مقالات وآراء سياسية

رئیس الوزراء المستقیل ورئیس الحكومة البدیل

اسماعیل عبدالله

 

منذ أن استقال رئیس الوزراء السابق عقب الارھاصات المأساویة للانقلاب الذي نفذه قائد الجیش في الخامس والعشرین من اكتوبر الماضي ، ما یزال عسكر الانقلاب ومناصروھم یراوحون مكانھم دون
التوصل لاختیار رئیس الوزراء البدیل ، وضاقت فرص الحصول على البدیل بعد أن تململ أنصار الانقلاب ، وتسربت تصریحات من قبل بعضھم شكوا خلالھا من دكتاتوریة العسكر في الاستحواذ على السلطة ، الأمر الذي وضع اشیاع ھذه الحماقة الانقلابیة أمام خیارات بائسة ، وجل ھؤلاء المشایعین من منسوبي الحركات
المسلحة الموقعة على اتفاقیة سلام جوبا ، ولو كان یعلم ھؤلاء المتعلقون باستار كعبة لعسكر أن الحال سیؤول الى ما آل الیه من فشل ذریع، لفضّلوا البقاء متشاكسین مع غریمھم قوى اعلان الحریة والتغییر
ولاذعنوا لصوت الحوار المدني ، فالذھاب المفاجيء لرئیس الوزراء المستقیل جاء كنتیجة بدیھیة للصراع الحزبي الدائري الذي یشھده السودان منذ قدیم الزمان.
العودة للوراء مستحیلة ، وذلك لما للتطورات المتسارعة داخلیاً وخارجیاً من حضور والزام ، ولا اعتقد أن رئیس الوزراء المستقیل سیقبل بالرجوع لمنصبه مجدداً ، حسب ما تداولته الأخبار من أن ثمة وساطة اقلیمیة ناشطة ھذه الأیام تسعى لعقد مساومة بین الأطراف المتصارعة ، من أجل إعادة الدكتور عبدالله آدم
حمدوك إلى موقعه ، لأن ما انجزه حمدوك في غضون السنتین اللتین قضاھما كرئیس للحكومة ، تم ھدمه في یوم واحد بارتكاب الشریك العسكري لجریمة تقویض السلطة الانتقالیة ، فالمرحلة الانتقالیة السابقة للانقلاب
قد مضت الى غیر رجعة ، وعلى الممسكین بمقالید سلطة الأمر الواقع الانقلابیة أن یتحملوا تبعات ما اقترفوه
من جرم عظیم ، والدافع الرئیس في عدم قبول الذین تم ترشیحھم لسد الفراغ الذي خلفه حمدوك ، ھو القبضة العسكریة والأمنیة الشدیدة الحرص على الامساك بكل صغیرة وكبیرة متعلقة بشأن الحكم ، الأمر الذي یجعل
من أي رئیس جدید للجھاز التنفیذي دمیة بید الانقلابیین ، أي وبمعنى آخر وجوب انطباق شروط الرجل الذي یقول نعم في من یقبل بأن یخدم تحت إمرة الانقلابیین .
الحقیقة التي یتغاضى عن رؤیتھا الانقلابیون تكمن في أن الشعور والحس الوطني العام ، قد لفظ القبول بالید العلیا للقادة الأمنیین الذین یجب أن ینحصر دورھم في حراسة مقدرات البلاد ، والحراسة ھنا لا تعني القیام بواجب الادارة لأن الاختلاف كبیر بین مھمة حارس الأمن ودور المدیر الاداري ، فلا یعقل أن تزج بحارس البوابة (الخفیر) في شئون إدارة المؤسسة التي لا یعرف عنھا سوى اغلاق النوافذ والابواب ، لمنع
تسرب الریاح العاتیة والامطار العاصفة حتى لا تتلف ما ركن بداخل المكاتب من وثائق مھمة ، إن إدارة الدولة عبر حكومة تنفیذیة یقودھا اكثر من ثلاثین دستوریاً من الوزراء المركزیین والولاة ، بحاجة الى
صلاحیات واسعة یمنحھا الدستور الانتقالي لرئیس الحكومة دون تدخل من العسكریین في الاختصاصات
الفنیة والمھنیة لرئیس الحكومة التي لا تخصھم ، وفي تجربة الحكومة التي ترأسھا الدكتور المستقیل بانت تجاوزات العسكریین ورموز النظام البائد الباقین رغم حدة سیف ازالة التمكین ، ووضحت معالم الخلل البنیوي للمؤسسات الحكومیة وتم اكتشاف المعاییر البائسة التي كانت تدار بھا ھذه المؤسسات.
لن یكون ھنالك رئیس حقیقي لحكومة الأمر الواقع الانقلابیة ، وذلك بسبب قصورھا وعدم وجود خبراء استراتیجیین حقیقیین ، فقد أطل عدد مھول من عاطلي الموھبة وفاقدي المؤھل التربوي وضربوا سیاجاً كثیفاً

حول الانقلابیین ، وطفقوا یقدمون لھم النصح الفطیر الذي أودى بحكومة الانتقال وقذف بھا الى قاع ھذا الدرك السحیق ، ومن التحدیات التي واجھھا الحراك الثوري الفاعل الذي لم یلن یوماً ولم ینكسر منذ ذھاب
المخلوع للسجن ، ھذا البون الشاسع ما بین شجاعة الوعي الشبابي البائن وبین جبن وغباء رموز التحالفات السیاسیة التي تدعي دعماً للحراك ، فعندما یتحدث الشھید كشة ورفاقه عن الوطن الحلم وما یجب أن یكون ،
تتضاءل أمام ھذا الخطاب الشبابي الواعي والمستنیر ھامات العمامات البیضاء وربطات العنق العنقاء ،
فتحزن وتأسى لھذه الحالة المرضیة التي لا تسمح لأمثال ھذا الشباب المستنیر لأن یقود المواجھة السیاسیة
المباشرة مع الانقلابیین المتشبثین بالكرسي الملطخ بالدماء.

[email protected]
2022 مارس 11

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..