مقالات وآراء

6 أبريل .. قصة ثورة لم تنتهي !

عبد المنعم عيسي كرار

 

حين تعيق مجرى الدم في الشريان تكون السكتة ، وحين تعيق مجرى الماء في النهر يكون الفيضان ، وحين تعيق مستقبل شعب تكون الثورة .
٭فكتور هوجو ..

أشرقت شمس ذلك اليوم الأغر ، والمشهَد الثوري في بلادنا يتهيأ لحدثٍ جديد .. حدثً أتخذ زخما ثورياً مغايراً منذ بدء موجة الإحتجاجات في البلاد قبل نحو أربعة أشهر ضد حكم الجنرال المخلوع ، بعد أن قرر الثوار والكنداكات ، التوجه صَوبْ قيادة الجيش لتسليم “مذكرة التنحي في 6 أبريل المجيد ..
كان شبلي شجرة الحماداب محمولاً علي الأعناق يُلهِم الثوار والمحتشدين وهو يهتف : تسقط سقوط الجن .. تزامن ذلك مع خروج الجموع الهادرة من معسكر كلِمة في دارفور ، خرجت ضد ثلاثون عاماً عِجاف من الطغيان ، خلّفت وراءِها الظلم والقتل والتنكيل والنزوح ، وهتافها يُشق عنان السمَاء: (تسقط بس) ..

وذكري كرنفالات الفرح والإنتصارات في ثورتي أكتوبر وأبريل المجيدتين ، مازالت عالقةً في ذاكرة ذاك الرجل المُسن ؛ وهو يلّوّحُ للثوار بيديهِ تارةً ؛ وبمسبحتهِ تارةً أخري ، ويدعوا لهم في السرِ والعلنِ ؛ بالنصرالمبين ، وإمراةً علي جانب الطريق تُتطلق الزغاريد وتشاركهم الهِتاف ؛ ثم تمسح الدموع من علي خدِها ، في مشهدٍ تختلطُ فيه مشاعر الفرح الجيّاش والبُكاء المُر ..

الحشود تلو الأخري تتقاطر نحو القيادة العامة ، من أمدرمان وبحري والخرطوم جنوب وضواحي العاصمة والمدن القريبة والبعيدة ، كان نافع علي نافع ، مشتتاً متهالكاً رعديداً جباناً ؛ كما هو حال الجنرال البائس ! يري الأشياء ، ولكن لا يراها ! من هوّل المفاجأة التي أخرستهُ وهو يري الفأس بسواعد الثوار توشِك أن تهوي علي الشجرة الملعونة (شجرة الزقوم) ، لا سيّما وأنه قد خسر الرِهان يوم أن قال ساخراً عن مليونية 6 أبريل : (كلها يومين وح نشوفها قدر شنو!).

لم يهملهُ الشعب كثيراً من الوقت ، وقد رأي بأم عينيهِ المواكب والحشود الضخمة ، وكأنها الموج الهادر ، والآيادي تلّوّح بعلامة النصر ، وبعضها تحمل غصون الأشجار وتلوّح بها عاليةً عالية ، والأعلام ترفرف خفاقةً ، وتشكل ألوانها الأحمر والأخضر والأبيض والأسود لوحةً تشكيلية رائعة الجمال ، وذاك فتيً يتوشح العلم الزاهي علي طول قامتهِ الفارعة ، وتلك فتاةٍ وقد رسمت علي خدِها النديّ علم السودان القديم ، الأخضر والأصفر والأزرق ، والحقائب الصغيرة محمولةً علي الظهور إيذاناً بأن المأمورية قد يطول أمدِها، وقوارير المياه تتجول بينهم من يدٍ إلي أخري وكأنها تشاركهم فرحة التاريخ ، وفي آنٍ واحد أنطلقت الهتافات والزغاريد عالية : سلمية سلمية ضد الحرامية .. والليلة تسقط بس .. خرجنا خرجنا ضد الناس السرقو عرقنا ..

قوات البطش الإسلاموي البغيض ، تحاول جاهدةً أن تعرقل المواكب ، وتحوّل دون وصولها للهدف المنشود ، كان البمبان والهروات والطلقات المطاطية والذخيرة الحية، هي الوسائل التي تعبر عن لسان النظام البائد ، بعد أن وقف عاجزاً أمام الملايين التي غمرت الشوارع ، حشد النظام كل آليات القمع والقتل والتنكيل لخوض معركتهِ الأخيرة من أجل البقاء ، ولكن هيهات! .

وصلت المواكب ، وإنتصرت إرادة الثوار والكنداكات ، إنتصرت بدماء الشهداء الأبرار وأرواحهِم الخالدة ، وإنهزمت فلول الإسلاميين المدحورة ، وشُيدّت الحصون المنيعة بالمتاريس ، وبدأت فصول وحكايات المدينة الفاضلة ، وجمهورية أعلي النفق .

يقول الأديب الدكتور أحمد خالد توفيق : “المرء لا يرى أكثر من ثورة شعبية واحدة في حياته لو كان محظوظا“..

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..