العدالة الاجتماعية في شرق السودان

د. السموءل محمد عثمان
لعل أن من أهم أسباب الثورات هو غياب العدالة الاجتماعية، فكانت ثورة ديسمبر تبعاً لتلك القاعدة ، عندما اختزل الوطن في مصلحة فئة أوجماعة معينة دون بقية أهل البلاد، وانفردت بالقرار والسلطة فارتبطت الأزمة ارتباطاً وثيقاً بغياب العدالة الاجتماعية تحقيق العدالة الاجتماعية يعمل على تكافؤ الفرص للجميع دون التفريق بين الناس وهو شرط ضروري وجوهري لاستدامة الاستقرار والسلام ، فتحقيق العدالة الاجتماعية سيعمل في عدة محاور أولها رد المظالم التاريخية عن شرائح كثيرة في المجتمع تعرضوا للإفقار والمعاناة ، المحور الثاني : توفير الخدمات الضرورية كالتعليم والصحة ، وتحسين نوع التعليم ، وتحسين الرعاية الصحية لمواجهة الأمراض .
المحور الثالث : محاربة الفقر والحاجة لكثير من شرائح المجتمع والتي وصل بهم العناء والشقاء لمراحل بعيدة ، المحور الرابع توفير الفرص المناسبة للشباب وحمايتهم من العطالة إذ كانت فئة الشباب هي الفئة الأكثر تضررا من غياب العدالة الاجتماعية.
يقود غياب العدالة الاجتماعية في الجانب الأخر للنزاعات والحروب الأهلية وتجددها
باستمرار حتى ولو خمدت في بعض الفترات. فكان النزاع والحرب الأهلية في أكثرمن
مرة وفي أكثر من منطقة من مناطق السودان مؤشراً لعدة أسباب من أهمها غياب
العدالة الاجتماعية ، وارتبطت الأزمة لتي قادت للنزاعات والحروب الأهلية ارتباطاً
وثيقاً بغياب العدالة الاجتماعية عن هذا الوطن سنوات طوال، وهكذا تتراكم الأشياء داخل الإنسان حتى تنفجر في لحظة معينة ، فتبدأ بالمطالبات والاختلاف السياسي لتنتهي بالنزاعات والحروب الأهلية .
نجد كل اتفاقيات السلام سواء كانت لجنوب السودان سابقاً (نيفاشا) أو دارفور (أبوجا) أو شرقه (اتفاقية شرق السودان) كانت من أجل البحث عن التنمية ورد المظاليم التاريخية وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنها تنتهي دوماُ بالمحاصصة والمقايضة وتتناسى موضوعها الأساسي بمخاطبة جذور المشكلة
الأساسية .
إن الآلية الحاسمة لوقف نزيف الدم المستمر تكون في تحقيق العدالة الاجتماعية وغيرها من مسببات هذا الوضع ، فقد وجد أن العالم لايحتاج لوقف الحرب باسكات
صوت المدافع والرصاص فحسب ، بل تتعاظم أهمية بناء السلام الاجتماعي الذي يستند على التنمية لتحقيق العدالة الاجتماعية ومن ثم التعايش السلمي بين مكونات المجتمع المختلفة . والناظر للمجتمع السوداني يلحظ سريعاً وبوضوح عدم المساواة بين مكونات المجتمع المختلفة وتمييز فئات معينة على كافة الناس من حيث تركز
الثروة والسلطة ، وتمييز مناطق معينة في التنمية عن مناطق السودان الأخرى .
تحقيق العدالة الاجتماعية يحقق مفهوم (الوطن للجميع) بتكافؤ الفرص للجميع دون وساطات ودون محاباة ، ودون إقصاء نسبة للاختلاف السياسي أو غيره ، ودون
تمييز فئة معينة دون الفئات الأخرى .
تقوم العدالة الاجتماعية على أسس القضاء على الحرمان ، وتدريب المواطنين وتأهيلهم للعمل مما يوفر لهم العيش الكريم ، ويعمل للقضاء على مشكلة الفقر والفوارق المجتمعية ، وعدم تميز أي فئة من الناس على الآخرين على أساس جهوي أو أي ميزة أخرى ، مما يجعلها تستفرد بمناصب الحكم أو ثروات البلاد ، ، كما يستلزم تحقيق العدالة الاجتماعية إنشاء المؤسسات التي توفر مايسمى (الحماية الاجتماعية) لكبار السن وذوي الإعاقة وتأمين العلاج في حالة المرض ، وتوفير التعليم المجاني الأساسي الإجباري لكافة المواطنين والخدمات الصحية الأساسية . بالإضافة إلى ضمانات فوائد مابعد الخدمة وظروف العمل الآمنة .
في رأينا أن تحقيق العدالة الاجتماعية في منطقة شرق السودان يتمثل في عدة محاور:-
المحور الأول :- غياب التنمية حيث لاتتناسب الثروات الكبيرة التي توجد بالإقليم مع معاناة أهل المنطقة حيث توجد أعلى معدلات للفقر بالمنطقة ، بالرغم من أن الإقليم يضم ميناء بورتسودان وجزء من خطوط أنابيب البترول وموانئ تصديره وعدد من المشاريع الزراعية الآلية والمروية والمطرية ومناطق التعدين، لذا فإن مشكلة الإقليم هي غياب التنمية .
المحور الثاني :-إن مشكلة شرق السودان لم تجد حظها من الدراسة والمناقشة الكافية وكان الاهتمام دوماً ينصب على مشكلة الجنوب قبل الانفصال وقيام دولة جنوب السودان ، ومشكلة دارفور وغرب السودان ، وانشغل الناس باتفاقيتي نيفاشا وأبوجا حتى أن الكثيرين من مواطني شرق السودان أنفسهم يجهلون بنود اتفاقية شرق السودان مانفذ منها ومالم ينفذ .
المحور الثالث :- التركيز على التنمية في الولايات الأقل نمواً التي من ضمنها
منطقة شرق السودان . إذ كانت منطقة شرق السودان من أكثر المناطق التي
تعرضت للتهميش ، ولم تنال حظها من التنمية .تكرر المجاعات وانتشار مرض الدرن وأمراض سوء التغذية الأُخرى، معدلات الخصوبة المنخفضة للغاية وتفشي الأُمية والبطالة جميعها شواهد يومية على الحرمان التنموي طويل الأمد بما يفسر العلاقة الايجابية الوثيقة بين النزاعات والافتقار إلى التنمية .
المحور الرابع :- رد المظاليم التاريخية عن شريحة مهمة من سكان منطقة شرق السودان وهي شريحة صغار المزارعين والرعاة وهم سكان المنطقة الأساسيين الذين تعرضوا لتغول الزراعة الآلية على أراضيهم في منطقة القضارف ، كما تم توطين أهالي منطقة حلفا القديمة في أراضيهم في منطقة حلفا الجديدة ، وبنفس القدر تعرض مواطني منطقة حلفا النوبيين لعمليات التهجير القسري من أقصى شمال السودان ذو الأصول الأفريقية والإرث الحضاري والبيئي المختلف ، وتوطينهم في أراضي مشروع خشم القربة مما أضاف عاملاً إضافيا لحدة التوتر والصراع حول الموارد في المنطقة .
أهل النوبة مازالوا يعتقدون وبعد أربعة عقود من الزمان ، بأن زعزعتهم وترحيلهم الإجباري إلى منطقة غريبة عنهم مناخياً واجتماعياً فرضت عليهم تغيير نمط حياتهم التي اعتادوا عليها .
أيضاً لم تقوم الحكومة بدعم صغار المزارعين والرعاة ، بل تركز دعمها على كبار المزارعين ، ولم يجدوا الاهتمام الكافي من قبل السلطات ، فلم تقدم لهم الحكومة المركزية أو الإقليمية المساعدات الكافية من تمويل أوتأهيل الأراضي الرعوية وتقديم المياه عن طريق نظام التجميع ، كما أن بعض مشروعات التنمية الريفية التي بادرت بها بعض المنظمات لم تجد الحماس اللازم من الحكومة.ولقد واجه الرعاة في هذا الإقليم الصعوبات من ثلاث اتجاهات توسع الزراعة الآلية وتدفق الأجئين من أثيوبيا وارتريا ومن المجموعات من قطاع الطرق التي ظهرت نتيجة للحرب الارترية الأثيوبية فيما
المحور الخامس : – توفير الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة ، وزيادة النسبة المئوية الدعم لهذه الخدمات في الميزانية ، حيث تعاني المنطقة من مستويات متدنية في محو الأمية والالتحاق بالمدارس، ووجدت أكبر نسبة تسرب من المدارس في منطقة شرق السودان من بين المناطق الأُخرى في السودان خاصة منطقة البحر الأحمر .
المحور السادس : توفير حق المشاركة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ، والمشاركة في اتخاذ القرار، نادى سكان الشرق عبر مؤتمر البجا بأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم (5) ، بل كان هذا المطلب من أهم المطالب التي تأسس على ضؤوها المؤتمر .نجد أن فلسفة الإدارة ومنهجيتها في السودان قامت منذ بداية الحكم الثنائي على النمط المركزي ، ذلك بوضع كل السلطات السياسية والتشريعية والتنفيذية في الحاكم العام ومعاونيه ، بهدف إخضاع البلاد إخضاعاً تاماً للسلطة المركزية .
المحور السابع :- تنمية المرأة في منطقة شرق السودان ، والعمل على إشراكها في الوظائف، وأثبتت الدراسات أن النساء في المناطق الفقيرة هم الأكثر معاناةً ، حيث يقمن بأعباء إضافية للخدمة المنزلية في الزراعة و بعض النشاطات الأُخرى من أجل جلب المال ، كما يقومن بمجهودات لجلب المياه من مسافات بعيدة في المناطق التي تعاني من عدم توفر المياه .
المحور الثامن :- إعادة أعمار وتنمية المناطق التي تضررت من الحرب ليعود السكان إلى مناطقهم ويشاركون في التنمية .
كتر خيرك.