مقالات وآراء سياسية

السودان تأسيس دولة مدنية حديثة وتحصينها ضد الإنقلابات العسكرية

منير التريكي

 

يمكننا أن نرجع ضياع الثورات في السودان إلى عدة أسباب . من هذه الأسباب مثالية الثوريون وإنتهازية الإسلامويون وضعف التائهون في الوسط . وتدخلات دولة أو أكثر لرعاية مصالح شعبها على حساب الشعب السوداني . السبب الأخير رغم غرابته إلا أن التجارب أثبتت حضوره بقوة في المشهد السياسي . خطورته تتمثل في لجوء الديكتاتور لدولة ما لحماية حكمه في مقابل إطلاق يدها في بلده . السيناريو السيئ تكرر عدة مرات . يثور الشعب يقتلع ديكتاتور . تتم سرقة الثورة وتفشيل أهدافها رغم كل التضحيات . يحدث ذلك بغفلة السياسين الذين يقومون بنفس الخطوات وبنفس الإسلوب كل مرة ويتوقعون حدوث نتائج مختلفة . يتناسون خبث الخونة وخيانة الإنتهازيون. السياسيون المثاليون يرفعون شعارات ضخمة ويصرون على تنفيذها فورا . يرفعون سقوفات المطالب ويتمنون حلولا غير عملية . لو دقق الثوريون في مطالبهم المستحيلة لإكتشفوا ان الخونة هم الذين يقترحوها أو على الأقل هم الذين يدعموها دون أن يظهروا انفسهم . الحلول المثالية والسقوفات العالية تنتج إحباطات ضخمة إن لم تتحقق . الذين يطالبون بتنفيذ أهداف الثورة كلها دفعة واحدة وفي أيام قليلة غير عقلانيين . الأيام الأولى تستفيد منها الثورات في تثبيت نفسها وحماية منظومتها وتعضيد وضعها بالشراكات الذكية . السياسة هي فن الممكن . مع المثالية هناك الضعف . خبثاء الإنتهازيون يعرفون الضعفاء التائهون في الوسط . يجندوهم لتنفيذ أجندتهم . من لا يجندوه يسعون لتحييده . بذلك تفقد الثورة جزء منها لصالح عدوها . اي ان هؤلاء التائهون في الوسط بدلا من أن تكسبهم الثورة لصالح اهدافها تخسرهم مرتين . مرة لأنهم يقللوا بترددهم وتقاعسهم من قوة الدفع الثوري ومرة بتحولهم لأدوات تعطيل وتخزيل . ينفذون بمقابل واحيانا بلا وعي اجندة الخصوم . لا تستغرب إن وجدت من يمجد الديكتاتور الذي يسرق حقه وينهره ويمن عليه ويلقى له بالفتات مما يسرقه منه . الديكتاتور يفعل كل شيئ لحمايته وضمام وجوده في السلطة اطول وقت ممكن . الضعفاء والغافلون يحققون له ذلك بجهلهم ومعاناة شعوبهم . يعملون على تعطيل مسيرة الثورة . يستغل الخبثاء جهلهم في تسفيه أهداف الثورة وتشويه رموزها وتكريه الناس فيها . يشغلون الجماهير بالجدل حول قضايا ثانوية . تضعف الثورة عندما يخصم منها الجماهير . ينقض عليها العسكر المغامرون بتخطيط من الإنتهازيين . هكذا تتكرر التجربة المريرة . ديكتاتورية يقف خلفها الإنتهازيون .. ظلم ومعاناة .. نضال .. ينتج ثورة بأهداف سامية . يمكر الإنتهازيون ويفلت المجرمون والفاسدون . إنقلاب عسكري يذيع بيانا يستنكر فيه كل ما سوف يفعله لاحقا بصورة أسوأ . يحتضنه الإنتهازيون بشروطهم .. وهكذا .. فكيف نخرج من هذه الدائرة الشريرة ؟ .

أعتقد ان البداية هي ترسيخ مفهوم أهمية الدولة المدنية كأساس لا بديل له لنهضة وتقدم الدول . وأيضا بفضح التغبيش والتضليل الذي يفتعل عدواة بين الدولة المدنية والإسلام . كلمة مدنية نفسها مصدرها مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام . شهد مجتمع الإسلام الأول قيام دولة حديثة ضمنت الحقوق للجميع . المسلمين واليهود والنصرانيين والمشركين وحتى المنافقين . تفعيل القوانين وردع المخربين وفضح المتعاونين معهم والمتقاعسين . إختيار شخصية أو شخصيات قوية للمرحلة الإنتقالية . حراسة الثورة ببنيها وبناتها أصحاب الوجعة وشغل الوظائف بمن قدموا التضحيات واللذين عانوا من الأنظمة المستبدة . اذا تم ذلك فلن تجد أي دولة أيا كانت فرصة لتنفيذ أجندتها .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..