مقالات وآراء

بلد التناقضات بامتياز … والثورة مستمرة

د. مبارك همت

 

السودان الدولة الشاسعة ذات الطبيعة الخاصة في كل معطياته وفي كل ما يتعلق بأمره ، فالسودان والسودانيون يجب أن يضافوا لموسوعة غينيس للارقام القايسية (Guinness World Records) في تصنيف أكثر بلدان العالم ملئيا بالمتناقضات و أكثر الشعوب تعايشاً مع مفارقاته المستمرة والدائمة ، فهنا بلاد العجائب والغرائب ، دولة نرﯼ فيها أبناء الوطن الواحد يتقاتلون ويتجادلون منذ استقلالها في الهوية والانتماء ، ويدور محور الجدل في هويتها غالبأ في نطاقين هما فقط عرب ! وافارقة !(عرب وزرقة) ، مع أن البلاد بها من الاعراق والهويات المتنوعة مثل النوبة والبجا وغيرها الكثير الكثير ، وقد نسينا أو تناسينا ماقاله المناضل على عبد اللطيف حينما سأله القاضي الانجليزي من أي قبيلة انت “لا يهمني ان انتمي الى تلك القبليلة واذاك فلكنا سودانيون” .  ومع العلم وكل هذه القبائل يتعايشون من مع بعضهم البعض منذ عقود ، ويتزاوجون ويتجاورون في السكن في المدن والقرى ويتكاتفون فيما بينهم في السراء والضراء وحينما يشتد البأس ووقت الحارة كما يسمونها ، ورغم ذلك تجد أنهم يختلفون في أمور اقل ما متوصف بأنها تافهة في المضمون ، ويناسون أن ما يجمعنا نحن كسودانيون أكثر مما يفرقنا لو تأملنا فيما حولنا بصدق ، وما يزال البعض يتجادلون ويملأون الاسافير بالدعوة للفرقة والانفصال وغيرها ، ويتجادلون رغم أن العالم يشهد الان الانفتاح على كل العرقيات والاثنيات ، فيمكن لافريقي أو اسيوي أو اي شخص الحصول على جنسية دولة اروبية فقط لأنه ولد بها ، أويمكن أن يتحصل على الجنسية لانه تزوج منها ، أو لانه عاش فيها لعدة سنوات قليلة ، وحينما يتحصل على الجنسية يتمتع بكامل حقوق المواطنة ، ونحن نجد فينا من يقاتل ويشتم لأتفه الاسباب وما زلنا في “قبيلتي وقبيلتك” الى الان !!!!!. أفهموا واعوا واتركوا الفرقة قبل أن يصل الأمر إلى الكراهية فعلاً ، ومن ثم انتقال هذه الكراهية بالجينات إلى الأجيال اللاحقة.
بلد تسمى سلة غذاء العالم ويستورد جل غذائه من الخارج ، دولة نسمع انها تتصدر الدول العربية من حيث الإنتاج للذهب والذي قدر حسب تقارير صحفية عالمية كانت في 2020 تقدر بـ83.8 طن ، احتل بها المرتبة الـ15 عالمي على(ما تم نقله من صحف) .. وهل تعلم كم يساوي هذا المبلغ ؟؟؟ هل تعلم ان كيلو الذهب يساوي 61 الف دولار؟ ، هل تعلم ان 83.8 طن تعادل اكثر من $5,104,500,000 (خمسة مليار دولار) . وان السودان لا يصنف مع الدول الاكثر امتلاكاً للذهب في بنوكها المركزية. ونعتبر دولة فقيرة ونعاني من شح الدواء وندرة الخبز وقلة الوقود فهنا تكمن المفارقات فهنا السودان . هل تعلم أن ثروة السودان من الأبقار حواي 53% من إجمالي عدد الأبقار في الوطن العربي . وتبلغ أعداد الأبقار في السودان حتى بحسب احصائيات عام 2016 تقريبيًا 30.559.660 رأس . دولة تصنف بأنها ثالث دولة على مستوى العالم من حيث عدد الأبقار المنتجة للحليب . وبالرغم من هذه الأرقام الكبيرة والترتيب العالمي إلا أن السودان يعاني من ضعف في وسائل التصدير وضعف كبير في مجال التصنيع الغذائي ويستورد الالبان الجافة من اروبا ولا يستطيع الاستفادة من هذه ثروته العظيمة ، فهنا السودان .
واذا دلفنا الى العقائد والامور الدينية تجد أن هنالك من يسمونه شيخ (فكي) يتحكم في كل مريديه واحياناً في كل قريته ويقوم في نظرهم مقام الرب ، هو الاَمر والنهاي وهو المفتي والحاكم ، وهو الوصي على الجماعة يستطيع ان يجعلك تفعل الاعاجيب من أجل تحقيق هدف أو نيل غاية كذباً وبهتاناً مدعياً قدرته على فعل الاشياء وتحقيق الاحلام ، ونعلم انه لا يستطع فعل شي لو لم يكن ما تمنينا مكتوبٌ لنا في قضاءِ الله ، ولكنه الجهل ، فتجد شخص متعلم لديه ما لديه من الشهادات وينقاد لهولاء الدجالين في كل كبيرة وصغيرة تخصه ، فيمكن لهذا المتعلم المثقف أن يترك عيادة البروفيسور الاستشاري الذي افنى عمره كدا في العلم ويذهب مختاراً منقاداً لشيخ الغفلة في العراء طلباً للعلاج والتداوي وطلب البركة ، فكيف نفكر وكيف يعتقد في مثل هولاء ، انه بلد التناقضات .
دولة تنجب الابطال ويحكمها ؟؟؟؟ .

دولة يمكن أن تكون فيها تابعاً وفي ليلة وضحها تصبح متبوعاُ ؟؟ .

دولة يمكن أن يتسيدها كل من حمل السلاح وقاتل اهله وسفك الدماء ، بينما يعيش فيها من يحمل اليراع ويعلم الاجيال بؤساً وشقاء وقلة مال ويتخطفه الفقر يوماً بعد يوم؟؟؟ . هل تعلم أن الاستاذ الجامعي المنوط به تطوير البلاد وصناعة الكفاءات والنخب المستقبلية يتقاضى اقل من مائة 100 دولار امريكي بينما يتقاضى اخرون في وظائف حكومية عشرات الاضعاف من راتب هذا الاستاذ .
دولة أدنى من فيها من يعلوها ؟؟؟ فكن الادنى تكن الاعلى فيها ، وهنا لا نعني مقولة الشاعر العملاق محمد الفيتوري ” أدنى ما فينا قد يعلونا يا قوت فكن الأدنى تكن الأعلى فينا” فشتان مما يعني وما نعني نحن هنا ؟؟؟ .

دولة سماسرتها يتحكمون في اقتصادها ويحتكرون اسواقها .
دولة احزابها تنادي بالديمقراطية منذ الاستقلال وهي التي تعمل في الخفاء لتاتي للحكم من باب الانقلابات العسكرية المشؤومة ، دولة يحكمها العسكر لأنهم اقوياء بما يمتلكون من سلاح وفي نفس الوقت يحكم العسكر المنقلب مدنياً في الخفاء؟؟؟ .
بلد بها بها قضايا حكمت من قبل في المحاكم منذ اكثر من عام ولم يتم تنفيذ احكامها حتى الان …. فهنا بالاد العجائب والقرائب .
وهل تعلم أن هنالك ثورة قامت ضد ثورة وتسمي نفسها بتصحيح المسار لم يشهد الشعب بعدها أي تصحيح يذكر بل اذداد الوضع سوءاً والمواطن أذداد جوعاً ، ووالسيولة الامنية التي عمت البلاد اصبحت اسوأ .
هل تعلم أن من كان يسترد مال الشعب للشعب بتفويض من الشعب وقانون تفكيك نظام الإنقاذ هو قانون أجازه المجلس السيادي ومجلس الوزراء في السودان في 28 نوفمبر 2019 ، فيهم الان من اتهم بخيانة الامانة ؟؟؟ ولا نعلم ان كانوا قد خانوا الامانة أم خانتهم الامانة ؟؟ وننتظر لنرى ما ستسفر عليه الايام . وهل تعلم أن هنالك لجنة تسمى لجنة التحقيق لفض الاعتصام وقد سجلت هذه اللجنة رقماً قياسياً في شهود المحكمة فقد استمعت لأكثر من 3 آلاف شاهد ولا اظن أن هنالك قضية في العالم شهد فيها هذا الكم الهائل من الشهود ؟؟؟ ومع ذلك لم تكتمل القضية الى الان ؟؟ فليس في الامر عجب فانت في السودان؟ هل تعلم أن الثوار يخرجون مشياَ على الاقدام لعشرات الكيلومترات ليتجمعوا بمطالبة حقوقهم والتعبير عن ارائهم ولا يجدون موزاً يقدم لهم ومحاشي يسدون بها رمقهم ورغم ذلك تجدهم مستمرون في مطالبهم فهم اقوياء بما يمتلكون من عزيمة واصرار ، هل تعلم ان السودان به اطول الثورات في العصر الحديث فثورة ديسمبر المجيدة بدأت من 2018 ولم تتوقف حى الان ..
وهل تعلم ان الشعب يرى ويوثق كل يوم انتهاكات واضحة وصريحة صوتاً وصورة ، ولكن لا يرها الا هو ؟؟ فلا حياة لمن تنادي .فأنت هنا في قلب افريقيا في دولة تسمى السودان.
هل تعلم ان الشعب السوداني جله خرج في ثورة ديسمبر يهتف “نحن مرقنا مرقنا ضد الناس السرقو بلدنا” . ونظن أن كثير ممن سرق الان ينعم بماله هو وعياله في البلاد العم سام ودبي وتركيا وغيرها ينعم برغد العيش والفراش الوثير وهو يعلم انه اذكي من ان يحاسب وان يترك وراه دليل ادانته، ولا يؤمن بأنه سرق ولا أن ما اكتسبه حرام ؟؟؟ .
وهل تعلم أن محصلة نتاج الثورة العظيمة التي اندلعت في السودان وشهد بها العالم هي رجوع النظام وكوادره من بابه الخلفي “و كأنك يابو زيد ما غزيت” .
هل تعلم بأن كل هذه المفارقات هي تعبير بليغ عن خيبات سياسية معممة ونحن شعب التناقضات بامتياز .
وهل تعلم أن الشعب السوداني الثائر لا يستحق ذلك . وأن الشهداء لم يستشهدوا من أجل ذلك ، وان الارض تنب كل يوم الف ثائر .. والثورة مستمرة رغم كل التناقضات .
وكل عام وانتم بخير ورمضان مبارك على الشعب السوداني وعلى كل مسلم .. و 6 أبريل في الانتظار .. والشعب أقوى اقوى والردة مستحيلة .

 

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. وصف أحد الانجليز فى وقت مضى السودان بحيث ضحك القدر, أى عندما صنع الخالق السودان جلس ضاحكا متأملا ما صنعه!!

  2. لأنكم شردتم من السودان خليتو للصوص و بقيتو تتكلمو عن السودان كأنه ليس بلدكم؛ فلسفة فارغة، تعال قاتل من الداخل، بدل الهرطقة العبيطة دي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..