أهم الأخبار والمقالات

إنقلابيو السودان وحرية الأديان.. أكثر من سؤال

الخرطوم: علي فارساب

ما أن وقع الانقلاب العسكري في السودان أكتوبر الماضي، حتى استعاد مكتب شؤون الكنائس سلطاته الأمنية. وكان وزير الشؤون الدينية والأوقاف السابق نصر الدين مفرح، قد جفف المكتب وحدّ من حركة أفراده التابعين لجهاز الأمن والمخابرات. وتدحرجت الحريات الدينية إلى أن امتدت لتطال طلاباً مسيحيين يتلقون تعليمهم بمدارس الخرطوم ، إذ حرموا من عطلة يوم الأحد المخصصة لهم لأداء الصلاة.

تراجع

تلك الانتهاكات تشير إلى أي مدىً تراجع مناخ الانفتاح الذي شهدته الحريات الدينية في السودان بعد انتصار ثورة ديسمبر2018.

هذا الواقع المرير هو ماحذر منه التقرير الدولي للحريات الدينية الذي تصدره الإدارة الأمريكية سنوياً. وأشارت فيه إلى أن حكومة الفترة الانتقالية اتخذت خطوات إيجابية لتحسين مناخ الحريات الدينية. غير أن التقرير أظهر خشيته من أن الانقلاب العسكري الذي حدث في25 أكتوبر 2021 ربما يتسبب في التراجع عن تلك الخطوات.

ودقّ التقرير جرس الإنذار لأن الانقلاب قد يهدد ما وصفه بالتقدم التاريخي الذي أحرزته الحكومة التي يقودها المدنيون للنهوض بقضايا حقوق الإنسان بما فيها الحريات الدينية لجميع السودانيين.

وما حذر منه التقرير الدولي للحريات الدينية لم يكن بعيداً عن الوضع الجاري، حيث برزت مهددات بإغلاق الكنائس بأمر السلطات الأمنية . إذ يقول راعي كنيسة المعمدانية الإنجيلية، القس غابريال أنجلو: إن الأمن السوداني رفض لهم فتح أبواب كنيسة الأزهري أمام المصلين، مما يفاقم الأوضاع وقد يمتد إلى إغلاق كنائس أخرى. كاشفاً عن منع بعض المدارس بولاية الخرطوم الطلاب المسيحيين من عطلة يوم الأحد المخصصة للصلاة، وعودة من أسماهم بـ’’كيزان الكنائس’’ إلى المشهد، وهو ما يشير إلى تفاقم أوضاع الحريات الدينية بالبلاد عقب الانقلاب.

ومنذ الانقلاب يضع القساوسة والرهبان أيديهم على قلوبهم خوفاً من عودة زمن المخلوع عمر البشير الذي ضيّق عليهم السبل وأوصد عليهم الأبواب. حيث يقول رئيس الطوائف الإنجيلية بالسودان، رأفت سمير: إن مكتب شؤون الكنائس بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف يمثل عقبة حقيقية تقف في طريق الحريات ، نظراً لدوره الرقابي ممثلاً للسلطة، كما يعمق مسألة الحساسية الدينية بين المسلمين والمسيحيين.

وتمنى عدم وجود أجهزة رقابية لبقية الأديان حتى يواجهوا ما يمرون به في الطوائف المسيحية.مشيراً إلى أن انقلاب البرهان مهّد الطريق لميلاد انتهاكات وقيود للحريات الدينية.

استغلال المنابر

ويرى الصحافي الهادي محمد الأمين، المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية؛ أن ما تحقق من استقرار في الحريات الدينية عقب سقوط نظام المخلوع عمر البشير أصبح مهدداً عقب الانقلاب بسبب تصاعد في الخطاب الديني على حساب السياسي، وهو ما يعود بنا إلى أيام استغلال النخبة الحاكم منابر المساجد بواسطة الأئمة للتأثير السياسي والتطرف الديني ومحاصرة الخطاب السياسي المعارض لهم. إذ محذراً من التأثير على الحريات الدينية بالبلاد، مشيراً إلى أن هناك منابر لبعض المساجد فتحت النار على اتفاقية التمييز ضد المرأة المعروفة بـ(سيداو)، وقضية الإلحاد.

والمخلوع البشير حكم البلاد لثلاثة عقود تميّزت بكبت الحريات السياسية والدينية وأظهرت حالة من الغلو والتطرف بين بعض الطوائف على حساب الأخرى، وفتحت الباب واسعاً لحدوث انتهاكات جسيمة على معتنقي الديانات غير المسلمين وفي بعض الأحيان المسلمين أيضاً ومصادرة الممتلكات، مما مهد لوضع اسم السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب. بالإضافة إلى قائمة الدول التي تشكل قلقا فيما يتعلق بحرية الأديان في العام 1993.

تسلل للسيطرة

وجاء الانقلاب الذي أعاد تلك الممارسات في نسختها الجديدة التي تكثر فيها الانتهاكات وينخفض معها مؤشر الحريات الدينية -بحسب حديث سمير، الذي كشف عن عودة مكتب شؤون الكنائس، وتسلل المسيحيين الذين ينتمون إلى حزب المخلوع البشير حزب المؤتمر الوطني المحلول، للسيطرة من جديد وتنفيذ الأجندة السياسية للسلطة في الكنيسة.

وكانت الحكومة المدنية التي يقودها عبدالله حمدوك رئيس الوزراء السابق، قد أعلنت في شهر يوليو الماضي، حزمة من التعديلات القانونية تزيد من الحريات الدينية بالنسبة لغير المسلمين. بيد أن رجال دين مسيحيين يرون أنها تغييرات غير جذرية.

لا انتهاكات

قد يكون حديث سمير وغابريال عن حال الحريات الدينية يعكس وجهة نظر قاسية على النظام القائم، الذي نظمت فيه جماعات إسلامية فعاليات جماهيرية تثير الغلو والتطرف عند نظر البعض، لكن ذلك عكس ما يراه أمين الشؤون العلمية بمجمع الفقه الإسلامي، آدم الشين. والذي يقول إن الحريات الدينية في البلاد تشهد استقراراً ولا يوجد بها جديد مما هو عليه الحال قبل الانقلاب العسكري. نافياً وقوع انتهاكات أو تعديات على حرية الاعتقاد والتدين. لافتاً إلى أن السودانيين لا يسمحون بتقييد حريتهم الدينية.

عنف المساجد

ويواجه المؤدون للصلاة بالمساجد عنفاً كبيراً من قبل الأجهزة الأمنية. يتمثل في قذف عبوات الغاز المسيل للدموع نحو المساجد، مما يعيق حركة المصلين الذين هم في طريقهم للمساجد أو بعد الفراغ من أداء شعائرهم.

ويعتبر عادل سنهوري، عضو لجنة مسجد الشعبية، أن هجمات القوات الأمنية على المواكب تستهدف المساجد. مستشهداً بقوله:( المساجد أيام الاحتجاجات المناهضة للانقلاب تشهد انتهاكات كبيرة ومتعمّدة من السلطات يتضرر منها المصلون وتغلق دور العبادة ابوابها نظراً للحالة الأمنية).

نفس الخطة

ويدافع مسؤول بوزارة الشؤون الدينية -فضّل حجب اسمه- بأن الوزارة تعمل بنفس الخطة القديمة التي تنشر قيم التسامح بين الأديان ولا تميل إلى طرف دون الآخر، ولا توجد مضايقات لمعتنقي الديانات خاصة المسيحية والإسلامية.

وأشار إلى أن الوزير المكلف الجديد بواسطة رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، عبدالعاطي أحمد عباس، يعمل بصورة جيدة، بعدم الجنوح للعودة إلى عصر المضايقة.

وعن عودة نشاط مكتب شؤون الكنائس بالوزارة لتضييق الخناق على المسيحيين؛ قال المسؤول إن الأمر ليس كما يقال، بل للتواصل بصورة أكبر مع قادة الكنيسة ومساعدتهم وتوفير احتياجاتهم. نافياً وجود منهج من الدولة يقضي بالتضييق على الحريات الدينية بالبلاد، وأن كل ما يقع في مواجهة بعض الأديان قد يندرج تحت التصرفات الفردية والتي لا علاقة لها بنهج الدولة في المجال.

وكانت الحكومة الأمريكية في العام 2019 قد شطبت اسم السودان من لائحة الدول التي تنتهك الحريات الدينية، ووضعته على قائمة المراقبة الخاصة. ثم صدر تقرير الحريات الدينية من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، أعلن فيه وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو، حذف اسم السودان من قائمة المراقبة الخاصة، قائلاً إنه أحرز تقدماً ملموساً في ملف الحريات الدينية.

تم إنتاج هذه القصة بدعم من المركز الدولي للصحفيين ICFJ و Code of Africa

‫2 تعليقات

  1. أمر بديهى أن يحدث كل ذلك بعد عودة الكيزان و بقوة فى كل المجالات و المؤسسات, ثورة ديسمبر فى الوقت الحالى راحت شمار فى مرقة!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..