مقالات وآراء

عروض الشرطة الوقتية

 

 

أسماء جمعة
الشرطة في خدمة الشعب، هذا هو الشعار الذي ترفعه الشرطة السودانية منذ عقود طويلة، والخدمة المطلوب منها تقديمها للشعب هي توفير الأمن ليتمكن من العيش دون خوف أو قلق، فهو أيضا لديه واجب لا يمكن أن يقوم به في ظل انعدام الأمن كما هو الحال اليوم، والحق يقال شرطتنا مع المجاملة مقصرة جدا في تطبيق شعارها هذا، وهو الأمر الذي أدى إلى حالة السيولة الأمنية التي تعيشها الخرطوم منذ عقود طويلة وبلغت أقصى مدى لها بعد انقلاب البرهان الذي وقفت معه الشرطة وركزت على حمايته وتركت حماية الشعب كما فعلت مع انقلاب البشير، ويبدو أنها وجهت كل امكانياتها لهذا الأمر، وحقيقة ما خسرته في حماية الانقلابات إن استفادت منه في تطوير نفسها لأصبحت أفضل من الFBI ولكن ماذا نقول انها عقلية نظام الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني الذي جرد كل مؤسسات الدولة من مهنيتها وسخرها لخدمته ففقدت قدرتها على أداء دورها.
الفترة الماضية تعرضت الشرطة لهجوم كثيف ونقد لازع من قبل المواطنين، بسبب الحرب الضروس التي تشنها العصابات عليهم في ظل صمت الشرطة الكامل وصمت كل الأجهزة الأمنية الأخرى، لدرجة ان البعض أصبح يشك بأن الحكومة تنسيق مع هذه العصابات التي أصبحت توقف الناس نهارا جهارا وتأخذ منهم اشياءهم تحت التهديد، بل تأخذ حتى السيارات والمواتر والركشات ثم تتفاوض معهم لدفع فدية لتعيد لهم ممتلكاتهم، مثلما حدث مع زميلنا عمار حسن الذي تعرض لعملية نهب من قبل عصابة استولت على (موتره) واعادته له مقابل 200 ألف جنيه وآخرين كثر، الغريبة عمار استنجد بالشرطة ولم تنجده بل هناك من نصحه بمفاوضة زعيم العصابة بالاسم وحدث نفس الشيء مع كثيرين، وبالمناسبة العصابة لديها مكاتب ودفتر أحوال وتعمل باطمئنان وكأنها مكاتب حكومية، قصة عمار لم نشاهده ولا في الأفلام الهندية اسمعوها منه موجودة على النت، لتعرفوا إلى أين وصلت البلد في ظل حكومة من يفترض أن حماة الوطن والمواطن.
الشهور الماضية وجدت العصابات الاجرامية مساحة كبيرة جداً لممارسة نشاطها الشرطة لم تتحرك ابدا لحماية المواطنين من حتى أعلنوا انهم سيحمون أنفسهم وسيطبقون العدالة بطريقتهم ميدانيا على من يعتدي عليهم، ثم بدأت تتحرك من خلال أسلوبها التقليدي (العروض الوقتية) حيث تقوم بحملات لمحاربة الظواهر السالبة والاجرام فترة ثم تتوقف ونعود لنفس الدوامة، وهو أسلوب يكشف تقصيرها الذي أتاح الفرصة للعصابات لتنمو وتتكاثر، فالشرطة على علم بمنطقة العصابات وباعضائها ومطلوبين لديها ولكنها لم تتحرك إلا بعدما اصبح الموضوع أصبح رأياً عاماً وأثار غضب المواطنين وأصبح فضيحة عالمية.
لا يمكن أن أقول إن ما قامت به الشرطة من حملات عمل غير جيد، ولكن اقول لن يكون فعالا وذا جدوى أن لم يكن لديها خطة تضمن عدم عودة العصابات، فسجن اعضائها لن يكون أبديا وسيأتي اليوم الذي يخرجون فيه ويزاولون اجرامهم أن لم يتم تأهيلهم، ولن يتوقف المجتمع من إنتاج المجرمين ما لم يجد كل افراده الحياة الكريمة، لذلك مطلوب عمل دولة متكامل لا تتحمل الشرطة وحدها مسئولية السيطرة على المجرمين، ولا تهدر كل امكاناتها في حماية من هم في السلطة وهم أخطر المجرمين، كذلك نحتاج إلى بناء دولة الرعاية الاجتماعية المدنية الديمقراطية ليتوقف رفد الشارع بالمجرمين، ولنوقف عصابات السياسين من الوصول إلى السلطة واستقلالها وهنا يكمن الحل الجذري .
المطلوب من الشرطة الآن والسودان يعيش حالة الا دولة، هو ان تلتزم بمهنيتها التزاماً صارماً وتنأى بنفسها عن الاستقلال السياسي والتماهي مع قادة الانقلابات والفاسدين وتجار المصالح، ويجب أن توجه مواردها لمصلحة المواطن فهو يصرف عليها بسخاء يوفر لها من الموارد ما يجعلها تخدمه وتخدم أفريقيا كلها، ومن المهم جداً أن تسيطر على اماكن تواجد العصابات، وبدل أن تحتل المناطق السياحية في وسط العاصمة المثلثة وتشوّه منظرها، فلتحتل تلك المناطق الطرفية حيث الحاجة إليها ملحة، ونرجو أن لا يكون ما قامت به وقتي.

الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..