حرية سلام وعدالة

د. السموءل محمد عثمان
عندما خرجت الجموع تهتف “حرية سلام وعدالة” كان ذلك الهتاف نتاج دموع أهل السودان وأحلامهم بصورة وطن جواهم ، ورغبتهم وأشواقهم وحنينهم ولهفتهم التي تسابق خطواتهم نحو ذلك ، وهذا ماجعلهم يهبون لتلبية ذاك النداء ، بل إستطاعوا بهتاف حناجرهم هزيمة رصاص الغدر والخيانة الذي أراد النيل من الثورة في مهدها .
أن يقف أحدهم يهتف “حرية سلام وعدالة” كان ذلك كفيلاً بأن تهب الجموع في طريق الثورة تتقدمها زغاريد الكنداكات وإصرار الشباب .
تغتالك رصاصة الغدر ولا ذنباً لك سوى حلمك بوطن الكفاية والكرامة ، فاغتال ذلك الرصاص خيرة شباب هذا البلد وسواعد بناءه ورموز عزته ، ولكن إذا بحثت عن صاحب تلك اليد التي داست على الزناد، يمكنك أن تجاوبني من وجدته ؟! أترك لك الإجابة ، فهو قد داس على الزناد ليغتال مهندساً أو طبيباً أو معلماً أو فناناً ازدانت الجداريات بخطوطه وألوانه ، أو من كان خيرة شباب الحي في مقدمة أقرانه لتعمير المساجد ونظافة المدارس ومساعدة الغلابة ، كانت رصاصة الغدر (عزالة) تختار وتتباهى في انتقائها وسط تلك الأقمار من شباب بلادي .
لكن هل يمكن هزيمة إرادة الشعوب ؟ .
يمكن أي شخص يرد على تسأولي هذا بأبيات الشاعر أبو القاسم الشابي
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلأبد أن يستجيب القدر
ولأبد لليل أن ينجلي ولأبد للقيد أن ينكسر
نعم إستطاع الشعب السوداني أن يفعلها أكثر من مرة ، ثلاث مرات في أكتوبر وأبريل ثم زينة الثورات ديسمبر المجيدة ، تمتاز على الأُخريات بطول جيدها في جهادها وجمال اعتصامها ، الذي تبلورت فيه القيم الجميلة لإنسان هذا البلد ، من تكافل وتعاضد ونبل وكرم وترابط ومعرفة وفن وإبداع ، صار الناس يذهبون لزيارة ذلك الاعتصام يجددون كل يوم حبهم وولائهم لهذا الوطن ، يغسلون أنفسهم وينقونها من الأنانية وحب النفس إلى رحاب الجميع والإيثار، ليفكرون بصوت عال في مستقبل هذه البلاد .
لكن على الجانب الآخر كان هناك من يتربص بتلك الجموع من رأى في هذا الاعتصام عدواً له ، تحزنه فرحة هذا الشباب ، تهزمه هذه الثقافة وهذه الفنون وهذه الروح في حب هذا الوطن ، أن يعيش الناس هدفاً واحداً ، ويسعون لغاية تجمعهم كلهم .
ذات يوم من أيام شهر رمضان المبارك ، وفي ذاك الصباح استل ذاك المتربص سكين الغدر ليسددها في قلب الثورة السودانية بلا رحمة ، ويذبح تلك الفرحة من الوريد للوريد ، ليجعل ذاك العيد سرداق عزاء للوطن ، أدمى عيون الأمهات وكسر قلوب الأباء بلا إنسانية .
كانت ثورات الشعب السوداني الثلاثة أكتوبر وأبريل وديسمبر ، القاسم المشترك الذي يجمعها هو البحث عن الحرية والسلام والعدالة ، الحرية من تسلط الانقلابين في كل مرة إستباحت فيها الدبابات أرض الوطن ، وداست على رغبات الناس في حياة كريمة تتناسب مع مقدرات الوطن ، وتطلعهم للسلام المقرون بالتنمية ليصبح سلم اجتماعي ترفرف راياته في كل أرجاء الوطن دون استثناء ، وهو سلام لايخرس فقط صوت البندقية ، ولكنه يجري التنمية لتحقيق فرص أفضل للحياة للمواطنين ، فالسلام لاتحرسه الآليات العسكرية ، ولكن تحرسه التنمية .
لكن كل مرة كان يتم التعدي على هذه الآمال الجميلة ، وإضاعة الفرصة على هذه الجموع في صناعة وطن ضد الانكسار، تضيع الفرصة في بناء وطن العزة والكرامة ، يداس على معاول البناء والتطوير ، تضيع فرص التنمية والاستثمار التي كانت كفيلة بجعل البلد تحقق الكفاية والرفاهية لمواطنيها .
مثلما كانت النزاعات والحروب الأهلية السبب في الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والتشريد والنزوح واللجؤ وكل قبيح ، كانت سبباُ في الفرص الضائعة في صناعة مستقبل الأوطان ، أضاعت فرص التعليم الجيد والتنمية المستدامة ، والاستغلال الأمثل للموارد بالصناعة والاستفادة من التقنية والتطور ومواكبة التقدم .
كثير من الدول خاصة في قارتنا السمراء انتفضت وخرجت من بؤرة النزاعات هذه وظلت تسعى لتحويل مهددات السلام لفرص للسلام ، وأخذت تبحث عن التنمية واستغلال مواردها بالصورة المثلى فأصبحت من نجاح إلى نجاح ، وصارت في مصاف الدول المتقدمة .
لا تقل الانقلابات العسكرية دوراً في إضاعة تلك الفرص ، وتقويض إمكانات البلاد البشرية والطبيعية ، إذا بحثت في العلاقة بين الانقلابات العسكرية والدول ، لوجدت إن الانقلابات العسكرية هي شيمة الدول المتخلفة ، وتزيدها خبالا في خبالها وتخلفاً رغم تخلفها ، وليس هناك تعريف للانقلابات غير أنها التعدي على الديمقراطية .
الانقلابات العسكرية تقويض لفرص الدول في التقدم والتطور ، وصرف الناس من البناء والإنتاج لمناهضة قرارات الدكتاتوريات وهطلها .
وضع الإتحاد الإفريقي خطوط حمراء كثيرة للانقلابات العسكرية في القارة من تجميد عضوية للدول التي تجري فيها تلك المغامرات التي تستولى فيها الدبابات بالليل على مفاتيح البلد .
هذه الانقلابات يروج لها الانتهازيون الذين يسعون للسلطة والثروة ، وهم الذين تقاصرت إمكانياتهم دون بلوغ ذلك في الظروف العادية عندما تكون الفرص متساوية ولا سبيل لهم لذلك غير هذا العبث بمقدرات الأوطان ، ليصبحوا قريبين من مراكز القرار في الدولة ، فهم يبحثون عن نهب موارد البلاد وإمكانياته لصالح جشعهم ومصالحهم الخاصة .
تجد بعد كل ثورة للشعب ينشط هولاء في محاولة لإحداث الفرقة والسخرية من الشعارات المرفوعة ، هم يوقنون إن الوحدة بين مكونات المجتمع تصعب من عملهم فيبتدعون عدة أساليب لشق الصف .
هولاء هم الخطر الذي يحدق بالأوطان ، هم الذين حاربوا الربيع العربي داخل تلك الدول ، هم أهل الفساد الذين إستولوا على موارد تلك الدول . ورغم اختلاف أساليبهم من دولة لدولة ، إلا أنهم يتفقون في أهدافهم ، ويجتهدون في جعل الناس يندمون على تلك الفترات التي سبقت ثورات الربيع العربي ، وهم يقاومون التغيير بكل مالهم من سلطة وثروة .
واحدة من تلك الإستراتجيات أن يعيش المواطن في ضائقة معيشية ، يلاقي جهداً في الحصول على متطلبات حياته ، ويجد فيها ندرة تزعزع الأيمان بالثورة الذي بداخله وإحباط أحلامه بوطن الكفاية.
لذا كلما رسم الشعب طريقه نحو مستقبله كانوا هم من يقف أمام طموح شباب البلاد وجماهيره التي تسعى للمجد والتقدم.
حريه سلام و عداله ما تعمل ليك أي حاجه
بطل دجل و خداع
الحاكمين الآن حاكمين بقوة السلاح و ديل جيوش همج لا يعرفون سوي القوة ضدهم
خليك في ح و س و ع