مقالات سياسية

28 أبريل الذكرى ال 46 لنكبة الكرة السودانية بقرارات الرياضة الجماهيرية

عندما قال نميري "لا هلال ولا مريخ ولا موردة ولا تحرير"

أمير شاهين

يجزم اغلب النقاد الرياضيون وخبراء كرة القدم في بلادنا بأن واحدا من أهم اسباب تدهور كرة القدم السودانية الحالي وتخلفها واحتلالها المراكز الأخيرة في المنطقة ليس وليد اليوم وإنما بدأ ذلك الانهيار من 46 عاما بسبب تلك القرارات التي أصدرها الرئيس الأسبق جعفر نميري في 28 أبريل من العام 1976م والتي بموجبها قام بحل جميع الأندية الرياضية وتجميد كل المنافسات الرياضية، وبالتالي إلغاء الدوري الأكبر وقتها “دوري الدرجة الأولى الخرطوم”، وإيقاف سفر كل الوفود الرياضية إلى الخارج، ما عدا المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية وأن تصبح الرياضة جماهيرية تمارس فقط في الأحياء .

وكانت تلك القرارات الكارثية كردة فعل من نميرى تجاه احداث مبارة بين الهلال والمريخ على كاس ما يسمى بالثورة الصحية في يوم 24 أبريل 1976م حيث وقعت أحداث شغب في تلك المباراة التي جرت في استاد المريخ والتي كان الرئيس نميرى يحضرها مع ضيفه الشيخ زايد بن سلطان رئيس دولة الامارات العربية وقد وقعت تلك الأحداث نتيجة اشتباك بين لاعبي الفريقين أدت الى توقف المباراة لمدة من الزمن وبعدها استكملت المباراة بعد اتخاذ حكم المباراة المرحوم محمود حمدى قرارا بطرد حارس مرمى المريخ الطيب، وقد انتهت المباراة بفوز الهلال بهدف أحرزه على قاقارين في الدقيقة 70 من عمر المباراة وقاقرين كان وقتها صاحب الشعبية الكبرى و معبود جماهير الهلال والتي كانت تطلق عليه لقب الرمح الملتهب وما أثار غضب نميرى و حنقه هو هتاف جماهير الهلال بعد المباراة ( ابوكم مين ؟…. علي قاقارين) وكان هذا الهتاف تحريفا لهتاف ( ابوكم مين ؟… نميري) وكان هذا الهتاف الذي اعتاد النميرى على سماعه من الجماهير في المناسبات العامة يدخل البهجة و السرور في نفسه ويرضي غروره كرئيس محبوب من قبل شعبه وبالطبع وفى ذلك فلم يكن نميرى استثناء أو مبتدع لهذه النرجسية فقد كانت ثقافة سائدة و نمط تفكير لدى كل الرؤساء في ذلك الزمن في المنطقة العربية الافريقية حيث ان الرئيس هو القائد الملهم والزعيم الأوحد وحامي الحمى الذى لا مثيل او بديل له , وبالطبع فإن نميرى كان يشعر بجرح لكرامته وتقليل لمكانته خصوصا بوجود ضيفه الشيخ زايد مما اعتبره تطاول و عدم احترام وادب من الجماهير مما يستدعى انزال اشد العقوبات لهم , وفى يوم الأربعاء 28 أبريل 1976.. في مقر الاتحاد الاشتراكي (وزارة الخارجية حالياً). أعلن النميرى قرارات الرياضة الجماهيرية ثم بدأ يهتف بكل حماس: (لا هلال.. ولا مريخ..) .. (لا مورده ولا تحرير). وكانت تلك القرارات تنص على !! تجميد قانون الرياضة لسنة 1970. حل مجالس إدارات الاتحادات والأندية الرياضية وتسريح اللاعبين. تجميد كل المنافسات الرياضية ما عدا روابط الناشئين بالأحياء. إيقاف حركة الوفود الرياضية للدورات والمؤتمرات ما عدا الدورة الاولمبية. تجميد حسابات كل الاتحادات والأندية عدا الاتحاد الرياضي العسكري واتحاد الشرطة واللجنة الأولمبية. وحتى الاستادات لم تسلم من تلك القرارات فقد أصدر نمبرى قرارات بتغيير أسماء أستاذات الكرة.. فاستاد الهلال تغير اسمه إلى (إستاد الشباب).. إستاد المريخ أصبح (استاد أم درمان) دار الرياضة بأم درمان أصبحت (إستاد علي عبد اللطيف فقط استاد الخرطوم هو الذى احتفظ باسمه ,

وقد شكلت هذه القرارات الانفعالية و غير المدروسة أكبر كارثة في تاريخ كرة القدم السودانية وبداية النهاية تقدمها وتطورها حيث كانت تعيش في تلك الفترة ( السبعينات)عصرها الزاهر الذهبى المكلل بالانتصارات والإنجازات في أفريقيا والعالم العربي ويذكر التاريخ أن فكرة تنظيم بطولة الأمم الأفريقية هي فكرة و مقترح تقدم به الأستاذ عبدالحليم محمد رئيس الاتحاد السوداني في العام 1956م في مؤتمر الفيفا بمدينة لشبونة في البرتغال وإن أول بطولة الأمم الأفريقية أقيمت في السودان في العام 1957م وشاركت فيها 3 دول فقط هي السودان ومصر وإثيوبيا وفازت بها مصر وبعدها واصل السودان تألقه.

وبدأ السجل الذهبي بوصول منتخب السودان لنهائي بطولة كأس الأمم الأفريقية بغانا في 1963، ثم الهلال للدور قبل النهائي من بطولة أندية أبطال أفريقيا 1964 من أول مشاركة له، والتأهل لنهائي بطولة المنتخبات العربية في 1965.
وبدأت إنجازات كرة القدم السودانية بوصول منتخب السودان لنهائي بطولة كأس الأمم الأفريقية بغانا في 1963، ثم الهلال للدور قبل النهائي من بطولة أندية أبطال أفريقيا 1964 من أول مشاركة له، والتأهل لنهائي بطولة المنتخبات العربية في 1965. وتوالت نجاحات الكرة السودانية، بتحقيق منتخب السودان لبطولة كأس الأمم الأفريقية في 1970 بالخرطوم، ثم تأهل المنتخب لنهائيات كرة القدم بدورة الألعاب الأولمبية بميونخ في 1972.

وواصل منتخب السوداني تواجده القاري بوصوله لنهائيات كأس الأمم الأفريقية 1976 بإثيوبيا، وكان معظم اللاعبين في تلك الفترة من الذين شاركوا في كاس الثورة الصحية مثار الحديث , , وفى ظل هذه المعطيات فانه كان من المتوقع و الطبيعي ان تواصل كرة القدم نموها و تطورها لتصبح في نفس المكانة التي تحتلها الكرة المصرية و كرة شمال افريقيا ( تونس, الجزائر, المغرب) وكرة غرب افريقيا ( السنغال , ساحل العاح , الكاميرون, غانا ,) وكانت الضربة القاصمة لتأثير قرارات الرياضة الجماهيرية في هجرة افضل اللاعبين في السودان بل وافضل لاعبين في المنطقة الى السعودية و دول الخليج مما شكل فجوة كبيرة و انقطاع لتواصل الأجيال لا نزال نعانى منه حتى الان وكما يقولون فان مصائب قوم عند قوم فوائد فان هذه الهجرة الجماعية بقدر ما كانت مدمرة للسودان فقد كانت ذات فائدة عظمى للدول التي استقبلتهم حيث انهم بدون شك قد اسهموا في رفعة كرة القدم ووضعوا اللبنات الأولى لتطورها و ازدهارها وكانت الامارات هي الاوفر نصيبا في الحصول على هؤلاء اللاعبين , اما اندية القمة الهلال و المريخ والتي كانت المقصودة بتلك القرارات فقد جفت تماما ونضب معينها من اللاعبين فالهلال قد فقد لاعبين مميزين من الطراز الثقيل مثل محمد حسين كسلا، ومحجوب الضب، وعبده مصطفى، وشواطين، وخضر الكوري ومن المريخ الفاضل سانتو، ومعتصم حموري، وفيصل الكوري، وفى نادى التحرير البحراوى الذى كان وقتها منافسا عنيدا للقمة و كان في المركز الثالث في الدورى بعد تغلبه عليه بهدف واحد احرزه لاعب التحرير والفريق القومى المرحوم احمد عدلان , وفى هذا الصدد فقد ذكر لى الكابتن عبدالحميد كباشى حاس التحرير والفريق القومى وقتها والذى هاجر بدوره الى قطر في تلك الأيام ان نادى التحرير كان من اكبر المتأثرين سلبا بتلك القرارات اذ انه ظل بعدها يتحرج و يقل مستواه الى الحد الذى لا يسمع له صوتا الان بعد ان كان ملا السمع و لبصر . وبعد خراب سوبا كما يقولون وبعد ان وقع الفأس في الرأس فقد تراجع نميرى عن قرارات الرياضة الجماهيرية واعلن عودة الأمور على ما كانت عليه وكان ذلك في في 10 يناير 1977م ولكن كان ذلك متأخرا جدا فالضرر الذي حصل لا يمكن إصلاحه و الكسر الذى حدث لا يمكن جبره و وانطبقت عليه كلمات الاغنية الشعبية المشهورة ” بعد م فات الاوان الليله جاي تعتذر ..رجع ايامنا الزمان ووين نجيب ليك العذر..” ولمعرفة حجم الدمار الذي حدث فيحكى الخبير الدولى كما شداد و يقول انه بعد ان قرر نميرى عودة الأندية مرة أخرى تم الاتصال بى لتجهيز الهلال لخوض مباراة مع المريخ في كأس أطلق عليه كاس العودة وأضاف شداد باننا لم نجد سوى 14 لاعبا لخوض المباراة و اضطررنا لاضافة اللاعب جكسا ليصبح عدد اللاعبين 15 لأداء المباراة !!

قد يجادل الكثير من الناس في ان التدهور المريع لكرة القدم السودانية ليس بسبب الرياضة الجماهيرية وحدها وقد يكون هذا صحيح ولكن الأصح هو أنها كانت على رأس الأسباب وام كل المصائب والنكبات، اذ انه تسبب فى خلق فجوة بين الأجيال و بدت الكرة السودانية بعدها كما لو انها بدأت من الصفر.

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..