مقالات وآراء سياسية

هل هبّت رياح التغيير

مدارات وأجراس 

فيصل الباقر

 

فى حضرة اللاعبین الجُدد فى المشھد السیاسي السوداني : ھل قلبت لجان
المقاومة المعادلة القدیمة، وھل ھبّت ریاح التغییر؟!
مدار أوّل :
“أمر باسمك إذ أخلو إلى نفسي .. كما یمرّ دمشقيٌّ بأندلسِ .. ھُنا أضاء لك ملح دمي ..
وھا ھنا وقعت ریحٌ عنِ الفرسِ ” ((محمود درویش))

-1 – یوماً بعد یوم، یتأكّد للجمیع، أنّ الإنقلاب الذي نفّذه القائد العام للجیش السوداني الفریق أوّل، ھو انقلاب عسكري كامل 2021 أكتوبر 25 عبدالفتاح البرھان – و”شركاؤه” – فى الدسم، مھما حاول البعض التمویھ، بحلو الكلام، وھذا الفعل، جاء لیقوّض – بلا أدني شك .
– تحقیق أھداف ثورة دسمبر المجیدة، وشعاراتھا الواضحة حریة .. سلام .. وعدالة”، ولیعید دولة ما قبل الثورة العمیقة و”العقیمة”، كما أنّھ یتعارض – تماماً – مع الحق الأصیل فى أن یختار الشعب السوداني، طریقھ – بعد انتھاء الفترة الإنتقالیة – بحریّةٍ واستقلالیةٍ
تامّة، وبعیداً عن أيّ املاءات أو تدخّلات خارجیة، ویبقي أنّ التماھي مع ھذا الإنقلاب،
وتكتیكاتھ المفضوحة – بأيّ شكلٍ من الأشكال – یقطع الطریق نحو التحوُّل الدیمقراطي (الحقیقي) المنشود، فى السودان، وأن مقاومتھ – بمواصلة الثورة السلمیة – تصبح فرض
عینٍ على الجمیع، ولیس فرض كفایة، یسقط عن البعض، إذا قام بھ آخرون!.

-2 – ھذا الإنقلاب، مثلھ مثل أيّ إنقلاب عسكري، فى التجربة السودانیة، وغیرھا ممّا تشھده
عدد من الدول الإفریقیة – یُقوّض – بل قوّض بالفعل – عملیة الانتقال السلمي الدیمقراطي
المجیدة، فى 2018 المنشودة، والتي بدأت تتشكّل ملامحھا الاوّلیة، بعد نجاح ثورة دیسمبر
اسقاط النظام القدیم “المُباد”، وقد ساھم فى ذلك، وبالتاكید، تباطؤ – إن لم نقل تواطؤ – وعجز حكومة الدكتور عبدالله حمدوك – الأولي والثانیة – عن القیام بمھامھا فى تنفیذ شعارات الثورة، لإستكمال مھامھا العاجلة، وبخاصّة، شعارات تحقیق العدالة، وھذا كُلّھ، یجعل من الإنقلاب “البرھاني”، واستمراره، فرصة كبیرة لمواصلة الافلات من العقاب، وغیاب الحكم الرشید، واستشراء الفساد، لا سیّما الفساد المؤسسي. وإذا ما سُمِح لھذا
الإنقلاب بالاستمرار، سیدخل السودان مرحلة التدھور الأمني الشامل، وسیادة حُكم الطُغیان، والإنتھاكات الصارخة لحقوق الإنسان، وسیزداد مُعدّل الفقر، وستتعمّق حالة الإنسداد والتھمیش السیاسي والاجتماعي، وغیر مُستبعد أن تدخل البلاد – بأكملھا – فى
حالة من الفوضي الكاملة و”الشاملة”، وقد بدأت بوادرھا، وعلاماتھا، بل، ونتائجھا، تظھر- بوضوح – فى إقلیم دارفور، الذي ظلّ یسبح فى بحیرة من انتھاكات حقوق الإنسان، ولم یستطع (اتفاق جوبا للسلام) من درء العنف المتزاید فى الإقلیم، وما أحداث محلیّة (كرینك)
بولایة غرب دارفور، ببعیدة عن الأذھان، حیث تزایُد وتیرة عملیات قتل المدنیین، وتواصل الھجمات على المرافق الصحیة، كما یُشاھد الناس – نماذج أُخري من الانتھاكات .
– فى مُدُن كثیرة، فى البلاد، بما فى ذلك الخرطوم، تجلّیاتھا المروّعة !.

-3 – مع مرور كل یوم، والبلاد تقبع تحت نیر ھذا الإنقلاب، ومع تمدُّد سیطرة الانقلابیین والمتحالفین معھم، من قادة الحركات المسلّحة، والمدنیین الذین یمثّلون قوي الثورة
المضادّة، على خیرات الوطن، یزداد عنف الدولة ضد المتظاھرین السلمیین، ویتواصل انتھاك الحق فى التعبیر السلمي، والحق فى التنظیم، ویتم قتل المتظاھرین السلمیین بدمٍ
بادر وبصورة متزایدة، وبدون مُساءلة، لتتأكّد حالة الإفلات من العقاب، ویتواصل التستُّر على الجُناة، ویُشاھد الجمیع العنف المفرط الذي تقوم بھ القوات الحكومیة، ضد
المتظاھرین والمتظاھرات، ومن بینھم نشطاء وناشطات سیاسیین، وصحفیین وصحفیات،
وغیرھم من المواطنین والمواطنات فى الشوارع العامّة، ومراكز الاحتجاز، المعروفة وغیر المعروفة، بعیداً عن أيّ مُساءلة قضائیة، أو حتّي إداریّة، للجناة، والمعتدین على الحریّات العامّة !.

– 4 –  كل ھذه الانتھاكات یتم رصدھا وتوثیقھا بصورة مھنیة واحترافیة عالیة، وتقوم بتحمُّل ھذا
العبء الكبیر – وفى شُح أو غیاب الامكانیات -منظمات حقوق الإنسان السودانیة، ولجنة أطباء السودان المركزیة، وصحافة حقوق الإنسان، والمئات من مدافعي ومدافعات حقوق
الإنسان( فُرادي ومجتمعین)، فضلاً عن قیام الخبیر الأممي لحقوق الإنسان فى السودان أداما دینق، ومكتب مفوضیة حقوق الإنسان فى السودان بمھامھم وواجباتھم المعروفة، وفق

التكليف الاممي .

 

– 5 – الرسالة التي نود إرسالھا – وبإصرار – فى برید الجناة، أنّ ھذه الجرائم لن تمر دون
مُساءلة أو مُحاسبة، طال الزمن أم قصر، وأنّ صحافة المقاومة، ستظل منحازة للحقیقة
وللضحایا، وستنشط – رُغم القمع المُتزاید – فى كشف وفضح ورصد وتوثیق الانتھاكات، ولن تكون محایدة – أبداً – بین الضحیة والجلاّد، فالحیاد بین الضحیّة والجلاّد خیانة، ومحض ھُراء، یروّج لھ المنتفعون من “غنائم” الدولة القمعیة ، بمختلف مسمّیاتھا،
واشكالھا، والوانھا، المعروفة للجمیع !.

-6 – فى ھذا الواقع المتأزّم، والبحر المتلاطم الامواج، من انتھاكات حقوق الإنسان، یتساءل
الكثیرون، والكثیرات – بعضھم / ن عن اشفاق، وآخرین/ ات عن مكرٍ مفضوح – ماھو الحل؟!. والإجابة على السؤال تأتي من صُلب النضال الیومي، ومن الفرز الطبقي والسیاسي، بین قوي الثورة، وقوي الردّة، وتتلخّص فى تكوین أوسع جبھة للدفاع عن الدیمقراطیة، والحُكم المدني الكامل، ومواصلة النضال الجسور والصبور لتحقیق دولة الحریّة والعدالة والسلام ، واحترام وتعزیز حقوق الإنسان، فى سبیل دولة سودانیة، تُعبّر عن مصالح الشعب، والطبقات، والفئات الإجتماعیة، التي لھا مصلحة حقیقیة فى استكمال مشوار الثورة، والعین البصیرة تري – بوضوح – وجود لاعبین جُدد فى المشھد السیاسي، تُعبّر عنھ لجان المقاومة، التي استطاعت فى الفترة الأخیرة، انجاز (میثاق سلطة الشعب)، وطرحتھ للمناقشة العامّة، وبھذا – الفعل الجدید – تھبُّ على البلاد ریاح التغییر!.

-7 – الجدید فى تجربة لجان المقاومة، أنّھا قلبت الطاولة – تماماً – على طریقة التفكیر القدیم فى
اتخاذ القرارات السیاسیة، من الطریقة القدیمة، التي جرّبھا شعبنا فى الماضي، حیث كان الفعل والقرار السیاسي یأتي من أعلى، لینزل للقاعدة، فتغیّر ھذا الفعل، تدریجیّاً، نحو منھج
جدید، إذ نجحت لجان المقاومة وتنسیقیاھا فى العاصمة والأقالیم، فى قلب المعادلة، رأساً
على عقب، لیأتي (میثاق سلطة الشعب)، بحوارٍ واتفاقٍ قاعدي، ومشورة شعبیة حقیقیة، فاجات معظم مكوّنات، وأعضاء النادي السیاسي القدیم، حیث شاركت فیھ – خطوةً بخطوة – اللجان القاعدیة، فى المناقشة واتخاذ القرارات، وھاھي لجان المقاومة، تعلنھا داویةً
وصریحةً وبالصوت العالي: “إنّ الاتفاقیات الفوقیة التي تُبرم بین المكوّن العسكري، والمكوّن المدني، لا تعني لجان المقاومة فى شيء”!. وھذا جرس انذار للجمیع، بأنّ “الثورة
مُستمرّة” والــ(…………) یطلع برّة”!. وأنّ أيّ حدیث عن “تسویات” لا تضع فى مقدمة أجندتھا، قضایا العدالة والانصاف ومحاسبة مُنتھكي حقوق الإنسان، لن تجد طریقھا لقلوب وعقول ھذا الجیل “الراكب رأس”، ولو “تحایل” أو تجبّر الإنقلابیون !.
جرس أخیر :
“لمّا رأیتُ بني الزمانِ وما بھم … خِلٌّ وفيٌّ للشدائدِ أصطفي … أیقنتُ أنّ المُستحیل ثلاثةٌ
… الغولُ والعنقاءُ والخلُّ الوفي” ((صفي الدین الحلي)).

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..