مقالات وآراء

تفكروا فيما يمكن ان يفعله القلب السليم

منير التريكي

مدخل :
في شمال السودان يسمون النخلة تمرة . التمرة ثمرة واحدة من آلاف التمر الذي تطرحه النخلة طوال عمرها. هم يطلقون الجزء ويقصدون الكل.
الإسلام بمفهومه الشامل يعني الإستسلام لله وإلانقياد له.  توحيد الله وإخلاص العباده له . هو إيمان في القلب يصدقه العمل . هذا يعني فهم متكامل لا ينحصر في أداء الشعائر فقط . إذن المفردة لا تنحصر فقط في الإسلام بعد بعثة محمد خاتم النبيين والمرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم . نعم إستحقها المسلمون عن جدارة. هم امة وسط شهداء على الأمم . لكن المفردة موجودة قبلهم بزمن بعيد. قبل قرون عديدة كان ابرهيم حنيفيا مسلما الآية ٦٧ من سورة آل عمران . هو الذي سمانا مسلمين الآية ٧٨ من سورة الحج. ووصي بها بنيه عليه السلام  الآية ١٣٢ من سورة البقرة . قالتها ملكة سبأ في سورة النمل الآية ٤٤ وقالها موسى لقومه في سورة يونس٨٤ . حتي فرعون قالها لحظة غرقه . أنظر سورة يونس الآية ٩٠ والمزيد عن المفردة ومشتقاتها .

لكن هنالك فهم محدود عند الكثيرين . كل من ناقشته أو قرأت له عن هذا الموضوع أورد الآية ٨٥ من سورة آل عمران :
﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ﴾  بفهم قاصر . لمست عند الكثيرين ميل لتكفير الغير دون التفكير والإجتهاد لإدخالهم في حديقة الإسلام الوارفة الظلال الكثيرة الثمار . هذا الأمر ممكن جدا بتوفيق الله وحسن النية والرغبة الصادقة النابعة من قلب سليم وفهم أوسع لمفردة الإسلام . لنقرأ الآية التي قبلها حتى لا نضيق واسعا. ﴿قُل آمَنّا بِاللَّهِ وَما أُنزِلَ عَلَينا وَما أُنزِلَ عَلى إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطِ وَما أوتِيَ موسى وَعيسى وَالنَّبِيّونَ مِن رَبِّهِم لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنهُم وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ﴾ [آل عمران: ٨٤] ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِسلامِ دينًا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ﴾ [آل عمران : ٨٥]. نقرأ في سورة البقرة﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَالَّذينَ هادوا وَالنَّصارى وَالصّابِئينَ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ﴾ [البقرة: ٦٢] هذا يضيف لنا فهما أكثر لمفردة الإسلام . يجعلنا نتفهم اعتقادات غيرنا وندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة . الغاية هي تحبيب الإسلام لهم وليس تكفيرهم وتنفيرهم. إن أسلموا فهو المطلوب وإن لم فلا نعاديهم عسى الله أن يهديهم أو يهدي أبناءهم بمعاملة طيبة ونوايا حسنة . الملايين الذين اعتنقوا الإسلام فعلوا ذلك بمعايشتهم أو قراءاتهم لمسلمين مخلصين لدينهم غير متشددين في فهمهم للآيات والأحاديث. لديهم رغبة صادقة لهداية غيرهم بفضل الله.
الناس شعوبا وقبائل مختلفة. فيهم مسلمين وأهل كتاب يهود ونصاري وصابئين ومشركين ومنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر ووثنيين يعبدون أصنام أو مخلوقات . أهل الكتاب هم من بعث الله فيهم انبياء ورسل وأنزل لهم كتب منها صحف ابراهيم  والزبور على داؤود والتوراة على موسى والإنجيل على عيسى وربما كتب غيرها الله أعلم حيث يضع رسالاته. أهل الكتاب حرفوا كتبهم. فعلوا ذلك لأسباب عديدة. يمكن فهم ذلك لندرك الأهمية القصوى لعلم الجرح والتعديل لرواة الأحاديث الشريفة . هنالك من وضع أحاديث مكذوبة لنصرة مذهب معين او للنيل من الاسلام أو لأسباب أخرى . أوكل أمر حفظ الكتب المنزلة للبشر فحرفوا فيها عبر التاريخ. لهذا وردت كلمة (إستحفظوا) في الآية ٤٤٤ من سورة المائدة بينما القرآن تعهد الله بحفظه في الآية ٩ سورة الحجر. إذن لدينا المنهج الصحيح. بقى أن ندعمه بالدعوة بالأساليب الجاذبة . بعض من أهل الكتاب كذبوا برسالة محمد رسول الله وحاربوه رغم يقينهم بحقيقتها . السبب الرئيسي هو أنهم لم يقبلوا ان يبعث الرسول الخاتم في غير ملتهم وهم أهل الكتاب الذين بعث الله  فيهم  معظم الرسل الواجب معرفتهم . وقد انزلت لهم الكتب السماوية مع هؤلاء الرسل . بعض أهل الكتاب عرفوا هذه الحقيقة  واستيقنتها أنفسهم لكن العناد والعزة بالإثم منعهم عن الحق وإتباعه.

لكن الكثيرين من أهل الكتاب يهود ونصارى عرفوا الحق وآمنوا به وحسن إسلامهم . كثير من هؤلاء قدموا للإسلام خدمات جليلة وقيمة. وهم لهم أجرهم كفلين. مرة لانهم آمنوا بنبيهم الذي  أُرْسِل لهم وأجر ثانِِِ لأنهم لما علموا ببعثة محمد آمنوا برسالته . أهل الكتاب ليسوا جماعة واحدة. هناك من آمن فوراً وهناك من عاهد وواثق ومن تردد ومن آمن بعد وقت  ومن سأل ليعرف. هناك المؤلفة قلوبهم وهناك من عادى وتآمر وشاقق وحارب . وكل يتحمل تبعات إختياره. لا تزر وازرة وزر أخرى .
انظر سورة التوبة الآية ٦ والمائدة ٨٢ وغيرها . ورد عن رسول الرحمة انه حزن على جنازة غير مسلم  لأنها روح افلتت منه الي النار .
أهل الكتاب وغيرهم هم ميدان الدعوة وساحاتها. وفي الحديث الشريف بلغوا عني ولو آية. الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وبالمجادلة بالتي هي أحسن . لكن الذين يضجون ويرفضون الرحمة لغير المسلم يجب. عليهم التفريق بين عادى الإسلام أو آذى المسلمين ومن استقبلهم وساعدهم . هناك ملايين المسلمون يعيشون في بلاد غير المسلمين. هؤلاء يجدون والإحترام  والمعاملة الطيبة من أهل هذه البلاد . يحدث هذا  في أوربا وامريكا ونيوزلاندا واستراليا وغيرها . لكن رغم كل هذه الملايين فإن اساء شخص واحد فقط السلوك ضد مسلم ثار الكثيرون ضد كل الدولة. تناسوا اعواما عديدة من العشرة والمعاملة الطيبة من الملايين .
تفكروا في الآية ٨٩ من سورة الشعراء والاية ٨٤ من سورة الصافات يمكنكم أن تربحوا فوق تصوراتكم من الدعوة إلى الله. ليس هناك  افضل وأكرم من الخالق في دفع مقابل عمل ما . أعني الدعوة للخير بصورة عامة أي الدعوة بمفهومها الواسع. هناك الكثير من الآيات التي تحبب عمل الخير للغير. هنالك التيسير على الأمة . هناك آيات التفكر والتدبر. هناك. آيات الصبر على العمل وإحتسابه. آيات الإنفاق والإيثار . تعليم الناس الخير وكثير مثل ذلك. فقط تجردوا للحق واخلصوا النوايا لله وأحبوا غيركم وتمنوا لهم الخير. هذا الخير العميم لكم مثله بإذن الله. وبالعودة للنية الحسنة والقلب السليم . أؤكد لكم عن تجارب عديدة انهما يفعلان العجائب . تفكروا في صلاة الغائب التي صلاها محمد أشرف الخلق وخاتم النبيين والمرسلين وصحابته الطيبين في المدينة على النجاشي ملك الحبشة وهو أفريقيا . إن الله العدل اكرم النجاشي بخلقه الطيب . إستضاف مهاجرين مستضعفين ونصرهم بالحق ولم ينحاز لأهل قريش رغم مصالحه معهم قبل البعثة . وفاضت اعينه ومن معه بالدمع لما عرفوا الحق عند سماع سورة مريم .
تجردوا للحق واخلصوا النوايا لاتدرون ربما تقرر مصيركم دمعات صادقات بإخلاص لله .

اللهم وفقنا لما تحب وترضي وأصرف عنا مالا تحب ولا ترضي.

للمزيد :
راجع الآيات الكريمات ١٢٨ و ١٣٢ و١٣٣ و ١٣٦من سورة البقرة والآيات ٥٢ و٦٧ و٨٤ من سورة آل عمران  وأيضا سورة الأعراف ١٢٦ والمائدة ١١١ والأنعام ١٦٣ والزمر ٥٣ والذاريات ٣٦ والاحقاف ١٥ وغيرها.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..