
لعب الأقباط دورا بارزا في نهضة مدينة عطبرة، 310 كلم شمال العاصمة الخرطوم، في شتى مجالات الحياة منذ قدومهم إليها من صعيد مصر في العام 1906م، بعد ربطها وانشاء محطة السكة الحديد، ليتوزعوا بين أحياء الفكي مدني، حي السوق وحي السكة حديد.
منذ ذاك الوقت وحتى اليوم هذا، بصمتهم واضحة وراسخة في المدينة، أمثال لطيف توفيق جورج، بسطا شاكر، اسكندر محروس، فخري مرقس، فهمي ميخائيل وزكي تاوفيلس، وغيرهم ممن برزوا في المجالات الحرفية وفي التجارة والطب وفي أعمال وهندسة السكة حديد، او في مجال التعليم سفينة أيوب، نظيرة أرمانيوس، هناء عبد المسيح ووداد فخري.
تقرير – ملاذ حسن
ومن نحو 2 مليون نسمة تناقص تعداد الاقباط في مدينة عطبرة الى نحو 150 اسرة بسبب المضايقات التي تعرضوا لها منذ ثمانيات القرن المنصرم وتفاقمت بسبب سياسات نظام المعزول عمر البشير من مصادرة للممتلكات والمحال التجارية والاعتقال والتعذيب حد الموت، مما دفع العديد منهم للهجرة.
يشير كتاب (أقباط السودان) الذي صدر في العام 2008، لمؤلفه القمص فيلوثاوس فرج، الى اعداد كبيرة من الاقباط هاجرت بعد انقلاب 1989 لتتبقى نحو 240 أسرة فقط من أصل ثلاثة آلاف اسرة.
وفي السياق يؤكد، نشأت بطرس، القبطي المقيم بعطبرة لـ(الديمقراطي) أيضا هجرة الأقباط بعد تسلم نظام الإنقاذ سدة الحكم عبر الإنقلاب العسكري في يونيو 1989م.
ويشير بطرس إلى هجرة أقلية ممن احيلوا للمعاش وعوائلهم للخرطوم في عام 1987م، كاشفاً عن تقلص عددهم من 3000 أسرة إلى 120 أسرة فقط تشمل 500 فرد ممن يقطنون بالمدينة اليوم.
ويؤكد بطرس، أن هجرتهم بسبب مصادرة مدارس الأقباط وإلغاء التعليم فيها والخوف على أبنائهم من قوات الدفاع الشعبي وحرب الشمال والجنوب في ذلك الوقت.
يقول آلبرت رمسيس جرجس، أحد مواليد مدينة عطبرة المقيمين في الخرطوم لـ (الديمقراطي)، إن والده ناضل لإرجاع المدرسة القبطية المصرية بعطبرة بعد 8 أعوام من مصادرتها من قبل النظام المباد، كاشفاً عن بيعها لاحقا بمبلغ 600 مليون للحكومة لتصبح كلية الطب وادي النيل حالياً بعد مغادرة البعثة التعليمية السودان.

من جهته يقول الصيدلي نصري مرقس لـ(الديمقراطي)، إن عطبرة كانت تجسد السودان المصغر وقتها والمركز الرئيسي للأقباط القادمين من مصر، مؤكداً أن هجرة أقباط عطبرة والسودان بشكل عام تعزا للقلق الذي إنتابهم بعد قوانين الشريعة الإسلامية التي مهدت فيما بعد لحكومة الإنقاذ لارتكابها جرائم مثل مصادرة أملاكهم وفصل البعض من وظائفهم، وتعطيل الإجراءات الحكومية والتصاديق التي تمكنهم من العمل والتملك كبقية المواطنين.
لافتاً إلى أن الأقباط كانوا يوجهون أبناءهم لدراسة الطب والهندسة مع تجنب علوم الآداب والقانون والإقتصاد كونها تخصصات تشح فيها فرص وصولهم لمناصب حكومية، فيما لا يعتقد مرقس أن المهاجرين الذين رأى حال أغلبهم في رحلات مختلفة سيكون لديهم نية في العودة للسودان خاصة بعد الإمتيازات التي توفرت لأبنائهم في دول المهجر.
موت تحت التعذيب
ويكشف وليد مكرم، أحد الأقباط المهاجرين لفرنسا بمساعدة إحدى الهيئات الدبلوماسية في العام 2013 لـ(الديمقراطي)، أن عائلته عانت من نظام الرئيس المعزول عمر البشير بعد مقاومة والده وعمه اللذين نشآ بعطبرة، عانت من أفاعيل النظام البائد وانتهى بهم الأمر بمقتل والده تحت التعذيب من قبل جهاز الأمن.
ويضيف مكرم، أن عمه أجبر على مغادرة البلاد وظل متنقلا بين القاهرة وأثيوبيا بعد حبسه بسجني كوبر وشالا واجباره كتابة تعهد بعدم البقاء بالبلاد مقابل تسليم الأسرة جثمان مكرم وشهادة وفاة.
مكرم يشير إلى أن مضايقات حكومة نظام الإنقاذ لأسرته لم تقتصر على عطبرة فقط، بل لاحقتهم إلى الخرطوم حيث قامت بفصل والدته، هدى عبد المسيح، من إدارة بنك الخرطوم بسبب فضحها لعمليات فساد متعلقة برموز النظام البائد.
ويعتقد مكرم أن عطبرة فقدت الجاليات الأجنبية من إغريق وآرمن ويونان وآشور بعد هجرتهم بسبب قوانين الشريعة الإسلامية عام 1983، وتزايدت الهجرة بوتيرة اسرع بعد وصول الجبهة الاسلامية للسلطة، مضيفا: “هجرة الأقباط من عطبرة بدأت في 1990 لدول استراليا وكندا وأمريكا وانجلترا”.
رواد السينما

وفي قلب مدينة عطبرة التاريخية شمالي السودان تقبع سينما (عطبرة الوطنية) التي أصبحت مجرد ذكرى، إذ يعود تاريخها لثلاثينات القرن الماضي، أشرفت على بنائها أسرة لوسي القبطية.
“لوسي أمين سيدهم”، هي ابنة أشهر الأسر القبطية بمدينة عطبرة، الأسرة التي كانت تملك ثلاث سينمات (الجمهورية، شندي الوطنية، عطبرة الوطنية)، وظلت تستميت بقوة ضد مخطط السلطات لإزالة هذه السينمات من مدينة عطبرة غير أنها توقفت عن التصدي ومواجهة تحركات الحكومة في الآونة الأخيرة.
بذلت (الديمقراطي) في سعيها، وبإلحاح، في التحدث إلى (لوسي) لازاحة الستار عن تخطيط نظام الثلاثين من يونيو 1989 البائد في تدمير السينمات والمضايقات التي تعرض لها الأقباط بمدينة عطبرة لكنها امتنعت ولم تحرِ جوابا.
وكانت لوسي قد نقلت في الفيلم الوثائقي الشهير (سينما خلف القضبان)، الذي أنتج في العام 2011م، نقلت عن محافظ مدينة عطبرة قوله، إن السينما مشوهة لمنظر المدينة ويجب إزالتها في غضون ثلاثة أيام، وقالت إن المحافظ أمرها في العام 1991م بإزالة مباني السينما مع التهديد بدفع تكاليف الإزالة.
وأفادت أن العائلة اتخذت اجراءات قانونية ضد قرار المحافظ بحجة أن حكر السينما الجديدة تبقى عليه 10 سنوات، مبينة أن نظام الإنقاذ وقتها جرّهم للتفاوض وبيع سينما (عطبرة الجديدة) للحكومة مقابل تجديد حكر سينما (شندي الجديدة).
وأوضحت لوسي أنها دخلت في تفاوض مع حسن أحمد طه، نائب والي ولاية نهر النيل آنذاك، وبعدها عفّت عن التصريح لوسائل الإعلام وفقدت الأمل في الحفاظ على السينما الوطنية بعد أن انتهى بها المطاف بفقدان سينما (شندي الوطنية وعطبرة الجمهورية) واغلاق الوطنية وتأجيرها مؤخرا.
الطير الابيض
من جهتها أكدت إيفي صموئيل جورجيوس، إحدى القبطيات المقيمات بعطبرة، لـ(الديمقراطي) أن والدها كان من أشهر تجار عطبرة ويملك مجموعة محال (الطير الأبيض) التجارية بسوق المدينة.

وقالت إيفي إنهم انخرطوا في مجتمع يتمتع بتعايش سلمي كبير بعد قدوم والدها من مصر لمدينة عطبرة لجهة أن مئات المسلمين بالمدينة حضروا تشييع جثمانه عقب وفاته.
وأشارت لمصادرة (3) من محال والدها بعد تكسير سوق المدينة الكبير في العام 1991 وتعويضهم بمحل واحد، بعد أن كانت حكومة الولاية قد وعدتهم بتعويض مُرضٍ، إلى أن باعت الأسرة المحل لمستثمر بعد أن رفضت أكثر من مرة بيع شعار (الطير الأبيض) الراسخ في ذاكرة أهالي المدينة حتى اليوم، لافتة إلى أنهم ظلوا بالمدينة إكراماً لوالدهم الذي رباهم على حب عطبرة والسودان، وما دفعهم لعدم مغادرتها مثل أغلب الأقباط الآخرين.
أحلام العودة
ورغم مضايقات النظام البائد للأقباط إلا أن الموجودين منهم بالمدينة لا يزالون يتعايشون بسلاسة وسلم مع الأهالي هناك، ويتبادلون فيما بينهم الاحترام والوفاء.
فيما ظل الذين هجروها يتباهون بذكرياتهم الجميلة في حقبة ما قبل الانقاذ، يتمنى الكثيرون منهم العودة لأحضان المدينة، غير أن واقعهم تغير مع مرور الوقت وطول الغياب وتغيرت معه ثقافة أبنائهم في دول المهجر، فضلاً عن حالة عدم الإستقرار والتقلبات التي تشهدها البلاد.
غير أن (نشأت بطرس) يعود ويتوقع من عطبرة هجرة المزيد، في الوقت الحالي، بعد تردي الوضع الإقتصادي والغلاء الطاحن، وعدم الإستقرار السياسي الذي اعتبره السبب الأول لهجرة من وصفهم بالباحثين بطبيعتهم عن أماكن السلم والأمن والعمل والتعليم.

* تمت متابعة هذه القصة بدعم من المركز الدولي للصحفيين ICFJ و Code of Africa
الديمقراطي
كيف يكون تعداد الاقباط في عطبرة 2 مليون فكم تعداد المدينة كلها وهذا باعتبار ان هذه الاعداد ليس حاليا وانما في اوقات سابقة قبل 1983هذه بكل تاكيد مبالغة فاذا كان في عطبرة 2 مليون قبطي فيعني ان عن عدد الاقباط في السودان يضاهي عدد المسلمين ورغم زعم كاتب الكتاب بانهم تعرضوا للمضايقات ولكن نشهد بان الاقباط في السودان هم في وضع افضل من دول كثير حيث ان السودان لم يشهد اي عملية لمقتل قبطي بسبب دينه وامر طبيعي في اي اقلية الشعور بعدم الارتياح للاوضاع وعدم القدرة على ممارسة شعائرهم ولكن على اقباط السودان ان يحمدوا الله في وطن فيه من التسامح ما ليس في غيره