** الجمعة الماضية الحادي عشر من يناير ۲۰۱۹ فجع أهل السودان على وجه العموم والجمهوريون بوجه خاص ، ومن عايشوا الأستاذ مجذوب محمد مجذوب وتتلمذوا على يديه تسليكاً وتوجيهاً بوجه أخص ، فإن فقيدنا كان أمة لوحده في نسيجه المتفرد فقد عاش حياته المديدة وهو يصنع الجمال بمودة متفردة وثبات لايعرف الإنكسار ، وعندما نستدعي الذاكرة في طريق الرجعى نتوقف عند مطلع العام ۱۹۷٦ من القرن الماضي ، ونحن قد إكتملت عندنا قناعة الإنتماء للفكر الجمهوري وصرنا من المبشرين بالرسالة الثانية من الإسلام ، كان وقتها الأستاذ/ مجذوب من كبار الموظفين بمؤسسة كوستي الزراعية ، وكنا نحب الخروج معه في حملة الدعوة بالكتاب الجمهوري فقد كنا نستمتع بحديثه أكثر من المستهدفين بالدعوة فقد كانت مفردته مختلفة وفكره المرتب يأسرك للإصغاء اليه وتنفتح دواخلك لتنهل من علمه الغذير ومعارفه المتدفقة ، وكان يعاملنا كأصدقاء لا تلاميذاً في بداية الطريق ، فكان يدخل الى القلب بلا إستئذان ويشبع العقل بمايضئ سراديبه المظلمة .
** حكى لنا المرحوم الأستاذ يسن عمر الإمام في مطلع الثمانينات بمقر صحيفة الايام وكان على رأسها، أنه لم يأسف على أحد غادر جماعة الإخوان المسلمين كأسفه على الأستاذ / مجذوب محمد مجذوب عندما ترك لهم التنظيم وإنضم للفكر الجمهوري،يومها ارتسمت على وجه الاستاذ يس ملامح الحسرة ،وقال:( ان ما بيني شخصيا والاستاذ مجذوب هي رفقة فكرة وسمو مواقف وجسارة مبدأ ، فذهابه من التنظيم كأنه اخذ شيئا من قلبي) عندما حكيت هذه الحكاية لاستاذي مجذوب ضحك ضحكته المحببة وقال: (نعم،ان ما بيننا كثير وعميق وجميل فالاستاذ يس رجل صادق وقوي ولطيف) تعلمنا منه صورا من صور الوفاء قلمايجود الزمان بمثلها،وقد كان دائما السهل الممتنع يحدثك في الادب فتجد نفسك امام اديب وفي التاريخ فتجد انك امام مؤرخ وفي الفكر انت امام مفكر كامل الدسم ،فالذي تم تشييعه بالامس رجل امة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
** اخر ما انجزه فقيدنا العزيز كان كتابه (مذكرات جمهوري) الذي كتبه بلغته السلسة ومواقفه المتعددة التي اتسمت دوما بالمبادرة والجسارة وسمح القول، وللاسف بعد ان تمت اجازة الكتاب وصدر له رقم الايداع وادخله المطبعة وتمت طباعته خرجت اصابع الظلام ومنعت الكتاب من التداول وبرغم انهم قتلوا الفرحة بصدور الكتاب الا ان الاستاذ مجذوب ضحك كعادته وهو ينعى الحرية وحقوق التعبير وحقوق الانسان في هذا البلد الكظيم، الا رحم لله ابي مجذوب محمد مجذوب وألهم آله وذويه الصبر وحسن العزاء، اخوتي: سلمى ومريم وعمر وعماد كيف اعزيكم وانا احوجكم للعزاء؟! ربنا اجعل الاب مجذوب مع ومن المتقين وسلام عليه في الخالدين.. سلام يااااااوطن
الجريدة
