حذو بشار هل يجدي؟!

مختار محمد مختار
مثلما استفاد السودانيون من دروس من ثورتيهم المجهضتين,استخلصوا منهما العبر والعظات, ووضعوا نصب أعينهم على شتى التفاصيل التي قد تقوض الثورة الثالثة منعا للأخطاء التاريخية ومنعا للعودة من النصر بخفي حنين, ومثلما تعلمت الإنقاذ من ذات الثورتين قبل مجيئها كيفية إفقار الشعب السوداني من أدوات نضاله فخلصوا إلي النتائج التي نعرفها جميعا فيما عرفت لاحقا بسياسة التمكين, فها هم قد وجدوا في ثورات الربيع العربي نماذج مختلفة لتعامل الأنظمة مع الثورة, وهاهم يتخيرون ما هو الأحسن في نظرهم لمقارعتها وحسمها لو استطاعوا أو الخروج بماء الوجه وبعض ما اكتنزوه حراما على أقل تقدير, آملين في عودة أخرى لحلبة السياسة تحت شكل ومسمى آخر.
بالطبع النظام في السودان لا ينوى أن يتنحى رئيسه مثلما حدث في مصر وحدث عندنا في أكتوبر ولا ينوى أن يوفر لرئيسه ملجأ يذهب فيه وعائلته ليقضيا بعيدا ما تبقى من عمر مثل بن على تونس ومثلما حدث عندنا في أبريل.
النظام أختار خياره قبل أن تشب نار ثورة ديسمبر في أن يحذو حذو النظام السوري في إتباع سياسة النفس الطويل بعدم النزول لرغبة الثوار والتنحي مع العنف حد القتل بلا هوادة عل الأمر يستتب لهم في نهاية الأمر أو أن ينتهي ألأمر بمساومة كما انتهى إليه الحال عند عبد ربه اليمن, ولهم في كل خير.
إلا أنهم غفلوا تماما أن السودان ليست سوريا, فليس مجرد أن تحاول الارتباط عضويا مع روسيا صاحبة الفيتو في مجلس الأمن عن طريق توريطها في إنشاء قواعد عسكرية أو أن تفتح لها أراضى البلاد الغنية لشركات التعدين حتى لا تجد مناصا من الاستماتة في خندقك, يضمن لك نفس النتائج التي تحصل عليها النظام السوري, فالشعب السوداني ليس هو الشعب السوري, ليس مفتون بطوائف دينية متنافرة حد القطيعة والفكاك وليس فيه قبلية متناطحة حد عدم الالتقاء, فهو شعب لحمته متماسكة متجانسة رغم تنوعها, ولا الإرث السوداني التاريخي والسياسي القديم والحديث يشبه في تضاريسه سوريا, ولا الثقافة السودانية في أمزجتها ومنطلقاتها تشبه سوريا, والاختلافات عديدة وعميقة في معطيات الواقع السوداني عن كل الدول التي غشاها الربيع العربي.
بل أن المعطيات في النظام السوداني تختلف كثيرا عن نظام بشار وإن تشابها حينا, فالأخر كان حتى قيام الثورة ضده يوفر لشعبه حياة كريمة في احتياجاته الحياتية, نظام كان محافظا على هيبة البلاد وسيادتها, بل وكان يعتبر من دول المقاومة العربية وكان ذلك بمثابة المشروع الذي يستمد منه السند والنصرة والتعاطف وسط مؤيديه, والأهم أنه ظل متصالحا مع مشروعه هذا ولم يساؤم في جوهره, هو نظام متجانس المصالح بين منسوبيه, وما زال له مؤيدون كثر من القواعد حتى بعدما حصل ما حصل في سوريا ناهيك عن قبل ذلك.
وعلى العكس منه تماما النظام في السودان, فالنظام هنا إذدرى مشروعه الإسلامى ولم يحصنه أبدا حتى صار يفعل المتناقضات به ويقول ما لا يفعل فيه ويفعل ما جعل حتى منسوبيه التاريخيين يتبرؤون منه, فانكشف غطاؤه وبصر الشعب حديد, وعندما تفقد مشروعك السياسي فأنك بالطبع فقدت كل شئ ولم يتبقى منك إلا صورة اللحم والدم, هذا ناهيك عن انه نظام أفقر شعبه حد المسغبة وقتل شعبه حد الإبادة وفرط في السيادة حد الانفصال, والنظام هنا غير متجانس المصالح بين منسوبيه, فبينما هو معزول حتى من قواعده تموج في قيادته تصارعات وتجاذبات شديدة بدأت منذ سنين وتجلت واضحة عند عزمه ترشيح البشير مجددا رئيسا لفترة أو فترات قادمة لحكم البلاد, والنظام هنا ملاحق رئيسه دوليا وحركته عاجزة ومحدودة. باختصار هو نظام فقد كل مسوغ ومبرر لوجوده حتى عجز منسوبيه الحيلة للدفاع عنه فصار معزولا عزلة لا فكاك منها بعد أستنفد كل حيله في الإنعتاق من العزلات التي مر بها مرات ومرات, فما عاد ما يطرحه ويوعد به يعتد بهما وأصبحا غير مقبولين البتة, فعزم الناس على إسقاطه وبس.
وعلى الجانب الأخر فهناك شعب سحرت كثير منهم شعارات تلك الجماعة وبريقها الكذوب, فتركوا المسرح السياسي شبه خاليا لهذه الجماعة تكتب فيه ما تشاء وتخطب على منبره ما طاب لها من القول, فصبروا عليه السنة تلو السنة حتى قاربت السنين ثلاثينا, وهم يراقبونه , فشاهدوا ما يكاد لم يخطر على بال أحد, شاهدوا حكايات الذل والمهانة والقهر وحكايات الجوع والفقر والجهل, وقصص الفساد والمحسوبية والنصب, شاهدو القتل والإبادة والحرق,شاهدوا بيع الأرض, شاهدوا الوطن ينفصل وشاهدوه يتنزل من عليائه بين الأمم لمكان وضيع, شاهدوا سقوط أقنعة الضلال والزيف وشاهدوا كواذب الذقن والتكبير والتهليل, شاهدوا الكثير والكثيرمن المبكي حد النحيب والمضحك عند البلية.
الآن هذا الشعب توحد بكل مكوناته وآب إليه الكثيرين حتى المحسوبين بشكل أو بأخر لهذا نظام ومرجعياته الفكرية, توحدوا حول هدف واحد يجسده شعار عبقري يختزل الكثير جدا في مكنونه ويفصح عن معنى عميق في الخلاصة ” تسقط بس”. توحدوا خلف قيادة نالت ثقة لطالما توجس السودانيون لمن يعطونها كاملة, توحدوا خلف تجمع المهنيين أولا وأحزابهم التاريخية من بعد وأدركوا بأن المهمة لا يمكن القيام بها إلا مجتمعين تامين وملمومين.
إن حجم المظاهرات التي عمت القرى والحضر وخرج فيها الشائب والطفل, المرأة والرجل, العذير والسليم كانت كافية جدا لتجعل أي نظام لديه قليل من الاحترام أن يترجل, وكانت كافية لان يتدخل الجيش لينحاز الجيش لشعبه وينهى المسألة, فما الذي يحث؟!
كما أسلفنا فالنظام يحاول جاهدا أن يحتذي سياسة النفس الطويل عل المظاهرات تهدأ بعد أن يقنع الثوار أو أن يتكفل القمع والقتل والإرهاب بذلك كما حدث في سوريا, ولا نستطيع أن نفقد الأمل في قواتنا المسلحة, فتفاصيل اللحظات الأخيرة دائما بيدها, وهي لا تخلو أبدا من الشرفاء الذين في ساعة ما سيقولون كلمتهم وإن أبت القيادة, أما الذي يؤخرهم عن هذا فلا نعلمه, فالنظام لديه طرقه في حبس الضباط والجنود عن السلاح ومراقبة حتى القيادات الوسيطة مراقبة لصيقة حتى يكون هناك حراك جماعي داخل الجيش, فتأخر الجيش لا يعني انه ليس مع شعبه, ومهما هم تأخروا فأنهم يأتون !
السيناريو السوري غير وارد في بلادنا كما بينا ذلك, إن أقرب السيناريوهات إلي حالتنا هو السيناريو التونسي أو أخشى أن أقول سيناريو غوردون باشا إذا أصر البشير واستعصم بالقصر, ولا نحرض على القتل أبدا, بل محاكمات عادلة, ولكن من يملك أن يتحكم في غضبة الثوار ؟
على كل حال فحتى تحسم هذه الثورة بأي السيناريوهات فلابد أن يخرج الشعب السوداني عن بكرة أبيه نحو القصر, مئات الألوف على اقل تقدير, حينها لن تستطيع قوة ما كانت أن تقف في طريقها, تحت هذا الضغط البشري الهائل سيشل تفكير النظام وسيتفكك ما بقى فيه من نسيج وحينها سيجد الشرفاء في الجيش سأنحتهم لأخذ المبادرة بين ضباطه للانحياز الشعب, أذا حدث هذا كل شئ سيتواتر سريعا الإضراب السياسي وتدخل الجيش لحماية المتظاهرين ومن ثم إعلان النصر , هذا ما حدث بالضبط في تونس, ولو لم يهرب بن على لقتله الثوار.
إذا واجب الساعة هو العمل على أن يشارك جموع الشعب السوداني بمختلف قطاعاته في التظاهر , كيف السبيل إلي جعل ذلك مكنا؟! تلك مهمة النشطاء والسياسيون والمثقفون والثوار ومهمة الشعب في أن يستجيب!!