
سنوات تتخطى الاحساس وتمضى مغتصبة منهم عمر مضى ، غير قابل للاسترداد … ومثلما تسرق الكوابيس الاحلام الجميلة، تتسلل حلاوة الايام ونغماتها … عبر نوافذ الهجرة … حين يستقلون قطارات التغرب ، وهى تعزف على وتــــر الاحــــــزان (برتمها) وايقـــــاع رتابتها الصاخب الصامت …
لايهم كيف تشتريك الغربة او تستلبك ولكن المهم جدا، كم تدفع لها المقــــــابل الباهـــظ من انسانيتك وكيانك المشتت.
قطار التغرب لا تجد فيه زاد الا ما اختزنته من عواطف مدفوعة مسبقا ، عبرت الحـــــدود معك … وفى نفسك حقيبة مليئة بالذكريات التى تجتر بعضها ، كانها حبوب مسكنة ، تتنـــاول منها عند اللزوم لتخفف بها الام الغربة …
هجرة تستصحبك ، فيها الامال الممزوجة بالامانى … فى عودة … مرتقبة … الى وطن يلتحف سماء الغــــلاء ويفترش الواقع … المحزن .
وبين الخوفين تتارجح الاشواق … خوف من الوطن الهزيل المنزوع (الدسم) … وخوف علي الوطن الجريح واحزان (لا تنحسم) هكذا يستدرج … الاغتراب فريسته … ويمدد امامــــها سنوات الابتعاد المبرر … ليسرق بالمقابل سنوات هائلة … من رصيد الاحلام …
كثيرا ما كان يقرر ان يعود ادراجه الى الوطن ، وان هذه السنة ستكون السنة الاخيرة ، فــى حساباته على ارض المهجر ثم ما يلبث ان تتجدد العلاقة بينه وبين الغربة عندما يتـــــــذكر حجم الالم المختبىء هناك داخل اسوار الوطن الذى لايخرج من قبضة دكتاتورية حتي يدخل في غيرها …
تتعثر خطوات رحيله الى الديار … كلما احس بالمجهول المنتظر والحالة … المعلنة عن حجم الانفلات الاقتصادى … والامنى … الخ …
فتمنحه التقلبات كل يوم مبررا جديدا ، ليدفن راسه فى رمال الغربة مكرها … ويبقى مقيد الخطوات مصلوب على جمر الانتظار، والوطن لا يصبح عليه صباح الا والاوضاع تتردى. أكثر … ترك الايام تجره الى اقصى قـــاع الاغتراب ولاخيار .
تصاغرت الاشــــواق ثم تلاشت صورة الوطن … فى خيالاته المترعة فما عاد يشعر بذلك الحب الملتهب الذى كان يملاء شرايينه وكانت قناعته من قبـل انه يعشق الوطــــن حــــد الثمالة ولكنه يجزم انه حب من طرف واحد ترك الاشواق تترسب فى قاع وجدانه حتى لا تناوشه .
انه لا يصدق ان عمر اغترابه الان يقارب … عاما … اااخ كيف استغفلته الايـام وعلمته الخوف من المجهول والقادم المحفوف بالمخاطر .
كيف استباحت الايام احاسيسه ثم انسلخ عمر طويل بكل زخمه عمر مخصوم من دفتر احلامه المنسية او مضاف الى رصيد احزانه .
حاول ان يحسب حجم الارباح التى جناها فى الغربة بعد ان جمــع كل اشجـــانه المتكدسة … وقسمها على كل سنوات الاغتراب ثم خصمها من اجمالى الفوائد غير المقروءة فتاكد تماما ان خسارته اليوم تفوق حجم الارباح كثيرا .
