مقالات وآراء سياسية

الانتقال المهلك

 احمد مجذوب البشير 

المشهد الآن … لوحة مهترية الاطار .. بالية المضمون .. فاقده الملامح … تائهة البوصلة … كأننا لانعيش في دولة بها مؤسسات ونظم وقوانين تضبط حركتها وتحزم أمرها وتجمع نظمها … وتحدد علاقتها بين بعضها البعض وبينها وشعبها … نحن نعيش الآن في عصر الفوضي المطلقة … اينما تيمم وجهك فثمة غياب لمظاهر الدولة ووجودها … دولة لاتحسن شيئا سوي العيش والتطفل علي جيوب الغير … سوي كان هذا الغير شعبها الذي انهكته بكثرة الأعباء التي أثقلت بها كاهله بسبب تخليها عن دورها وواجبها السياسي والأخلاقي … أو كان غيرا من وراء الحدود وعبر المحيطات … ففي سبيل الحصول علي بضعة ملايين من الدولارات لايغطين حاجة ولايسدن رمق … ولايقمن اود … تراق الكرامة وتذبح المروة ويذهب بماء الوجه … وتتبدل المواقف وتباع القضايا … ورغم ذلك فالحصيلة صفرا كبيرا … فأزداد الواقع تعقيدا واصبحت المعيشة ضنكا والحياة برمتها صارت جحيما لايطاق … ومن له الاستطاعة يبحث عن الرحيل والخلاص الذاتي … وويل لأمة يفشي فيها التفكير الفردي ويغيب عنها العقل والتفكير الجماعي … فهي حتما أمة للاضمحلال اقرب  وللتلاشي اصوب ..
لقد كان الادعاء بالاصلاح وتصحيح المسار من مبررات قرارات ٢٥  اكتوبر … وان العراقيل التي وضعت في طريق أن تبلغ الفترة الانتقالية غاياتها قد أزيلت … وان الانطلاقة قد بدأت … هكذا كان الادعاء والمبرر لتلك القرارات … ولكن هل الواقع يشير لتحقق هذه الغايات … أو النذر اليسير منها … بجملة واحده كلا … بل ازداد الأمر تعقيدا وضبابيه وعسرا علي التنبؤ بالمآلات…
سياسيا … تأزم الموقف كثيرا وارتبكت الساحة السياسية وزاد احتقانها لدرجة ان قيادة الجيش لم تستطع أن تكون مجلس سيادة الا بعد مرور أكثر من شهرين … وعاجزة حتي الآن عن اختيار رئيس وزراء يتم التوافق عليه ويجد القبول من اغلبيه القوي السياسية الفاعلة في المشهد … ومن جهه اخرى فاض الواقع السياسي واتخم بالمبادرات الداخلية والخارجية التي تسعي لنزع فتيل الاحتقان بين الفرقاء …
ورغم ذلك لم يظهر في الافق اي بوادر لنجاح أي منها … بل ان النخبة السياسية العابثة التي تناؤي حكومة الامر الواقع تشظت أكثر فأكثر … والمؤيدة لها تقف متفرجة علي الاحداث بعد ما انفض سامر اعتصامها في القصر ونالت مرادها بإقصاء خصومها في المجلس المركزي … لم تفعل شيئا وعجزت من أن تكون حاضنه لحكومتها أو تسد الفراغ الذي خلفه ابعاد خصومها … فأهتبلت مجموعة المجلس المركزي الفرصة فجيرت الشارع وحشدت الشباب ولكن كان ذلك الي حين . وبعدها آل الأمر إلي لجان المقاومة التي استلمت زمام الأمر وسيطرت على الحراك في الشارع بمليونياتها ذات الجداول المعلومة المستمرة حتي اليوم … يحدث كل ذلك دون بارقة امل أو ضوءا في النفق يضع  نهاية لهذه العتمة التي تطاولت والظلمة التي استفحلت … والضنك الذي ظلل المواطن البسيط الذي اصيب في امنه وامانه وعيشه وراحه باله … والجميع في شغل عنه فاكهون … بل ان هذه الحكومة العاجزة تلاحق الناس وتمنعهم من الكسب والتربح الحلال … فكل صاحب شركة او مصنع أو مزرعة أو كنتيين اوحتي كشك … لم يسلم من شرهها وشراستها الجبايئة … فكل من مارس نشاطا في النور وبالطرق القانونية لاحقته بالضرائب الباهظة والرسوم المرهقة … فأصبحت شريكا ثقيلا في جهده وكده ومكابدته وعرقه … فأزدادت الأعباء علي اي صاحب نشاط اقتصادي ظاهر … فهو مطالب بالايفاء بإلتزاماته الاسرية من صرف علي المعيشة والتعليم والصحة … والايفاء بإلتزاماته تجاه العاملين معه من موظفين وعمال … وبعد ذلك الصرف علي الحكومة والتزاماتها … الحكومة التي لاتفعل شيئا له مقابل ماتفرضه من أموال علي اي صاحب نشاط اقتصادي … فهي لاتبذل له علاجا
اوتعليما أو خدمات مجانية من مياه أو من كهرباء اومن طرق … كل ذلك مدفوع القيمه مقدما … والمردود من الخدمة لايتناسب مع ماتم دفعه فيها … ورغم ذلك تريد المزيد وتبدع في اختراع الرسوم الجبايئة … كما الرمل التي لاترتوي من الماء كلما صب عليها الماء احتاجت وطالبت بالمزيد … والحكومة بهذا السلوك لم تدع لاصحاب الانشطة الاقتصادية الظاهرة الا خيارين … أما اغلاق النشاط الاقتصادي والبحث عن مكان آمن للاستثمار فيه … أو الهروب الي الاماكن المظلمة في النشاط الاقتصادي ذات المردود السريع دون التزام تجاه الدولة … وأقصد بذلك انشطة مثل التهريب والسمسرة وغيرها … فلا غرو اذن مع هذا العناء الاقتصادي والعنت المعيشي أن تستفحل ظاهرة السمسرة التي طالت كل شئ … من الاصول الثابتة والمتداولة كالعقارات والأراضي والسيارات الي الاوراق التجارية كرخص الصادر والوارد والعملات وانتهاءا بالخضر والفاكهة حتي وصل الأمر للاوراق الثبوتية … معظم افراد الشعب تحولوا الي سماسرة بفضل السياسية الرشيدة لافندية حكوماتنا المتعاقبة التي بعد عنها الرشد بعد المشرقين … وما ادل علي ذلك من حالة التخبط التي تحدث الآن من الإعلان عن قرارات الزيادة في بعض السلع والخدمات ومن ثم النكوص والتراجع عنها… فإلي ماذا نعزو هذا الارتباك؟ إلي عشوائية القرار الذي اتخذ بدون دراسة … ام الي الخوف من ردات الفعل؟ في كلا الحالين يدل الأمر علي خفة وزن متخذ القرار اي كان وزيرا أو وكيلا أو أي كان … فمتخذ القرار الواثق من قراره … كما امتلك الجراءة علي اتخاذ القرار الصعب يمتلك القدرة والمنطق كذلك علي إقناع الشعب بقوة حجته واسبابه التي دعته لاتخاذ هذا القرار … ولكن يبدو أننا نفتقد الي شخصيات بهذه القدرات في اماكن اتخاذ القرار …
خلاصة القول إن إدارة شأن بلد مثل السودان يمور بالتعقيدات السياسية والاجتماعية والامنية يحتاج لقيادات بمواصفات خاصة لم تتوفر للاسف حتي الآن … قيادة تستثمر خيراته الظاهرة والباطنة وتضع من السياسات مايحفز علي الإنتاج الوفير الذي يكفي البلاد ويصدر فائضة عائدا للحزينة العامة ، تكفيه ذل السؤال ومد اليد السفلي للآخرين … انتاج لايحوجنا للتسلل لواذا من وراء ظهر الشعب صاحب المصلحة الحقيقية لإبرام الاتفاقيات المجهولة الاجندة مع الدولة العنصرية الانموذج التي تقتل الاطفال وتهجر المواطنين ظلما وعدوانا … نضع أيدينا في يدها بحجة المصلحة العامة (كلمة حق اريد بها باطل) متي تحققت اي مصلحة مع من سبقونا في هذا الطريق … اي مصلحة في تعاون أمني استخباراتي كما أفصح رئيس مجلس السيادي دون أن يرمش له جفن مع هذا الكيان الضار الضرار … اذا كنت تعني مصلحة اقتصادية بحيث يكون التطبيع مع هذا الكيان مفتاحا للعالم … فهذه ثلاث سنوات قد تصرمت وما ازداد الامر الا عنتا وضنكا… فإي مصلحة ترجونها … والادانات والعقوبات وتوقف المساعدات قد أحاطت بك بسبب مافعلته من قرارات في ٢٥ اكتوبر … فهل شفعت لك الهرولة والسعي للارتماء في احضانهم … من غضبتهم عليك … كلا لم تشفع لك كما لم تشفع لرفيقك وسميك حمدوك من قبل . الذي هرول إليهم بعد أدائه القسم مباشرة بعد تسلمه المنصب في اغسطس ٢٠١٩ … آملا أن يستقبلوه استقبال الابطال الفاتحين … ومن ثم تنهمر عليه الأموال وتغدغ عليه الاعانات والعطايا … ولكنه رجع حاسرا كسيرا كسيفا … وفي جعبته عبء ٣٠٠ مليون دولار يجب أن تدفع من هذا الشعب الفقير المعدم حتي يتم الرضا عنه … هذا كان درسا لك ولمن هم علي شاكلتك ولكنكم قوم لاتعتبرون …
لقد ظللنا نكتب ونقول مرارا وتكرارا منذ أن اذن الله لهذا القلم أن يسطر حرفا … انه ما خاب من عول علي شعبه واحتمي به … فالحكومات الرشيدة تستند علي شعوبها وتتقوي بها … وتضع من الوسائل مايجعل هذه الشعوب تخرج أقصي مكنوناتها وذخائرها … وبعدها تخرج للعالم رافعة رأسها شامخة تؤدي دورها مع الآخرين كتف بكتف واراده مقابل اراده … تشغل حيزا معتبرا ودورا مقدرا … بين الشعوب … دون التسفل باليد والسريان وفق ثقافه القطيع … والي أن يحين موعدنا مع هذا المرقي سوف نسعي اولا لتتولي أمرنا إدارة راشده تحكم رشدا وتفانيا .

تعليق واحد

  1. هذا هو حصيلة ثورتكم
    وهذا بالضبط ما حدث في كل الدول التي حدثت فيها ما يسمى بثورة الربيع العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..