مقالات متنوعة
الإسلاميون…السقوط الأخلاقي وفشل الدولة الدينية

أحمد القاضي
من تمام عجز العصابة الإخوانية المتسلطة، محاولتها إعادة مشهد الستينات في القرن الماضي، بالسعي لإحياء شبح ما عرف آنذاك عالميآ بالخطر الشيوعي، وذلك لشق الصفوف وفرملة الحراك الجماهيري المتصاعد، والمتبلور إلى ثورة تقتلعهم إقتلاعآ حسب نبوءة المفكر محمود محمد طه…..ففي تناغم يشي بحملة مخططة مدبرة، خرج ثلاثة من براد النسيان، والقوأ على الإسماع كلامآ فطيرآ…..قال أولهم:[لن نسلم السلطة للذين لا يعبدون الله]…هكذا قالها العميد معاش يوسف عبد الفتاح، في تجمع بإحدى المحليات، موثق في فيديو…وكان هذا المنسي قد شكى حظه العاثر مع الإنقاذ، التي هو أحد ضباط إنقلابها، في حوار أجرته معه صحيفة (الصيحة) بتاريخ 7|5| 2017 م، إذ قال ضمن كلام كثير :[الفساد هو أكثر ما ضر بالإنقاذ] [قدمت ثلاثة أشخاص في قضية اختلاس فتم إبعادي وترقيتهم] وأضاف أنه عاطل لان {الإنقاذ أكلت بنيها نظيفي اليد واللسان} ورغم كل هذا خرج ينافح عن الفساد…..والمنسي الثاني هو صاحب الحلقوم الكبير، العميد معاش يونس محمود أحد صانعي الإنقاذ، والذي وضع في الإيداع، بعد أن قضى سنوات الانقاذ الأولى، في سب المصريين وآل سعود الذين وصفهم باليهود، وذلك في زمن الغرور حين كانوا يحلمون بحكم العالم والآذان في الفتيكان…فإثر فشل محاولته لترويج الأكذوبة التي إختلقها صلاح قوش، من خلال قناة سودانية 24، بأن الموساد وحركة عبد الواحد يقفان وراء الحراك الجماهيري، عاد ليقول أن اليسار يقف وراء الإحتجاجات…..والمنسي الثالث هو طه، الذي إرتبط إسمه لأجيالنا، بنص في المطالعة الأولية، يقول:[طه تاها تاها…تاها طه تاها]…ففي الفضائية سودانية 24، التي هدد فيها الثوار بعصابات الظل المنتظرة للإشارة لتتحرك لقمع الثورة، إتهم الشيوعيين بالإسم بأنهم وراء الإحتجاجات الشعبية…
ويبدو أن هذا الثالوث المحدود الأفق، لا يدري أن مشهد حقبة الستينات يستحيل تكراره…وأن ناسج مسرحية معهد المعلمين العالي قد هلك…ومحاولة تخويف الناس بالشيوعية هي بضاعة مزجاة، وعملة قديمة كنقود أهل الكهف …فقد طوت البشرية صفحة الشيوعية، وإنتهى إلى الابد حاضنة الماركسة الأولى الإتحاد السوفيتي، الذي اتضح أن جل مسؤوليه لم يكونوا شيوعيين أصلآ، مثل الطاغية بوتين الضابط الكبير في المخابرات السوفيتية، الذي ذهب إليه السفاح البشير، يطلب الحماية وهو مطأطئ الرأس، ويمنحه حق إقامة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر….ولا ندري كيف لحزب ما انفك السفاح البشير، يتهكم عليه ويصفه بــ{الحزب العجوز} أن يحدث كل هذا الحراك من دنقلا إلى نيالا…فهذا الهروب من مواجهة الحقائق، يسمى في علم النفس بمكنيزمات الدفاع، ومنها الإنكار والإزاحة، فبدلآ من مواجهة الحقائق الماثلة، يرمي اللوم على جهة أخرى فيرتاح….والحقيقة الماثلة دون غباش، هي أن الثورة فجرها جيل العصر الدجيتالي، جيل الــ[إنفورمشين تكنولوجي]…وهو الجيل الذي ولد وشب وترعرع، وقوي عوده في عهد المحاق…أيّ الجيل الذي أجرت عليه العصابة الأخوانية، برامج ممنهجة ومكثفةة، لغسل أدمغته بالكامل…فعندما أصدر الكونغرس الأمريكي في العام 2007 م، قانون المحاسبة ونزع الإستثمار، ضد المتورطين في حرب الإبادة بدارفور، صرح علي عثمان طه أو (تاها) تصريحآ يفضح التركيبة العقلية لهذه الكائنات، التي تنتمي إلى ما قبل الهوموسبيانس، واوردت البلاد المهالك، إذ قال:{إن ردنا على هذا القرار سيكون ببناء ألف خلوة} فتأملوا…ليته قال أنه قرر إستيراد ألف كمبيوتر ليوزع على الأطفال… ما الضرر الذي سيلحق بأمريكا، حتى لو بنى مليون خلوة؟ …ترى هل أراد تهديد أمريكا وتخويفها، بإعداد الإرهابيين في الخلاوي منذ نعومة أظافرهم…..فالخلاوي إذن، كانت حسب المخطط الطاهوي، هي آلة الزمن لإرسال أطفالنا إلى القرون الوسطى، وسجن أذهانهم في دهاليز الخرافة….وليستمر تشكيل العقل الأسطوري المضاد للعقل النقدي، تم تحويل 70% من المواد المدرسية إلى مواد دينية، بين ثناياها نصوص من مؤلفات أبو الأعلى المودودي وسيدقطب وأخيه محمد قطب، ومن لف لفهم من أساطين الرجعية….ولم ينته الأمر عند ذلك، بل وتم تحويل التلفزيون أداة التثقيف والترفيه الوحيدة، بعد تدمير السينما ودورها، إلى وسيلة لنشر الدروشة والملل….فهل مكّن كل ذلك العصابة الأخوانية، من تحقيق خطتها في غسيل الأمخاخ، وإعادة صياغة الإنسان السودان حسب هواها؟…من الممكن إستقراء النتيجة، مما تسمعه من وقت لآخر على لسان العوام [والله ديل كرهوا الناس في الدين] …ولا أظن أن أحدآ يجهل الطرفة الشهيرة [دي الله أكبر القديمة]….أما الفشل الأكبر فكان هروب آلآف الشباب، من دولة المشروع الحضاري الإسلامي، إلى الغرب العلماني حيث التقدم والحرية وحقوق الإنسان…وقد بلغ الأمر بمئات الشباب، أن فروا من دولة المشروع الحضاري الإسلامي، إلى أنوار الغرب عبر ركوب الخطر، بالسفر إلى ليبيا ثم قطع البحر الأبيض المتوسط بقوارب مطاطية ، تحت رعاية عصابات التهريب الدولية….وما بقي من هذا الجيل داخل الوطن، هو الذي فجر هذه الثورة، الأمر الذي أحدث صدمة عنيفة لدى كهنة التنظيم الأخواني، حتى أن السفاح البشير، لجأ إلى قرية ود الحداد بالجزيرة المروية، ليتحدث بعد ثلاثة أيام من إندلاع الثورة، أمام حشد محشود من بسطاء القرويين، ليزعم أن له شعبية يحاجج بها…ثم تأكدت عزلة العصابة عن الجيل الديجتالي الحديث، بخطاب السفاح أمام حشد محشود آخر بالخرطوم، جله من نساء وبنات الإسلاميين ومن والاهم من المنتفعين….والصدمة الأخطر التي هزت كيان العصابة الأخوانية، هي إنقلاب المساجد عليها…وسأورد هنا كلام الاسلامي السابق والوزير الانقاذي السابق السيد مبارك الكودة، الذي فر من الإضطهاد إلى باريس، كشهادة بحسب أنه أول من تحدث عن إنقلاب المساجد على العصابة الأخوانية، في فيديو بتارخ 12 يناير 2019 م، يقول فيه::[الشارع بقى أقوى وأكبر مننا، وبرهن على ذلك اليوم المسجد …مسجد عبد الحي ودا الخلاني أقول الرسالة دي…الشفتو في مسجد عبد الحي رسالة خطيرة جدآ، وفي مساجد كتيرة وفي مسجد بري الناس إستعملت الميكرفون من داخل المسجد…والمساجد ستقود الثورة…وانا لامن اقول المساجد ستقود الثورة، لا أعني الاسلاميين القاعدين في الرصيف …المساجد للسودانيين ما بس للاخوان المسلمين …وبالمناسبة الأخوان المسلمون خلوا المساجد أغلبهم يعني…أغلبهم خلوها بقت ما عندهم علاقة بالمساجد…بقول الخرجوا من المساجد ديل الشيوعيين والبعثيين والصوفية والاسلاميين والما عندهم حزب وهم الاكتر …خرجوا ليكم من المساجد الإنتو إتحدثتم عنها وبنيتوها، وكلما الناس تفتح خشمها تقولوا ليهم نحن عملنا الفين مسجد في الخرطوم …أها المساجد الليلة وقفت ضدك…ومسجد عبد الحي الحكومة ساهمت فوقو بصورة غير عادية، وأنا كنت معتمد الخرطوم وأعرف ذلك تمامآ…دا المسجد الانحن ساهمنا فوقو بصورة غير عادية، بدأ بالريئس نفسو الكان بيرعى المسجد دا ….المسجد دا خرج عليك بصورة قوية جدآ، أقوى من الصورة الإنت جمعت بيها الناس في الساحة الخضراء، صورة حقيقية للرفض ..] رابط الفيديو الذي يتضمن حيث السيد مبارك الكودة::
https://www.youtube.com/watch? v=2gfCpCSwnDo
كل ذلك يعكس فشل مشروع، غسيل أدمغة الجيل، الذي تلقى تعليمه من المهد إلى المراحل الجامعية، بمناهج ظلامية أشرف على وضعها، الأخوان المسلمون بعناية فائقة، بغرض صياغة جيل متدروش معبأ بالخرافات والأساطير، لتسهل السيطرة عليه وبرمجته بالطريقة التي يريدونها، وبالتالي فشل الدولة الدينية، التي ظنت العصابة الأخوانية أنها أرست مداميكها، دون أن تدري أن الذي سيحطمها، هو ذات الجيل الذي نشأ تحت سلطانها.
وفي تجارب مماثلة، فإن الجيل الذي إنهار على يديه الاتحاد السوفيتي، هو الجيل الذي تلقى شحنات هائلة من التعاليم الماركسية اللنينية، عبر المناهج الدراسية، والسينما والمكتبات والتلفزيون ومجسمات ماركس وانجلز ولينين، التي كانت تملأ ساحات المدن السوفيتية وأركانها….فالنموذج الاشتراكي السوفيتي البائيس، الذي كان قائمآ على القمع والفقر وتأميم الحريات تمامآ كتأميم وسائل الانتاج والخدمات، وإغلاق الحدود ومنع السفر، وفرض لون واحد من الثقافة، ومنع جميع الأشكال الأدبية، ما عدا ما أسموه بالواقعية الإشتراكية، جسده الكاتب الانجليزي المعروف جورج اوريل في كتابه الشهير {مزرعة الحيوان}
وقد أقام الأخوان المسلمون، مزرعة حيوان أخرى في السودان، بنموذجهم الإسلامي الأخواني البائس….ففي الثلاثين سنة الماضية، لم تعرف البلاد غير السجون والحروب والمشانق وبيوت الاشباح، وقطع الأطراف وتكميم الأفواه، وجلد النساء بسياط (العنج) في الميادين العامة، وحلق رؤوس الشباب عنوة في الطرقات، والإضطهاد الديني للمسيحيين بهدم كنائسهم بحجة البناء دون ترخيص…وفقدت عاصمة البلاد، ناهيكم عن المدن الاخرى، حيويتها الثقافية والإجتماعية، إذ أغلقت دور السينما وهدم بعضها، ومنعت الندوات الفكرية والثقافية، التي لا تخدم الظلام…وفي الوقت الذي كان فيه السعوديون يناقشون أمر إلغاء الشرطة الدينية، التي إرتبطت بالحركة الوهابية،، كانت العصابة الأخوانية المتسلطة، تجذّر هذه التجربة البليدة، التي إستوردتها من السعودية، بإطلاق يد شرطتها الدينية، المسماة بشرطة النظام العام، التي تخصصت في مطاردة النساء بزعم الزي الفاضح…..وأكثر من هذا، هم (مطاوعة) مرتشون وفاسدون ولصوص، وقد حدثني صديق من جبال النوبة يعيش في نفس المدنية، أنه وقت كان يعيش في أطراف الخرطوم بحري، في حي يجمع فقراء جبال النوبة، كانت شرطة النظام العام تداهم منازلهم دوريآ، وتصادر أية كمية من البلح تجدها عندهم، بزعم انها معدة لصناعة {العرقي} وقد صادرت من منزله جوالآ من البلح تحت نفس الزعم، كان قد إشتراه لمناسبة عرس…أرايتم كيف يسرق مطاوعة السودان طعام الفقراء، ويجرّمونهم بإسم الدين قبل أن يرتكبوا الجريمة….هذا هو ما إنتهى إليه المشروع الحضاري الإسلامي، الذي بشرت به العصابة الإخوانية….دعونا نتأمل في تفاصيل هذا المشروع، الذي طرحته العصابة الأخوانية في إنتخابات العام 1985 م، عبر صحفها، حيث جاء::
الجبهة الإسلامية القومية من أجل::
تثبيت شرع الله 1
تأكيد هوية البلاد الإسلامية 2
إقامة نظام حكم راشد مؤسس على الشورى 3
تأسيس نظام إقتصادي على نهج الإسلام 4
إشاعة روح التكافل والتعاون 5
وقف مظاهر الفوضى والفساد 6
المحافظة على أمن البلاد ووحدتها 7
إقامة علاقات خارجية متوزانة 8
تأكيد دور السودان الرائد في المنطقة 9
10بناء نظام تربوي يعيد صياغة الفرد والمجتمع على أسس الإسلام ويعنى بالمرأة والشباب
ماذا حققت الحركة الإسلامية من هذه المبادئ العشرة؟؟ هل أوقفت الفوضى والفساد أم زادت الفوضى والفساد…هل حافظت على أمن البلاد ووحدتها أم تجزأت البلاد وإشتعلت في أطرافها الحروب…هل أقامت علاقات خارجية متوزانة أم بدأت بأمريكا وروسيا دنا عذابها ثم بهتافات يهود يهود آل سعود ومحاولة إغتيال الريئس حسني مبارك والتحالف مع ملالي إيران…وهل تمكنت من إعادة صياغة الانسان السوداني والمجتمع السوداني كما يقول المبدأ العاشر أم فشلت للحد الذي ينتفض فيه الشباب، الذين عجزت العصابة عن صياغتهم وفق مشروعها، فخرجوا يهتفون {سقطت سقطت يا كيزان}
ولم ينته بؤس النموذج الإسلامي الإخواني عند هذا الحد، إذ غطس تمامآ في مستنقع الفساد….وهذا المستنقع الذي لا مثيل له في تاريخ السودان، هو وليد السقوط الإخلاقي للعصابة الأخوانية، القابضة على مفاصل الدولة الإقتصادية والسياسية والعسكرية، التي إدعت العفة والطهرانية، قبل مجيئها وفي بداية سطوها على السلطة…فقد كانت تردد في إجتماعاتها وملتقياتها، نشيد التنظيم الدولي للأخوان المسلمين، والذي من ضمنه البيت التالي::
فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء [] لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء
وبعد أن سطت على السلطة ظلت تردد [هي لله هي لله [] لا للدنيا لا للجاه
ولكن بعد أن تمكنت في الحكم، إنكبت على المال العام يسفونه سفآ…وهو إنكباب يشبه إنكباب الذباب على قدح من العسل…ولوحة الإنكباب على المال العام، يرسمها الدكتور حسن الترابي، عرّاب الحركة الإسلامية السودانية، في شهادة أدلى بها في حوار تلفزيوني، حيث يقول دون ذكر إسم السفاح البشير:{{الفساد استشرى ولم يترك أحدآ، كل السودان يعرف ذلك…في تلك الأيام كان يقول “لو رأيتموني أبني بيتآ لأسرتي علقوني في المشانق، نحن جيئنا لنبني السودان للفقراء والمساكين، وكأننا عمر بن عبد العزيز…وكنا نضرب للناس الأمثال، ضد الفساد وللتجرد والزهد، ولكنها السلطة} ويضيف قوله {الآن أسال السودان كله عن القيادات، التي تتولى الوزارات وأسألهم عن البيوت الهائلة، التي يبنونها جهارآ، الناس يعلمون أن الراتب لا يبني لك بيتآ متواضعآ ولا غرفة…ويتساءلون من أين هذا}
رابط الفيديو الذي يتضمن الحوار::
https://www.youtube.com/watch? v=f6XQUJAw9d0&t=17s
يقولون (أن السمكة تفسد من رأسها) وقد فسدت العصابة الأخوانية المتسلطة من رأسها، ليستشري الفساد السرطاني في بقية الجسد…ولما كانت الضرورة تستلزم، ان نعرف الخلفيات الأسرية للسفاح البشير، لنتبين من اين له كل هذا، بعد أن جلس على سدة السلطة، فإنه لا مماحكة في أنه ابن عامل بسيط، كان يعمل في مزرعة اللبناني كافوري المختلطة بالخرطوم بحري، وتحددت مهمته في رعاية الأبقار وحلبها…إذن هو ليس من الوارثين عزآ وجاهآ أو مالآ…وقبل أن تستدعيه الحركة الاسلامية من الجنوب، ليكون واجهة للإنقلاب المشؤوم، كان يسكن احد أحياء الخرطوم بحري الفقيرة….ولعل هذا المدخل ضروري، لنعرف حجم المفارقة المتمثلة في إمتلاكه بعد التمكين، فيللا في كافوري وأخرى في الطائف، وشقة في مجمع النصر ومزرعة مختلطة في السليت…وقد عدد السفاح بنفسه ممتلكاته هذه، غير المستحقة للمذيع الطاهر حسن التوم، في حوار تلفزيوني اجراه معه، حيث قال بغباء لا مثيل له، إنه سلم النائب العام [إقرار ذمة] يتضمن تفاصيل ممتلكاته، يا للهول!.
رابط الفيديو الذي يتضمن الحوار (الجزء المطلوب من الدقيقة 45)ا
https://www.youtube.com/watch? v=__waRKYGnL0
والمثير للسخرية أن (إقرار الذمة) يقدم، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، قبل قيام الرئيس أو الوزير بإستلام مهامه ومسؤولياته، وليس بعد أكثر من عشر سنوات، من السطو على السلطة، والسطو على المال العام، كما هو حال السفاح البشير، وأعوانه من لصوص الحركة الإسلامية، الذين لم يمتلكوا شروى نقير قبل 30 يونيو 1989 م….وهنا يحسن بنا أن نقف عند أمر، يحسب للسفاح لأنه يسلط الضوء على أريحيته، وهو أنه لم يستأثر لنفسه بتلك المأكلة الكبرى، بل أتى بأقاربه المقربين، وبنى لهم الفيللات بالجوار، حتى أن أهالي الخرطوم بحري، سموا ذلك الجزء من حي كافوري {حوش بانقا الجديدة} على سبيل التهكم…..أما إخوانه فقد إنفتحت لهم، مغارة على بابا بياقوتها ومرجانها، دون أن يحتاجوا حتى إلى كلمة (أفتح يا سمسم)…سألجأ هنا إلى إفادة طبيب سوداني، يعمل في السعودية، ويقول أن الطبيب عبد الله شقيق السفاح البشير، عمل في نفس المستشفى الذي يعمل فيه، وكان حاله حال كل الذين في كبد…يقول الطبيب::{أنت لو داير تحارب الفساد يا السيد الريئس..الفساد في بيتك…أبدأ بمرتك دي، مرة إبراهيم شمس الدين، اللي انت تزوجتها….دي شوفها كانت وين، وكان عندها شنو لامن انت اتزوجتها، وشوفها الآن عندها شنو…ببساطة يعني…لو انت فعلآ حريص داير تحارب الفساد…وشوف أخوانك، دكتور عبد الله الكان معانا هنا في مستشفى الشميسي دي، تعريفة ما عندو زينا…مغترب دمو فاير…فهمت كيف…في ناس معانا قاعدين لهسع دي…أمش شوفو عندو كام شركة وعندو شنو…وعلي أخوك ديل…لو أنت فعلآ…ولا دايرة ليها مفوضية…بالمناسبة وبتاع…أبدأ بأهل بيتك وبنفسك، عشان توري الناس إنك جاد.}
رابط الفيديو الذي يتضمن كلام الطبيب::
https://www.youtube.com/watch? v=d-w2dRQ15kU
وقبل أيام، في حوار تلفزيوني بالدوحة، التي يقيم فيها، قال الكاتب المحسوب على الحركة الإسلامية، عبد الوهاب الأفندي:[تعودنا ان يتهم الإسلاميون بالتطرف والإرهاب، أما أن يهتف الثوار “سلمية ضد الحرامية” فذلك فشل كبير للحركة الإسلامية] وليت الأمر إنتهى عند حد السقوط الإخلاقي، المتمثل في مص دماء الشعب السوداني، وسرقة قوته بعد زمان من إإدعاء العفة والطهرانية ووالنزاهة، بل الأخطر إن هذه العصابة منزوعة الحياء تمامآ….وإنعدام الحياء هو أبرز صفة في الشخصية السايكوباتية، التي تتميز بإنعدام الحس (تخانة الجلد) وعدم الشعور بالذنب والكذب….فبعد كل ذلك النهب الممنهج، وقصور كافوري والطائف، وحياة البذخ التي يعيشها هو وأخوانه وأقاربه، يقف السفاح في كل مناسبه، وينهي خطبه مرددآ بلا إحساس ولا حياء :[لا لدينا قد عملنا [] نحن للدين فداء]…فهل ثمة (تخانة جلد) أكثر من هذا….فهذا السايكوباتي لن يشفى، ولو قضى دهرآ في المصحات النفسية السويسرية، ولا جدال في أن مصيره ومصير عصابته الأخوانية، سيحدده هؤلاء الشباب الثوار، الذين هم في العشرين ودونه، وفشلت الحركة الإسلامية في صياغتهم حسب هواها ، وقولبتهم في قوالب كقوالب الأحذية…كما فشلت في هندسة المجتمع السوداني بالطريقة الي تمكنها من التحكم فيه…فالبقاء للأصلح وليس لمن يملك الرصاص
من تمام عجز العصابة الإخوانية المتسلطة، محاولتها إعادة مشهد الستينات في القرن الماضي، بالسعي لإحياء شبح ما عرف آنذاك عالميآ بالخطر الشيوعي، وذلك لشق الصفوف وفرملة الحراك الجماهيري المتصاعد، والمتبلور إلى ثورة تقتلعهم إقتلاعآ حسب نبوءة المفكر محمود محمد طه…..ففي تناغم يشي بحملة مخططة مدبرة، خرج ثلاثة من براد النسيان، والقوأ على الإسماع كلامآ فطيرآ…..قال أولهم:[لن نسلم السلطة للذين لا يعبدون الله]…هكذا قالها العميد معاش يوسف عبد الفتاح، في تجمع بإحدى المحليات، موثق في فيديو…وكان هذا المنسي قد شكى حظه العاثر مع الإنقاذ، التي هو أحد ضباط إنقلابها، في حوار أجرته معه صحيفة (الصيحة) بتاريخ 7|5| 2017 م، إذ قال ضمن كلام كثير :[الفساد هو أكثر ما ضر بالإنقاذ] [قدمت ثلاثة أشخاص في قضية اختلاس فتم إبعادي وترقيتهم] وأضاف أنه عاطل لان {الإنقاذ أكلت بنيها نظيفي اليد واللسان} ورغم كل هذا خرج ينافح عن الفساد…..والمنسي الثاني هو صاحب الحلقوم الكبير، العميد معاش يونس محمود أحد صانعي الإنقاذ، والذي وضع في الإيداع، بعد أن قضى سنوات الانقاذ الأولى، في سب المصريين وآل سعود الذين وصفهم باليهود، وذلك في زمن الغرور حين كانوا يحلمون بحكم العالم والآذان في الفتيكان…فإثر فشل محاولته لترويج الأكذوبة التي إختلقها صلاح قوش، من خلال قناة سودانية 24، بأن الموساد وحركة عبد الواحد يقفان وراء الحراك الجماهيري، عاد ليقول أن اليسار يقف وراء الإحتجاجات…..والمنسي الثالث هو طه، الذي إرتبط إسمه لأجيالنا، بنص في المطالعة الأولية، يقول:[طه تاها تاها…تاها طه تاها]…ففي الفضائية سودانية 24، التي هدد فيها الثوار بعصابات الظل المنتظرة للإشارة لتتحرك لقمع الثورة، إتهم الشيوعيين بالإسم بأنهم وراء الإحتجاجات الشعبية…
ويبدو أن هذا الثالوث المحدود الأفق، لا يدري أن مشهد حقبة الستينات يستحيل تكراره…وأن ناسج مسرحية معهد المعلمين العالي قد هلك…ومحاولة تخويف الناس بالشيوعية هي بضاعة مزجاة، وعملة قديمة كنقود أهل الكهف …فقد طوت البشرية صفحة الشيوعية، وإنتهى إلى الابد حاضنة الماركسة الأولى الإتحاد السوفيتي، الذي اتضح أن جل مسؤوليه لم يكونوا شيوعيين أصلآ، مثل الطاغية بوتين الضابط الكبير في المخابرات السوفيتية، الذي ذهب إليه السفاح البشير، يطلب الحماية وهو مطأطئ الرأس، ويمنحه حق إقامة قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر….ولا ندري كيف لحزب ما انفك السفاح البشير، يتهكم عليه ويصفه بــ{الحزب العجوز} أن يحدث كل هذا الحراك من دنقلا إلى نيالا…فهذا الهروب من مواجهة الحقائق، يسمى في علم النفس بمكنيزمات الدفاع، ومنها الإنكار والإزاحة، فبدلآ من مواجهة الحقائق الماثلة، يرمي اللوم على جهة أخرى فيرتاح….والحقيقة الماثلة دون غباش، هي أن الثورة فجرها جيل العصر الدجيتالي، جيل الــ[إنفورمشين تكنولوجي]…وهو الجيل الذي ولد وشب وترعرع، وقوي عوده في عهد المحاق…أيّ الجيل الذي أجرت عليه العصابة الأخوانية، برامج ممنهجة ومكثفةة، لغسل أدمغته بالكامل…فعندما أصدر الكونغرس الأمريكي في العام 2007 م، قانون المحاسبة ونزع الإستثمار، ضد المتورطين في حرب الإبادة بدارفور، صرح علي عثمان طه أو (تاها) تصريحآ يفضح التركيبة العقلية لهذه الكائنات، التي تنتمي إلى ما قبل الهوموسبيانس، واوردت البلاد المهالك، إذ قال:{إن ردنا على هذا القرار سيكون ببناء ألف خلوة} فتأملوا…ليته قال أنه قرر إستيراد ألف كمبيوتر ليوزع على الأطفال… ما الضرر الذي سيلحق بأمريكا، حتى لو بنى مليون خلوة؟ …ترى هل أراد تهديد أمريكا وتخويفها، بإعداد الإرهابيين في الخلاوي منذ نعومة أظافرهم…..فالخلاوي إذن، كانت حسب المخطط الطاهوي، هي آلة الزمن لإرسال أطفالنا إلى القرون الوسطى، وسجن أذهانهم في دهاليز الخرافة….وليستمر تشكيل العقل الأسطوري المضاد للعقل النقدي، تم تحويل 70% من المواد المدرسية إلى مواد دينية، بين ثناياها نصوص من مؤلفات أبو الأعلى المودودي وسيدقطب وأخيه محمد قطب، ومن لف لفهم من أساطين الرجعية….ولم ينته الأمر عند ذلك، بل وتم تحويل التلفزيون أداة التثقيف والترفيه الوحيدة، بعد تدمير السينما ودورها، إلى وسيلة لنشر الدروشة والملل….فهل مكّن كل ذلك العصابة الأخوانية، من تحقيق خطتها في غسيل الأمخاخ، وإعادة صياغة الإنسان السودان حسب هواها؟…من الممكن إستقراء النتيجة، مما تسمعه من وقت لآخر على لسان العوام [والله ديل كرهوا الناس في الدين] …ولا أظن أن أحدآ يجهل الطرفة الشهيرة [دي الله أكبر القديمة]….أما الفشل الأكبر فكان هروب آلآف الشباب، من دولة المشروع الحضاري الإسلامي، إلى الغرب العلماني حيث التقدم والحرية وحقوق الإنسان…وقد بلغ الأمر بمئات الشباب، أن فروا من دولة المشروع الحضاري الإسلامي، إلى أنوار الغرب عبر ركوب الخطر، بالسفر إلى ليبيا ثم قطع البحر الأبيض المتوسط بقوارب مطاطية ، تحت رعاية عصابات التهريب الدولية….وما بقي من هذا الجيل داخل الوطن، هو الذي فجر هذه الثورة، الأمر الذي أحدث صدمة عنيفة لدى كهنة التنظيم الأخواني، حتى أن السفاح البشير، لجأ إلى قرية ود الحداد بالجزيرة المروية، ليتحدث بعد ثلاثة أيام من إندلاع الثورة، أمام حشد محشود من بسطاء القرويين، ليزعم أن له شعبية يحاجج بها…ثم تأكدت عزلة العصابة عن الجيل الديجتالي الحديث، بخطاب السفاح أمام حشد محشود آخر بالخرطوم، جله من نساء وبنات الإسلاميين ومن والاهم من المنتفعين….والصدمة الأخطر التي هزت كيان العصابة الأخوانية، هي إنقلاب المساجد عليها…وسأورد هنا كلام الاسلامي السابق والوزير الانقاذي السابق السيد مبارك الكودة، الذي فر من الإضطهاد إلى باريس، كشهادة بحسب أنه أول من تحدث عن إنقلاب المساجد على العصابة الأخوانية، في فيديو بتارخ 12 يناير 2019 م، يقول فيه::[الشارع بقى أقوى وأكبر مننا، وبرهن على ذلك اليوم المسجد …مسجد عبد الحي ودا الخلاني أقول الرسالة دي…الشفتو في مسجد عبد الحي رسالة خطيرة جدآ، وفي مساجد كتيرة وفي مسجد بري الناس إستعملت الميكرفون من داخل المسجد…والمساجد ستقود الثورة…وانا لامن اقول المساجد ستقود الثورة، لا أعني الاسلاميين القاعدين في الرصيف …المساجد للسودانيين ما بس للاخوان المسلمين …وبالمناسبة الأخوان المسلمون خلوا المساجد أغلبهم يعني…أغلبهم خلوها بقت ما عندهم علاقة بالمساجد…بقول الخرجوا من المساجد ديل الشيوعيين والبعثيين والصوفية والاسلاميين والما عندهم حزب وهم الاكتر …خرجوا ليكم من المساجد الإنتو إتحدثتم عنها وبنيتوها، وكلما الناس تفتح خشمها تقولوا ليهم نحن عملنا الفين مسجد في الخرطوم …أها المساجد الليلة وقفت ضدك…ومسجد عبد الحي الحكومة ساهمت فوقو بصورة غير عادية، وأنا كنت معتمد الخرطوم وأعرف ذلك تمامآ…دا المسجد الانحن ساهمنا فوقو بصورة غير عادية، بدأ بالريئس نفسو الكان بيرعى المسجد دا ….المسجد دا خرج عليك بصورة قوية جدآ، أقوى من الصورة الإنت جمعت بيها الناس في الساحة الخضراء، صورة حقيقية للرفض ..] رابط الفيديو الذي يتضمن حيث السيد مبارك الكودة::
https://www.youtube.com/watch?
كل ذلك يعكس فشل مشروع، غسيل أدمغة الجيل، الذي تلقى تعليمه من المهد إلى المراحل الجامعية، بمناهج ظلامية أشرف على وضعها، الأخوان المسلمون بعناية فائقة، بغرض صياغة جيل متدروش معبأ بالخرافات والأساطير، لتسهل السيطرة عليه وبرمجته بالطريقة التي يريدونها، وبالتالي فشل الدولة الدينية، التي ظنت العصابة الأخوانية أنها أرست مداميكها، دون أن تدري أن الذي سيحطمها، هو ذات الجيل الذي نشأ تحت سلطانها.
وفي تجارب مماثلة، فإن الجيل الذي إنهار على يديه الاتحاد السوفيتي، هو الجيل الذي تلقى شحنات هائلة من التعاليم الماركسية اللنينية، عبر المناهج الدراسية، والسينما والمكتبات والتلفزيون ومجسمات ماركس وانجلز ولينين، التي كانت تملأ ساحات المدن السوفيتية وأركانها….فالنموذج الاشتراكي السوفيتي البائيس، الذي كان قائمآ على القمع والفقر وتأميم الحريات تمامآ كتأميم وسائل الانتاج والخدمات، وإغلاق الحدود ومنع السفر، وفرض لون واحد من الثقافة، ومنع جميع الأشكال الأدبية، ما عدا ما أسموه بالواقعية الإشتراكية، جسده الكاتب الانجليزي المعروف جورج اوريل في كتابه الشهير {مزرعة الحيوان}
وقد أقام الأخوان المسلمون، مزرعة حيوان أخرى في السودان، بنموذجهم الإسلامي الأخواني البائس….ففي الثلاثين سنة الماضية، لم تعرف البلاد غير السجون والحروب والمشانق وبيوت الاشباح، وقطع الأطراف وتكميم الأفواه، وجلد النساء بسياط (العنج) في الميادين العامة، وحلق رؤوس الشباب عنوة في الطرقات، والإضطهاد الديني للمسيحيين بهدم كنائسهم بحجة البناء دون ترخيص…وفقدت عاصمة البلاد، ناهيكم عن المدن الاخرى، حيويتها الثقافية والإجتماعية، إذ أغلقت دور السينما وهدم بعضها، ومنعت الندوات الفكرية والثقافية، التي لا تخدم الظلام…وفي الوقت الذي كان فيه السعوديون يناقشون أمر إلغاء الشرطة الدينية، التي إرتبطت بالحركة الوهابية،، كانت العصابة الأخوانية المتسلطة، تجذّر هذه التجربة البليدة، التي إستوردتها من السعودية، بإطلاق يد شرطتها الدينية، المسماة بشرطة النظام العام، التي تخصصت في مطاردة النساء بزعم الزي الفاضح…..وأكثر من هذا، هم (مطاوعة) مرتشون وفاسدون ولصوص، وقد حدثني صديق من جبال النوبة يعيش في نفس المدنية، أنه وقت كان يعيش في أطراف الخرطوم بحري، في حي يجمع فقراء جبال النوبة، كانت شرطة النظام العام تداهم منازلهم دوريآ، وتصادر أية كمية من البلح تجدها عندهم، بزعم انها معدة لصناعة {العرقي} وقد صادرت من منزله جوالآ من البلح تحت نفس الزعم، كان قد إشتراه لمناسبة عرس…أرايتم كيف يسرق مطاوعة السودان طعام الفقراء، ويجرّمونهم بإسم الدين قبل أن يرتكبوا الجريمة….هذا هو ما إنتهى إليه المشروع الحضاري الإسلامي، الذي بشرت به العصابة الإخوانية….دعونا نتأمل في تفاصيل هذا المشروع، الذي طرحته العصابة الأخوانية في إنتخابات العام 1985 م، عبر صحفها، حيث جاء::
الجبهة الإسلامية القومية من أجل::
تثبيت شرع الله 1
تأكيد هوية البلاد الإسلامية 2
إقامة نظام حكم راشد مؤسس على الشورى 3
تأسيس نظام إقتصادي على نهج الإسلام 4
إشاعة روح التكافل والتعاون 5
وقف مظاهر الفوضى والفساد 6
المحافظة على أمن البلاد ووحدتها 7
إقامة علاقات خارجية متوزانة 8
تأكيد دور السودان الرائد في المنطقة 9
10بناء نظام تربوي يعيد صياغة الفرد والمجتمع على أسس الإسلام ويعنى بالمرأة والشباب
ماذا حققت الحركة الإسلامية من هذه المبادئ العشرة؟؟ هل أوقفت الفوضى والفساد أم زادت الفوضى والفساد…هل حافظت على أمن البلاد ووحدتها أم تجزأت البلاد وإشتعلت في أطرافها الحروب…هل أقامت علاقات خارجية متوزانة أم بدأت بأمريكا وروسيا دنا عذابها ثم بهتافات يهود يهود آل سعود ومحاولة إغتيال الريئس حسني مبارك والتحالف مع ملالي إيران…وهل تمكنت من إعادة صياغة الانسان السوداني والمجتمع السوداني كما يقول المبدأ العاشر أم فشلت للحد الذي ينتفض فيه الشباب، الذين عجزت العصابة عن صياغتهم وفق مشروعها، فخرجوا يهتفون {سقطت سقطت يا كيزان}
ولم ينته بؤس النموذج الإسلامي الإخواني عند هذا الحد، إذ غطس تمامآ في مستنقع الفساد….وهذا المستنقع الذي لا مثيل له في تاريخ السودان، هو وليد السقوط الإخلاقي للعصابة الأخوانية، القابضة على مفاصل الدولة الإقتصادية والسياسية والعسكرية، التي إدعت العفة والطهرانية، قبل مجيئها وفي بداية سطوها على السلطة…فقد كانت تردد في إجتماعاتها وملتقياتها، نشيد التنظيم الدولي للأخوان المسلمين، والذي من ضمنه البيت التالي::
فى سبيل الله قمنا نبتغى رفع اللواء [] لا لدنيا قد عملنا نحن للدين فداء
وبعد أن سطت على السلطة ظلت تردد [هي لله هي لله [] لا للدنيا لا للجاه
ولكن بعد أن تمكنت في الحكم، إنكبت على المال العام يسفونه سفآ…وهو إنكباب يشبه إنكباب الذباب على قدح من العسل…ولوحة الإنكباب على المال العام، يرسمها الدكتور حسن الترابي، عرّاب الحركة الإسلامية السودانية، في شهادة أدلى بها في حوار تلفزيوني، حيث يقول دون ذكر إسم السفاح البشير:{{الفساد استشرى ولم يترك أحدآ، كل السودان يعرف ذلك…في تلك الأيام كان يقول “لو رأيتموني أبني بيتآ لأسرتي علقوني في المشانق، نحن جيئنا لنبني السودان للفقراء والمساكين، وكأننا عمر بن عبد العزيز…وكنا نضرب للناس الأمثال، ضد الفساد وللتجرد والزهد، ولكنها السلطة} ويضيف قوله {الآن أسال السودان كله عن القيادات، التي تتولى الوزارات وأسألهم عن البيوت الهائلة، التي يبنونها جهارآ، الناس يعلمون أن الراتب لا يبني لك بيتآ متواضعآ ولا غرفة…ويتساءلون من أين هذا}
رابط الفيديو الذي يتضمن الحوار::
https://www.youtube.com/watch?
يقولون (أن السمكة تفسد من رأسها) وقد فسدت العصابة الأخوانية المتسلطة من رأسها، ليستشري الفساد السرطاني في بقية الجسد…ولما كانت الضرورة تستلزم، ان نعرف الخلفيات الأسرية للسفاح البشير، لنتبين من اين له كل هذا، بعد أن جلس على سدة السلطة، فإنه لا مماحكة في أنه ابن عامل بسيط، كان يعمل في مزرعة اللبناني كافوري المختلطة بالخرطوم بحري، وتحددت مهمته في رعاية الأبقار وحلبها…إذن هو ليس من الوارثين عزآ وجاهآ أو مالآ…وقبل أن تستدعيه الحركة الاسلامية من الجنوب، ليكون واجهة للإنقلاب المشؤوم، كان يسكن احد أحياء الخرطوم بحري الفقيرة….ولعل هذا المدخل ضروري، لنعرف حجم المفارقة المتمثلة في إمتلاكه بعد التمكين، فيللا في كافوري وأخرى في الطائف، وشقة في مجمع النصر ومزرعة مختلطة في السليت…وقد عدد السفاح بنفسه ممتلكاته هذه، غير المستحقة للمذيع الطاهر حسن التوم، في حوار تلفزيوني اجراه معه، حيث قال بغباء لا مثيل له، إنه سلم النائب العام [إقرار ذمة] يتضمن تفاصيل ممتلكاته، يا للهول!.
رابط الفيديو الذي يتضمن الحوار (الجزء المطلوب من الدقيقة 45)ا
https://www.youtube.com/watch?
والمثير للسخرية أن (إقرار الذمة) يقدم، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، قبل قيام الرئيس أو الوزير بإستلام مهامه ومسؤولياته، وليس بعد أكثر من عشر سنوات، من السطو على السلطة، والسطو على المال العام، كما هو حال السفاح البشير، وأعوانه من لصوص الحركة الإسلامية، الذين لم يمتلكوا شروى نقير قبل 30 يونيو 1989 م….وهنا يحسن بنا أن نقف عند أمر، يحسب للسفاح لأنه يسلط الضوء على أريحيته، وهو أنه لم يستأثر لنفسه بتلك المأكلة الكبرى، بل أتى بأقاربه المقربين، وبنى لهم الفيللات بالجوار، حتى أن أهالي الخرطوم بحري، سموا ذلك الجزء من حي كافوري {حوش بانقا الجديدة} على سبيل التهكم…..أما إخوانه فقد إنفتحت لهم، مغارة على بابا بياقوتها ومرجانها، دون أن يحتاجوا حتى إلى كلمة (أفتح يا سمسم)…سألجأ هنا إلى إفادة طبيب سوداني، يعمل في السعودية، ويقول أن الطبيب عبد الله شقيق السفاح البشير، عمل في نفس المستشفى الذي يعمل فيه، وكان حاله حال كل الذين في كبد…يقول الطبيب::{أنت لو داير تحارب الفساد يا السيد الريئس..الفساد في بيتك…أبدأ بمرتك دي، مرة إبراهيم شمس الدين، اللي انت تزوجتها….دي شوفها كانت وين، وكان عندها شنو لامن انت اتزوجتها، وشوفها الآن عندها شنو…ببساطة يعني…لو انت فعلآ حريص داير تحارب الفساد…وشوف أخوانك، دكتور عبد الله الكان معانا هنا في مستشفى الشميسي دي، تعريفة ما عندو زينا…مغترب دمو فاير…فهمت كيف…في ناس معانا قاعدين لهسع دي…أمش شوفو عندو كام شركة وعندو شنو…وعلي أخوك ديل…لو أنت فعلآ…ولا دايرة ليها مفوضية…بالمناسبة وبتاع…أبدأ بأهل بيتك وبنفسك، عشان توري الناس إنك جاد.}
رابط الفيديو الذي يتضمن كلام الطبيب::
https://www.youtube.com/watch?
وقبل أيام، في حوار تلفزيوني بالدوحة، التي يقيم فيها، قال الكاتب المحسوب على الحركة الإسلامية، عبد الوهاب الأفندي:[تعودنا ان يتهم الإسلاميون بالتطرف والإرهاب، أما أن يهتف الثوار “سلمية ضد الحرامية” فذلك فشل كبير للحركة الإسلامية] وليت الأمر إنتهى عند حد السقوط الإخلاقي، المتمثل في مص دماء الشعب السوداني، وسرقة قوته بعد زمان من إإدعاء العفة والطهرانية ووالنزاهة، بل الأخطر إن هذه العصابة منزوعة الحياء تمامآ….وإنعدام الحياء هو أبرز صفة في الشخصية السايكوباتية، التي تتميز بإنعدام الحس (تخانة الجلد) وعدم الشعور بالذنب والكذب….فبعد كل ذلك النهب الممنهج، وقصور كافوري والطائف، وحياة البذخ التي يعيشها هو وأخوانه وأقاربه، يقف السفاح في كل مناسبه، وينهي خطبه مرددآ بلا إحساس ولا حياء :[لا لدينا قد عملنا [] نحن للدين فداء]…فهل ثمة (تخانة جلد) أكثر من هذا….فهذا السايكوباتي لن يشفى، ولو قضى دهرآ في المصحات النفسية السويسرية، ولا جدال في أن مصيره ومصير عصابته الأخوانية، سيحدده هؤلاء الشباب الثوار، الذين هم في العشرين ودونه، وفشلت الحركة الإسلامية في صياغتهم حسب هواها ، وقولبتهم في قوالب كقوالب الأحذية…كما فشلت في هندسة المجتمع السوداني بالطريقة الي تمكنها من التحكم فيه…فالبقاء للأصلح وليس لمن يملك الرصاص