
✒️ د.احمد بابكر
الحوار هو أساس الحياة المدنية والديمقراطية بل هو أحد محفزات التطور لكافة مناحي الحياة الفكرية والسياسية والثقافية، وتظل قدرة الناس على الحوار هي أحد معايير تقبل الآخر ، وترسيخ مبدأ التنوع ، وهو أساس الحياة وقدرها.
لكن كلمة حوار ، بالذات على المستوى السياسي ، اكتسبت معاني لا تشبه أصل الكلمة ، لما كان يتم باسم الحوار .
فما زلنا نتذكر نتائج الحوار بين النخبة الجنوبية والقوى السياسية السودانية ، حول النظام السياسي ووضع الجنوب ، حيث تم الاتفاق على الحكم الفيدرالي لجنوب السودان ، مقابل الوحدة (مؤتمر جوبا 1947م ، ليأتي ساستنا بعد الاستقلال ويتنكروا لنتيجة حوارهم واتفاقهم ، وكان الموقف أقرب للغدر ، وهذا كان احساس اخوتنا في جنوب السودان في ذلك الوقت ، وهذا الغدر وعدم الوفاء بنتائج الحوار كان دائما هو القانون الذي سبغ كل حواراتنا ، حتى ترسخ ليكون عنوان لكتاب التمادي في نقض المواثيق والعهود للمثقف الجنوبي مولانا ابل الير .
ونستطيع أن نعدد حالات كثيرة تم اتخاذ الحوار كذريعة ومدخل للالتفاف حول المطالب الموضوعية وافراغها من محتواها ، وتحويلها إلى مكاسب ذاتية ومناصب واستوزار ، وهذا نجده اكثر وضوحاً وتجلياً في تجربة الإنقاذ والتي مثلت الأسوأ في كل شيء طوال تاريخ حركة التطور الوطني ، وبما ان هذا الجيل الذي ولد وترعرع في زمن الإنقاذ ، ولم يشهد من كلمة حوار إلا الخيبات والاستهبال وعدم المبدئية وشرعنة للاستبداد واللصوصية والسرقة ، وقتل الناس ، لذلك تولدت لديه حساسية مضافة من كلمة حوار ، حيث ارتبطت في ذهنه بالخداع والتخدير وشرعنة ما هو غير شرعي .
كلنا يتذكر مؤتمرات الإنقاذ الكذوبة التي حشدت لها الرياضيين والفنانيين وأساتذة الجامعات ، ليتحاوروا ليخرجوا للناس برؤية في الاقتصاد والسياسة وغيرها ، وفي النهاية كانت مجرد احتفالات وصرف بذخي نتيجته أن الإنقاذ لم تعمل بأي توصيات لهذه الحوارات ، الأدهى والأمر أن حتى الذين يشاركون في هذه الحوارات يعلمون انهم مجرد اكلشيهات وديكور ، وليس لديهم تأثير في مراكز اتخاذ القرار ، وان المسألة لا تعدو عن كونها مأكلة ، أو أن الحوارات حتى ولو كانت جادة لا تفضي لنتائج جيدة ، بالعكس تسوء الأوضاع بعد أي حوار .
وشهد الجميع الحوارات التي كانت تتم مع الحركات المسلحة ، انتهت ببعضهم في الوزارات وبعضهم خرج بعد ان أدرك ان المسألة لا تعدو عن كونها شراء للمواقف والذمم.
أطول فترة تفاوض جادة كانت في اتفاق نيفاشا مع الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي أدت لفصل الجنوب تحت الرعاية الأمريكية.
الان عندما تأتي كلمة حوار يتحسس الثوار رقابهم لأن عبر الحوار الذي انتج الشراكة مع العسكر حدثت عملية الغدر والخيانة بالانقلاب والذي أصبح يوميا يحصد في أرواح اصدقائهم من الثوار .
ولذلك علينا ان نتفهم لماذا هذه الحساسية من كلمة الحوار من هذا الجيل الثائر .
السؤال الأهم : كيف نرجع لهذه الكلمة روحها وجوهرها لأنها لازمة وضرورية في سبيل تطورنا الوطني والديمقراطي.
حوار مع من؟ مع من تحاورنا معه، و وقعنا معه وثيقة دستورية وانقلب علينا وعليها وبدا في قتل الناس واعتقال من تحاورو معه؟
وين الحزب الشيوعي.
لا تيأس هم سيتحاورون ان عاجلا او آجلا والمرحلة الحالية هي مرحلة كسر عظم لتحسين شروط الحوار.. المطلوب من الشعب مذيد من الصبر ولماذا يستعجل الشعب فهو في كل الأحوال خسران.