زيارة الخبير الأممي أداما ديينق للسودان : ما أشبه الليلة بالبارحة

فيصل الباقر
-1- يبدأ اليوم – الأحد 20 فبراير 2022 – الخبير الأُممي لحقوق الإنسان فى السودان ، أداما ديينق ، زيارته الأولي للخرطوم ، والتي تستمر أربعة أيّام ، ليختمها يوم 24 فبراير الجاري ، بمؤتمر صحفي ، يُعلن ، ويعرض فيه – كما جرت العادة ، والتقاليد المرعية – استعراضاً أوّليّاً ومؤشّرات لملخّص زيارته ، التي تمّ تأجيلها بطلب من السلطات السودانية لشهر ، لشيءٍ فى نفس يعقوب السلطة الإنقلابية !.
-2- معلوم أنّ (ولاية) السيد ديينق ، تأتي وفق قرار صادر عن مفوضية حقوق الإنسان ، أصدرته مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، ميشيل باشليه ، جعلته خبيراً (مكلّفاً) بمراقبة حالة حقوق الإنسان فى السودان ، بالتعاون الوثيق مع مكتب المفوّض فى السودان ، وسيساهم دينق من خلال عمله الميداني ، عبر هذا التكليف ، فى التقرير الذي من المقرّر أن تقدمه السيدة باشليه ، فى يونيو 2022 ، خلال الدورة العادية الـ(50) لمجلس حقوق الإنسان .
-3- ولكي لا ننسي ، ها نحن نُعيد القراء والقارءات، لبعضٍ من تجربة الخبير المستقل لحقوق الإنسان فى السودان ، محمد عثمان شاندي ، الذى واجهت ولايته واعترضت سبيله ، صعوبات جمّه ، وضعتها الحكومة السودانية ، ورُغم ذلك ، خلُص فى سبتمبر 2011 ، للقول لمجلس حقوق الإنسان ، فى جنيف “إنّ الخرطوم تحتاج لإصلاح الطريقة التي تتصرّف بها أجهزتها الأمنية تجاه حريّة التعبير والناشطين السياسيين”، وأضاف – يومها – “إنّ وضع حقوق الإنسان فى السودان ، لا يزال يواجه التحديات ، وبالأخص فى الحقوق المدنية والسياسية”، كما أشار – شاندي – من بينما وصل إليه من “تحدّيات” إلى (المخاوف) بشأن حرية التعبير ، والرقابة على الصحافة …إلخ. ويومها جاءت (ولاية) شاندي خبيراً مكلّفاً من مجلس حقوق الإنسان ، فى دورته الـ(18) ، تحت البند العاشر، من اختصاصات المجلس (تقديم الدعم والمساعدات الفنية فى مجالات حقوق الإنسان) ، بعد معركة طويلة بين إبقاء السودان فى البند (الرابع) أو نقله للبند (العاشر) !.
-4- يومها ، كانت من بين الأسباب التي جعلت السيد شاندي (التنزاني) يستقيل، رُغم الحديث عن “الوضع الصحّي” للخبير ، مسألة فى غاية الاهمية ، متعلّقة برغبته فى زيارة (دارفور)، التي حاولت الحكومة تعطيلها ، والمماطلة فيها ، باعتبار أنّ ولايته تقديم (العون الفنّي) فقط ، وليس (المراقبة) ، واضطرّت – الحكومة – إلى التصريح علانية ، إلى أنّها لم تمنع شاندى من زيارة دارفور ، رُغم قناعتها بأنّ زيارة دارفور تتعارض مع التفويض ! .
-5 – يجيء الخبير الأممي للخرطوم ، السيّد ديينق (السنغالي) اليوم ، والبلاد تسبح فى أنهُر وبحور من الانتهاكات الفظيعة ، وبخاصّة بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، وجميعها موثّقة بدقّة ومهنية واحترافية عالية ، وهي انتهاكات فظّة ، تمتد مساحتها وقساوتها بين تعطيل ومنع وقمع الحق فى التعبير والتنظيم ، والتعذيب والاختفاء القسري ، والاحتجاز غير المشروع ، والقتل خارج القانون ، فى الخرطوم ، ومُدن أُخري فى السودان ، كما فى دارفور التي تزداد فيها وتيرة العنف وانتهاكات حقوق الإنسان ، بصورة سافرة ومريعة ، تجعل من زيارة الخبير الأممي لدارفور ضرورة قصوي ، يستحيل بدونها الوصول لتقييم موضوعي ومُنصف حول الوضع فى دارفور ، وبخاصّةً أنّ تكليفه يفرض عليه الانتباه بشكلٍ خاص إلى “الضحايا”، وفى البال – كذلك – أنّه الخبير الأممي الذي تبوأ من قبل موقعاً رفيعاً ، فى المنظومة الأممية ، هو المستشار الخاص للأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية ، كما تقلّد وشغل قبل ذلك، منصب كاتب المحكمة الجنائية الدولية لرواندا من 2001 إلى 2008 ! .
-6- نتمنّي للسيد ديينق النجاح فى مهمّته الصعبة ، فى هذا الظرف التاريخي الاستثنائي ، الذي يواصل فيه الإنقلابيون انتهاكات حقوق الإنسان ، فى كل البلاد،
ويسعون – ليل ، نهار – لفرض وتكريس مناخ الحصانات المجحفة ، والإفلات من العقاب ، لقادة انقلاب 25 أكتوبر 2021 ، وشركائهم فى الجرائم ضد الإنسانية ، وجرائم الحرب ، وجرائم الإبادة ، فى دارفور وغير دارفور ، وعلى مرأي ومسمع من الجميع ، وفى ذات الوقت ينشطون فى وضع بعض المساحيق ، والرتوش على وجوههم ، عبر خطط مفضوحة ، خُصّصت لها وسائل ومنصّات إعلامية مأجورة، وأصوات مسعورة ، تنشط منذ يوم الإنقلاب ، فى نشر الأخبار – والمعلومات – المُضلّلة والكاذبة والمضطربة ، لجعل العالم ، يُصدّق أنّ ما يقوم به الإنقلابيون هذه الأيّام ، هو خطوة فى اتجاه (المدنية) بينما البلاد تعيش فى نفق الانقلاب العسكري المُظلم ، وبئر الديكتاتورية الكالحة ، فى ظل حالة الطواريء ، وانتهاكات حقوق الإنسان المعلومة للجميع ، بما فى ذلك ، العُنف الموجّه ضد الصحافة والمؤسسات الصحفية ، والصحفيين والصحفيات ، وضد المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان ، والإستهداف المكثّف ضد شباب وشابّات لجان المقاومة ، ومحاولة إلصاق التُهم الجسافية بهم ، وتلفيقها ضدّهم، لتجريمهم وإدانتهم ظُلماً ، وجوراً ، بـ”القانون” !. ولكن ، هيهات !. فما أشبه الليلة بالبارحة! .