أخبار السودان

محامو الطوارئ ينددون بالإخفاء القسري للمعارضين من قبل السلطات العسكرية

الخرطوم: ميعاد مبارك

بعد مشاركته في تظاهرات 14 مارس/آذار الرافضة للانقلاب العسكري، اختفى معتصم أحمد، الشهير بـ«تشكيلي»، بشكل مفاجئ، ولم تفلح كل الجهود المبذولة في العثور عليه. وحسب شهود عيان، شوهد آخر مرة بالقرب من مستشفى الجودة، وسط الخرطوم، حيث تم إسعاف عدد من المصابين في التظاهرات التي كانت أمام القصر الرئاسي.

ولم تجد أسرة «تشكيلي» بالإضافة إلى أثني عشر مفقوداً آخرين معظمهم ناشطون في لجان المقاومة، اختفوا في أماكن واوقات مختلفة، أي معلومات من الجهات الرسمية حول اختفاء أبنائهم، بينما أكدت مجموعة «محامو الطوارئ» تلقيها معلومات من السلطات حول خمسة من المفقودين.

وقالت مجموعة «محامو الطوارئ» إن إخفاء السلطات للمتظاهرين والناشطين السياسيين، ظاهرة غير جديدة ولكنها متنامية بشكل مقلق، خاصة بعد انتهاء التظاهرات وأحياناً قبلها. وأضافت، في بيان أمس، تلقينا عدداً من البلاغات بفقد أسر لأبنائها بعد مشاركتهم في التظاهرات، حيث يختفون دون أي أثر، مؤكدة أن بعضهم مفقود منذ أكثر من شهرين.

محامو الطوارئ، الناشطون في تقديم العون القانوني في قضايا الاعتقال والاختفاء القسري للناشطين في التظاهرات، شكلوا فريق عمل للبحث عن المفقودين والمختفين، يناير الماضي لجهة تنامي الظاهرة التي أثارت قلق الأسر والمحامين.

وحسب البيان، بدأ الفريق عمله بالبحث عن عدد من المتظاهرين اختفوا في الثالث عشر من يناير/كانون الثاني، حيث قصد المحامون كل أماكن الاعتقال المحتملة، و جميع المشارح ولم يجدوا لهم أثراً، وصولاً لاختفاء «تشكيلي» و»عبدالحميد» الاسبوع الماضي، بالقرب من مستشفى الجوده .

وبعد أيام من البحث عن المفقودين دون جدوى، قال محامو الطوارئ إنهم توجهوا إلى مكاتب التحقيقات الجنائية بمدينة بحري شمال الخرطوم، وتقدموا بطلب مكتوب بأسماء المفقودين الذين تجاوز عددهم العشرة، وتوصلنا لمعلومات تفيد بوجود بعضهم بحراسة التحقيقات الجنائية وأقسام المباحث الفيدرالية.

وشاهد المحامون، «تشكيلي» في مكتب التحري هناك، وتلقوا تأكيداً شفهياً من المتحري بأن أغلب الموجودين في الطلب الذي تقدموا به متحفظ عليهم في إجراءات قانونية، دون أي توضيح. وندد محامو الطوارئ بالإخفاء القسري للمتظاهرين والناشطين السياسيين، مؤكدين مخالفته للمعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان ولوثيقة الحقوق ولقانون الإجراءات الجنائية السوداني.

وحملوا الأجهزة الأمنية والشرطة سلامة كل المخفيين في مكاتب المباحث الفرعية والفدرالية والتحقيقات الجنائية، محذرين من تعرضهم لأي ضغط أو تعذيب أو أي معاملة قاسية ومهينة. وطالبوا بإطلاق سراحهم فوراً وعدم تلفيق أي تهم لهم، حسب البيان.

وأكد محامو الطوارئ حرصهم على متابعة قضايا المفقودين من التظاهرات والبحث عنهم ومعرفه أماكن تواجدهم فضلاً عن تمثيلهم قانونياً في حال مواجهتهم ببلاغات مستقبلاً. وقالت عضوة «محامو الطوارئ»، رحاب مبارك لـ»القدس العربي»: «ظللنا نبحث لخمسة أيام عن «تشكيلي» و»عبد الحميد»، بطرق وأماكن مختلفة، مشيرة إلى أنهم تلقوا تأكيداً شفهياً من مكاتب التحقيقات الجنائية، بوجود خمسة من المختفين قسرياً، دون تأكيد حول البقية».

ولفتت إلى أن الأجهزة الأمنية ظلت تختطف المتظاهرين وأعضاء لجان المقاومة من أماكن مختلفة، في وقت لا تقدم أي معلومات حول أماكن تواجدهم لأيام، مشيرة إلى أنهم لا يعلمون أي شيء حول أوضاع المخفيين قسرياً من قبل السلطات التي تحرمهم من حقوقهم القانونية ومن مقابلة أسرهم ومحاميهم.

وأضافت: «هناك مفقودون لا توجد أي معلومات عنهم، منهم إلياس محمد إلياس، الذي اختفى في منطقة الجافة بأمدرمان، مبينة أن أغلب المفقودين من منطقة اليوم الشرقية في الخرطوم، التي تمثل نقطة تجمع للتظاهرات المتوجهة نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم.

وتابعت: «خلال الشهرين الماضيين، اعتقلت الأجهزة الأمنية حوالي 126 شخصاً معظمهم من الناشطين في لجان المقاومة، دون تدوين أي بلاغات أو تقديم أي معلومات حولهم، حيث تم اعتقالهم من مناطق سكنهم أو أماكن قريبة، مشيرة إلى أن المحامين تلقوا المعلومات حول اعتقالهم من شهود عيان ومن أسر المعتقلين ورفاقهم».

وأكملت أن الأجهزة الأمنية ظلت تخالف القوانين باختطاف واعتقال الناشطين دون أمر قبض، أو فتح بلاغات أو إبلاغ أسرهم أو حتى تقديم المعلومات لمحامين. وتوقعت رحاب أن تزيد الأجهزة الأمنية التعقيدات بخصوص المختفين قسرياً، وأن تقوم بنشر معلومات مضللة خاصة بعد نشر المحامين للمعلومات حول المختفين قسرياً.

وحسب المحامية نون كشكوش، عضوة «محامو الطوارئ»، المختفون قسرياً في الوقت الراهن 13، لدى المأمون معلومات أولية حول عشرة منهم بينما هناك ثلاثة مفقودين لا توجد أي معلومات بخصوصهم.

واعتبرت ما يحدث، من سياسات السلطة الانقلابية، حيث يتم إخفاء الفاعلين والناشطين والمشاركين في التظاهرات لمناهضة للانقلاب العسكري. وأضافت: «ليست لدينا معلومات حول أوضاع المختفين من قبل السلطات ولم يتم إعلامنا بخصوص توجيه بلاغات بعينها ضدهم، المعلومات التي وصلتنا، فقط، إنهم في المباحث التحقيقات الجنائية».

ولفتت نون إلى أن السودان رغم المصادقة على اتفاقات تجرم الإخفاء القسري، إلا أنه لا توجد قوانين محلية بخصوص الاختفاء القسري أو آليات حماية في الصدد.

إلى ذلك، قال المتحدث باسم لجان مقاومة مدينة الخرطوم، عثمان أحمد، إن ما يحدث من إخفاء قسري للجان المقاومة والناشطين في التظاهرات أسلوب من أساليب المجلس العسكري والأنظمة الشمولية الهدف منه إخراس الأفواه وإدخال الخوف في نفوس الشارع الرافض للانقلاب. وأشار إلى أنها نفس ممارسات نظام عمر البشير، حيث يتم إخفاء المعارضين فضلاً عن تلفيق تهم لهم أو فتح بلاغات كيدية في مواجهتهم، والقيام بحملات لتشويه صورهم.

وأضاف أن «قادة الانقلاب يريدون إخماد نار الثورة، وذلك أبعد من أحلامهم، الشارع لا يخاف وسيواصل المقاومة حتى إسقاطهم وتسليم السلطة للمدنيين».

وأكد عثمان أن هناك استهدافاً واضحاً لأعضاء لجان المقاومة من قبل الأجهزة الأمنية، واختفاء واعتقالات مقصودة، يتم بعدها إخفاء المعتقل لفترات قد تكون أياماً أو أكثر، بعدها تقوم الأجهزة الأمنية بتلفيق تهم ضدهم دون تحقيق أو تقديمهم للمحاكمة العادلة.

وتابع: «قامت الأجهزة الأمنية بتعذيب معتقلين بعد إخفائهم وحرمانهم من حقوقهم القانونية مثل الطفل محمد آدم، الذي تم تعذيبهم بأبشع الأساليب، وتم وضع مسامير في أقدامه»، مؤكداً أن ما يحدث للمختفين قسرياً والمعتقلين كله لأغراض سياسية تهدف لقمع وإسكات المتظاهرين. وحسب الناشطة في مجال حقوق الإنسان، منال عبد الحليم التي تحدثت لـ»القدس العربي» أن الاختفاء القسري غالباً ما يكون بشكل مباشر من قبل الانظمة الدكتاتورية ضد معارضيها بإخفائهم دون إخطار أسرهم أو محاميهم أو إعلان اعتقالهم، وقد يكون بشكل غير مباشر عند التهديد بقتل المعارضين أو تعذيبهم وإجبارهم على إخفاء أنفسهم والامتناع عن القيام بأي نشاط.

واضافت: «عادة ما يستخدم الإخفاء القسري من قبل الأنظمة لحرمان المعارضين من حقوقهم القانونية حيث يتم إخفاؤهم دون فتح بلاغات أو القيام بإجراء قانوني، وكذلك دون إعلام أسرهم أو محاميهم بوجودهم وأيضاً لتخويف المعارضين الاخرين ونشر شعور بعدم الأمان لديهم».

وتابعت: «يعود الإخفاء القسري في السودان كذلك لتعدد الأجهزة الأمنية وتعدد الحركات والميليشيات ومقارها وقنواتها وأيضاً حراساتها، والتي تقوم كل منها في الخفاء وفق أجندتها، فضلاً عن المشكلات المتعلقة بتفلتات الكوادر الأمنية وعشوائية الاعتقال، والنقل من جهة لأخرى ومن مكان لآخر دون سجل، أاحياناً عبر أوامر من أفراد فقط، حيث لا توجد أي ملفات أو سجلات رسمية للمخفيين.

وأكملت، منال، يتم اعتقال المعارضين والناشطين السياسيين، دون تسلسل قانوني، مشيرة لحالة المعتقلين في سجن سوبا في الخرطوم، الذين لم يتم تقييد أي بلاغات ضدهم، بل قامت الجهات التي قامت بالاعتقال بتسليم قائمة من الجهات الأمنية للسجن بأسمائهم دون تفاصيل أو بلاغات أو اسباب للاعتقال، معتبرة ذلك نظاماً مختلاً للإحالة من جهة قانونية لأخرى.

وأشارت إلى أن بعض المختفين قسرياً يتم قتلهم أو تعذيبهم حتى الموت، وإخفاؤهم في مسارح أو مقابر غير معلومة، حيث إن العشرات خلال فض الأجهزة الأمنية الاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في الثالث من يونيو/حزيران 2019، اختفوا ثم وجدت جثث عدد كبير منهم لاحقاً، ولم يتم العثور على بعضهم حتى الآن.

وأضافت: أحياناً يتم اختطاف أعضاء لجان المقاومة والمؤثرين في الشارع، حيث يتم حرمانهم من حقوقهم القانونية، لإرهابهم وإرهاب الآخرين أو التقليل من حركتهم أو بسبب عدم انضباط الأجهزة الأمنية.

ولفتت إلى أن البعض أخفوا أنفسهم بشكل قسري بعد تعرضهم لتهديدات بالقتل من قبل الحكومة أو بعد تعرضهم لتعذيب شديد أو في حالات الاغتصاب، مثلما حدث عندما أخفى شبان وشابات أنفسهم بعد اغتصابهم من قبل الأجهزة الأمنية خلال فض الاعتصام، ويتم الإخفاء حسب منال، داخل السجون أو مقار غير معلومة أو داخل المستشفيات عادة بعد تعرض المخفيين للتعذيب أو المشارح حال وفاتهم مشيرة لحادثة مشرحة مستشفى الأكاديمية التي كشف انقطاع التيار الكهربائي عنها وجود جثث داخلها، يعود بغضها إلى وقت فض اعتصام القيادة العامة.

وشددت على أن السودان موقع على اتفاقات دولية تجرم الإخفاء القسري مؤكدة على ضرورة مواءمة الاتفاقات الدولية الموقع عليها من قبل السودان بالقوانين المحلية.

وتابعت: «ما زالت جهود الناشطين محصورة في إطار منع الإخفاء القسري بسبب الوضع الراهن في البلاد وحالة سيطرة الأنظمة الشمولية على السلطة لعشرات السنين، في وقت ما زالت مسألة تحقيق العدالة للمختفين أو محاسبة المتورطين في إخفائهم وتقديم تعويضات بالخصوص أمراً بعيداً».

وأوصت منال بإنهاء تعدد الجيوش في السودان وأن تكون سلطة القبض في يد جهة محددة وأن تتم في سياق قانوني وعبر وملفات وتحري وإجراءات منضبطة.

القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..