مقالات وآراء

عن الذكرى العاشرة لوفاة وردى

امير شاهين

 

 

في الذكري العاشرة لرحيل محمد وردي مرور عقد من الزمان على وفاة امبراطور الالحان .

 

“تأكدت بأنني لست زعيماً سودانياً ولا الميرغني ولا الصادق ولا قرنق ولا اي شخص آخر وانما الزعيم الحقيقي هو الفنان محمد وردي”.

د. رياك مشار

في 18 فبراير في هذا العام مرت علينا الذكرى العاشرة لوفاة الفنان محمد وردى الذي انتقل الى جوار ربه في 18فبراير 2012م بدون ان نحتفى بها كما يجب ويليق بمكانة الرجل الذي عطر سماء الوطن بأعذب الالحان وملا الدنيا ابداعا وجمالا والقا ونورا لمدة تزيد عن الخمسين عاما ! ويقول عنه الدكتور انس العاقب شيخ النقاد الموسيقيين السودانيين ”  لقد ورث وردى شموخ وعنفوان وديناميكية الحضارات السودانية ومع امتداداتها وعصورها المسيحية والإسلامية وكذلك التاريخ السوداني الحديث نسبيا منذ قيام سلطنة الفونج وبمواقفها وتطلعاتها وطموحاتها وإنجازاتها وإخفاقاتها وفى خضم هذا التفرد الحضاري الذاتي فقد تميزت شخصية وردى عن غيره ممن سبقوه ومن عاصروه في تاريخ مسيرة الغناء بل وحتى على العظيمين خليل فرح وإسماعيل عبدالمعين , ومن منطلق تركيبة الموروث الحضاري والمعاصر فإن وردى ملأ الدنيا إبداعا وشغل الناس والساسة واستقل بمكان بارز فى كتب التاريخ وذاكرة الوجدان السوداني الإنساني وستبقى كذلك إن شاء الله ” انتهى

ان إطلاق لقب امبراطور الاغنية السودانية وفنان افريقيا الاول على الفنان العملاق الراحل محمد وردى لم ياتى من فراغ او اعتباطا فقد تربع وجلس على عرش الغناء السوداني بدون منازع عقب اطلاقه لأغنيته الشهيرة والجميلة حقا ” جميلة ومستحيلة” والتي جاءت تتويجا لسلسلة متواصلة من الاغنيات ذات المقدمات الموسيقية الطويلة مثل ” اسفاى” و “قلت ارحل” و ” بناديها” ففي كل واحدة من هذه الاغنيات كان العملاق الراحل يقدم اضافات جديدة وافكار موسيقية ولحنية مبتكرة !  فالأغنية كانت ومازالت تدهش المستمعين وتثير اعجابهم فهي قد جمعت جمال وتفرد كلمات شاعر الشعب الراحل محجوب شريف وبديع الحان وموسيقى وردى وخصوصا تلك المقدمة الموسيقية التى تعتبر تحفة موسيقية على مر الاجيال ومن الصعب تكرارها والاتيان بمثلها قريبا . وبعدها اطلق وردى اغنية ” الحنينة السكرة”  الراقصة ذات الايقاع الغربي السريع والآلات الموسيقية الغربية الحديثة والتي لم تكن مستخدمة فى الغناء السوداني الحديث (أوركسترا الاذاعة والتلفزيون) ولذلك فقد كان المستمع السوداني لا يسمع عزف تلك الآلات الا من خلال الاغنيات الغربية او من خلال فرق الجاز التى كانت منتشرة فى تلك الايام في السودان ولكن جمهورها لم يكن بحجم جمهور مستمعي الاغنيات السودانية الحديثة (اغانى وردى ومحمد الامين والكابلي وعثمان حسين وبقية العقد الفريد) مثل الجيتار بالواوة  وتمت التسمية بالواوة بسبب ان الصوت الصادر منها يشبه كلمة الواوة   و بالانجليزية Wah wah   والبيز جيتار والفلوت .

في بداية السبعينيات من القرن الماضي كان كل العالم شرقا وغربا يغنى ويرقص طربا لموجة الموسيقى التي اجتاحت العالم ولم تترك ركنا او مكانا . ففي الشرق وتحديدا مصر فقد كانت اغنيات المطرب المصري الراحل عبدالحليم حافظ كروان الشرق والعندليب الاسمر تملا الافاق فالكل يستمع اليها و يرددها خصوصا أغنيتي” رسالة من تحت الماء” و ” قارئة الفنجان” و الاغنيتان من كلمات الشاعر العملاق نزار قباني والحان الملحن المبدع محمد الموجي وما اكسب هاتين الاغنيتين زخمهما والقهما هو الاداء المتفرد للفرقة الموسيقية التي كانت تسمى “الفرقة الماسية” بقيادة الموسيقار المرحوم احمد فؤاد حسن حيث نجد الاستخدام المكثف للآلات الغربية فى هذه الفرقة مثل الجيتار الكهربائي والاورج وجهاز  synthesizer الذى يحاكى اصوات الرياح وبعض انواع الحيوانات ويجدر ذكره بان وردى كان  لا يخفى اعجابه الكبير  بعبدالحليم حافظ الذى كان يمثل الاغنية الشبابية الشعبية التي يرددها الجميع بخلاف الغناء التقليدي الرصين الذى كانت تمثله السيدة ام كلثوم , ويذكر بان وردى كان يغنى في حفلة عامة عندما جاءه خبر وفاة عبدالحليم حافظ فبدا التأثر والحزن في وجهه ثم امر الفرقة الموسيقية بالتوقف لمدة دقيقة صمت حدادا  على عبدالحليم حافظ

وفى الغرب الأمريكي فقد انتشرت موسيقى السول وال R&B وفرضت نفسها بالقوة لدى المستمع الأمريكي وحتى العالمي فظهرت نجوم مثل جيمس براون ومارقين جاى وراى تشارلز وايزاك هيز وفرق التمبتيشن والروزرويس وجاكسون فايف وخلافهما.

وفى فترة السبعينيات كان السودان يشهد انطلاقة ما يعرف بفرق الجاز التى انتشرت واصبح لها تاثير واضح على الموسيقى السودانية فبواسطتها تعرف السودانيون على انماط الموسيقى الغربية مثل الريقى والبلوز والسول والار اند بى , والتعرف على بعض الالت الموسيقية التى لم تكن موجودة ومستخدمة  لدى اوركسترا الاذاعة والتلفزيون مثل اجهزة الصوت sound system والبيزجيتار والأرغن (الكيبورد) والطبول الدرامز اما الات النفخ النحاسية مثل الترومبيت والساكسفون والتوبا فقد كانت معروفة لدى المستمع السوداني الذى تعرف عليها من موسيقى الجيش والبوليس ولكن بالرغم من ذلك فأنها نادرا ما كانت تستخدم في الغناء التقليدي او بالطريقة المحترفة , اما معهد الموسيقى والمسرح فقد كان فى بداياته الاولى  اذ تم افتتاحه فى العام 1969  ولم تظهر بصماته وتأثيره الملحوظ على الموسيقى بعد . وبالنسبة لوردي والذى كان معروفا عنه اهتماماته الموسيقية وشغفه بالتجديد والتطوير فقد كان رحمه الله شغوفا بكل ما هو جديد فى عالم الغناء والموسيقى على مستوى العالم  ويشهد ذلك تاريخه الناصع بانه اول من قام باستخدام التوزيع الموسيقى العلمي  Orchestration   في الاغنية السودانية عندما استعان بالموسيقى المصري الجنسية اليوناني الاصل اندريا راينر  لتوزيع اغنية ” الود” رائعة الشاعر الراحل عمر الطيب الدوش, فقد تأثر وردى   بكلا المدرستين الامريكية والمصرية في الموسيقى وظهر ذلك فى اهتمامه بالمقدمات الموسيقية الطويلة على غرار الاغنيات المصرية والتي برع فيها واجادها ومن موسيقى الار اند بي الامريكية ,  وبعد النجاح الكبير  والمدوي لأغنية جميلة ومستحيلة وفكر وردى فى اطلاق اغنية خفيفة وراقصة ومواكبة لتيار الاغنية العالمية , فقام بالاتصال بالشاعر القامة اسحاق الحلنقى وطلب منه كتابة كلمات لأغنية خفيفة وراقصة لأنه بصدد استخدام الآلات الغربية فيها , وهكذا ولدت كلمات الحنينة السكرة والتي قام وردى بتلحيها وغنائها حتى اكتسبت شهرة كبيرة فى وقتها والطريف بان السودانيين قاموا بإطلاق اسم جميلة ومستحيلة على جامعة الخرطوم والتي كان الدخول اليها صعبا وغير متاح بخلاف جامعة القاهرة فرع الخرطوم (جامعة النيلين) الان والتي بسبب سهولة الالتحاق بها ومرونة قوانينها مقارنة بجامعة الخرطوم فقد سميت ب الحنينة السكرة

الحديث عن الامبراطور الراحل وردى يطول ولا تعرف متى تتوقف ! وكلما تكتب عنه يأتيك ذلك الإحساس بانك مقصر ولم توفيه حقه من التقدير . الا رحم الله الفنان محمد عثمان حسن صالح وردى واسكنه فسيح جناته وجعل قبره روضة من رياض الجنة .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..