الوضع الاقتصادي.. للتعافي والنمو هل من بصيص أمل..؟

كتب: علي وقيع الله
ما زالت الأزمة الاقتصادية تسير على ذات التعقيدات والأسباب المتشابهة رغم التغييرات التي شهدتها البلاد، ومع ذلك أفلت الآمال التي كانت معقودة على تحسين الاقتصاد و إن كان ذلك تدريجياًً، سيما أن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المواطن أدهى وأمر مما سبق، وتكاد تتلاشى أبسط ملامح الاقتصاد رغم الانفتاح الخارجي وإمكانية إتاحة فرص الجذب لتدفق الاستثمارات في العديد من المجالات الحيوية التي تذخر بموارد كبيرة، وخلال الأعوام الأربعة المنقضية هي عمر الحكومة ما بعد الثورة لم يشهد الوضع الاقتصادي تحسناً بقدر ما تفاقمت مشكلاته، حيث ما يزال المواطنون يواجهون صعوبات بالغة في توفير متطلبات المعيشة، كما تفاقمت الأزمات الاقتصادية التي شملت ندرة في الوقود وارتفاع التضخم وانفلات أسعار الصرف وتردٍ في خدمات الماء والكهرباء، كما تباطأت أنشطة الأعمال، ولا يزال الاقتصاد يرزح أيضاً تحت إرث الحكومة السابقة.
التعافي والنمو
ورغم واقع البلاد المتردي اقتصادياً، تبدو الفرصة سانحة أمام الاقتصاد السوداني للتعافي والنمو، ويدعم تلك الفرضية وجود مقومات هائلة في عدد من القطاعات الاقتصادية، تحتاج لسياسات رشيدة وإدارة سليمة، وتبدو الحكومة الانتقالية مدعوة بجد لنفض الغبار عن ثلاثة قطاعات اقتصادية، يأتي في صدارتها استخراج الذهب، والزراعة، والثروة الحيوانية، وهي قطاعات مرجو منها تحسين اقتصاد دولة عانت على مر ثلاثة عقود من عقبات عديدة، ذاتية وموضوعية، تتنوع الفرص في كل القطاعات الاقتصادية وتتصدرها الطاقة والزراعة والتعدين، حيث يمكن للسودان إنتاج ما لا يقل عن 90 طن من الذهب سنوياً، وهي أقل من أرقام الحكومة السابقة، التي تقول إحصائياتها إن إنتاج الذهب السنوي يبلغ 130 طناً، لكن مختصون يقولون إن الإنتاج الحقيقي يتجاوز 160 طناً، يهرب 70 بالمائة منه مما يفقد الخزينة العامة نحو 6 مليارات دولار سنوياً، وهو مبلغ كافٍ لسد العجز في الميزان التجاري.
عقبات داخلية
وتشكل عدة عقبات داخلية حجر عثرة أمام الاستفادة الكاملة من القرار الأخير، أبرزها ضعف أداء الحكومة ما بعد إجراءات الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان القائد الأعلى للقوات المسلحة السودانية، حيث يشير مراقبون إلى أن الحكومة ما تزال عاجزة عن معالجة وحل المشكلات التي أدت إلى اندلاع شرارة الحراك الثوري، حيث ما تزال مؤشرات ضعف الحكومة السابقة ملتصقة بحكومة ما بعد إجراءات الجيش مثل غياب الحوكمة، (الرقابة المالية والإدارية)، للنظام السابق، ولا سبيل بغير تعزيز وصول ثمار الاقتصاد إلى عموم الشعب السوداني وأن تتم معالجة الفقر بجعله الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة للحكومة، مع توفير فرص العمل الكافية وتنشيط القطاعات المنتجة، ودعم القدرة على المنافسة بالمزيد من المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر التي تستوعب البطالة حتى تستطيع أن تتغلب على التحديات التي تراكمت قبل الثورة أو كنتيجة لها.
سطوة الموازي
كما يشكل “الاقتصاد الموازي” عقبة أمام الحكومة هذه بالنظر لما يشكله من ثقل وتأثير، حيث تدار مئات الأنشطة الاقتصادية بعيداً عن سيطرة الحكومة، وبالتالي تدر عائدات ضخمة لا تجد طريقها للقنوات الرسمية على شكل أموال سائلة وأرصدة غير مالية، وتحتاج الحكومة لقرارات شجاعة ومدروسة لتتمكن من توفيق أوضاع الاقتصاد الموازي، وضمه إلى الاقتصاد الرسمي بجانب الإسراع في تحصيل المتأخرات الضريبية وذلك باعتبار أنها خطوة مهمة من خطوات الإصلاح الاقتصادي.
إشكاليات مؤثرة
ربما عدم الاستقرار الاقتصادي هو أحد الإشكاليات التي تؤثر في عملية جذب الاستثمارات، بجانب قضية الإنتاج والإنتاجية، التي لم تتحقق فيها أهداف الاستثمار وهو زيادة الصادرات من الصمغ العربي والماشية والمعادن والقطن، وأن يتم تخفيض استيراد القمح والأدوية وزيوت الطعام التي يمكن تحقيق الاكتفاء الذاتي منها بقليل من الدعم الحكومي، وتحتاج الحكومة اتخاذ العديد من الإجراءات التي من شأنها النهوض بالاقتصاد والتي تشمل ترشيد الإنفاق العام بالإضافة إلى إعلان التقشف مثلما فعلت دول كبرى عديدة بجانب تكثيف مكافحة التهريب الجمركي والتهرب الضريبي.
أساليب جديدة
ويأتي مطلب حسن الاستخدام الأمثل للموارد ضمن العقبات، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى التفكير في أساليب جديدة لرفع الاحتياطي النقدي الأجنبي للبلاد، في ضوء التحديات التي تواجه مصادره الرئيسية، والتي تسجل جميعها تراجعاً ملحوظاً خاصة الدخل من الصادرات الزراعية والثروة الحيوانية والثروة المعدنية، وزيادة عجلة الإنتاج، والحد من الواردات غير الأساسية، وخفض حجم استيراد السلع غير الاستراتيجية وتشجيع الصناعة المحلية والحفاظ على الاحتياطي الأجنبي.
المتغيرات الاقتصادية
تعد أزمة المصانع المتعثرة أحد الملفات الشائكة، نتيجة لعدم قدرة تلك المصانع على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية الأخيرة، وكذلك ارتفاع تكلفة الإنتاج الصناعي من ناحية، هذا بجانب عدم المقدرة على الالتزام بالمستحقات المصرفية والمالية الواقعة عليها من ناحية أخرى، كما أن ّ هناك أسباباً أخرى، مثل تعثر المصانع جزئياً وكلياً، وفي واقع الحال تعاني بعض المصانع لدرجة أنها تعمل بأقل من 50% من طاقاتها الإنتاجية.
اليوم التالي