الثورة تمضي وهي تعرف سبيلها

حمدي حاج هلالي
إن الذي جعل السودان يرزخ تحت الحلقة الجهنمية التي اصبحت كالنظريات العلمية التي تدرس في المعاهد العليا (حكومة احزاب فانقلاب عسكري ففترة انتقلالية ثم فترة احزاب وهكذا لتعيد الكرة من جديد وبنفس الاسلوب) هو ان الاحزاب لا تتعلم أو تريد أن تتعلم لمآرب شخصية في بنيتها التكوينية .. والسبب الاساسي في هذه الحلقة الجهنمية في رأيي هم الأحزاب في المقام الاول وليس العسكرفالاحزاب هم من دائما يتأمرون فيما بينهم ويستنجد الضعيف فيها بالعسكر للقفز على سدة الحكم واخواننا العسكر جاهزون للسطو على السلطة متى ما وجد الى ذلك سبيلا أو تجاوبا من حزب ما .. فمثلا بعد الاستقلال الذي أغرى العسكر لاستلام السلطة هم حزب الأمة الذين لوجود خلافات بينه وبين الاحزاب الاخرى ، فضلا عن الاختلاف الداخلي بين حزب الامة نفسه فكان ذلك تسلم وتسليم بين الفريق عبود والسيد عبدالله خليل رئيس الوزراء آنذاك وهو من حزب الامة ..
والانقلاب الثاني بقيادة العقيد جعفر النميري أيضا بسبب الخلافات بين الاحزاب فيما بينها حين تآمر الشيوعيون والاشتراكيون العرب مع العسكر مما سهل عملية الانقلاب .. وما يسمى بالانقاذ حدثت بتحالف الجبهة الاسلامية مع العسكر مما جعل السودان يرزخ تحت حكم شياطين الانس لطيلة الثلاثين عاما أذاقوا الشعب خلالها الأمرين ..
ما يميز هذه الثورة أو الانتفاضة عن سابقاتها هو الوعي الجماهيري العريض خاصة بين فئة الشباب والشابات ، (وأنها ثورة شعبية جماهيرية بلا لون وجنس ، اي ثورة غير عقائدية) .. الذين استرخصوا دماءهم في سبيل ان يكون هذا السودان في مصاف الدول الكبري لا دولة خانعة وتابعة تستجدي المعونة من دول هو كان سبب تقدمها وازدهارها بفضل جهود أبنائه الذين عملوا وما زالوا يعملون هناك .. ما يميز هذه الانتفاضة انها لا تقبل بانصاف الحلول والتسويات المحاصصية، كالتي كان يجريها النظام السابق او نظام البرهان الآن .. فشباب المقاومة وعت الدرس وايقنت ان الثورة ماضية في طريقها وهي تعرف سبيلها دون العسكر والاحزاب التقليدية لذلك تركتها وهي تتساقط خلفها كاوراق الخريف بغير ما تعير لها انتباها .. فانظروا الآن فالثورة هي ثورة شباب (ولا حزبين بحق ولا ما يسمى بالكفاح المسلح) .. أنظروا كيف تآمروا ويتآمرون الآن في وضح النهار .. أنظروا الى جبريل ومناوي الذين كانوا يحاربون النظام السابق بحجة تهميش اقليم دارفور وأين هم الآن وهم يضعون يدهم بيد من كانوا يحاربونهم في خندق واحد ويقفون ضد اقليمهم وضد الشعب السوداني ولا يستحون .. اقليم دارفور يئن والاقتتال الداخلي الآن اكثر مما كان يحدث في زمن النظام السابق فماذا قدموا لدافور الآن ..
الآن فرزت الكيمان ولا يصح الا الصحيح فلا مكان لانصاف الحلول .. فلا يستقيم أمر هذا الوطن إلا باجتثاث الاحزاب ، خاصة حزبي الأمة والوطني الاتحادي فهما أس البلاء الذي حاق ويحيق بالسودان واهله منذ الاستقلال وحتى الآن .. فالاحزاب لا تقدم بل تؤخر في نجاح الثورة لانها لا تتفاعل مع نبض الشارع الذي يئن من الفقر والجوع والاقتتال الشرس .. فقط ما يهم الاحزاب هو مكانها من كيكة السلطة اهي قريبة منها او بعيدة .. فانظروا الى الاحزاب الآن وهي تصمت صمت القبور فلا تجد لها ركزا .. فلا تهم هذه الاحزاب من أمر الثورة إلا (مكامن مكاسبها الذاتية من تلك الثورة) .
زمان أيام تغبيش الوعي الشعبي كانت الاحزاب وبضع من النخبة المستنيرة هي التي تقود الشارع والآن أصبح الوضع ياخذ الوضع المنعكس .. فالشعب هو الذي يقود الثورة ويجبر الاحزاب والعسكر يلهثون وراءهم . الشباب في المقدمة وفي موقع الفعل بينما رد الفعل من العسكر وهذا يدل على ان الوعي في المقدمة والبندقية في المؤخرة لكسر شوكة المقدمة ولكن هيهات فالثورة التي تنطلق ووقودها الدماء والاوراح لن تسكتها فوهات البنادق .. ولا لحكم العسكر بعد اليوم ولا للاحزاب ايضا فالطريق الذي يعبده الشباب بالدماء والارواح لن يحكمها إلا من أُريقت دماؤهم وأُزهقت أرواحهم في سبيله ..




الاحزاب هم سبب الحاصل في البلد دي
لما تنتصر الثورة ب اذن الله الثوار هم البيحكموا
مافي و لا حزب مهما كان يحكم البلد دي
اول فعل يقوم به الثوار القبض علي حميرتي واخوه والبرهان ولا ينتظروا تحرك الجيش لتسليمهم السلطة بل يحاصروا القصر الجمهوري والقبض علي من فيه وبذلك يقطعوا الطريق علي الجيش للمساومة وترديد الاسطوانة المشروخة انحاز للثورة والكلام الفارغ دا. وعلي طول للمشانق كما فعل نميري المحاكم الناجزة.
“فالاحزاب لا تقدم بل تؤخر في نجاح الثورة لانها لا تتفاعل مع نبض الشارع الذي يئن من الفقر والجوع والاقتتال الشرس .. فقط ما يهم الاحزاب هو مكانها من كيكة السلطة اهي قريبة منها او بعيدة .. فانظروا الى الاحزاب الآن وهي تصمت صمت القبور فلا تجد لها ركزا .. فلا تهم هذه الاحزاب من أمر الثورة إلا (مكامن مكاسبها الذاتية من تلك الثورة) .”
نواصل
مواصلة:
تمام الاتفاق مع ما طرحته با أستاذ حمدي ولو تتبعت تعليقاتي في هذا الشأن تنادي دائماً بأن ثورة الشباب هذه وخلافاً لكل الانتفاضات السابقة هي ثورة التغيير ولا يقتصر التغيير المنشود على اسقاط النظام وتغييره بآخر وحسب أو وبس! إنما تغيير لكل الأنظمة السابقة الفاشلة ولأن فشلها ثابت لا مراء فيه فلا يمكن تجريب المجرب والفشل نتيجته معروفة سلفاً بل ومحتومة. لذا كان لابد من تغيير هذه النظم الفاشلة، ليس هذا فحسب، بل وتغيير كافة الآليات والوسائل التي تنتج مثل تلك الأنظمة السابقة الحزبية والشمولية، مع الاحتفاظ بشيء واحد ألا وهو “الديمقراطية” الحقة. لقد تعلمنا وعلمنا تماماً من دروس الماضي أن الديمقراطية الحزبية لاتقدم هذه البلاد ولو تركت لتحكم ثلاثين سنة بلا انقلاب لأنها أولاً ليست أحزاباً إصلاحية بل هي أحزاب طائفية إقطاعية منكفئة على ذاتها مستغلة موارد الدولة لتخدم فقط مصالحها ومصالح زعمائها المقدسين وليس للمصالح التي يحققونها للبلاد والعباد وانما لمكانتهم الطائفية وزعامتهم المقدسة عند أتباعهم من الرعاع الذين يؤمنون بحق زعمائهم الإلهي المزعوم في الحكم. عليه فقد توصلنا كذلك إلى أن انقلابات العسكر المتكررة بتأليب ومشاركة من هذه الأحزاب الحاكمة منها والمعارضة ليست إلا إفرازات لسلوك الأحزاب السياسية وليست عوائق في طريفها لممارسة الديمقراطية كما يشاع في إعلامها، لأنها لا تعرف من الديمقراطية إلا العملية الانتخابية فقط والتي تخلو حتى من شرط قيامها على البرنامج السياسي للحزب ككل(فلا توجد هذه ولا حاجة لها لأن الولاء ليس من أجل الوعد بتنفيذها وإنما الولاء طائفيٌ وهو قائمٌ مسبقاً، وليس على البرامج الفردية لمرشحي الحزب مثل إنشاء طاحونة أو حفر بئر وما شابه. هذا جل الفهم والممارسة الديمقراطية عند الأحزاب، ولذا فلا يمكن أن ينتج هذا الفهم وهذه الممارسة للديمقراطية الحزبية أي تنمية وتقدم للبلاد ولو حكمت ثلاثين سنة.
مواصلة:
ويطالب المفهوم الحديث للديمقراطية ضمن اطار ومفهوم التغيير الذي طرحته ثورة الشباب بالعودة للديمقراطية الحرة المباشرة أي غير الحزبية التي تفرض الأحزاب السياسية كوسيط بين الشعب وبين حكم نفسه، وهذا كان ترفاً تمارسه صفوة السياسيين المستنيرين في المجتمع نيابة عن المجتمع ولمصلحته. وهذا هو نمط ويستمنستر والديمقراطية الغربية والذي يناسب مجتمعاتها المتحضرة والتي تخلصت من الخزعبلات الطائفية والحق الإلهي والموروث في الحكم ولم تعد تسمح للأحزاب بطرح برامج خلاف التنموية والوطنية التي تهدف إلى تحقيق المصالحة العامة ليس للحزب وإنما لعموم الأمة ودرجة الوعي المجتمعي عندهم كفيلة بضمان نجاح أو كبح الديمقراطية الحزبية. أما لدينا فلا زالت الطائفية والخرافات تتحكم في الثقافة المحلية والأحزاب الطائفية والعقائدية والمذهبية حتى التي تتعدى مذهبيتها حدود الوطن والمواطن لها أتباعها ومن يوالونها حتى من دون أي برنامج انتخابي. وبالنتيجة فأتباع كل حزب متعصبون لأحزابهم ولا ينظرون لأحزاب غيرهم ولو فعلاً طرحت برامج انتخابية.
لذا كانت النتيجة المنطقية هي استبعاد الأحزاب السياسية لاستحالة انفكاكها من المفاهيم والممارسات القديمة ومن ثم اللجوء إلى الديمقراطية المباشرة بأن يترشح نواب الشعب كأفراد بصفة فردية ليست حزبية ويُنتَخَبون مباشرة من أفراد دوائرهم بصفتهم الشخصية وكذلك يحاسبون في دوائرهم في أي وقت خلال الدورة الانتخابية وتطرح عنهم الثقة في أي وقت قبل إكمال دوراتهم.
اتفق معكم ان أحزابنا ابعد ما تكون عن الوطنية ونظرتها لكرامة الإنسان السوداني دون المستوى بكثير لكني لا اميل لحرق المراحل حرصا على المسار الديموقراطي ومن الأفضل إيجاد صيغة مرنه تحقق الهدف المطلوب.