مقالات سياسية

تحرير العملة العقل الدائرى

احمد مجذوب البشير 
 
يونيو ١٩٩١ اعلن الدكتور عبد الرحيم حمدي وزير الماليه حينها برنامجه الثلاثي لإصلاح وانعاش الاقتصاد الذي يهدف لتحريك جموده وسكونه ..
وذلك بتشجيع الإنتاج والمنتجين .. ووضع سياسات تشجيعيه لسلع الصادر وبيع السلع والخدمات بأسعارها الحقيقية عن طريق قانون العرض والطلب .. ورفع القيود عن حركة مجال الاستيراد .. وتوحيد سعر صرف العملات .. وتشجيع بيئه الاستثمار لجذب المستثمرين الأجانب والوطنيين .. ووضع الخطط والبرامج لجذب مدخرات المغتربين والعاملين بالخارج .. ووضع نظام ضريبي قوي. فاعل هذه هي العناوين الرئيسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المطروح حينها .. قفز سعر الدولار بعد تحريره من ١٢ جنية السعر المعلن حينها من بنك السودان الي٩٠ جنيها مساويا للسعر في السوق الموازي حينها .. بالطبع توالي الارتفاع في السنوات اللاحقة بقفزات  مرعبه .. حيث أن برنامج الإصلاح يحتاج لوقت مقدر حتي يؤتي اكله .. اضافه لفقر خزينة البنك المركزي من العملات الاجنبية .. التي تساعده علي السيطرو علي سعر الصرف .. حيث أن العائد من الصادرات حينها لايكفي لسد حاجه البلاد من السلع والخدمات  الاساسية .. اضافة لكلفة حرب الجنوب التي كانت تستنزف حوالي ٢ مليون دولار يوميا .. كل ذلك جعل من العملات الاجنبية وخصوصا الدولار حصانا جامحا لايستطيع من يمتطيه أن يروضه ويتحكم فيه .. مهما اؤتي من مهاره وقدره في القيادة .. ولهذا استمرت العملات الصعبة في جموحها وتمردها حتي أواخر التسعينات .. عندها شارف الدولار أن يصل تخوم ال٢٠٠٠ جنية.. (التي تحولت الي٢جنية لاحقا بعد حذف ال٣ اصفار) .. حينها خرج البترول .. وظهر مورد ذو بعد اقتصادي وسياسي هام .. أضاف للسودان قيمة استراتيجية كبري .. تجعله من المفترض ان يمضي في خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي ببعديهما الداخلي والخارجي وفق ارضية صلبة وقاعدة متينة .. فبضمان البترول أصبحت هنالك يقينية بالنسبة للمستثمر .. من حيث بيئة الاستثمار ..
ومن حيث ضمانات الاستثمار ومردودها وعوائدها .. في ظل هذه الأجواء المبشرة والواعده .. ابت الطليعة الحاكمة حينها الا تعكر صفو هذه الآمال . والرجاءات .. فسياسيا تم الإخلال بعهد الشروع في الانفتاح السياسي الشامل ورد أمر السلطة للشعب وتقيد سلطة الأمر الواقع التي فرضتها ضرورات تقديرية .. فنشأ صراع حسم بآليه السلطة وقوة الدولة .. فكان هذا نذير شؤم علي منهج الإصلاح برمته .. وعقبها امسكت الدولة بقبضتها الحديدية علي عنق الاقتصاد وجل النشاط التجاري .. فهي التي تحدد سعر صرف الجنية .. فلقد خدعتها عوائد البترول وتدفقاته من النقد الاجنبي . وادعت أن النشاط الاقتصادي حر لايد للدولة فيه ولادخل لها به .. وهو ادعاء مخاتل وكذوب .. فلقد خرجت منه بالباب واتت عائده له من الشباك .. فتبدت ظاهرة الشركات الاستثمارية التي تتبع لجهات حكومية .. وبهذه الميزة كانت التسهيلات في التمويل من البنوك بضمانات وهمية .. واعفاءات من الجمارك والرسوم فأنفتح بابا واسعا للفساد ارهقت بسببه البنوك وهزت مراكزها الماليه بسبب عجز المدينين . مراوغاتهم .. وتشوهت حركه النشاط الاقتصادي واختلط الحابل بالنابل . فلم يعد معروفا التاجر من السمسار .. المصدر من المهرب .. المستورد من تاجر الشنطه .. وضاعت بذلك تعريفات المصطلحات ومن يمثلها ..(ونذكر جميعا المعارك الضاريه التي خاضها اشطر وانزه وزير ماليه مر علي السودان أقلها في الأربعين عاما الاخيره .. الدكتور عبدالوهاب عثمان) .. في ظل هذه الفوضي .. أهمل قطاع الإنتاج .. وتضخم قطاع الخدمات .. واستشري نمط استهلاكي فاحش .. ظهرت ملامحه في كم مقدر من افراد المجتمع .. من حيث المزاج في المطعم والمشرب والمسكن والملبس .. سعي الناس لمجاراة طبيعه نمط الحياة في الدول الغنيه محاكاة واقتداء .. فكان لابد بتضافر عاملي الادارة الغير رشيده .. وشراهة وسيادة نمط الاستهلاك ..أن يلتفت الناس عشيه انفصال الجنوب .. ويجدون أنفسهم أمام محنه كبري وقاسية .. وطامه حالقه ومدمره .. لم يتحسبوا ويستعدوا لها .. تظل أزمتنا المستوطنة ازمة ادارة ووعي بإتخاذ القرار الصائب في الزمان المناسب .. فلو لم تعود الحكومة للتحكم في الاقتصاد عقب خروج البترول وجعلت قانون العرض والطلب هو الذي يحدد سعر السلعة المعروضة أو الخدمة المقدمة .. لما اضطرت  لجعل سلعة استراتيجية مثل القمح .. محتكرة لجهه اوجهتين تتحكمان في مصيرها ومصير بلد باكمله .. ولولا قصر نظرها وبؤس تخطيطها لما صار الدولار مخزنا القيمه وسلعه للتداول .. تسبب هلعا وخوفا .. للمنتجين الحقيقين .. وتربك المشهد الاقتصادي برمته .. ولو كانت القيادة السياسية والخبراء المزعوميين المفترضين .. علي درجة من الرشد والوعي .. لتم اعادة تحرير سعر الصرف مره اخري في ٢٠١٠ مع بدايه نذر انفصال الجنوب .. حينها كان للدولة تغطية من العملات الصعبة لابأس بها .. يمكنها من التحكم في سعره عند التحرير اذا جمح للقفز والانفلات .. أو كان يمكن ان يتخذ هذا الإجراء عقب الانفصال ايضا .. لو فعل ذلك آنذاك لما وصل الدولار لهذه الارقام الفلكية التي جعلت حياة الناس جحيما لايطاق .. فلا غرو في ذلك فالدولار اصبح قيمة معيارية تقاس به كل السلع والخدمات .. وما كان له أن يصل لهذه السطوة .. لو استفادت الحكومة الحالية من اخطاء سابقتها .. فلو اتخذ قرار التحرير في اغسطس٢٠١٩ مع بداية حكومة حمدوك الاولي (حينها كان السعر الموازي للدولار٩٠جنيها) .. لما وصل اليوم علي اعتاب ال٦٠٠ جنيها ولكن ماذا نقول ولمن تقرع الاجراس .. فخبراؤنا المفترضون .. يقرأون من لوح واحد .. وهو لوح الفشل وسؤ التخطيط .. ويحفظونه عن ظهر قلب .. ويتبعون بعضهم بعضا حذو النعل بالنعل .. وان حدث استثناء فلام يوبه له .. فهو خارج السلسلة .. فما يبرزه الواقع الان يحدث أن الاستثناء لم يحدث فارقا .. وان قافلة من يحدثون الفشل هم الأساس . يدورون حيث يدور سابقيهم ..

تعليق واحد

  1. يا استاذ احمد مجذوب البشير كامل التقدير لوجهة نظرك والتى لاقت رواجا مؤخرا ولكن -والاختلاف لا يفسد للود قضية- الذين من يدورون فى حلقة مفرغة ويجربون المجرب هم دعاة تحرير السياسات النقدية والمالية وليس من ينتقدون هذه السياسات …

    لقد فشلت هذه السياسات عندما اشرف على تطبيقها اقتصاديون فى قمة الخبرة و التأهيل فما القول اليوم ومن يشرفون على الامر حميدتى وجيريل وضحالة وتتواضع مقدرات هؤلاء لا تحتاج الى تعليق.

    من قبل فشل الثنائي الذى امسك بيد عبد الرحيم حمدى وقاموا بقيادته الحجل بالرجل فى غياهب سياسات التحرير الاقتصادى.

    وهما د. السيد على احمد زكى (جامعة ولاية ميشيغان في ديترويت – وكيل التخطيط ووزير المالية لاحقا) د. صابر محمد حسن (جامعة سيراكيوز بنيويورك -صندوق النقد الدولي – محافظ بنك السودان) ..لعبا بنجاح وحذق ودربة دور المفوض السامي والممثل المقيم للبنك الدولى (د. زكى) والصندوق (د. صابر)…. والنتيجة معروفة للجميع.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..