اخبار السياسية الدولية والاقتصاد

غزو أوكرانيا.. كيف فاجأ زيلينسكي بوتين في أرض المعركة؟

على الأرض، يتقاتل جيشا روسيا وأوكرانيا، ومجموعات عسكرية شبه رسمية تابعة لهما، ويعاني المدنيون الأوكرانيون تبعات القصف الروسي على مدنهم، ويدفع اقتصادا البلدين أثمانا فادحة، فيما يتحضر العالم لتبعات الأزمة، وربما أخطارها التي قد تعبر الحدود.

لكن في الواقع، كما تقول مجلة Foreign Affairs فإن الحرب الحالية هي “حرب بين القادة”.

ويؤكد التحليل المنشور في المجلة، والذي كتب من قبل، مارغريت ماكميلان، رئيسة قسم التاريخ في كلية لندن للاقتصاد، بأنه “إذا كان أي شخص يشك في أهمية القادة الفرديين في شكل أحداث عالمية، فمن المؤكد أن الحرب في أوكرانيا قد بددت هذه الشكوك، حيث إنها حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وليس حرب أي شخص آخر، تماما كما كانت الحرب العالمية الثانية في أوروبا حرب أدولف هتلر”.

أوكرانيا اوقفت تقدم الرتل الروسي
أوكرانيا اوقفت تقدم القوات الروسية في أراضيها

وأضافت ماكميلان “كما أن غزو أوكرانيا لم يكن ليتبع المسار الذي سلكه لو لم يكن فولوديمير زيلينسكي رئيسا لأوكرانيا، حيث إن الممثل الكوميدي السابق حدد بأغلبية ساحقة مقاومة البلاد الملحوظة ضد الجيش الروسي المتفوق بكثير”.

وأضافت أن “الواقع هو أن زيلينسكي هو الذي جعل من القضية الأوكرانية، في مناشداته المباشرة المستمرة للزعماء الغربيين، والكونغرس الأميركي، والبرلمان البريطاني، والبوندستاغ (الألماني)، القضية الأوكرانية قضية لا يستطيع الغرب تجاهلها”، مضيفة “في الوقت نفسه، من المهم للغاية أن يكون الرئيس الأميركي، جو بايدن، وليس دونالد ترامب، في البيت الأبيض وقادرا على قيادة استجابة موحدة وصارمة، ولكن في الغالب باردة عبر الأطلسي”.

وقالت إن هذا الإدراك يعني فهم “أن من يشغل المنصب في لحظة معينة في مكان معين يمكن أن يحدث فرقا حاسما”، مضيفة أنه “كما أثبت التاريخ الحديث بإسهاب، فإن أعظم الصراعات، ونتائجها، غالبا ما تتشكل من خلال القيادة الشخصية بقدر ما تتشكل من خلال عوامل موضوعية مثل الموارد أو القوة العسكرية”.

FILE PHOTO: FILE PHOTO: A Ukrainian serviceman stands near the wreck of a Russian Armoured Personnel Carrier (APC) on the front…
القوات الأوكرانية حققت مكاسب كبيرة على الأرض

وأضافت أنه “في أزمة الصواريخ الكوبية، ربما يكون جون كينيدي جنب العالم حربا كان من شبه المؤكد أنها كانت ستشمل أسلحة نووية، حينما اختار عدم الرد بالقوة العسكرية في أزمة خليج الخنازير”.

ويشير التحليل إلى أنه “في الأزمة الحالية، لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الزعيمين، بوتين وزيلينسكي، قد حددا شكل الصراع. ففي روسيا، أعاد بوتن تأسيس أسلوب القيادة المركزي للغاية لستالين، أو القياصرة الذين يعجب بهم كثيرا، وجعل ما يفكر فيه ويريده يصبح سياسة روسية لأنه يسيطر على مقاليد السلطة ويتخذ القرارات الرئيسية. ومع ذلك، من الواضح بالفعل أن أحد أكبر أخطاء بوتين لم يأخذ في الاعتبار الصفات الشخصية وتصميم الرجل الذي كان يغزو بلده، الرجل الذي اختار عدم الفرار أو الاستسلام، بل البقاء والقتال”.

واستشهد التحليل بأمثلة تاريخية لقادة أوروبا خلال الحربين العالميتين، وقال إن “خلفياتهم وأفكارهم الخاصة حددت بشكل كبير مستقبل القارة”.

روسيا لم تحقق أهدافها من غزو أوكرانيا رغم مرور أكثر من شهر على بدء الحرب

وأضافت الكاتبة  أنه “على غرار قرار هتلر ببدء حرب عالمية، فإن قرار بوتين بشن غزو واسع النطاق لأوكرانيا من الصعب للغاية فهمه باعتباره خيارا عقلانيا، مصمما لتعظيم ميزة بلاده، في الثروة والسلطة، حيث أن بوتين يمتلك كل شيء بالفعل، وصولا إلى مقاعد المرحاض الذهبية في قصره في شبه جزيرة القرم”.

وتابع التحليل أنه “في موسكو، كان قد قضى على جميع المنافسين، وأحاط نفسه بخدم مطيعين تعتمد ثرواتهم وحياتهم عليه، وحول مجلس الدوما إلى قطعة خاضعة، وروض وسائل الإعلام الروسية. وفي الخارج، كانت روسيا تبلي بلاء حسنا، مع علاقتها المتنامية مع الصين والقادة الأصدقاء في بلدان مثل الهند والمجر وصربيا”.

وقالت الكاتبة إن بوتين نجح في تعزيز الانقسامات الدولية عندما شن حربا على جورجيا في عام 2008، وعندما ساعد بشار الأسد خلال الحرب الأهلية السورية على تدمير حلب واستخدام الغاز السام ضد شعبه.

وذهب بوتين إلى أبعد من ذلك، في عام 2014 استولى على شبه جزيرة القرم وأنشأ الجمهوريتين الانفصاليتين في دونباس. في كل هذه الحالات، لم يفعل الغرب، سواء كدول فردية أو جماعية، سوى القليل.

وتابع التحليل أنه وبحلول خريف عام 2021، كان بوسع بوتين أن يجلس مكتوف الأيدي ويستمتع بالضعف والانقسام الواضحين لأعدائه، وأرباحه المتزايدة من قطاع الطاقة الروسي، الذي يبدو أن أغلب أوروبا تعتمد عليه.

ولكن مثل هتلر، أشار التحليل “أراد بوتين المزيد، لقد أراد استعادة روسيا إلى أقصى حد لها والتعامل معها على أنها القوة العالمية التي يريدها، مع نفسه كزعيم عالمي”.

وقالت الكاتبة أنه “لو كان بوتين زعيما عقلانيا، ملتزما بحماية موقعه في روسيا وضمان أمنها في الخارج، لما راهن على حرب ضخمة، لم يكن ليفترض على ما يبدو، جنبا إلى جنب مع جنرالاته، أن القوات الروسية ستستقبل من قبل الأوكرانيين بالزهور، والخبز والملح التقليديين. لقد أعمته قناعاته الخاصة”.

ويقول التحليل إن الحرب كشفت بسرعة، أن بوتين “ليس مخلصا، بل مجرم حرب. لقد ألحق أضرارا بقواته المسلحة، وربما بشكل قاتل، وجعل أوكرانيا دولة أكثر من أي وقت مضى”.

القوات الروسية ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا
القوات الروسية متهمة بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا

ويؤكد التحليل أن قرار بوتين بغزو أوكرانيا عزز وحدة خصومه، حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ووحد الحزبين الجمهوري والديمقراطية في الولايات المتحدة.

كما أن الحرب حفزت المقاومة في روسيا، والتي ستنمو بالتأكيد مع انتشار الأخبار حول الخسائر الروسية. وقد تكون الصين صديقة، ولكن روسيا الضعيفة ستضطر الآن إلى الانحناء لإرادة بكين.

وختم التحليل بفكرة أن “أحد الأسباب التي جعلت غزو بوتين لم يسير وفقا للخطة هو الزعيم على الجانب الآخر. جنبا إلى جنب مع رجال مثل بوتين وهتلر، أنتج التاريخ أحيانا نوعا آخر من القادة: الشخص الذي يظهر، أحيانا من العدم، لحشد شعبه ضد ما يبدو وكأنه احتمالات طويلة أو مستحيلة، وبذلك يغير مسار الأحداث.

فشل منظومة الصواريخ الروسية قد يفسر سبب بطء تقدمها في أوكرانيا

وقارن التحليل موقف زيلينيسكي بموقف ونستون تشيرشل، رئيس الوزراء البريطاني الذي وحد جهود الحلفاء لدحر هتلر في الحرب العالمية الثانية.

وأضافت الكاتبة أنه لم يكن بوتين يعتقد أن الأمر سينتهي بهذه الطريقة، فبكل المقاييس الموضوعية، كانت روسيا أقوى بكثير من أوكرانيا، وكان ينبغي على القيادة الأوكرانية أن تتنازل أو تهرب بمجرد تحرك القوات الروسية على الأراضي الأوكرانية. ولا بد أن بوتن افترض أن الغرب لم يكن ليملك الوقت أو الميل لفعل أي شيء.

الحرة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..