أخبار السودان

البعثة الأممية : انتقال تعتريه المخاطر

تقرير : الخواض عبدالفضيل

يبدو أن حالة من الانسداد العام وانغلاق الأفق السياسي في السودان؛ جعلت رئيس بعثة الأمم المتحدة (يونتامس) يطلق تحذيراته من أي وضع قد يؤدي إلى انزلاق الأوضاع في  السودان والإقليم.

مؤشرات تبدو واضحة تحسسها فولكر، بعد تعنت أطراف العملية السياسية التي ترفض الانخراط في الحوار والاستمرار في  الاحتجاجات، ويرى بعض المراقبين أن فولكر هذه المرة استطاع أن يوازن في تقريره أمام الأمم المتحدة، عكس ما فعل في التقرير السابق الذي وجد استنكاراً واسعاً من المكون العسكري وقطاعات مدنية أخرى بأنه تحامل على مكون وانحاز إلى مكون آخر، إضافة إلى أن فولكر يريد أن يضع الأمم المتحدة أمام مسؤولياتها لا إيجاد حل سياسي في المشكل السوداني قبل الوقوع في مستقبل الفوضى ويغرق الإقليم الأفريقي بأسره.

فلاش باك

والثلاثاء الماضي، قال رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس، إن عواقب عدم حل الأزمة السياسية في السودان ستتجاوز حدوده وأن الحل بيد السودانيين دون سواهم.

وتيسر البعثة ضمن الآلية الثلاثية التي تضم، إلى جانبها، الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد، عملية سياسية بين الفرقاء السودانيين لاستعادة الانتقال المدني.

وقال فولكر، في إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن الدولي عن الوضع في البلاد، الثلاثاء؛ إن “لم يتم إيجاد حل للمأزق الحالي، فستتجاوز العواقب حدود السودان ولجيل كامل”.

وأشار إلى أن الآلية الثلاثية ظلت تنقل هذه الرسالة إلى المحاورين السودانيين، موضحاً أن “الأزمة التي تواجه السودان محلية ولا يمكن حلها إلا من أبنائه”.

وبدأت الأزمة السياسية في البلاد، بعد انقلاب عسكري نفذه الجنرال عبد الفتاح البرهان على حكومة الانتقال في 25 أكتوبر 2021.

وأكد فولكر على أن مطالب استعادة عملية الانتقال الديمقراطي متواصلة في شكل احتجاجات سلمية ومبادرات لحل الأزمة.

وأفاد بأن المحادثات غير المباشرة ضمن العملية السياسية التي تيسرها الآلية الثلاثية، بحثت مع الأطراف السودانية ولاية وتكوين الأجهزة الدستورية وآلية ومعايير اختيار رئيس الوزراء والعلاقة المستقبلية بين القوى المدنية والعسكرية. وأضاف: “بمجرد تهيئة بيئة مواتية كافية، ستجمتع الآلية الثلاثية مع الأطراف أصحاب المصلحة الرئيسيين حول طاولة التفاوض. يجب أن يحدث ذلك من دون مزيد من التأخير”. وكشف فولكر عن وجود مفسدين ــ لم يسمهم – لا يريدون الانتقال إلى الديمقراطية أو يرفضون الحل من خلال الحوار، داعياً الأطراف السودانية لعدم السماح بتقويض فرصة إيجاد مخرج تفاوضي للأزمة. وطالب رئيس البعثة الأممية قادة الجيش الحاكمين بإصدار إعلان مفاده “أنه بغية تحقيق هذا الحوار سيطلقون سراح المحتجزين وسيوقفون الاعتقالات التعسفية وسيرفعون حالة الطوارئ”. وتحدث فولكر عن أن الجمود السياسي يتسبب في خسائر اجتماعية واقتصادية فادحة، في ظل توقف الكثير من المساعدات الإنمائية الدولية ومشاركات المؤسسات المالية.

البعثة لم تنجز مهامها

ويرى رئيس معهد تحليل النزاعات بجامعة ام رمان الاسلامية د. راشد التيجاني في حديثه لـ(اليوم التالي) أن خطاب فولكر في الأمم المتحدة تبريري أكثر من كونه عملاً أو واقعياً في محاولة لتبرير طريقة عمله في السودان لحل الأزمة ويأتي التبرير أيضاً في سياق اقتراب موعد نهاية عمل بعثته باعتبار أن عليها مخاطر كثير، وتابع التجاني “هي محاولة منه في إقناع المجتمع الدولي من أجل استمرار اليونتامس في السودان من أجل أن يتجنب مخاطر الرفض له من قبل بعض الجهات في السودان حسب ماورد في خطابه، ونوه إلى أن الخطاب كان موجه من أجل هدف تمديد البعثة مدة زمنية أخرى، كما في هذا الخطاب محاولة ردم النواقص التي شابت عمل البعثة، والتي تعمل منذ نحو عامين ولم يلمس في خطواتها إنجازاً يذكر في مهامها الأربع التي حددت من جانب الأمم المتحدة، وتابع التجاني، أيضاً هي محاولة لتوضح للأمم المتحدة بأنه توجد إشكاليات في الواقع السياسي والممارسة السياسية للقوى السودانية، وأشار إلى أن تركيزه الأكبر على قرارات ما بعد 25 أكتوبر مع أن قبل ذلك كانت الإشكاليات موجودة ولم يذكرها في تقريره السابق، وزاد “من الواضح أنه لم يكن أميناً مع نفسه ليوضح الأسباب التي جعلته غير قادر على إنجاز مهامه ويطالب فيها المجلس مرة ثانية لفترة جديدة “. وأشار إلى أن فولكر من البداية بدا واضحاً عدم نجاحه، وأن الرجل كرس حديثه بأنه مقرب لوجهات النظر فقط، لذلك مطلوب من القوى السياسية السودانية هم الذين يحلون مشاكلهم، ومضى بأن حديث فولكر قد يقرأ بأنه مزيد من الضغط على القوى السودانية من أجل التوافق للحل وإلا  فسوف تكون الإشكاليات أكبر، وقد تكون هي بمثابة روشتة يريد أن يرسل رسالة فيها أن في حالة الأفق سوف يحصل مالا يحمد عقباه .

انفجار الأوضاع

وأكد استاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية بالجامعات السودانية محمد خليل في حديثه لـ(اليوم التالي ) أن خطاب فولكر في هذه المرة أتى مرناً ومتوازناً أكثر من الماضي الذي تحدث فيه عن أنه مازال العنف مستمراً؛ لكنه في انخفاض، ونوه إلى أن مهام فولكر محددة لا تتعدى أربع مهام لمساعدة السودان في أشياء فنية مثل، دمج القوات المسلحة وإنفاذ السلام، وقال خليل إن خطاب فولكر  في الأمم المتحدة ليس ضعيفاً، بل هي قوى ناعمة يمارس فيها فولكر على القوى السياسية ويجزم بعدم وجود حل سياسي،  خاصة وأن هنالك انسداداً في الأفق السياسي من كل الأطراف، والجميع لا يريد أن يتنازل، بدليل أن البلاد زاهبة في طريق مظلم بدون رئيس مجلس وزراء، ومضى قائلاً.. بهذه الطريقة لن تصل البلاد إلى انتخابات، لذا يجب أن يوجد حل، وأحسب أن الحل لا يأتي بإرادة سياسية كاملة من جميع القوى السياسية، وقال خليل.. لا أريد التشاؤم، لكن قد تصل البلاد في حالة عدم الحل السياسي أن تنفجر الأوضاع ويتأثر كل الإقليم، خاصة وأن هنالك مؤشرات لذلك، والآن البلد بها أكثر من حكومة، وأكثر من مركز قرار كمية من الجيوش، وكل شخص يرى نفسه دولة، وهذا يهدد بالانفجار في السودان وعلى الدول المجاورة، لذا على القوى السياسية أن لا تتجاهل هذا الحديث من جانب فولكر .

مسؤوليات أعضاء مجلس الأمن

وقال المختص في التنمية والحكم الرشيد محمد عمر فيصل لـ(اليوم التالي): جاءت إفادة ممثل الأمم المتحدة بالسودان لأعضاء مجلس الأمن الدولي مملوءة بإشارات غاضبة من كل الأطراف السودانية، إذ أنه قال إن جهات سودانية  مفسدة ترفض الحوار بشكل قطعي، وقال إن الحوار بين العسكر والمدنيين أمر لا بد منه اذا أراد السودانيون الخروج من الأزمة، وحذر فولكر مجلس الأمن الدولي من تداعيات إيقاف الدعم المالي الدولي عن السودان، وقال إن إيقاف الدعم المالي قد يتسبب بأزمة قد تتجاوز حدود السودان إلى كل الإقليم أي أنه يرى ضرورة تقديم شكل من أشكال الدعم المالي للحكومة السودانية، بغض النظر عمن يحكمها؛ للمحافظة على استقرار السودان والإقليم ووفقاً لـ”فولكر” توجد مخاطر حقيقية في حالة تعذر الوصول إلى اتفاق تسوية سياسية في السودان وأن هذا الخطر قد يمتد إلى كل الإقليم، ويبدو أن فولكر يريد أن يضع أعضاء مجلس الأمن أمام مسؤولياتهم تجاه الحفاظ على الدولة السودانية من التفكك والفشل، ويريد أن يقول إن ترك الأطراف السودانية من دون مساهمة إيجابية من قبل المجتمع الدولي أمر مهدد للأمن والسلم الدوليين، وأن معاقبة الحكومة السودانية بإيقاف الدعم المالي الدولي عنها مهدد لبقاء الدولة السودانية ذات نفسها، وبالتالي يعتبر بمثابة مهدد لأمن الإقليم كله، أي يرى فولكر ضرورة عدم ربط الدعم المالي الدولي للحكومة السودانية بمن يحكم، بل لأي جهة تحكم السودان، ويرى ضرورة جلوس العسكر والمدنيين للتباحث في كيفية التوافق على تسوية سياسية جديدة ويرغب في دعم مجلس الأمن لهذه الخطوة التي لا بد منها، ويرغب في عدم تشجيع مجلس الأمن لمن يصفهم بالمفسدين الذين يرفضون كل أشكال الحوار، وهذا يعني أن فولكر لا يرى أن رافضي الحوار محقين، بل يرى فيهم إفساد للعملية السياسية ومهدد لأمن السودان والإقليم.

نبوءات فولكر

من ناحيته.. بدأ الباحث في العلوم السياسية الأستاذ احمد عابدين حديثه لـ( اليوم التالي) بسؤال وقال: على أي أساس بنى فولكر هذه النبوءات؟ وهل مهمته غير ذلك؟ ماهي الأطراف التي يجب أن تتفق أو سيتمزق السودان ويؤثر ذلك في محيطه ؟.

واستطرد عابدين بالقول: الأمم المتحدة قالت إن البعثة التي على رأسها فولكر مهمتها مساعدة السودانيين على تحقيق السلام والتحول الديمقراطي، وتابع “فولكر أدخل في حقيبته جزءاً من السودانيين وصنع تمايزاً بينهم، واصطف مع فريق ضد فريق، ويريد أن يقتصر الحل على بعضٍ دون بعض، وصار كل مرة يذهب لنيويورك يهمز ويغمز في المكون العسكري، وهذا بالذات لسان حال الفريق المفضل لديه”.

وأضاف عابدين : طيلة وجوده لم يسع حتى في أحاديثه العامة والتي صار يطلقها من بيوت السودانيين وليس من مقره الرسمي، أن يتطرق في تلك الأحاديث لمجهودات تحقيق السلام، أو كيفية تصور الأمم المتحدة لمسألة الترتيبات الأمنية ودمج الجيوش في جيش وطني واحد.

وأشار عابدين إلى أن كل هذا يعني شيئاً واحداً وهو أن فولكر يسعى بكل قوة لاجترار الماضي، و بمعنى اخر أنه والترويكا والولايات المتحدة الأمريكية يريدون ورثة سودان بدون جيش السودان المعروف، ولا قيم ولا عادات ولا تقاليد ولا الدين الغالب لكل السودانيين، وإذا وصلوا لاستحالة ذلك، فإن طريقاً جاهزاً أعدوه وجهزوه، وهو ماحذر منه ، فقط بخطابه أمس يريد أن يستبق الخطة ليبرر في ما بعد أن السودانيين حذرناهم ولم يستمعوا وليتحملو هم مايحدث.

وأكد أن لفظ كلمة (سيتعدى) السودان بمعنى الأمن الإقليمي، وبالتالي كي لا ينفرط العقد ويؤثر على دول الجوار والسلم الدولي، فإن جيوش أوروبا وامريكا المسماة زيفاً بقوات الأمم المتحدة، ستدخل السودان تحت البند السابع وتحتل السودان وتجزئه كما هو مخطط له من قديم الزمان.

وتابع.. على السودانيين أن يضعوا مجهودهم نصب هذا وعلى القوات الأمنية كلها أن تسارع باتخاذ قرار قاطعٍ مسنودٍ بقوة الجماهير بإعفاء هذه البعثة، وطلب مغادرتها فوراً وإعلان حكومة مهام تعلن عن قيام مؤتمر حوار وطني شامل عبره يتراضى السودانيون على وفاق حقيقي لا يستثني إلا المجرم او الفاسد، وليحاكم الشعب الرافضين لهذا الوفاق، وأضاف.. “لم يتطرق في تلك الأحاديث لمجهودات تحقيق السلام”.

اليوم التالي

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..