الجهود الإقليمية والدولية هل تنجح في نزع فتيل الأزمة؟

المجلس المركزي للحرية والتغيير : التسريبات حول مبادرة إماراتية غير صحيح
الساعوري : الأزمة السودانية ليست لها علاقة بحمدوك والحرية والتغيير أثبتت تجربة العامين فشلها
الخرطوم : محجوب عيسى
لا ينكر أحد دورها الإقليمي في المنطقة، مستقلة في ذلك سياستها الخارجية الواضحة تجاه إفريقيا، حيث لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دور الوسيط وقدمت الكثير من المبادرات لحل الأزمات، آخرها مبادرتها لحل الأزمة السودانية الإثيوبية حول الفشقة، لتعود إلى المشهد السياسي السوداني مجدداً بطرح مبادرة لنزع فتيل أزمة مركبة استحكمت حلقاتها.
ويرى مراقبون أن المبادرة الإماراتية الجديدة ما هي إلا اختبار لمعرفة حقيقة الشارع السياسي في البلاد ومدى تقبله لتسوية سياسية بين أطراف الأزمة – المكونين المدني والعسكري – فضلاً عن أنها تمويه عن شيء يطبخ بعيداً عن الميدان السياسي السوداني لخدمة أغراض بعيدة عن التطورات الداخلية للبلاد، علاوة على بحث ابوظبي عن مصالحها، كما أن المكون العسكري يبحث عن حل لأزمة اقتصادية استطالت، بعد تأخر الوعود بالدعم وبواخر السلع والوقود، وبحسب المتحدثين فإن المبادرات الخارجية لا تفلح في الوصول إلى حل للأزمة، مشيرين إلى أن أولى الخطوات يجب أن تكون بتوافق الأطراف الداخلية ونسيان الماضي بالاتفاق على مشروع وطني جديد، وفي الوقت ذاته نفى المجلس المركزي للحرية والتغيير استلامه مبادرة من الإمارات، كما راج مؤخراً بشأن حل الأزمة.
مبادرة الإمارات
وطبقاً لتقارير صحفية مطلع الأسبوع؛ فإن الشيخ محمد بن زايد ولي عهد الإمارات، طرح مبادرة على قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان خلال زيارته للإمارات، وعرض من خلالها منحة مالية من الإمارات للسودان تبلغ 5 مليارات دولار كل سنة، لمدة 4 سنوات، بشرط إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وخروج كل القوات المسلحة من المدن والشوارع وبقاء الشرطة فقط واستمرار الدعم السريع مستقلاً عن الجيش خلال الفترة الانتقالية، على أن يكون تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) هو الممثل المدني للثورة، ويضم لجان المقاومة وتجمع المهنيين، وأن تجرى مفاوضات بين المكون العسكري والتحالف للاتفاق على وثيقة دستورية جديدة، ومن ثم الاتفاق على رئيس وزراء مقبول للمكونين العسكري والمدني، يحتكر السلطة التنفيذية خلال الفترة الانتقالية، فضلاً عن تشكيل مجلس سيادي برئاسة حمدوك ومجلس للأمن والدفاع برئاسة البرهان بالاتفاق بين المكونين وتكوين مجلس تشريعي ومجلس القضاء ومجلس النيابة والمفوضيات بالاتفاق بين المكونين العسكري والمدني.
التغيير تنفي :
هذا ما نفاه المجلس المركزي للحرية والتغيير، طرح مبادرة إماراتية لحل الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، وقالت الناطق الرسمي للمجلس سلمى جعفر نور “ليس حقيقة ولا توجد مبادرة إماراتية ولم يسمعوا بها من قبل”.
وابانت جعفر – في تصريح لـ (اليوم التالي) – إن الإمارات لم تطرح مبادرة كهذه، وفي حال طرحت ذلك من باب أولى أن يكون للمجلس المركزي للحرية والتغيير وتجمع المهنيين جزءاً منها؛ من بعد رئيس المجلس السيادي باعتبار أنه ممثل الشعب والقوى الثورية، وأضافت.. “نحن لا نملك أدنى فكرة أو علم بما تناقلته التقارير والتسريبات”.
وقالت إن مبادرة فولكر واحدة من آليات حل الأزمة، سيما وأنه تم دعمها بجهود الاتحاد الأفريقي، وأن الانقلابيين لم يَدَعوا الآلية تحقق مطالبها، باستمرار آلة القمع في الشوارع والقتل والاعتقلات.
تعمية الجماهير :
ويقول القيادي بحزب الأمة القومي وعضو المجلس المركزي للحرية والتغيير عروة الصادق، إن الحديث عن مبادرة إماراتية لحل الأزمة في البلاد محض زعزعة للرأي العام وتعمية للجماهير وتقسيم لوحدة العقل الجمعي الرافض للانقلاب، وتمويه عن شيء يطبخ بعيداً عن الميدان السياسي السوداني، وذلك لخدمة أجندة بعيدة كل البعد عن مصالح السودانيين.
وأوضح الصادق – في إفادة لـ( اليوم التالي) – أن التحرك يأتي لرغبة أبوظبي الاطمئنان على بعض المصالح في السودان والإقليم، وتجنب الكثير من المكاره التي يمكن أن تطالهم، بسبب أن هناك عقوبات دولية وملاحقات محتملة على قيادات بالسلطة الحالية.
وأشار إلى أن الداعمين لإجراءات 25 أكتوبر يبحثون عن طوق نجاة؛ فقد تأخرت الوعود بالدعم وبواخر السلع والوقود، وعوائد الصفقات ومثلت الإجراءات الاقتصادية جرعة خانقة للمواطن الذي يكابد الأمرين، وكذلك يريد العسكريون تطمين المحيط بأن التحركات تجاه روسيا لن تمس بمصالحهم في السودان، خصوصاً مياه البحر الأحمر التي صارت كالفاتنة التي يقتات أهلها بثديها.. بحسب تعبيره.
ممارسات وإجراءات:
وأكد القيادي بحزب الأمة أن الأزمة السودانية حلها ليس في يد شخوص غياباً أو حضوراً، وإنما في ممارسات وإجراءات ومضامين تضمن مؤسسة الدولة وتسطير التشريعات والأنظمة الحاكمة وإبعاد سيطرة وهيمنة الانقلابيين، وقال أي طرح أو تدخل أو مبادرة لا تعجل بتنحي الانقلابيين، ويبطل قراراتهم وما ترتب عليها من إجراءات، لن يفلح حتى في فتح باب للتفاوض، ناهيك عن الوصول لاتفاق.
ودعا عروة السودانيين وقواهم الحية التي لم تلطخ أياديها بدم أو فساد، التنادي والتشاور حول المبادرات السودانية والمواثيق المطروحة دون إقصاء إلا لمن أبى والاتفاق عليه وطرحه كمخرج للبلاد، وإلا فستستمر ملهاة اكتساب الوقت واستبضاع الحلول كما كان يفعل النظام البائد، وأضاف إن قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة والمبادرات المدنية عاكفة على هذا الأمر. واستنكر التأني ووصفه بأنه مضر بالوطن ومواطنيه.
كرت محروق:
فيما اعتبر الخبير السياسي البروفيسور حسن الساعوري طرح مبادرة إقليمية لنزع فتيل الأزمة مشروع يفرض على القوى السياسية سيما وأن الأزمة السودانية ليست لها علاقة بحمدوك رئيس الوزراء المستقيل، كما أنه والمجلس المركزي للحرية والتغيير فشلا خلال السنتين الماضيتين.. حد تعبيره.
وقال الساعوري لـ (اليوم التالي) إن الأزمة السودانية لا يحلها إلا السودانيين، وأن التدخل الخارجي يعني الوصول إلى صيغة غير مقبولة وغير متوافق عليها من طرف القوى السياسية وأضاف.. ” أي اتفاق يأتي بحمدوك وبالحرية والتغيير المجلس المركزي لا ينفع ويعتبر كرتاً محروقاً” واذا أرادت الإمارات أن تتوسط لحل الأزمة السودانية ينبغي عليها الابتعاد عن تجريب المجرب.
وطالب النخب السياسية والقيادات بالتواضع ونسيان الماضي والتوافق على مشروع جديد، وزاد إن لم تجلس القيادات فأي مشروع آخر يعتبر مفروضاً وأي عمل من الخارج لا ينجح في السودان.
تسر مقصود:
وفي السياق ذاته.. يرى المحلل السياسي د. الفاتح محجوب أن المبادرة الإماراتية لحل الأزمة تسريب مقصود للتعرف على مدى تقبل الشارع السوداني والقوى الفاعلة مثل لجان المقاومة وتجمع المهنيين، فضلاً عن أن المزاج العام في السودان مهيأ تماماً لصفقة سياسية تنهي حالة الأزمة السياسية وتفتح الباب أمام حكومة توافق سياسي.
وأكد أن شكل الصفقة السياسية ليس مهماً إنما التوافق حول الصفقة هو الأهم، موضحاً أنه تم تسريب شكل محدد للصفقة لمعرفة ردة الفعل، وعلى ضوء ردود الفعل سيتم طبخ الصفقة الحقيقية بين القوى السياسية التي تمثل الثورة وبين المكون العسكري بمشاركة جهات دولية ذات صلة بالأزمة.
وبحسب محجوب في حديثه لـ (ليوم التالي)، أن رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ناقش مع ولي عهد أبوظبي – خلال زيارته – كيفية دعم اقتصاد السودان وكيفية إخراج البلاد من الانسداد السياسي الحالي؛ خاصة وأن رئيس مجلس الوزراء السابق د. عبدالله حمدوك موجود في الإمارات وبعض من قيادات الحرية والتغيير المجلس المركزي.
ويؤمن أطراف الأزمة والفاعلون الدوليون والإقليميون إيماناً قاطعاً بسودانية الحل للأزمة السياسية السودانية المتصاعدة للقطع مع الماضي واستدامة الاستقرار المنشود، وبكلمة أخرى فإن السودانيين وحدهم دون سواهم، هم من ينبغي أن يتصدروا ويمتلكوا حل أزمتهم ومستقبل وطنهم، لذلك فوحدة السودانيين وفقاً لميثاق سياسي ودستوري واجتماعي محكم وجديد؛ لهي أمر حيوي من أجل حل الأزمة وإنجاح الجهود الحميدة لإيجاد مخرج استراتيجي لها.
إلا أنهم في ذات الوقت يشيرون إلى الأبعاد الدولية والإقليمية في إنجاح هذا الانتقال في بلد ظل تحت طائلة العقوبات لعقود من الزمان تركت أثراً سالباً ـ اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ـ لكن بحسب المراقبين، فإن أولى الحلول للأزمة المركبة في تقديرهم تبدأ بالداخل عبر التوافق ولم الشمل، ثم الاتفاق على برنامج تدار من خلاله الأزمة في طريق البحث عن حلول دائمة في مسار تحقيق الديموقراطية.
اليوم التالي