كيفية الارتقاء بطرق التدريس بالجامعة (2/6)

بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير
جامعة الجزيرة (سابقا)
5/6/2022م
الهدف من التعليم:
يبدو أن الهدف من التعليم education والتعلم learning نفسه فى الدول المتقدمة يختلف اختلافا جوهريا عن الهدف منهما فى دول العالم الثالث، بما في ذلك نحن.
فى الدول النامية نجد أن التعليم فى المراحل قبل الجامعية، كما ذكرنا سابقا، يركز على اعطاء التلميذ أكبر كمية من المعلومات ، والمطلوب منه حفظها عن ظهر قلب (memorization) وأحيانا دون فهم، وبالتالى فى أغلب الأحيان يقوم التلميذ بالحفظ دون قناعة بالمفهوم concept، أو حتى دون اعطاء نفسه الفرصة لأن يفهم. الكثير من التلاميذ، نتيجة هذا الأمر، أصبحوا يستسهلون ويفضلون عملية الحفظ ولا يهتمون كثيرا بعملية الفهم والاستيعاب والربط بين المواد والمعلومات وهضمها . عملية الحفظ بالتأكيد أن أهم سلبياتها أنها تقضى على مقدرات الطالب على “التفكير والتحليل”. فالحفظ “عملية كسولة” للتعلم. يفقد الطالب أو التلميذ المقدرة على تنمية مقدرات أجزاء هامة من عقله لها علاقة بالتعلم الحقيقى وتنمية القدرات والقدرة على التحليل والربط ، وبالتالى القدرة على الابداع innovation. فالاجزاء من جسم الانسان او الحيوان التى لاتنشط أو لا تستعمل يحدث لها ضمورا، وهى حقيقة علمية ثابتة.
نعم، قد يكون تلميذ العالم الثالث أكثر ثقافة من تلميذ العالم الأول بمقاييسنا نحن. لكن حقيقة هو محشو بمعلومات لا يعرف كيفية استخدمها أو ماهى فائدتها بالنسبة له.
عند مقارنه تلميذ العالم الثالث بتلميذ الدول المتقدمة نجد أن طريقة تفكير المجموعة الثانية مختلفة، وتعاملهم مع المشاكل والأشياء أيضا مختلف. ومن أشهر المقولات التى كانت تقابلنا فى الولايات المتحدة تعبير” لم افكر فيها أبدا بهذه الطريقة” I have never thought of it that way. طريقة تعليمنا لطلابنا وتلاميذنا تقودنا للتفكير بطرق أو طريقة تختلف عن الطريقة أو الطرق التى يفكر بها أفراد العالم المتقدم، وبالتأكيد ينعكس ذلك على مستوى العشيرة ككل (المجتمع) بكل تركيبته وهيكلته. هل هذا هو السبب فى أنهم متقدمون ونحن متأخرون؟ سؤال كبير من الصعب الاجابة عليه الآن.
الهدف الأساسى من العملية التعليمية educational process هو اعداد أجيال تستطيع أن تتعامل بواقعية وعلمية مع المواقف المختلفة والمواضيع والظواهر والمشاكل. يتطلب هذا اعداد مناهج تحقق هذه الأهداف . لن يتم ذلك دون معرفة قدرات المراحل السنية المختلفة، خاصة فى بلد متعدد الأعراق والثقافات واللغات واللهجات. السودان ليس كبقية الدول ذات العرق والثقافة الواحدة. الذين يقومون بوضع مناهج تعليمية لبلد مثل السودان يجب أن يكونوا على قدر كبير من الثقافة وسعة الأفق والواقعية ويتمتعون بمهارات عالية. نعم هم متخصصون، لكنهم تلقوا العلم فى دول ذات تقافات تختلف اختلافا جوهريا عما هو جار فى السودان. فليس المطلوب منهم نقل ما وجدوه فى الولايات المتحد أو حتى مصر الى السودان كما هو. لابد من اجراء التحورات التى تتناسب وتركيبة التلميذ والطالب السودانى ذو الخلفيات المتفردة، مقارنة ببقية دول العالم. هنا يأتى دور الابداع واستغلال المهارات المكتسبة والاستفادة منها فى وضع مناهج متفردة تفرد المجتمع السودانى . لا يوجد مجال للمغالطة فى أن الشخصية السودانية لا تشبه أى من الثقافات الافريقية أو العربية، عليه لابد من تفرد المناهج وطريقة تقديمها بشرط أن لا تتعارض مع المستويات والمعايير العالمية اذا أردنا المواكبة. لنا فى اليابان قدوة حسنة.
يعتمد التعلم على ما يعرف باسم multisensory cognitive enhancement. هذه المقدرات هى العامل المحدد لمقدرة الفرد على التعلم. فهى مهارات ذهنية تستغل اثناء عملية اكتساب المعرفة ، وهى المهارات التى تفرق مابين الشخص ذوالقدرات العالية على التعلم والشخص متوسط القدرات.
سابقا كان علماء الأعصاب يعتقدون أن مخ الانسان البالغ يصل الى درجة من الثبات fixed وغير قابل للتغير، بمعنى أن هنالك مجموعة من الخلايا العصبية تؤدى وظائف معينة وبطريقة ثابتة. لكن طبقا لنظرية neuroplasticity فان التفكير والتعلم والفعل يؤدون الى تغيرات فى التشريح الوظيفى للمخ من أعلى الى أسفل، كما يؤدى الى تغيرات فى التركيبة التشريحية.
كما أثبتت الدراسات أن التدريب الخاص فى مجال التفكير المنطقى logical thinking يقود الى أن يصبح الفرد أكثر ذكاءا. هنالك ضرورة لتنمية الذاكرة السمعية والذاكرة البصرية ، وسنتحدث عن الذاكرة فى الانسان فيما بعد.
اذا مانظرنا الى مفهوم كلمة منطق logic التى تدل على أنه عملية الوصول الى خلاصات من مجموعة من المعلومات، فهذا دليل واضح بأننا نستخدم المنطق فى كل شئ طالما أننا نفكر، أوعلى الأقل عند تفكيرنا بوعى. من المعروف منذ عصر أرسطو (350 ق م) أن المنطق هو تحليل المفاهيم للوصول الى خلاصات ، كما وضعت معايير ومقاييس وأنماط تحدد لنا صحة هذه الخلاصات التى توصلنا اليها، ومع تدخل علوم الرياضيات توصلنا حاليا الى نوعين من المنطق وهما:
- Symbolic (formal) logic: يركز فى التمثيل الرمزى الدقيق للمفاهيم المنطقية ودراسة العلاقات بين الخلاصات الناتجة من هذه المفاهيم، وتنظيم وترتيب هذه المفاهيم.
- Informal logic (critical thinking): يركز فى تطبيق المفاهيم المنطقية بغرض تحليل التصرفات والتبريرات اليومية لما نقوم به وفى حل المشاكل problem solving. اذن هو مبنى على الأقناع. هذا النوع من المنطق مبنى على أربع أركان رئيسية نتمنى أن نتبناها فى نظمنا التعليمية وهى:
- Reconstructionاعادة البناء
- Assessment تقييم مدي استيعاب وأراء الطلاب للمناهج. أي أنها عملية منهجية للخروج بدلالات عن التعلم و وتطور الطلاب. هي عملية لتحديد واختيار وتصميم وجمع وتحليل وتفسير واستخدام معلومات لرفع مقدرات التعلم والتطور للطلاب.
- Evaluation تقييم المعلمين والجهات ذات الصلة للمنهج ولاستفادة الطلاب أو الخريجين منه. هو عملية تفحص بدقة برنامج ما (العملية التعليمية والمناهج..الخ). تضمن جمع وتحليل المعلومات التي تتعلق بأنشطة برنامج ما بغرض زيادة فاعليته و/أو توفر معلومات لاتخاذ قرارات برامجية.
- Fallacy identification هي اعتقاد خاطيء بني على منطق غير مقبول. هذا الاعتقاد يجعل النقاش غير صحيح. وغير مجدي. هنالك العديد من هذه الاعتقادات الخاطئة شديدة الضرر أن تم تمريرها دون اعطائها الاهتمام اللازم
يجب أن ننمى فى المتلقى للعلم فى كل المراحل المقدرة على التفكير والتحليل ومفاهيم كيفية التعامل مع المشاكل وحلها problem-solving attitude مع اكسابه المهارات skills المختلفة يدوية وذهنية، ولاننسى السمو باخلاقياته عن طريق التربية الدينية الصحيحة وغرس حب الوطن فى نفوس الجميع عن طريق مناهج التربية الوطنية. نلتقي في الحلقة الثالثة باذن الله.