مقالات وآراء

سياسة الوهم : وهم الطليعة والشعب المتخيل (4)

حمد الناير

في هذا الجزء الأخير أود أن ارسخ النظرة الى ضرورة توحد الاحزاب والتي لابد منها لإسقاط الإنقلاب . فإنني أنطلق من قناعة إن الاحزاب السودانية رغم ازمتها على مستواها الداخلى وأزمتها فيما بينها وأزمتها حيال قضية الحكم إلا انها ارقي تنظيم وصل اليه مجتمعنا وحمل معه كل ملامح ضعفنا وقوتنا في العمل العام كشعب . الاحزاب هي مجدنا ولحظات انكسرنا ، هزيمتنا ونصرنا كشعب ، وفي لحظة تآمرها على الديمقراطية كانت هي العبء الذي قدر لشعبنا ان يحمله على ظهره كل هذه السنين . في نهاية الأمر لا فكاك منها ، وإذا كان الأمر كذلك لا بد من إصلاحها ودفعها للإصلاح رغم أنف حكم العادة والتقاليد والاوهام . لا سبيل أمامنا غير ذلك الا الدكتاتورية ، عسكرية او مدنية كانت .
سأتحدث في القسم الأول من هذا المقال الأخير عن خارطة طريق لإسقاط الإنقلاب تلعب فيها وحدة الاحزاب الدور القائد . وفي الجزء الثاني سأقدم مقترحات موجزة لدور الاحزاب في الفترة الانتقالية.
في البداية لابد أن تتم وحدة الاحزاب بناء على إعلان دستوري جامع وفارق وعلى قطيعة مع الماضي . تعلن الأحزاب من خلال هذا الإعلان الدستوري إلتزام الاحزاب بحقوق المواطن والمواطنة والقوميات السودانية المختلفة وتعبر عن موقف واضح من الجيش ودوره في السياسة ودوره في الاقتصاد وولاية الحكومات المدنية على الاقتصاد وعلى الجيش والاجهزة الامنية كليا.  لا بد من إصلاحها ودفعها للإصلاح رغم أنف حكم العادة والتقاليد والاوهام . لا سبيل أمامنا غير ذلك الا الدكتاتورية ، عسكرية او مدنية كانت .
سأتحدث في القسم الأول من هذا المقال الأخير عن خارطة طريق لإسقاط الإنقلاب تلعب فيها وحدة الاحزاب الدور القائد . وفي الجزء الثاني سأقدم مقترحات موجزة لدور الاحزاب في الفترة الانتقالية.
في البداية لابد أن تتم وحدة الاحزاب بناء على إعلان دستوري جامع وفارق وعلى قطيعة مع الماضي.

تعلن الأحزاب من خلال هذا الإعلان الدستوري إلتزام الاحزاب بحقوق المواطن والمواطنة والقوميات السودانية المختلفة وتعبر عن موقف واضح من الجيش ودوره في السياسة ودوره في الاقتصاد وولاية الحكومات المدنية على الاقتصاد وعلى الجيش والاجهزة الامنية كليا . لابد من الانطلاق من فهم واضح ، حتي يحترمك الشعب وخاصة حركة شبابه ، أن الجيش السوداني الآن مؤسسة مختطفة من صاحبها الأصيل الذي هو الشعب السوداني . الشعب السوداني هو صاحب الجيش وهو الذي يقول للجيش بواسطة ممثليه الدستوريين أقعد او قف او انصراف . آن الاوان لتصحيح الامور ووضعها في نصابها ، الجيش ليس صاحب القول في إختيارات الشعب ، وآن الاوان في نفس الوقت لإعادة الإعتبار والهيبة لهذه المؤسسة الوطنية بعد هوانها على يد السياسيين . دون إعلان دستوري فارق وغارز قدميه في طينة الواقع ووحله لن يحترمك الشعب ولن تتحول أفئدة الشباب نحوك في فرصة الوطن الآخيرة.
بعد واثناء توصل جميع الأحزاب السودانية على هذا الإعلان ونيل ثقة لجان المقاومة لابد أن تشمر السواعد لتفعيل القانون الأساسي الثاني للثورة السودانية وهو ضرورة وحدة العمل النقابي ووحدة منظماته. توحد الاجسام النقابية كان ولا يزال عاملا تاريخيا في التعبير عن رفض أو قبول المجتمع السوداني لسلطة ما وبالتالي اسقاطها أو دعمها . لذا عمدت الدكتاتوريات في اول افعالها الى تحطيم النقابات او على أقل تجيرها. نجحت سلطة الانقاذ في تحطيم النقابة لحد مهول لحد ضربها لإجتثاثها من الجذور . اقتضى إعادة نهوض العمل النقابي جهودا مضنية لنساء ورجال ومنذ العام 2012 شهد  العمل النقابي كسر طوق الاسلاميين من عنقه، وحتي الآن لم تنجح الجهود الا جزئيا . رغم الانتصار الجزيء للحركة النقابية الا أن سنبك الانقاذ الهولاكي طبع حركة إعادة تأسيس النقابات بحافره ولا تزال اثار الهزيمة باقية في وجه الحركة النقابية . نعم هزيمة . هزيمة سلطة البشير والأخوان المسلمين للنقابة لا تزال ماثلة في وجه العمل النقابي ، وإلا كيف تفسر وجود ثلاثة أجسام نقابيية تمثل الأطباء الذين كانت لهم نقابة تليدة تأسست نهاية الاربعينيات من القرن الماضي؟ ثلاثة أجسام لتمثيل الصحافيين ، عدد من الاجسام لتمثيل المهندسين وعدة مبادرات لجمع شمل المعلمين الى أن جمعهم ، لحين ، وقع المهانة في الإعتداء على مربي كريم وهيكل راتبي كانوا ضحيته منذ استقلال البلاد تزامن مع ضائقة معيشية غير مسبوقة. وكيف في نهاية الأمر تفسر أن الاجسام التي نجحت في تجميع نفسها تقف في معسكرات مختلفة ولا تستطيع حتي الان جمع شتاتها لتنفيذ إضراب بنسبة محترمة دع عنك أضراب سياسي وعصيان مدني عام . هذه هي هزيمة العمل النقابي التي لابد من تلافيها والعبور من خلالها لهزيمة الإنقلاب مرة أخرى الحل ببساطة في وحدة الأحزاب نفسها ، توحدها بوضوح حول ضرورة وجود حركة نقابية واحدة ومتوحدة . يجب أن نواجه الحقيقة دون مواربة : معظم النقابيين أعضاء في أحزاب السياسية ، خاصة بعد تجربة الإنقاذ . صحيح أن هنالك نقابيين مستقلين ، لكن الغالبية الساحقة من النقابيين أناس ذو انتماءات حزبية دفعهم إلتزامهم المهني والأخلاقي والحزبي للإنتظام والانخراط في الاجسام الموازية لنقابات الإنقاذ المزيفة. جمعهم الدفاع عن ابناء مهنتهم وحقوقها والانخراط في الهم الوطني العام . وحتي هوْلاء النقابيين المستقلين لا يوجدون في فراغ عقائدي بل لهم نظرة كليه متجذرة نحو الحقوق والحريات والعالم والوطن ولا يمانعون في الغالب تجاه وحدة النقابات . في نهاية الأمر توجيه الأحزاب السياسية لكادرها المنشغل بالعمل النقابي نحو الوحدة سيكون له أثره المهول في هزيمة سياسة الانقاذ النقابية الماثلة الآن والتي ترتب عليها وجود أكثر من مركز لاي مشروع نقابة. سياسة الإنقاذ هي التي انتجت هذا الواقع النقابي المتشظي ، وإنقسام الأحزاب وعدم وحدتها هو الذي رسخه . ولابد أن تصحح الأحزاب هذا الوضع الشائك ، واني على يقين من مقدرتها على ذلك حتي يستعيد العمال والمهنيين نقاباتهم سالمة موحدة من غير سؤ إن كان كان هنالك سبيل لهزيمة الإنقلاب .
نفوذ الاحزاب في المجتمع السوداني يتجاوز الافراد والتفكير الفردي والمزاج الفردي والطموح الشخصي. توجيه الاحزاب لكادرها نحو وحدة النقابات سيكون له أثر لا يقدر في دفع عجلة المقاومة للانقلاب وترسيخ الرفض المجتمعي للإنقلاب. علينا الأعتراف أن الاضرابات المهنية التي نفذت حتي في قمة الموجة الثورية الاولى منذ ديسمبر 2018 وحتي سقوط البشير والاستسلام المؤقت للجنة الامنية لعمر البشير لم تكن كاملة ولم تكن شاملة رغم اتساعها. ذلك في الاساس لتشرزم قواعد الحركة النقابية ووجود أكثر من مركز لاي نقابة. عندما تتوحد النقابات سينتقل الحديث عن الاضراب السياسي العام والعصيان المدني من حيز الأماني والمقولات الطائشة حول (إضراب مدني تدريجي) الى حيز الفعل والإمكان . ليكون الأساس الآن هو التوافق على وحدة النقابات والتوافق على قياداتها. أما انتخابتها وهيكلتها فلتكون فيما بعد تحت ظل قانون ديموقراطي للنقابات يجاز عبر برلمان الشعب . الحزب السياسي والنقابة هي ارقي اشكال التنظيم التي توصل اليها مجتمعنا . هي أول المؤسسات التي تجاوزت القبيلة واستوعبت تنوعنا وهي التي خلقت الضمير الجمعي للسودانيين في كل شأن عام . الرفض والقبول لأي نظام سياسي بل القدرة على الدفاع عن اي نظام قائم يعتمد كليا على صحة هاتين المؤسستين.
يجب أن نعترف أن حركة لجان المقاومة ، رغم أهميتها القصوى ، غير كافية لاسقاط الانقلاب .(ارجع للجزء الثالث من هذه المقالة).
ما يحدث الآن ازمة ثورية عقيمة :

1- الانقلاب عاجز عن الحكم.

2- الأحزاب والنقابات عاجزة عن الوحدة.

3- والشباب يضحي وعلى إستعداد للتضحية الى آخر الشوط . لتحويل الأزمة الى ازمة ولود ، لا بد من تغير هذه المعادلة لتصير: 1- الانقلاب عاجز عن الحكم.

2- الاحزاب والنقابات متوحدة.

3- الشباب والشعب على إستعداد لمنازلة الانقلاب لآخر لحظة . مبادرة (كلنا معاكم)، مع أحترامنا المخلص لها ، غير كافية. يجب أن تتحول الى مبادرة الاحزاب جميعها لتصير (كلنا أنتم) . دع الانقلاب والانقلابيين يرون بأس شعب السودان على بكرة أبيهم .
تريتبات الفترة الإنتقالية اتركها للقانونيين وليس في وسعي الا أن أقترح المباديء التالية :

1- الاتفاق حول وثيقة دستورية جامدة لا يتم تعديلها الا بتصويت ثلتي السلطة التشريعية للشعب تكون بمثابة إعلان حقوق للافراد والمجموعات السودانية المختلفة.

2- أن تبتعد الأحزاب والحركات المسلحة تماما عن الحكم في الجهاز التنفيذي خلال الفترة الإنتقالية فلابد من قفل طريق المحاصصة نهائيا في تلك الفترة .

3- الاتفاق على برنامج عمل موجز وحاسم يضع جهاز الدولة في سيطرة تامة على الموارد التي تتسرب من يد وزارة المالية والخزينة العامة. ومواصلة ما انقطع من تسويات مع النظام المالي العالمي حول الديون وايجاد الحلول الوسطي مع صندوق النقد الدولي ، الحلول التي تراعي التزاماتنا وفي نفس الوقت رفع الضائقة المعيشية عن كاهل المواطن . وهذا ممكنا .

4- اختيار رئيس مجلس وزراء مدني يتم التوافق عليه وأعطاءه مطلق الحرية في إختيار الوزراء. لا نريد رئيس وزراء ووزراء مبدعين تتقمصهم روح المنقذ من الضلال القومي ، انما تنفيذيين على قدر عظيم من الاستقامة لتنفيذ هذا البرنامج الذي هو اصلا متفق عليه.

5- تمثيل جميع الاحزاب السودانية والحركات المسلحة في السلطة التشريعية للفترة الانتقالية مهما كبر او صغر حجمها بصوت واحد لكل حزب أو حركة . وأيجاد صيغة ما لتمثيل الاحزاب في المفوضيات للاستفادة من خبرتها وفي نفس الوقت يجب أن تحول هذا الصيغة من تحوّل مناصب المفوضيات الى غنائم يختلف حولها.

5- تمثيل لجان المقاومة (شباب وشابات) بما لا يقل عن مساهمتهم من السلطة التشريعية.
6- الاتفاق على نسبة ما لتمثيل الحركة النقابية في السلطة التشريعية بشكل توافقي بحيث لا يختل توازن التمثيل الحزبي لصالح اي حزب داخل السلطة التشريعية.
7- اتفاق الحركة النسوية بمنظماتها المختلفة على صيغة ما لتمثيلها في سلطة الشعب التشريعية.
8- القائد العام للجيش السوداني هو رئيس الوزراء المدني وقرارات الحرب والسلام تخضع للسلطة التشريعية وحدها دون منازع . وتمثل هيئة اركان القوات المسلحة في السلطة التشريعية.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..