مقالات وآراء

الكتلة الثالثة المتوقعة .. ودور سودان الثورة فيها

عبدالمنعم عثمان
انتهينا في موضوع سابق عن الحرب الاوكرانية، إلى أنه في حالة تحقق افتراض نهاية تلك الحرب بانتصار المعسكر الروسي الصيني بالتوازي مع انتصار الثورة السودانية، يصبح من الممكن أيضًا افتراض إمكانية تكون كتلة ثالثة تتكون في الأساس من الدول المتجهة نحو مجتمع تتحقق فيه الكفاية والعدالة بأشكالها الاجتماعية والقانونية كقلب لتلك الكتلة، مع احتمالات لا يمكن الجزم بها في هذه المرحلة بانضمام الصين وروسيا بعد نجاح القضاء على مجموعة الرأسمالية المتوحشة وكذلك جزء من ما يتبقى من المجتمع الرأسمالي، خصوصًا تلك الدول ذات التوجهات الاشتراكية الديموقراطية، من مثل الدول الإسكندنافية. ولا شك في أن دروس الفترة السابقة لهذا التكوين، إضافة إلى النمو البين في الحركات الشعبية المناوئة للحرب والداعية إلى حقوق الإنسان وشئون البيئة وغيره، والتي ستجد وضعًا أكثر ملائمة لذلك النمو، أقول أن كل هذه التطورات المحتملة ستجعل من افتراض قيام هذه الكتلة ونموها شيئا مذكورًا وممكنًا. فإذا صحت هذه التوقعات وتم تكوين تلك الكتلة، فما هو الدور المفترض أيضًا لسودان الثورة فيها؟
أولًا: من باب إحقاق الحق وليس فخرًا وتبجحًا، فإن الثورة السودانية قد سجلت نفسها في سجل الثورات العالمية، ووضعت من الأسس ما يمكن أن يساعد شعوب أخرى على السير على منهجها للحصول على الشعارات التي يرفعونها، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، التي لا تزال معظم شعوبها تعيش تحت ظل أنظمة دكتاتورية بدرجة أو أخرى وبتبرير أو آخر!
فهي قد أثبتت، بما لا يدع مجالًا للشك، إمكانية أنه إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بد أن تكون النتيجة هي الانتصار طال الزمن أو قصر ومهما كانت قوة الحاكم على الأرض أو ادعاء. وكذلك أن السلمية هي السلاح الذي لا يقهر والذي يشل يد الطرف الآخر مهما بلغت من امتلاك للسلاح. وإن الوعي المتراكم لدى الشعب السوداني على مر الأيام والتجارب، من خلال عمل سياسي منظم فشل في عديد من المرات ونجح في عديد منها لكنه في جميع الحالات كان سببًا في تراكم ذلك الوعي الذي جعل الشارع يقود القيادات السياسية بشعارات لا فكاك من السير وراءها ليكون لتلك القيادات موطأ قدم عند تحقيق تلك الشعارات المعبرة عن أهداف التغيير الجذري الذي أصبح مطلب لا تنازل عنه.
ثانيًا: من الواضح أنه إضافة إلى ثبات الثورة على رفع شعار ضرورة التغيير الجذري في السودان ليصبح سودانًا جديدًا بمعنى الكلمة، والاعجاب الذي تبديه شعوب العالم والجزء الأعظم من حكوماته، فإن الإمكانات الطبيعية والبشرية والجغرافية التي تتمتع بها بلادنا قد جعلته مطمعًا وملعبًا لتنافس الدول الإقليمية والعالمية، وبالتالي فإنه قد وضع، أراد أو لم يرد، في قلب الخريطة القادمة للعالم الذي بدأت معالمه في الظهور وعلى راسها انتهاء دور الولايات المتحدة كشرطي العالم الأوحد المسيطر على اتجاهاته السياسية والاقتصادية، وبالتالي ما ذهبنا إلى افتراضه من ظهور كتلة ثالثة يكون في قلبها الدول المتجهة إلى نظام يكفل الحريات من خلال الديموقراطية السياسة والعدالة الاجتماعية مع فتح باب الاحتمالات لانضمام دول أخرى من مجموعة الكتلة التي بدأت تتكون بالفعل من الدول الساعية للخلاص من رأس الرمح للرأسمالية المتوحشة الممثلة لمراحل رأس المال التي يصل فيها التناقض بين قوى الإنتاج وعلاقاته درجة لا يمكن الخروج منها إلا بالتحول إلى نظام يحل ذلك التناقض بشكل جذري، كما رأى ماركس نظريًا، وكما بدأت الملامح الفعلية لهذه الضرورة بما جعل حتى بعض منظري النظام الرأسمالي يدعون إلى تحول النظام في أمريكا إلى النظام الاشتراكي الديموقراطي!
ثالثًا: بما أنه من النتائج العاجلة للحرب الأوكرانية ارتفاع أسعار كل السلع تقريبًا على مستوى العالم وبصورة أكبر وأوضح في بلدان أوروبا نتيجة لارتفاع تكلف الطاقة وخصوصًا أسعار المنتجات الزراعية مثل القمح، وبما أن السودان يمتلك من الموارد ما جعل العالم ينظر إليه كواحد من ثلاث دول في العالم قادرة على المساعدة في إطعام العالم في حالة الاستغلال الجيد لإمكاناته المذكورة، فإن انتصار الثورة فيه، وبالتالي خلق الظروف المناسبة لاستغلال هذه الموارد لمصلحة الشعوب حول العالم يصبح شرطًا أساسيًا من شروط وضعه في قلب الكتلة الثالثة المفترضة.
رابعًا: برغم تناقض ما يأتي من الأطراف المتحاربة من أنباء متضاربة عن الخسائر في الجانبين، إلا أن بعض الحقائق مما لا يمكن إنكاره والافتراضات التي تقوم على أسس متينة يمكن إجمالها في ما يأتي:
– الخسائر الاقتصادية كبيرة بين الطرفين المباشرين في الحرب وأعنى بهما روسيا وأوكرانيا، غير أنه من الموكد أن الطرف الأوكراني قد تكبد الخسائر الأكبر بدون وجه للمقارنة وذلك لعدة أسباب أهمها الفرق الكبير في القوة عسكريًا واقتصاديًا والمعرفة التفصيلية لروسيا بمكامن القوة الأوكرانية التي كانت جزء من الاتحاد السوفيتي ولا يزال عدد لا يستهان به من سكانها ذوى أصل روسي ولدى بعضهم من الميل السياسي لروسيا كما أوضحت التغيرات التي حدثت في النظام السياسي الأوكراني بعد الانفصال.
– توقع روسيا لما حدث بعد انتصار الرئيس الأوكراني الحالي في أخر انتخابات رئاسية وكذلك المواقف الغربية من الموقف الروسي في القرم وغيرها من البلدان التي كانت جزء من الاتحاد السوفيتي، بما أدى إلى اتخاذ بعض الإجراءات الاقتصادية والعسكرية التي قللت إلى حد ما من خسائر الجانب الروسي. وبرغم هذا إلا أن الخسائر الروسية قد تعدت توقعات الرئيس بوتين بدرجة كبيرة لعدة أسباب من أهمها المقاومة التي أدت إلى امتداد الحرب من أسابيع قليلة إلى أكثر من شهرين حتى الآن مع احتمالات امتدادها لأكثر من هذا وخطر امتدادها إقليميًا بل وربما دوليًا بسبب الضغوط التي تنتج عن هذا الامتداد على الطرفين.
– كذلك الأمر بالنسبة لخسائر الطرف الأوروبي الذي بلغت خسائره الاقتصادية حدًا كبيرًا حتى الآن وذلك بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة بما عبر عنه بارتفاع التضخم ربما لأول مرة في التاريخ الأوروبي بما ينذر بتخطي الرقمين وكذلك الخسائر السياسية التي اتضحت في الانتخابات المحلية البريطانية بخسارة الحزب الحاكم، وهو من أكبر الداعمين للخط الأمريكي في سياسات الحرب الأوكرانية، لعدد من الدوائر خارج لندن مع توقع لخسائر فيها أيضًا وفى الانتخابات البرلمانية القادمة. هذا ولا شك في أنه مع استمرار الحرب ستزداد الضغوط الاقتصادية على الكل بما في ذلك الولايات المتحدة بما يجعل من الممكن تغير المواقف بدرجات من الصعب التنبؤ بها حاليًا.
– ومع كل ما ذهبنا إليه من احتمالات تنبني على الرؤية للوضع حاليًا مع بعض الافتراضات التي نظنها تنطلق من الواقع أيضًا، فإن كل هذا لا نتوقع له أثر كبير على الافتراض الأساس في هذه المقالة وهو تغير الوضع الدولي بانتهاء دور الولايات المتحدة كشرطي أوحد للعالم وإمكانية ظهور الكتلة الثالثة وفى قلبها البلدان الساعية إلى نظام يعمل على تطبيق العدالة الاجتماعية والديموقراطية السياسية. ولأننا توقعنا لسودان ثورة ديسمبر دورًا رائدًا في هذه الكتلة بأسباب نعتبرها موضوعية، فإننا نود في ختام هذه المقالة أن نحذر بعض الجهات التي لم تر بعد احتمالات انتصار الثورة وبالتالي وضع السودان هذا الموضع المتقدم، بأن دلائل كثيرة، أشرنا إلى بعضها، تشير إلى حتمية ذلك، ونطلب من تلك الجهات الدولية والإقليمية أن تعيد النظر في بعض مواقفها، التي تعتبر حاليًا معادية لاتجاه الشارع السوداني وبالتالي فلا نتوقع غفرانه لهذه المواقف بما سينعكس سلبًا على العلاقات المستقبلية بينها وسودان الغد القريب بأذن الله. ولعله يكون من المناسب لتوضيح أكثر لهذا الأمر ذكر المواقف الروسية والصينية أثناء حكم الجبهة الإسلامية وبعدها من استغلال لضعف السلطة خصوصًا في خواتيم حياتها المديدة والعمل على نهب ثرواته والسيطرة على اتجاهاته السياسية… الخ وكذلك بعض المواقف الإقليمية المعروفة للجميع والتي سيكون لها أثر سلبي مباشر على العلاقات بينما من الممكن أن يكون في غاية الايجابية في حالة إعادة النظر في مواقف هذه الدول من الصراع الدائر في السودان، وقد أشرت إلى هذا المعنى في مقالات سابقة عن إمكانية التعاون بين السودان وهو المعروف دوليًا بصاحب الموارد الثرية، والتي لا ينقص استغلالها غير التمويل وربما التكنولوجيا المتوفرة لدى الطرفين الإقليمي والدولي، وذلك لمصلحة جميع الأطراف، خصوصًا بعد النهاية المتوقعة لقيادة الرأسمالية المتوحشة والاتجاه المتوقع لعالم تسود فيه روح العدالة بدرجة أو أخرى.
الميدان

تعليق واحد

  1. يا شيخنا عندما تتكون الكتلة التالته بتاعتك دي ما اظن السودان بوضعه الحالي يكون موجود.. اسرع في الإصلاح بين الناس وداوي المرارات قبل ما يفوت الأوان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..