أخبار السودان

الحركة النقابية السودانية: طائرُ الفينيق

محمد عبدالملك
قال نُقُد في واحدة من خطبه الجماهيرية بعد الإنتفاضة : نميري كان داير يطبَّنا في أباطو؛ لكن سوَّينا ليو إشقدي ( والإشقدي حبنٌ أو خرَّاج عند الملاين) .
لا شكَّ عندي أنَّ الحركة الاسلامية/الأخوان المسلمين ، وفي اللحظة التي خطرت لهم فيها خاطرة استلام السلطة؛ قد فكَّروا ملياً في كيفية حمايتها ..دا بديهي بالطبع! وفي كيفية حمايتها؛ من المؤكَّد أنهم درسوا بشكل متأنٍ تجارب الشموليات السابقة عليهم ونقاط الضعف التي أدت لإنهيارها . ومن المؤكَّد أنهم قد توصلوا – وذلك أمرٌ بسيط جداً- إلى أنَّ أليات الثورة على الشمولية في السودان ثلاث:
1- الفئات الطليعية من الشعب : أحزاب، شيب شباب وطلَّاب من أولاد وبنات
2- الخدمة المدنية وحركتها النقابية
3- الخدمة العسكرية والفئات المتقدمة فيها والتي يمكن أن تنحاز في ساعة معينة من لحظات المد الثوري .
لذلك عملت الحركة الاسلامية ( سمِّها الجبهة الإسلامية .. الأخوان المسلمين . جبهة الميثاق . المؤتمر الوطني …إلخ ) منذ مجيئها في الثلاثين من يونيو تسعة وثمانين على تكريس البقاء، وسد الثغرات التي يمكن أن يتسرَّب منها هذا الثالوث المزعج، فبذلوا الأموال الطائلة لشراء الذمم واختراق الأحزاب ونشر خطاب ديني تغييبي له فعل الأفيون.ثمَّ السيطرة على النشاط التجاري بإقصاء الرأسمالية الوطنية وتمكين عضويتهم من حركة الصادر والوارد. وجاءوا بالصالح العام ومن ثمَّ التمكين في الخدمة المدنية وتكوين النقابات الصورية. تحويل القوات النظامية إلى مليشيا تابعة للحركة الإسلامية وانتهاءً بطب المجتمع السوداني كله تحت إبطي الحركة الإسلامية فلا يقول : بِغم.
ولكن؛ وكما حبوب اللقاح تحملها الرياح ، كانت بذور آليات الثورة تنتقل عبر الحافظة الجينية لأجيال الشعب السوداني الذي خبر مقاومة الشموليات بذات الطريقة البسيطة التي لا تفيدُ معها الحيطة والحذر:(يجيؤون كأنهم يغنُّون: نحنا الآفة أل ما بتتلافى.تطبَّنا في أباطك نسوِّي ليك إشقدي؛ تفَّكنا.. نهايتك!) هذا السجال معروف منذ هيئة شؤون العُمَّال التي دوَّخت المستعمر وعملتْ له ، بالتنسيق مع الأحزاب الوطنية، سافوته عظيمة حتى رحل . وقد توَّجت هيئة شؤون العمال نضالاتها بتأسيس الإتحاد العام لنقابات عمال السودان والتي كانت فيما بعد مصدر قلق كبير للحكم العسكر الشمولي الأول ، فلم يتوانى في قمع قادتها والزج بهم في السجون وتشريدهم حتى ظهر النمرُ، فجأتن، في هيئة : تجمُّع الهيئات الذي صرع الحكم العسكري الأول بإعلانه الإضراب العام الذي ترافق مع العصيان المدني الشامل. وقد حاول النميري تكسير النقابات ما وسعه (رغم أنَّ فكرة التمكين الشيطانية لم تخطر بباله ) إلا أنه اندفع كالثور الهائج مستهدفاً نقابة عمال السكة الحديد وجاء بضُرارٍ لها – على غرار كتائب الظل العليعثمانية – سماها الكتيبة الاستراتيجية ، وحين فشل قام بهدَّ المعبد بما فيه حيث بدأ في تكسير السكة الحديد ، وهو الجهد الهرقلي الذي أكملته الحركة الإسلامية فيما بعد بمثابرةٍ عالية ، ولكن رغم كل ذلك فقد فاجأت الحركة النقابية نظام الإتحاد الإشتراكي وخرجت على العالم في هيئة : التجمُّع النقابي الذي أعلن الإضراب العام في تزامنٍ مع عصيان مدني شامل مهَّدت له الأحزاب الوطنية حتى خرَّ نظام النميري صريعاً .
جاء “هولاء الناس ” وهم مدركين تمام الإدراك أنَّ نهاية حكمهم ستكون علي يد الحركة النقابية والأحزاب الوطنية وجماهير الشعب الطليعي من شباب وشيِّب وطلّاب؛ متى ما اتفقوا، ولذلك فقد عمدوا إلى التمكين والتخريب وافتعال الحروب العبثية التي تفرِّق وتمزِّق قماشة المجتمع كي يسودوا هم . حتى إذا ما اطمأنوا تماماً إلى أنَّ الأحزاب قد ضعفت وأنَّ النسيج الإجتماعي قد تمزَّق وأنَّ الحركة النقابية قد عدمت طفَّاي النار ؛ حتى إذا ما أطمأنوا وخلدوا إلى الرقص والتزاوج مثنى وثلاث ورباع: بقَّتْ الحركة النقابية بق. مضيئة باسلة نظيفة وذات بصيرة مدهشة ؛ خرجت عليهم – هذه المرَّة – في هيئة تجمُّع المهنيين متحالفاً مع الأحزاب الوطنية : الآفة أل ما بتتلافى؛ وهي بلا شك ماضية إلى مهمتها التاريخية ذاتها وهي تردِّد نحن الآفة ال ما بتِتُلافى؛ تطبَّنا في أباطك نعمل ليك إشقدي؛ تفكَّنا نهايتك.
التحية للآباء المؤسسين للحركة النقابية السودانية وهي تنهض- بعد كل قمعٍ وتشريد – كطائرِ الفينيق، كالعنقاء تنهضُ من بين الرماد :
التحية لجبهة الهيئات (أكتوبر 1964م) الشمولية الأولى
التحية للتجمُّع النقابي (مارس /أبريل 1985م) الشمولية الثانية
التحية لتجمُّع المهنيين (ديسمبر/يناير2019) الشمولية الثالثة والأخيرة
والتحية لهذا الشعب العظيم وقوَّاه الطليعية الحيَّة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..