في مانشستر شهدت نموذجاً مشرقاً لشباب الأطباء السودانيين في بريطانيا


د. أمجد إبراهيم سلمان
في مقالٍ سابق في مارس 2022 عن مؤتمر الرعاية الصحية الأولية في دولة الامارات العربية المتحدة بعنوان “خرجنا منهم مليئين بالجمال حتى غازلنا الناس في الشوارع” تحدثت بإسهاب عن ذلك المؤتمر وزملائنا من أطباء الأسرة السودانيين في تلك البلاد والذين أكرموا وفادتنا حيث كان تصادف حضوري للمؤتمر وجود وفد من المنظمة السودانية البريطانية للرعاية الصحية الأولية (سيبكا) مكوناً من د. حسام محسن السكرتير العام للمنظمة ود. مروة جبريل سكرتيرة العلاقات الخارجية ، وحدثت لقاءات ثنائية مثمرة بين المجموعتين وقد قدمت لي دعوة للمشاركة في مؤتمر (سيبكا) المزمع عقده في 14 من مايو الجاري في مدينة مانشستر بالمملكة المتحدة كمتحدث في ورشة الفرص العملية لطبيب الأسرة بعد استكمال التدريب.
وصلت للمدينة في الصباح الباكر من يوم الجمعة 13 مايو رغماً عن أنف الدلالات السالبة لهذا اليوم في الثقافة الأنجلوساكسونية ، وكان لدي زيارة أسرية مهمة لرؤية أخي أيمن وأسرته الأثيرة في مدينة كارديف والتي حالت ظروف الكورونا من زيارتهم خلال الأعوام الماضية رغم قدوم ضيف عزيز لأسرتنا وهو الطفل زين والذي شارف على إكمال عامه الأول ولم تكتحل أعيننا بمرآه الجميل ، للأسف استغرقت رحلة الذهاب والإياب ثمانية ساعات كاملة بالقطار تخللها لقاء لمدة 45 دقيقة كانت بالكاد كافية لتناول كوب من القهوة ، لكن كما قال الشاعر حميد “إيه الدنيا غير لمة ناس في خير أو ساعة حزن” ، وقفلت في رحلة العودة إلى مدينة مانشستر التي رأيتها بانطباع مختلف تماما عن زيارتي لها في العام 2017 حيث بدت لي أكثر ألقاً وبهاءً وجمالاً عن سابق عهدي بها ، أم لعله الجو الصحو الذي صاحب هذه الزيارة الخاطفة ، وعندما سألت شابة أنيقة يبدو أنها متجهة إلى أمسية مانشسترية صاخبة هل وصلنا المحطة الرئيسية استرسلت في اجابتها وسألتني من أين قدمت وعندما ذكرت لها أن طائرتي هبطت صباح اليوم من الدوحة أرسلت ضحكة مشاكسة وقالت “يبدو أنك حملت لنا هذه الشمس من صحرائك تلك” في إشارة إلى أغنية “إحمل أجوائك معك” الإنجليزية المعروفة فقلت في سرّي (مصطفى سعيد أتاريه ما خاتي عليكن).
في مساء الجمعة قدم مضيفي د. حسام وبمعيته زميله في لجنة (سيبكا) ودفعته في جامعة الخرطوم د. أحمد كرّار (مسؤول المكتب الإعلامي في المنظمة) إلى فندق المؤتمر الواقع في مركز المدينة النابض بالحياة في تلك الأمسية الدافئة نسبياً، تناولنا عشاءً هندياً أرسلنا شعوريا إلى تخوم تلك البلاد بينما تحدثنا عن تفاصيل يوم الغد الحافل والتفاصيل المُكّمِلة لمحاضرات المؤتمر. والذي علمت أنه يقام بالتنسيق بين منظمة (سيبكا) ومنظمة شباب الأطباء السودانيين في المملكة المتحدة (سجدا) ، في واقع الأمر مجرد فكرة التنسيق أعطتني إحساساً إيجابياً فذلك يعني أن جسوراً مشتركة قد أقيمت ستعود بخير كبير على كل الأطراف وعلى الوطن في نهاية المطاف.
بدأ المؤتمر باكراً ، حيث تقسّم الحضور على قاعتين متجاورتين ، شهدت كلتاهما جلسات المؤتمرين المنفصلة ، مع جلسة مشتركة قدمت فيها محاضرتين حول تحديات اللغة والعمل للأطباء المهاجرين في بريطانيا قدمتها السيدة راتشيل ديكستر خبيرة التواصل ، وجلسة عن الإنطباعات الذاتية عن الممارسة الطبية قدمها بإقتدار د.أحمد كرّار وسأعود لاحقاً لسرد بعض التفاصيل المهمة عن هاتين المحاضرتين.
بداية التسجيل كانت دقيقة حيث نصب شعارا المنظمتين وبوجود المتطوعين من الشباب الذين تشع من عيونهم حيوية العقول وعنفوان الروح ، لسبب ما كانت شعور بعضهم مرسلة كراستات شباب الوطن الأشاوس وكأني بهم يرسلون رسالة تضامن مع رصفائهم في السودان رغم بعد المسافة وكأن شاعرنا محجوب شريف قد عناهم بأبياته الخالدة:
عيونهم برقهن لمّاح
سؤالهم رد
وثّابين أوان الجد
دفاعا ًعن حياض السلم والإفصاح
من التفاصيل الجميلة تحضير غرفة خاصة للأطفال مع تسجيلهم بصورة دقيقة وإلباسهم أساور معاصم مميزة بأسمائهم وتسليمهم لصالة مجاورة مع رعاة أطفال محترفين ، ما عكس اهتمام المنظمتين بضرورة إتاحة كل السبل العملية لمشاركة الطبيبات اللائي صرن العمود الفقري للكوادر الطبية ليس في السودان فقط بل وحول العالم ، حيث تجاوز عدد الطبيبات في مقاعد الدراسة حاجز ال 50% منذ زمن بعيد مما أطلق في وقت مضى مقترحات جريئة أثناء دراستي في هولندا أن يكون هناك تمييز إيجابي لزيادة عدد الذكور في كليات الطب ، أشبه بما نراه في السياسة العالمية حول تمكين النساء بصياغة حد أدنى لهن في البرلمانات والحكومات حول العالم ويبدو أننا سنشهد تحولات كبيرة وتغيرات تركيبة الأطقم الصحية بولوج الرجال بأعداد كبيرة للتمريض مثلا إلى غيرها من متغيرات العصر.
إفتتح المؤتمر د. حسام محسن نيابة عن د. نصيف منصور (رئيس منظمة سيبكا) وهو الأب الروحي لأطباء الأسرة في بريطانيا والنقيب السابق لنقابة أطباء المملكة المتحدة ، وقام د. حسام بالترحيب بالضيوف الذين قارب عددهم الخمسين طبيبة وطبيباً ، توزعوا بين خريجين قدامى وجُدُد وأطباء تحت التدريب من السنة الأولى إلى الثالثة ، ووضح محدثنا ترتيب جلسات المؤتمر وتوزيع القاعات والبرنامج الإجتماعي المسائي ، بعد ذلك تسلّم رئاسة الجلسة بإقتدار د. مصطفي مختار وهو مسئول التدريب في اللجنة التنفيذية ، وعلمت لاحقاً أنه من خريجي جامعة الخرطوم أيضاً ويتقلد عدة وظائف في تدريب أطباء الأسرة من الشباب ويعمل أيضا كممتحن للأطباء المتدربين ورئيس برنامج تدريب أطباء الأسرة في منطقة (الويست ميدلاند) ، وخلال متابعتي له خلال بقية الجلسات ، خاصة جلسة القيادة تلمست أنه طبيب موهوب معرفياً ولغوياً ، وعلمت من زملائه أنه شاعر مرهف أيضاً ، يجيد انتقاء التعابير السهلة والعميقة لإيصال المعنى ويضرب الأمثلة من الحياة العملية بسهولة ويُسر ، قدمت المحاضرة الأولى موفدتان من المجلس الطبي البريطاني السيدة نكي روبينز والسيدة راشيل بيل حيث قامتا بتقديم محاضرة تفاعلية حول تطوير استراتيجية المجلس إزاء الأطباء الجدد ، وكيف أن الاستراتيجية الثالثة المعمول بها حاليا تم إجازتها قبل عشرة سنوات وحول أهمية معرفة المعوقات والتحديات التي تواجه الأطباء الجدد في بريطانيا ، الملفت كان الطريقة المبتكرة للمحاضرة حيث تم توصيل الحضور عبر كود خاص في الشاشة إلى المحاضرة بحيث تقدم أسئلة للحضور يقوم الحضور بتقديم إجابات فورية عليها ولأنهم موصلين عبر هواتفهم المحمولة مع الشاشة الرئيسية فإن معظم الإجابات والمقترحات تظهر أمامنا كمتابعين للمحاضرة ، أكدت السيدة روبينز أنهم في المجلس حريصون على قراءة كل المقترحات المقدمة وأكدوا أنها ستسجل كسابقاتها من الورش كي يساهم الأطباء الجدد بصورة فعالة في تطوير الاستراتيجية القادمة.
بعد ذلك بدأت الجلسة الثانية المشتركة بين أطباء (سيبكا) و (سجدا) وكان عدد الأطباء مجتمعين حوالي 135 شخصاً وتأملت في تلك العقول النيرة وهي تغادر السودان في هجرة نهائية ، وتحسّرت على هذا الفقد خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن طبيب الأسرة مثلاً يعتني بحوالي 2300 مريض في المتوسط ما يعني أن حوالي 310 ألف مريض ظلوا من غير أطباء في السودان ، وعزائي الوحيد في هذه المقارنة أن اكتساب العلم من قبل هؤلاء الشباب سيعود بالخير الكبير على التعليم الطبي والسودان في نهاية المطاف.
قدمت المحاضرة المشتركة السيدة راتشيل ديكستر وكانت بعنوان تحديات التواصل لخريجي الجامعات الأجنبية في بريطانيا ، حيث ذكرت أنها وبعد خبرة طويلة في التدريب على التواصل استمرت لاثنتي عشرة سنة، توصلت أن السبب الأساسي لتعقيدات التواصل هي البريطانيون أنفسهم ، وأنها قد صممت تطبيقأً للهاتف المحمول لتطوير مهارات التواصل للأطباء مع المرضى والتعقيدات التي تصاحب ذلك في مجتمعات مختلفة عن المجتمعات التي اكتسب فيها الطبيب معارفه الأساسية ، ومضت بذكاء لتوضح أن إشكالات التواصل مع المجتمع البريطاني ناتجة عن العقلية الجماعية المعقدة للمجتمع البريطاني ، ووضحت خصائص التواصل عبر التعابير عن المرض والألم والحزن ، حيث يميل البريطانيون لاستخدام الصيغ الإيحائية في التواصل ويجنحون لعدم المباشرة في الحديث لأنهم يعتقدون أن ذلك نوع من قلة الذوق في المعاملات العامة ، لذا فإذا جنح الطبيب المهاجر حديثا إلى إصدار أوامر مباشرة لمرؤوسيه فإنه قد يعد متعجرفاً وستتعقد علاقته مع فريقه في مكان عمله ، و من الأمثلة الملفتة تعبيرات البريطانيين على التقليل من الألم فإذا ذكر أحد المرضى أن لديه القليل من الألم فإن ذلك قد يعني أن يعاني من ألم حقيقي لكن التعبير يوحي بغير ذلك.
بعد ذلك أتحفنا د. أحمد كرّار بمحاضرة قيمة عن أهمية كتابة الانطباعات عن الممارسة الطبية خاصة الأخطاء التي تحدث ، لأن توثيق التجارب والتأمل فيها والعودة إليها هي المحفّز الأكبر للتعلّم وتطوير الأداء واستعرض د. أحمد بحرفية عالية عدة أساليب وطرائق لكتابة تقييم التجارب ومنها دائرة جيبس ، وغيرها ، وبين أن هذه النماذج في تطور مستمر وتغيير دائم ، وأن واضعي ضوابط هذه النظم تعمدوا أن تكون مفتوحة على عدة أساليب لتشجيع الأطباء على الممارسة وبدلاً من تقييم التجارب التوثيقية لشباب الأطباء بأنها مخطئة في الصياغة فإن جوهر تقييم التجارب الطبية مبني على توثيقها وتحليلها والنقاش حولها لأن التجربة التي لا تورث حكمة تكرر نفسها كما قيل في الأثر.
بعد استراحة غداء قصيرة تبادل الحضور فيها النقاشات وكانت فرصة جيدة لبناء جسور معرفة وتبادل أرقام الهواتف كما يحدث في مثل هذه الفعاليات والتي لا يمكن مقارنتها إطلاقاً بأي مؤتمرات تعقد عبر الوسائط الالكترونية والتي ينعدم فيها البعد الإنساني ، قاتل الله الكورونا بقدر ما حجمتنا من حضور مثل هذه الفعاليات المعرفية ، بدأت الجلسة الثانية من المؤتمر بتقديم الدكتورة فانيسا باروت وهي طبيبة أسرة ذات خبرة طويلة وأستاذة تدريس في هذا المجال ونائبة رئيس مؤسسة هيين ، وأطل علينا مرة أخرى د. أحمد كرّار بوجهه الطلق كي يدير هذه المحاضرة القيّمة التي كانت حول الأخطاء الطبية وحتمية التعرض لها خلال ممارسة الطب في بريطانيا وطب الأسرة بصورة خاصة ، كدأب المحاضرين ذوي الدَرِبة ، خلقت د. فانيسا فوراً تواصلاً مع الحضور بحيث عرضت خريطة لإفريقيا ووضحت أنها ولدت في زيمبابوي وتخرجت من جامعة كيب تاون في دولة جنوب إفريقيا ، وذكرت أنها إفريقية الهوى والروح رغم أنها أوروبية الجينات والمظهر ، فاجأتنا د.فانيسا أنّ الأطباء المهاجرون أكثر عرضة للشكاوى الطبية ، والرجال يتحصلون على نسبة أكبر من الشكاوى من النساء ، ومن هم أكبر من 50 عاماً يتم شكوتهم أكثر ممن هم أصغر سناً ، وأطباء الأسرة أكثر تعرضا للشكاوى من غيرهم من التخصصات ، بعدها طمأنت الحضور بأن ذلك أمر طبيعي مرتبط بذهنية مجتمعية وأنه بالتحضير الجيد يمكن تجاوز معظم الشكاوى والتحضير الجيد لها ، ومضت قدماً حيث نوّهت لأهمية اختيار الألفاظ بصورة دقيقة عند الدعوة لتحقيقات الشكاوى وعدم الجنوح للتبرير والدفاع عن النفس على شاكلة (.. لكن الوقت كان ضيقاً ، والمريض لم يفهمني بصورة جيدة) لأن وقع هذه التبريرات على المستمعين يوحي بأن الطبيب يمكنه تكرار هذه الأخطاء لأنه لا يعترف بها ، وتذكّرت حينها أستاذي في السنة الثالثة للتخصص د.فريتس فان إكستر الذي كان أيضا عضواً في لجنة الشكاوى الطبية في لاهاي حيث كان يقول دائما “.. في لجاننا التقييمية ، نحن واعون أن الأخطاء واردة جداً في ممارسة معقدة مثل العمل الطبي لكننا نتخوف جداً من الطبيب الذي يتعنت في الإقرار بالخطاء لأن ذلك يعني أن هناك فرصة كبيرة لأن يكرره لأنه لم يتعلم منه ولم يقر به” ، بعدها قدمت السيدة فانيسا تكتيك التعامل مع الشكاوى الطبية المكون من سبعة مراحل و سررنا جداً عندما وضعت الحروف الأولية لتلك المراحل بترتيب نتج عنه كلمة “سودان أوكي” نالت استحسان الزملاء.
المحاضرة التالية كانت عن القيادة و الإدارة وتحدث فيها بعمق الدكتور مصطفى مختار والذي اختار أسلوب تفاعلي في محاضرته الثرّة وقسّم الحضور لمجموعات وطرح عليهم عدد من الأسئلة ، وقمنا بأداء بعض التدريبات حول فن الاستماع والأخذ بالرأي الآخر ، وببراعة وضع الدكتور مصطفى المرآة أمام الجميع كي يبدو الملك عارياً كما يقولون ، تلمسنا تعقيدات المسألة وتباين قدرات الاستماع بين الأطباء حتى في مجموعات صغيرة ، والفرق في تناول المواضيع بين الطبيبات والأطباء ، ومضى لتناول مفهوم الزعيم والقائد ، وهل تعيين شخص ما في موضوع مسئولية يعني بالضرورة أنه يتمتع بالكاريزما القيادية اللازمة كي يلهم الناس كي يؤدي عملاً ما ، وبيّن دور الزعماء الروحيين في تغيير حيوات الناس حول العالم، وشرح علاقة ذلك بالممارسة الطبية في المستشفيات الضخمة بحيث أن يكون لعدد كبير من الأطباء دور كبير ويسمع لرأيه في الاجتماعات حتى وإن لم يكن في مسئولية إدارية كبيرة داخل المؤسسة المعينة ، حيث يلجأ له صغار الأطباء وحتى الإداريين لحل مشاكل شخصية أو تمرير سياسات قاسية داخل المؤسسة المعينة.
المحاضرة الأخيرة كانت بعنوان طبيب الأسرة وآفاق العمل المستقبلي وقدمها د. حسام محسن بتلقائيته المحببة وبروحه المرحة رغم مسئولياته الكبيرة كسكرتير عام لمنظمة سيبكا ، وكانت عبارة عن ورشة تفاعلية تحدثت فيها مع د. طارق أبو القاسم و د. محمد سالم ، و د. أمجد عبدالمجيد عن آفاق دخول سوق العمل وما هي أفضل الطرائق لخوض غماره ، أبتدر د. طارق المحاضرة عن الفرق بين عمل المرتب وعمل المناوبات المتفرقة (لوكم) وأعقبه د. أمجد عبد المجيد الذي قدّم محاضرة عن مزايا ومثالب العمل بمرتب ثابت، كما وضح كلاهما ما هي ميزات كل وسيلة عمل عن الأخرى ، بعد ذلك قدم الدكتور محمد سالم شرحاً مفصلاً عن مزايا العمل كطبيب أسرة مالك للعيادة (كشريك) ، وهو أسلوب متبع في بريطانيا بحيث يكون هناك عدد من 3-4 أطباء يملكون العيادة ويقومون بالإشراف الإداري عليها بجانب عملهم فيها ، وفيها يعمل الأطباء الذين تحدث عنهم د. طارق سواء بمرتب شهري أو كمناوبات مؤقتة (لوكم) عند مرض أحد الأطباء الثابتين مثلاً. اختتمت المحاضرة بورشة حول آفاق العمل في الخليج وعن تجربة عمل طبيب الأسرة الذي تدرب في أوروبا ويأتي للعمل في قطر التي أعمل بها منذ 9 سنوات ، والوضع هنا يشبه لحد بعيد الإمارات والسعودية لحد ما ، وقمت باستعراض الهرم السكاني في دولة قطر كنموذج وتركيبتها السكانية الفريدة بحيث أن عدد 2.8 مليون شخص يوجد من بينهم 635 ألف إمرأة وحوالي 2.2 مليون رجل وذلك بسبب وجود أعداد كبيرة من العمال في مشاريع البنية التحتية لكأس العالم وهؤلاء يأتون من دون زوجاتهم أو يكونوا غير متزوجين أصلاً ، وانعكاس ذلك على الممارسة الطبية والعدد القليل لكبار السن نسبة لأن معظم الموجودين في الدولة هم من الوافدين الذين يعودون إلى بلادهم عند التقاعد ما يجعل طب كبار السن قليلاً نسبياً بالمقارنة مع بريطانيا التي يشكل فيها كبار السن الغالبية العظمى من المرضى ، وأخيراً وليس آخراً قمت بشرح أفضل الطرق للاستعداد للعمل في قطر مثلا من ضرورة استمرارية العمل في وظيفة ثابتة بعد التخرج ، وتعميق المعرفة العملية بداء السكري وأدويته المتعددة ، وأهمية عمل بحثين علميين للتعيين بوظيفة الإستشاري ومميزات تلك الدرجة الوظيفية عن درجة الأخصائي إلى غيرها من التفاصيل.
بعد استراحة نصف اليوم كان الختام حفل غنائي بديع بفرقة سودانية متمكنة تم تنظيمه بمجهود مشترك بين المنظمتين استمر حتى منتصف الليل، من المفاجآت الكبيرة لقائي مع الدكتور إياد الطيب عبد الفرّاج وهو أخصائي قلب في مراحل التدريب النهائية ويعمل في لجنة سجدا التنفيذية لخمسة سنوات متواصلة حيث كان يوم المؤتمر هو آخر يوم له في هذا التطوع النبيل ، أسرتينا تربطهم علاقة امتدت لخمسين عاماً حيث كان والدانا مبتعثان لتدريس اللغة الإنجليزية في ليبيا في السبعينيات ومضى وقت طويل منذ آخر لقاء لنا في ليبيا وأعتقد أنه كان في العام 1992 ولكي لا أظلمه فإياد يصغرني بحوالي 12 عاما على الأقل ، وأيضاً أتيحت لي فرصة مقابلة د.مها عبدالله طبيبة الأسرة التي تعمل بنشاط شديد في منظمة سجدا والتي قابلتها مع زميلاتنا في قطر د. ميساء الأمين و د. مواهب أحمد عباس في مؤتمر لطب الأسرة في ليفربول في العام 2017 وأهتمت بنا آنذاك غاية الاهتمام لذا لم أستغرب من وجودها الجميل فمن جُبِل على العطاء لا يعيش بدونه.
وددت من نقل تفاصيل هذا المؤتمر أنّ التعاون المهني يفتح آفاقاً ضخمة للمهنيين مهما إختلفت تخصصاتهم ، وتنظيم المهاجرين لأنفسهم في مؤسسات مهنية يتيح تجسير المعرفة وتسهيل قدوم العديد من الكوادر الطبية السودانية المؤهلة لكل المجالات المتاحة ، وإذا ما أخذنا في الإعتبار مثلاً أن النقص الذي تعانيه بريطانيا في أطباء الأسرة فقط يبلغ 6000 طبيب وهو عدد كل أطباء الأسرة في دولة مثل بلجيكا مثلاً فتتبين لنا الفرص الكبيرة لشباب الأطباء في السودان للقدوم والتعلم في أرقى النظم الصحية العالمية من ناحية التدريب مع تقديرنا الكامل لأوجه قصور النظام الصحي البريطاني لأسباب كثيرة ومعظمها إدارية واقتصادية ، وأن التنظيم يجب أن يصحبه جهد جماعي فيه إلتزام كبير بالاشتراكات الشهرية للأعضاء وتصور الضغوط الكبيرة على من يتصدون لهذا العمل الذي يجب يساهم فيه الجميع لضمان استمراريته ، ولا يمكن ختام موضوع كهذا بدون إرسال التهنئة للزملاء في أيرلندا وهم يعقدون مؤتمرهم الثالث بمستوى رفيع وبمشاركة أطباء يشار إليهم بالبنان من داخل وخارج السودان ، ونتمنى أن يواصل الأطباء التنسيق فيما بينهم إلى أن يكونوا الأجسام المدنية التي تعبر عنهم جميعاً خاصة نقابة أطباء السودان.
