أماديوس موزارت: أسرار الموهبة وتجلياتها (١)

د. الفاتح إبراهيم / واشنطن
هنالك أمور في الحياة تحتل جزءا كبيرا من تفكير الباحثين وهم في محاولات مستمرة لمعرفة كنهها وسبر اغوارها .. وفي مقدمة هذه الامور الموهبة واسرار العبقرية .. ولقد لجأ كثير من المفكرين الى دراسة الموهبين من ناحية الوراثة والبيئة وغيرها من عوامل التأثير ولكن لم يتوصلوا الى رأي يحسم المسألة مما دعا البعض الى الركون الى سبب واحد وهو ان ذلك سر يودعه الخالق فيمن يشاء من عباده .. وإلا كيف يمكن تفسير ما ينتجه ويفعله زيد من الناس في مجال موهبته بسهولة ويسر ما يجد الاخرون صعوبة بالغة في الاتيان به .. وما يحير الباحث في هذا الشأن أن الموهوب أو العبقري قد يؤدي هذا العمل المبهر في مجال موهبته فقط مع ان ما يقوم به في المجالات الأخرى بعيدا عن موهبته يبدو عاديا بل عييا واخرقا .. ومن اهم ما توصلوا اليه أيضا حقيقة ان شخصية العبقري ليس بالضرورة ان تكون متزنة ومنضبطة في سلوكها وتصرفاتها في احوالها العادية في غير مجال الموهبة ..
ومن العبقريات التي شغلت الناس عبر التاريخ العبقرية الموسيقية الضخمة لموزارت .. وفي منتصف ثمانينيات القرن الماضي تم انتاج فيلم امريكي عنه تحت اسم (Amadeus)
ولقد شاهدته في إحدى دور السينما هنا في العاصمة الامريكية واشنطن .. تحكي قصة الفيلم بأسلوب درامي قصة حياة أماديوس موزارت احد اكبر عباقرة الموسيقي الغربية ..
واعتبره النقاد من اعظم الأفلام التي تم انتاجها في تاريخ السينما العالمية .. وقد تم ترشيحه الى ٥٣ جائزة سينمائية فاز باربعين منها بما في ذلك جائزة افضل فيلم ..
والذي يعنيني هنا بالدرجة الاولى جانب الموهبة الفذة التي تمتع بها موزارت منذ الطفولة حين بدأ العزف على البيانو في سن الرابعة والف قطعة موسيقية في الخامسة والف اوبرا في سن الثالثة عشر ..
ومن اللقطات البارزة في الفيلم مشاهد تعرض موزارت طفلا يلعب ويجري في ارجاء قصر الملك في العاصمة النمساوية ڤينا يقهقه بضحكات عالية قد تبدو هستيرية غير عابئ بالحضور والهدوء والانضباط الذي يتصف به المجتمع المخملي الارستقراطي في اوربا في ذلك العصر في القرن الثامن عشر .. ويتكون الحضور في ذلك اليوم المشهود من عدد من كبار ملوك اوربا وعائلاتهم من الاميرات والأمراء الذين احتشدوا لحضور حفل في قصر الملك .. ويشترك في الحفل الى جانب الملوك كبار الموسيقيين .. غير انه وسط دهشة الجميع عندما جلس هذا الطفل العبثي اللعوب بضحكاته العالية على مقعد البيانو ظلت الموسيقى العبقرية تخرج من بين أصابعه بقوة وفي سلاسة ويسر .. وهكذا تقمصت هذا الطفل شخصية لا علاقة لها بالشخصية التي كانت تعبث بهم في ارجاء القصر .. ولعل الحبكة الرئيسة والرسالة التي عمد مخرج الفيلم الى ايصالها للمشاهد هي ان الشخص العبقري يمكن ان يتصف بهذه المتناقضات ولا تؤثر على مكانته وانتاجه المتفوق ..
ومعروف ان موزارت احتل مكانة عالية في التأليف في الموسيقى الكلاسيكية الغربية واتصف انتاجه بالغزارة بالرغم من قصر حياته التي بلغت ٣٥ عاما فقط .. وظلت الاسرار الكامنة وراء شرارة تلك العبقرية النادرة التي يصعب تفسيرها وربطها بالمنطق العادي مجال بحث على مر الزمن ..
ولقد صدق عالم الاجتماع العراقي علي الوردي عندما قال:
ربما صح القول بأن العبقرية هي اجتماع النقائض في شخصية واحدة ..
ياخى الفيلم دة من سنة 1984 يعنى ليهو قريب ال 40 سنة انت جاى يادوب تتكلم عنو ؟؟