ثورة ديسمبر نشتري المجد بأغلى ثمن ..

طاهر عمر
في الحقيقة ما يتضح أمام أعيننا فيما يتعلق بمسيرة التغيير الذي ينشده الشعب السوداني هو أن الشعب السوداني قد وضع حجر الأساس للتغيير في مفاهيم النخب السودانية بأن من يقوم بالتغيير هو الشعب وليس النخب ولا القادة ولا المفكريين ولا المثقفين ولكن يكمن دور المفكريين في مسألة ترجمة ما يوحيه الشعب فيما يريد تحقيقه من تغيير وهو نتاج ظواهر اجتماعية فيما يتعلق بتغير المفاهيم وخاصة فيما يتعلق بمفهوم السلطة كمفهوم حديث وكذلك مفهوم الدولة في ارتباطه بالانسانية التاريخية والانسان التاريخي.
وقد رأينا كيف تجاهلت النخب السودانية ظاهرة شعارات ثورة ديسمبر المجيدة وخاصة فيما يتعلق بتعاطفهم مع ضحايا حروب الحركة الاسلامية وثمرتها المرة الانقاذ وكان شعار ياعنصري ومغرور من أكثر الشعارات التي قد وضّحت بأن الشعب السوداني قد تخطى أمراض النخب السودانية وتجاوزهم في ايحاءه للنخب بأنه قد أذاع روح نظرية المشاعر الأخلاقية كما تحدث عنها أدم اسمث وهي أساس مسألة مجد العقلانية وإبداع العقل البشري وكذلك كانت هناك ظاهرة توشح ثوار ثورة ديسمبر بالعلم السوداني و قد أنشدوا نشيد العلم وكلها ظواهر تدل على أن الشعب السوداني في سيره في طريق التغيير قد أوحى للنخب بأنه ينشد تأسيس دولة حديثة تقوم على فكرة العقلانية والأخلاق وخاصة عندما ينشدون أمام بيوت الشهداء نشيد العلم ويرددون نشتري المجد بأغلى ثمن ويؤكدون على أن هذه الأرض لنا.
كل ما ذكرنا أعلاه يدل على أن الشعب قد أوحى للنخب بفكرة النزعة الانسانية وإرتكازها على العقلانية والأخلاق حيث تنهض وتنتصر لفكرة الفرد والعقل والحرية وعندما نقول تنتصر للفرد والعقل والحرية نؤكد على أن إيحاء المجتمع للنخب يؤكد لهم بأن الفرد غاية لأنه ينشد قيمة القيم وهي الحرية لذلك ينبغي أن نتخلص من موروثنا الذي يقدم الجماعة على الفرد والرجل على المرأة والكتاب على القارئ كما يقول هشام شرابي كعالم اجتماع قد قدم في مقارباته الكثير الذي يمكن أن يساعدنا في التخلص من لجؤ النخب السودانية الى أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب وحل الفكر الديني وكذلك أحزاب الايديولوجيات المتحجرة كحالة النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية وقد ساهمت نخبها في تدمير الفكر في المشهد السوداني.
و هنا نجد أن هشام شرابي في مقارباته لا يقل جهده عن جهد أدم اسمث في حديثه عن فكرة النزعة الانسانية و هذا هو البعد الغائب عن آفاق النخب السودانية التي قد غاصت في وحل الفكر الديني ويمكنك ان تلاحظ حتى غوص نخب النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية في وحل الفكر الديني حيث نجد كتابات عبد الخالق محجوب وجهده في بحثة لدور للدين في السياسة السودانية وقد سار على نهجه محمد ابراهيم نقد وقد وصل لفكرة علمانية محابية للأديان في تجسيد لمسايرة نخب اليسار الجبانة في تماهيها مع الخطاب الديني وهنا ينام سر كساد النخب السودانية.
وبالمناسبة هذا واحد من أبواب الجهل التي قد فتحها أتباع اليسار السوداني الرث وحتى لحظة كتابة هذا المقال نجدهم أكثر السودانيين نشاط لتدمير فكرة النزعة الانسانية التي قد تحدث عنها كل من هشام شرابي في نقده الحضاري وتشريحه لحالة التكلس الفكري في العالم العربي والاسلامي وبالمناسبة يعتبر هشام شرابي متقدم في نقده لتجاربه ومسيرته وتقديمه لفكرة النزعة الانسانية متقدم على صديقه إدورد سعيد وقد أكد إدورد على فكرة النزعة الانسانية في كتابه الأخير الانسنية والنقد الديمقراطي حيث ركز على فكرة النزعة الانسانية ومفارقة وحل الفكر الديني الذي يؤسس لحواضن الأبوية المستحدثة ونجدها في خضوع النخب السودانية للمرشد ومولانا والامام والاستاذ بالنسبة لاتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية.
ما قاله هشام شرابي وطالب بتغييره هو يمثل موروث النخب السودانية البالي التي ابتلعتها أحزاب الطائفية التي يجسدها الامام ومولانا وأتباع الحركة الاسلامية التي يمثلها المرشد كصنم ذهني يسيطر على الكيزان وكذلك أتباع الاستاذ كصنم ذهني يسيطر على أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية وعليه واحد من أسباب تكالب النخب السودانية وتهافتها على المناصب وقد جسدته محاصصاتهم بأنهم يجهلون بأنهم في قاع أحزاب وحل الفكر الديني وفي قاع أحزاب ما زالت لم تبارح ساحة العرق والدين ولهذا السبب يغيب انتاج فكر يمجد فكرة النزعة الانسانية وبدونه لا يمكننا تحقيق فكرة عودة الدولة الحديثة التي تقود فكرة التحول الديمقراطي.
غياب فكر يجسد فكرة النزعة الانسانية يقوم على تجربة العقل البشري وضمير الوجود ومتجاوز للفكرة المطلقة فكر أسئلة الوجود وليس على أسئلة الموجود كما يقول مارتن هيدجر في محاولته لتوسيع ماعون الحرية وغيابه يجعل أتباع الحركة الاسلامية يتوهمون بأنهم يمكنهم معاودة الكرة ويتوهم البرهان بأنه سوف يعيد الكيزان سيرتهم الأولى وكله بسبب كساد الفكر في السودان وقد أصبح كما سطح البحر الميت الذي لا يغشاه نهر يجدد حياته وهذا هو حال الفكر في السودان في سكون محزن.
لهذا نقول بأن الشعب السوداني في ثورة ديسمبر قد حقق مقولة تقدم الشعب وسقوط النخب التي ما زالت تنادي بالمساومات التاريخية ما بين يسار سوداني رث ويمين غارق في وحل الفكر الديني كما يتوهم الشفيع خضر وهو غارق في المحلية ولم يسعى يوم لفكرة النزعة الانسانية وقد رأينا كتابه الفضيحة فيما يتعلق بدور للقبيلة بأن تلعب دور في السياسة وقد طاف وقابل بعض زعماء القبائل في شرق السودان ولك ان تتأمل في أوهام الشفيع خضر وهو يبحث لدور للقبيلة في السياسة في السودان كما توهم عبد الخالق محجوب من قبل عن أن يلعب الدين دور في السياسة السودانية.
مسألة سقوط إنقلاب البرهان الفاشل مسألة قاب قوسين أو أدنى وسوف ينجزها الشعب ولكن هل انتبهت النخب السودانية بأنها أقصر قامة من أن يكونوا قادة لانجاز ما اوحاه لهم الشعب في ثورته المجيدة؟ هل خطر ببالهم أنهم لم يفكروا في كيفية تفادي الفشل الذي قد صاحب عشرية الغنوشي في تونس وهو يحاول كما نخب السودان تفادي نشر فكرة النزعة الانسانية والاعتماد على عقل الانسان في تجاربه وفقا لضمير الوجود؟
متى تنتصر النخب السودانية لفكرة الفرد والعقل والحرية؟ وبغيرها لا يمكن تحقيق قيمة القيم وهي الحرية للفرد وبالتالي يمكننا تحقيق الازدهار المادي المتجلي في الازدهار الاقتصادي وقطعا لا يكون ذلك بغير مفارقة درب المرشد والامام ومولانا والاستاذ وبالتالي التأسيس لفكر انساني يمجد العقلانية وينشد إبداع العقل البشري.
بالمناسبة تحقيق الحرية للفرد والانتصار للعقل لا يكون بموروث نخبنا السودانية وهنا تظهر الصعوبة لأن نخب فاشلة كحالة النخب السودانية لا يمكنها تغيير مسارها بين عشية وضحاها وقد رأينا تجربتهم وكيف قد أضاعوا ثورة ديسمبر وهم جالسين على ركام ما تركته الانقاذ متوهمين انه دولة وما عليهم إلا التكالب والتهافت على المناصب ولم يخطر على بالهم بأن ثورة ديسمبر قد هدمت بقايا القديم وأسست لعالم جديد لم يخطر على بال النخب الفاشلة بل قد تركوا الكيزان في مفاصل ما تركته الانقاذ وقد عطلوا مسيرها وكله بسبب غياب تشريع يلحق الثورات الكبرى كثورة ديسمبر ويزيح ما تركته الانقاذ في الجهاز القضائي الكيزاني الفاسد.
وقد نجح القانونيين السودانيين في تعطيل مسيرة ثورة ديسمبر بسبب فساد الجهاز القضائي وقد انتبه قيس السعيد في تونس لفساد الجهاز القضائي وفرملته لمسيرة الثورة وقد تخلص منه ولهذا نقول للنخب السودانية يجب التخلص من الجهاز القضائي الكيزاني بلا رحمة بعد سقوط إنقلاب البرهان الفاشل ويجب أن تعود لجنة تفكيك التمكين الكيزاني بلا رحمة فيما يتعلق بفساد الكيزان ولا تعتمد على ما تركته الانقاذ والحركة الاسلامية من قانونيين أشباه كيزان بل يشتركون معهم في لقبهم القبيح أي مولانا في مناداة للقاضي وغيرهم من اتباع الجهاز القضائي الكيزاني الذي ساهم في تعطيل مسيرة ثورة ديسمبر المجيدة وأغلب محاججات القانونيين السودانيين لا تخدم غير تعطيل مسيرة ثورة ديسمبر و بالمناسبة أكثر النخب شبه بالكيزان وحتى غير الكوز من بينهم هم القانونيين السودانيين.
وعليه نضرب مثل لأهمية التشريع في تحقيق أهداف الشعوب في اللحظات المفصلية أي لحظات انقلاب الزمان وهو زمن الكساد الاقتصادي العظيم كان روزفلت محاط بمشرعيين على دراية بما يريد تحقيقة الرئيس الامريكي وهو يجابه انهيار اقتصادي غير مسبوق وهو يفتح لحقبة جديدة وهي حقبة انتهاء الليبرالية التقليدية وبزوغ أشعة الليبرالية الحديثة وهي لحظة انتهاء سحر اليد الخفية لأدم اسمث وعصر التدخل الحكومي فيما يتعلق بالتوازن الاقتصادي الذي يخدم التحول الاجتماعي.
ولهذا نقول ان حالة السودان الآن تشبه لحظة الكساد العظيم في امريكا وتحتاج لشخصية تاريخية محاطة بمشرعيين كما كان روزفلت وعليه لا يكون كل ما قلناه بغير تغيير أوهام النخب السودانية عن نفسها ونجدهم مؤرخيين ما زالوا تحت نير المنهجية التاريخية مدافعين عن صحيح الدين وغياب علماء اجتماع مواكبين لتطور الفكر في العالم من حولنا كما كان هشام شرابي ناصح للنخب في العالم العربي والاسلامي في عدم معاداة الغرب وتجربته التي قد ادت للتحول الاجتماعي والازدهار الاقتصادي والسياسي.
فأغلب القانونيين السودانيين لا يختلفوا عن نخب السودان الرازحة تحت سلطة الأب وميراث التسلط تغيب عن أفقها أفكار عقل الأنوار وأفكار الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة وقداسة المقدس ونقول قداسة السلطة قد قضت عليها الحداثة في سبيل انتصارها للفرد والعقل والحرية فلا يجب ان نعشم في ان يكون من بين القانونيين السودانيين وهم قد خدموا الحركة الاسلامية السودانية ولا تقل بشاعتها عن النازية من بينهم من يخدم ثورة ديسمبر وخاصة بان ثورة ديسمبر تحتاج لفكر جديد غير موجود في موروث النخب السودانية ومن ضمنهم القانونيين السودانيين وهم عبدة نصوص لا يختلفون عن الكيزان كعبدة نصوص وقتلة نفوس.
من وصايا هشام شرابي في بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم للنخب بأن تهتم بالفكر في الدول الغربية في آخر ثلاثة عقود وبالمناسبة وهو المتبحر في تاريخ وفلسفة الشعوب الاوروبية وكيف عبرت التحولات الاقتصادية والساسية والاجتماعية وقد لاحظت بان هشام شرابي كان منتبه لنهاية فلسفة التاريخ التقليدية وبداية فلسفة التاريخ الحديثة ومنتبه لبداية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة و لهذا انعكست على كتاباته في بداية عقد الستينيات من القرن النصرم و بعد نكسة 1967 ومن ضمن الملاحظات بان هشام شرابي قد أستخدم الفكر الماركسي ولكن ليس بمفهوم أن الماركسية أفق لا يمكن تجاوزه بل بمفهوم ان ماركس مفكر عادي يجلس في مقعده بين بقية المفكريين وليس كما يعتقد المثقف المنخدع بماركسية ماركس كما نرى أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية.
ونفس استخدام شرابي لافكار ماركس نجد ايمانويل تود الفيلسوف الفرنسي والمؤرخ والاقتصادي قد استخدم أفكار ماركس وقد نبه لأنه يدري بان الماركسيين بمجرد أن تقول انه استخدم ماركسية ماركس يقولونه بان ماركس قد عاد ليفتح العالم من جديد لذلك نبه ايمانويل تود بانه قد جاء بماركس وهو تحت المراقبة وهي نفس أدوات هشام شرابي فما أحوجنا لعالم اجتماع بقامة هشام شرابي فقد تجد ابداعاته تضعه ندا مع مفكري الغرب لذلك عندما يقول على النخب في العالم العربي والاسلامي الاستفادة من تجارب الغرب وعدم معاداته فهو يقول ذلك من باب التبحر في علوم وفلسفة الغرب الحديثة ويعرف كيف يستخدم أدواتها في تفكيك سطوة سلطة الاب وميراث التسلط.
ينتابنا الحزن عندما نقارن كتابات هشام شرابي بكتابات الاستاذ عبدالخالق محجوب وهو الباحث لدور للدين في السياسة السودانية في نفس الوقت الذي كان يؤكد فيه هشام بأن أكبر حاضنة للابوية المستحدثة المجسدة لسلطة الأب وميراث التسلط هي وحل الفكر الديني فكيف فات على عبد الخالق محجوب ؟ بكل بساطة لأنه كان أسير غائية و لاهوت ودينية الهيغلية والماركسية ولهذا لم يبارح الحزب الشيوعي السوداني ظلال أصنامه الذهنية وها هي تتجسد في تخطيطهم في اسقاط حكومة حمدوك أي حكومة الفترة الانتقالية لأنهم لا يؤمنون بفكرة الدولة من الاساس ويؤمنون بان الماركسية أفق لا يمكن تجاوزه وقد وضعهم تخطيطهم لاسقاط حكومة الفترة الانتقالية في مرتبة واحدة مع الكيزان والفلول وسيحملهم التاريخ مسؤولية انقلاب البرهان وعلى عاتقهم تكون أرواح من قتلهم البرهان .