طرق الأسفلت.. هل انتفت المواصفات..؟

الخرطوم: علي وقيع الله
طرق الأسفلت أصبحت لا تسر الناظرين والعابرين المستخدمين لها، ومن اللافت أن طرق الأسفلت في هذا الحاضر مليئة بالحفر وذلك في معظم منتصفات الطرق الرئيسة والفرعية الأخرى لا يعلوها سوى التراب بعد غياب الطبقة الأسفلتية، كل هذا يجسد وعورتها ورداءتها دون أن تحرك الجهات المختصة نحو ذلك ساكناً، هكذا حال الطرق بالعاصمة الخرطوم، ويرى مراقبون أنه لم تتم أي إصلاحات من أعمال صيانة للطرق بسبب الاضطراب السياسي الذي أعاق عمل الحكومة الولائية سيما أن معظم محليات الولاية كانت مغلقة من قبل لجان المقاومة خلال العامين الماضيين، ويرى خبراء اقتصاديون أنه بالنسبة لإجمالي الخدمات التي تقدم للمواطن تواجه مشكلة منذ سقوط نظام الرئيس البشير وحتى الآن السودان يعاني من حالة عدم استقرار كلي، وبالإشارة لراهن الطرق الآن فإنها تحتاج لصيانة سنوية للمحافظة عليها لتصبح صالحة للاستخدام، ومن الملاحظ أن الطرق والشوارع الآن أصبحت رديئة جداً، وربما هذا يكلف الدولة خسائر كبيرة من استهلاك للإسبيرات وتعطل الحركة بالإضافة لإهدار الوقت للعمال والموظفين نسبة لوعورتها مقارنة بالسابق.
المرحلة الأولى
وكانت هيئة الطرق والجسور ومصارف الأمطار بولاية الخرطوم، دفعت بعدد (٩) شركات و(٧) وحدات هندسية حكومية للعمل في صيانة (١٦) موقعاً بطرق الولاية، وقال مدير هيئة الطرق بالولاية المهندس، مختار عمر صابر في تصريح صحفي، إن المرحلة الأولى من أعمال الصيانة تستهدف صيانة الطرق الرئيسية والطرق السريعة والطرق التي تزدحم بحركة المرور، وتستمر مرحلة الصيانة إلى نهاية فبراير القادم، ثم تليها مرحلة التأهيل، وأكد استمرار أعمال الصيانة في محلية الخرطوم بشارع عبيد ختم، وشارع أفريقيا، وشارع محمد نجيب، وفي بحري مدخل نفق كوبر، وكبري النيل الأزرق الحديدي، وشارع الزوادة بحري، وفي أمدرمان تجري عمليات صيانة شارع النيل، وفي كرري تقاطع السيسي وشارع الوادي، وفي محلية شرق النيل شارع العيلفون، وشارع الكلاكلة شرق بمحلية جبل أولياء.
خطة الصيانة
يقول المحلل الاقتصادي الدكتور الفاتح عثمان محجوب، إن سلطات ولاية الخرطوم أجازت خطة لصيانة معظم الطرق بالولاية منذ شهر سبتمبر من العام الماضي أي بعد فترة انقطاع عن أعمال صيانة الطرق دامت لـ3 سنوات أي منذ الإطاحة بالرئيس السابق البشير، وأكد في تصريح لـ(اليوم التالي) أنه لم تتم أي إصلاحات للطرق بسبب انشغال حكومة الثورة بالاضطراب السياسي الذي أعاق عمل الحكومات الولائية، وأشار إلى أن معظم محليات الولاية كانت مغلقة من قبل لجان المقاومة خلال العامين الماضيين، وأوضح أن مواصفات الطرق في العاصمة في غالبها مشيدة وفقاً المواصفات التي تتفق مع متطلبات مرور السيارات الصغيرة والمتوسطة، وتابع قائلاً: لكنها تحتاج لصيانة سنوية للمحافظة عليها لتصبح صالحة للاستخدام.
رديئة جداً
يرى المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الناير أن مشروعات الطرق التنموية التي تمت دون مواصفات عالمية، ويصف في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الأبعاد الحكومية من إنشاء المشروعات الكسب السياسي، مضيفاً: صحيح إنه يحقق الكسب السياسي ويقدم خدمات تربط أطراف السودان بالعاصمة والأقاليم المختلفة وهذا أمر جيد، وفضل الناير عمل 5 كيلو بمواصفة عالمية بدلاً عن 10 كيلو من غير المواصفات المطلوبة العالمية، وقال: ينبغي أن يكون الطريق مساران بمواصفات عالمية من حيث المتانة والجودة، وتابع قائلاً: من المفترض أن تنشئ هذه الطرق شركات وطنية أو أجنبية بمواصفات عالمية وأن يكون الاستشاري من الدولة على قدر من المسؤولية وأن لا يستلم الطريق إلا بالمواصفات العالمية، ودعا إلى أن تكون هناك نظرة مستقبلية لأن السودان لا يمكن أن يكون بدون شبكة صرف صحي مدى الحياة، ويعتبر أن هذا أمر حتمي وليس اختيارياً، وواصل حديثه قائلاً: ظلت الحكومات تتخوف من إنشاء وامتداد شبكة الصرف الصحي ومنذ زمن بعيد لم تتجاوز العمارات وسط الخرطوم، وتابع: لم تمتد إلى الأمام سوى في بحري وأم درمان، وطالب بعدم إنشاء أي طرق إلا بعد وضع نظام شبكة تمرير صرف صحي من أسفل الطريق، وشدد على ضرورة استصحاب كل أشكال النهضة التنموية المتوقعة في المرحلة القادمة، وطالب في حال تفكير الدولة بإنشاء الطرق والجسور أن تكون بالمواصفات العالمية، مشيراً إلى أن الطرق والشوارع الآن أصبحت رديئة جداً، وهذا يكلف الدولة خسائر كبيرة جداً من استهلاك للإسبيرات وتعطل حركة العمال والموظفين وفي هذا إهدار لقيمة الوقت، وأشار إلى أن هناك محاولات قليلة في ترقيع أو صيانة بعض الطرق وهذا أمر جيد، متمنياً تكثيف الجهود المبذولة في مثل هذا العمل خلال المرحلة القادمة.
عدم الاستقرار
الباحث الاقتصادي الدكتور هيثم محمد فتحي يرى أنه بالنسبة لإجمالي الخدمات التي تقدم للمواطن فيها مشكلة منذ سقوط نظام الرئيس البشير وحتى الآن السودان في حالة عدم استقرار، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية انتقالية وبالتالي هي حكومة تسيير أعمال إلى أن تكون هناك حكومة منتخبة تعمل على وضع خطط تنموية وتنفيذها، وبحسب تقديراته فإن الحكومة الانتقالية فاشلة في إنها تقدم حتى الصيانة لهذه الطرق وحتى الصيانة للخدمات وحتى استمرار الخدمات، وعزا ذلك للوضع الاقتصادي الذي لا يسمح باستمرار تقديم الخدمات، لافتاً إلى التدهور في قيمة العملة الوطنية وكذلك التدهور في الإيرادات العامة بجانب تدهور في الصادرات السودانية بالإضافة إلى حالة عدم استقرار أمني وسياسي مع استمرار الاحتجاجات الشعبية شبه اليومية، وقال عبر إفادة لـ(اليوم التالي) إن هذه الاحتجاجات والتظاهرات تؤثر على بيئة العمل وحتى على استمرار الخدمات إذا كانت صيانة طرق وشوارع أو خدمات تعليمية أو صحية، داعياً إلى أن يتوفر الاستقرار الأمني والسياسي ومن ثم بعد ذلك يأتي الاستقرار الاقتصادي، ثم تقدم الخدمات إلى المواطن، وأقر أنه من حيث تقديم الخدمات هناك قصور كبير جداً من جانب الحكومة الانتقالية، وطالب بضرورة وضع خطط عاجلة لتقديم الخدمات وأن تكون من ضمن أولوية الحكومة، وحث على دعم العمل الإنتاجي الزراعي والصناعي، ونوه إلى أن السودان تحاط به كثير من المخاطر في كافة المجالات خاصة في مجال الخدمات من الكهرباء وتعليم وصحة ومياه وطرق وجسور.
التقدم الاقتصادي
ينظر المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي بدوي،إلى الجسور والطرق المسفلتة والنظيفة بصفة أساسية من أهم مظاهر الرقي والتقدم الحضاري والاقتصادي لأي دولة من الدول، وقال في حديثه لـ(اليوم التالي): كما إنها تعتبر الأكثر استخداماً نتيجة للحراك الإنساني في سعيه لكسب الوقت وعوائد العمل ونقل وتوزيع السلع في مختلف أرجاء الدولة بأقل التكاليف الاقتصادية عموماً والمالية خصوصاً وذلك بالمقارنة بالطرق غير المعبدة عموماً ناهيك عن المسفلتة، ويرى أنها تعمل على تحقيق وفورات مالية كبيرة للمشاريع التي تستخدم الطرق الحديثة بما يساعدها على التنافس السعري لمنتجات الخدمات المحلية في مواجهة المنتجات الأجنبية داخلياً وخارجياً، ويشير إلى أنها تخلق فرص عمل خدمية ومحفزة عديدة (محطات الوقود، المطاعم، والبنشرات، وخدمة الشرطة بأنواعها، وبائعي المنتجات الزراعية والصناعية).
رصف الطرق
وقال د. وائل: بهذه المواصفات المهمة نجد أن السودان ما زال متأخراً كثيراً عن الدول التي كنا أسبق منها في المجال منذ الاستقلال السياسي، وزاد قائلاً: تعاني الطرق خلال السنوات الماضية من الإهمال بسبب عدم الصيانة والتطوير لها ناهيك عن التوسع فيها داخل المدن وإلى داخل الأحياء أمام المنازل كما بالدول التي تقدمت على السودان في هذا المضمار، وأن الحصار التكنولوجي الذي فرض منذ عام ١٩٩٧م مما أدى إلى شلل السكك الحديدية واجتهاد النظام البائد في رصف الطرق، خاصة القومية، كبديل لها، في ظل ضعف القوانين والتشريعات والاتفاقيات مع الشركات الأجنبية، الا أن انهيار الطرق، خاصة داخل المدن والرابطة بالقرى المجاورة، ويعتقد أن ضعف الموازنات سبب من ناحية الإهمال من ناحية أخرى والفساد الذي كان سائداً في ظل العهد البائد، ليس فقط من الفساد المالي، وإنما أيضاً من حيث مواصفات الرصف والبناء (فالشارع على كبري شرق النيل نفذ بمواصفات بحيث أنها فتحت شهية الفئران لتأكل حديده وخرسانته)، وأضاف أنه في موازنة العام المالي ٢٠٢٢، فقد رصد مبلغ أربعة تريليون جنيه للتنمية (أي الاستثمار بمفهومه الواسع الذي يشمل الصيانة) لوزارة التنمية العمرانية والطرق والجسور غير محدد نصيب الطرق منها سواء لإعادة تأهيلها بالمدن أو الطرق القومية، وأوضح أن صيانة الطرق والتوسع فيها يقلل من معاناة المواطنين ويؤدي الى تخفيض أعباء صيانة وسائل النقل بما يساهم بنسبة كبيرة جداً في تحسين حسابات ميزان المدفوعات (نظراً لغلاء قطع غيار المركبات إلى جانب تخفيض استهلاك الوقود وكسب الوقت لزيادة لصالح الإنتاج وتحسين الإنتاجية ومن ثم دعم تنافسية المنتج الوطني بما يوسع من ماعون الإيرادات للخزينة العامة).
التأخر الهندسي
ويضيف د. وائل في ذات الوقت يجب التنويه بأن صيانة وإنشاء الطرق بخلاف أنها مكلفة للغاية إلا أنها تساهم في دعم التضخم كواحدة من الإنشاءات ذات العائد في المدى الطويل، مشيراً إلى عدم التخطيط الدقيق مما تفشت مظاهر التأخر الهندسي الناتجة عن ضعف مواصفات إنشاء وصيانة الطرق وتدهور المرصوف منها حالياً وتعويضها بالرقع غير المستدامة، ونوه أنه إذا لم تتحسن السياسات التمويلية للدولة بعيداً عن الفلسفات التي تحكمها حالياً، فلا يمكن توقع تحسن الأداء الاقتصادي أو تطور بنياته الأساسية التي من بينها الطرق بالمدن والقرى.
اليوم التالي