مؤهلات وإمكانيات من يتم اجتذابهم تعزيزا لقدراتها في المجالات كافة تفرط البلاد العربية ليس في أبنائها فحسب بل في أبناء كثير من الجنسيات الأخرى خاصة المسلمين منهم الذي كانوا يمنون النفس بعد أن ولدوا وترعرعوا في بلاد العرب أن يبقوا في محيطهم الإسلامي لكن قيود التجنيس أو الإقامة الدائمة جعلتهم يتسربون من بين أيدى تلك الدول ليكون لهم شأن كبير في الغرب بعدئذٍ و اصبح عض الأصابع ندما عليهم بعد فوات الأوان لا يجدي فتيلا و الأمثلة على ذلك كثيرة بل كثيرة جدا.
أما عندنا في السودان فمجرد تذكر الموقف الذي امتنع فيه احد الجامعيين بشدة من الترشح في احدى الدوائر الانتخابية بناءً على طلب أهله و المقربين منه خشية أن يكتشف الناس عند تتبعهم لسيرته الشخصية أصل جدته “الخادم” يقف دليلا على عمق أزمة العرق فينا و كاشفا عن مدى ما يمكن أن نجده من صعوبات في تحديد هوية هذا البلد المنكوب.
يحيى حسين قدال
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. احسنت يا قدال ,,, والله يهدى دولنا العربيه والاسلاميه والافريقيه ، للاهتمام بعقولها المستنيره ،، قبل ما يشدوا الرحال ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..