
خارج المتاهة
كانت خطوة متقدمة عندما التقط الجميع الفكرة وخرجوا للمشاركة في ذلك الإعلان بغض النظر عن مصدر الفكرة مع التقدير التام ..
كذلك كانت الخطوة المرافقة للحملة : “ميثاق تأسيس سلطة الشعب” ولكنه – أي مقترح الميثاق – جاء وبه رتوش من سلبياتنا “القديمة” ولكنها لا تمنعنا من النظر لإيجابياته قبل “إدعاء” التنبيه لتلك السلبيات .. فمع تطاوُل عهد الضعف وما ساده من أمراض الأنانية والشك والتنافس السلبي بين قوانا السياسية ، بأسبابها الذاتية والموضوعية ، لن تأتي خطوات الانتقال منه إلى عهد ايجابي مثاليّةً متكاملة ، لا نتوقع ذلك ، بل ستتخلّل المقترحات إسقاطات إيديولوجية وحمولات حزبية مندفعة ، ذلك أمرٌ طبيعي ، فالمهم أن تُقبل قوى الثورة على بعضها بعقول منفتحة وإرادة عازمة على إنقاذ الوطن وإعادة بنائه ..
ابتداءاً نؤكد على أن الميثاق جاء خطوةً عمليّةً وأساساً جيداً للنقاش وافتتاح عهد التوحُّد الواسع والتقدم بالثورة على انقاض ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ ..
لكن ، في صياغة الميثاق لا زالت هنالك التفاتاتٌ إلى الوراء ، من أبرزها مُطالَبَةْ مجموعة من الأحزاب (قوى الحرية والتغيير/المجلس المركزي) أن تأتي للنقاش والتوقيع بعد تقديم نقد ذاتي لتجربة الحوار مع المجلس العسكري وتأسيس الشراكة معه بالتوافق على الوثيقة الدستورية !!! مثلاً .. سيكون الالتفات إلى الوراء من أكبر العوائق في بناء مشروع التوحد/ التنسيق وتجميع كل قوى الثورة في مواجهة انقلاب ٢٥ أكتوبر :
– هذا يُطالب الآخرين بالنقد الذاتي ..
– هذا يسأل عن ١٩ يوليو١٩٧١ وذاك عن ٢٨ رمضان / ٢٣ أبريل ١٩٩٠ ..
هذا عن الاشتراك في برلمان النظام الساقط بعد إتفاقية القاهرة ٢٠٠٥ ، وذاك عن التفاوض مع النظام وإبداء الاستعداد للتحالف معه ومشاركته السلطة بعد مذبحة ٢٨ رمضان ١٩٩٠ ..
– هذا يُعاير ذاك ، وهذا يُجيب : من الذي نَصّبَكَ أساساً ؟؟ ..
وهكذا ، بحث ومحاكمات لن تتوقف عند عنبر جودة أو انقسام مؤتمر الخريجين ، ولا معركة كرري ستكبح جماحها ..
لن يتوقف هذا المسلسل حتى لو انبرى أحدهم ليقول : “بدون تقييمٍ لتجاربنا ودراسة سلبياتها لن نستطيع التخطيط للمستقبل بطريقة معافاة .. و.. و..” إلى آخر ذلك من مداخلات نظرية بَرَّاقة ومنطقية ولكنها لن تُفيدَ بناءاً مستقبلياً لمثل بلادنا المُهَدَّددة بالتجزئة والفناء ، التي يتكالب عليها الجوار الإقليمي والدولي أفراداً وجماعات ، ويطمع في رئاستها وتغيير طبيعتها قائد مليشيا تقول سيرتها أنها تاريخ القتل والحرق والاغتصاب في دارفور والسرقة والنهب لموارد البلاد وثرواتها ؛ يزحف الجنجويد ويتمدد على حساب جيشنا الوطني (المُغْتَصَب) نحو زمام البلد ونحن في صراعاتنا ، نزعاتنا في الانفراد وإقصاء الآخر ..
“المماحكة” والهتافية تُظلِّل مساجلاتنا وأعوان النظام الساقط يعودون علناً لمواقعهم لاستعادة سلطتهم الغابرة تحت رايات (المكون العسكري) الذي لم يكن إلّا تأميناً لمصالحهم وإلّا امتداداً لهم ..
الأمر سهل للغاية – رغم صعوبات المظهر – إذا أخلصنا بصدقٍ للوطن (وفيه تأسيس جيد لعلاقات المستقبل الوطنية) ، أسهل كثيراً من الندم الدامي :
“ندم البُغاة ولات ساعةَ مندمٍ
والبغيُ مرتع مبتغيه وخيمُ”