مقالات وآراء

همسٌ بصوت عالي !

محمد التجاني عمر قش

تداولت وسائط التواصل الاجتماعي خلال الفترة الأخيرة مقاطع فيديو لأشخاص سودانيين ، يجأرون بالشكوى من الحالة المتردية التي وصلت إليها البلاد بعد غلاء الأسعار والانفلات الأمني في كثير من شوارع المدن، وتدني قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية ، الأمر الذي أوجد حالة من التحسر على ذهاب حكم الإنقاذ بكل ما عليه من ملاحظات وما له من مساوئ مزعومة ؛ ولذلك طفق كثير من أفراد الشعب السوداني يتمنون عودة “بشه” للحكم أو على أقل تقدير يخرج من سجن كوبر ويأتي به إلى القصر الجمهوري ، كجزء من العقوبة المقررة قانوناً ، ليشرح للناس كيف كان يحكم هذه البلد ويدير اقتصادها ويحفظ أمنها ، مع وجود عقوبات دولية ومكائد داخلية وإقليمية ، إلا أنه مع ذلك كله استطاع المحافظة على الوضع الاقتصادي ؛ إذ كان يدعم الخبز والوقود بكل مكوناته.

رفعت ثورة ديسمبر ، التي أطاحت بالبشير وحكمه ، شعارات معروفة هي : “حرية سلام وعدالة” وهي في ظاهرها مطلوبة للحياة الكريمة ، ولكن في واقع الأمر لم يتحقق شيء من تلك الشعارات بعد ذهاب الإنقاذ ، بل ظل الحال يتدهور من سيئ إلى أسوأ في المجالات كافة ، سواء منها الإداري أو الأمني أو الاقتصادي أو السياسي وحتى الاجتماعي . وهنالك من يعزو هذا التدهور إلى وجود حكومة عميقة تتمثل في أتباع النظام السابق ، وهذه لعمري حجة أوهن من بيت العنكبوت ، بل السبب هو أن من خططوا للثورة كان همهم الأول والأخير هو الإطاحة “بالكيزان” دون أن تكون لهم خطة أو برنامج لإدارة الشأن العام ، بل كانت هنالك نية مبيتة للتشفي والانتقام بطريقة لا تتفق والقانون والعرف مطلقاً ، وكانت النتيجة فصل كثير من الكفاءات في الخدمة المدنية والمجال الفني ، فتعطل دولاب الخدمة المدنية وتعطلت بعض المنشآت ذات الطبيعة الفنية ، مما فاقم من معاناة المواطنين ودفعهم للتحسر على ذهاب الإنقاذ .

هذا الوضع هو الذي جعل البروفيسور/ معتصم إبراهيم خليل يطرح خاطرة جريئة حول عودة البشير إلى الحكم . “متسائلا هل سيعود البشير؟ وهذا سؤال لا يجرؤ أحد على طرحه ، بل سؤال محرم ، حتى التفكير فيه . فقد نال البشير ما نال من اتهامات وإسفاف وإذلال. وشيطنوه وشيطنوا نظامه ، حتى عذنا بالله منه ، ومن منا لا يعوذ بالله من الشيطان الرجيم ؟ لكنني أجرؤ وأطرح السؤال وأجيب عليه، وهي خاطرة لا أكثر! أتجرأ على طرحها لأن بلدي السودان هو بلد العجائب بل العجب والعجاب أيضاً . ومن العجب أن أمة السودان قد ولدت ربتها ! وأننا نجاور أنهاراً ونعطش ، ونصدر اللحوم ويصعب علينا شراؤها ، ويوصف السودان بسلة غذاء العالم ونجوع ، ونصدر الذهب ونشحذ ويتفوق الجهلاء على حملة الدكتوراة ، ويتقاضى أحد الموظفين راتباً يفوق راتب أستاذ بروفسيور عشرات الأضعاف . ومن العجائب أن يكون هناك مجلس وزراء لا رأس له ، وأن تكون هيئة القضاء هي هيئة الاتهام وهي هيئة تنفيذ الأحكام ، وأن تنقاد الأغلبية خلف رايات الأقلية وقد بقيت عجيبة واحدة لتتحقق وهي عاشر عجيبة أي عودة البشير ، ولما لا ؟ فقد أسقطنا إبراهيم عبود ثم هتفنا له في سوق خضار الخرطوم:

ضيعناك يا عبود وضعنا معاك” فأعدناه في هيئة جعفر النميري ، ثم أسقطنا جعفر النميري وبكينا عليه، ثم أعدناه في هيئة البشير، وأسقطنا البشير وتحسرنا على زمنه – زمن الإنقاذ ! .

نحن دوماً في حاجة لاستراحة محارب ، استراحة من رؤسائنا ، استراحة سميناها –

المرحلة الانتقالية . وهي استراحة لنبدع في عجائبنا ، نضيف خلالها مصطلحات تثري معجمنا اللغوي ، تسقط بس ، والحل في البل ، وأي كوز ندوسو دوس وترس راكب رأس والشاي بجاي ، إلخ!. استراحة نجتر فيها الذكريات ونبكي على الأطلال ، فنحن عرب أقحاح ، نتمثل حين نفيق بقول شاعرنا نحن العرب :

لكلِ زمانٍ واحدٌ يقتدى به وهذا الزمان فإن “البشير” واحدهُ فمن هو البشير القادم يا ترى ، القديم أم الجديد؟” .

هذا سؤال تصعب الإجابة عليه واضعين في الاعتبار معطيات الوضع السياسي الراهن في السودان الذي بات تتجاذبه أطماع قوى دولية وإقليمية وينطبق عليه المثل “البعير كان طاح كثرت سكاكينه” فكل جهة تريد أن تأخذ نصيبها من هذا المارد الذي طاح . بعض الجهات لها أجندة سياسية وأخرى تريد السيطرة على أرض السودان وسواحله وموانئه، وغيرها يطلب من السودان أن يكون رهن إشارته في العلاقات الدولية ، ومن جيراننا من لا يهمه إلا المياه ، فهو يسعى لكي يظل السودان في دائرة الفقر والتخلف والشقاق ؛ حتى لا يفكر في استغلال أراضيه ومياهه التي أشار إليها البروفسور معتصم ، وبعض من الجهات تريد تنفيذ أجندة خاصة بجهات أخرى ! .

عموماً من شبه المستحيل عودة البشير بشخصه أو بحزبه أو نظامه السابق ، فمن لم يتعظ بالتجارب لدغ من كل حجر مرتين ، ولكن على الشعب السوداني التفكير بطريقة علمية وعملية لإيجاد مخرج من عنق الزجاجة الذي دخلنا فيه ، بأسرع وقت ممكن ، قبل أن تتدهور الأمور أكثر ويحدث ما لا تحمد عقباه ، والأمر بيد الله من قبل ومن بعد ! .

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. حكم الإنقاذ بكل ما عليه من ملاحظات وما له من مساوئ مزعومة؟؟؟
    مزعومة يا قش وماك معترف بيها؟! بعدين حتى المساوئ ليه وما عليه؟
    يا راقل تاني ما عندك أي خط رجعة عشان تظهر نفسك أحيناً مع الثورة والثوار!!

  2. الحل عندي ان نتضرع إلى الله بالدعاء ان يضرب الظالمين بالظالمين ويخرجنا من بينهم سالمين قال تعالى (وضرب الله مثلا قرية كانت أمنه مطمئنه ياتيها رزقها من كل مكان فكفرة بانعم الله فاذاقها الله لباس الخوف والجوع بما كانو يصنعون) صدق الله العظيم. .

  3. محن سودانية كما يقول الكاتب شوقي بدري..وإلا كيف يخاطبنا واحد امي جنجويدي ويقود توجه الدولة؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..