حوارات

رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام: استقال عضوان بسبب الإساءات والشتائم 

 صحيفة الديمقراطي
في الذكرى الثالثة لفض اعتصام القيادة العامة، وبالرغم من الانتقادات الموجهة للجنة التحقيق من بعض أسر الشهداء والثوار، ظل رئيس اللجنة باقياً رغم استقالة عضوين من اللجنة بسبب الإساءات والشتائم والضغوط، مبرراً بقاءه في اللجنة بأن التكليف وطني، وان من يشتمون اللجنة مبرمجين بواسطة جهات لم يسمها، كاشفاً عن عدم فراغ اللجنة من التحقيقات في التوقيت المحدد (مايو) من هذا العام، لعدم وجود حكومة مدنية.
والعديد من الأسئلة والمحاور التي أجاب عنها الأستاذ نبيل أديب رئيس اللجنة، فإلى مضابط الحوار..
أجرته – لبنى عبدالله
*تبقى في اللجنة خمسة أعضاء عقب استقالة عضوين؟
اللجنة مكونة في الأصل من (٧) أعضاء: عضوان من النيابة وواحد من الشرطة وآخر من القوات المسلحة و(٣) محامين. استقال منها عضوان، المقرر الأصلي للجنة وهو كبير المستشارين بوزارة العدل، والمحامي أحمد الطاهر النور، وبرر استقالته بكمية الشتائم والإساءات التي توجه للجنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة لضعف الدعم المالي المقدم للجنة، وسبب ثالث أن الجهات المسؤولة لم تسع للدفاع عن اللجنة بصورة جيدة. ونعني بذلك أن ما يوجه من إساءات وتدخل في عمل اللجنة يشكل جريمة التأثير على العدالة التي تعاقب من يقوم -قصداً- بفعل من شأنه التأثير على عدالة الإجراءات القضائية أو أي إجراءات قانونية متعلقة بها، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر أو بالغرامة، أو بالعقوبتين معاً. اللجنة استعانت بعدد من وكلاء النيابة وبعض المستشارين من وزارة العدل لاستجواب الشهود الذين تقدموا للإدلاء بشهاداتهم في التحقيقات وعددهم (١٧) مستشاراً، بالإضافة للكادر الكتابي المساعد، وحرس لحراسة مقر اللجنة.
*بالرغم من ضغوط المجتمع وما تتعرض له اللجنة من إساءات ظلت باقية؟
شهداء مجزرة القيادة العام 29 رمضان
اللجنة تتحمل كل ذلك لسبب أنه تكليف من الوطن، وأي شخص يحمل حساً وطنياً لا يملك إلا أن ينفذ هذا التكليف، إلا إذا استحالت عليه مواصلة العمل.
*كيف تتعامل اللجنة عقب الانقلاب في عدم وجود رئيس مجلس وزراء ومجلس عسكري؟
نحن نتعامل مع الموظفين بمجلس الوزراء الذين لم يتم تغييرهم، والذين يساعدون اللجنة في حدود سلطاتهم.
*أين وصلت اللجنة؟
اللجنة لجنة تحقيق جنائي وليست لجنة تقصي حقائق، بالتالي هي مكلفة بجمع الأدلة المقبولة قانونياً للانتهاكات التي صاحبت فض الاعتصام، وإذا اتضح لها أن هنالك اتهامات ترفع الأمر للنائب العام باعتبار أنه هو من يملك سلطة الاتهام في الدولة، وتقوم اللجنة بتقديم تقريرها النهائي للسيد رئيس مجلس الوزراء.
*عن ماذا تبحث اللجنة في تحقيقاتها؟
الناس يعتقدون أن اللجنة تبحث عن من أمر بفض الاعتصام، وهذا ليس تكليف اللجنة، تكليف اللجنة يتجاوز ذلك التحقيق بغرض تحديد الأشخاص المسؤولين عن فض الاعتصام بالتحريض أو المشاركة أو الاتفاق الجنائي أو ارتكاب أي انتهاكات أخرى. كما تختص اللجنة بتحديد وحصر عدد الضحايا من الشهداء والمصابين والجرحى والمفقودين، وكذلك قيمة الخسائر المالية والجهات والأشخاص المتضررين من ذلك، هذا هو ما نحقق فيه. كما يلاحظ أن التفويض نص على أنه يجوز لأي شخص من عائلات وضحايا فض الاعتصام المطالبة بالحقوق القانونية ومتابعتها، ولا تعتبر أعمال اللجنة مانعاً من ذلك، وهو ما نبحث عنه. القضايا الفردية لا نتدخل فيها، وأعني كمثال (أن زيداً من الناس اغتصب فلاناً أو قتل فلاناً)، كل هذه الجرائم التي تعرف فيها الشهود على أشخاص ارتكبوها وقام المجني عليهم بفتح بلاغات، هذه البلاغات نحن كلجنة لم نتدخل فيها.
*هل طلب منكم الضحايا استلام البلاغات الموجهة؟
لا لم يطلبوا ذلك، ولكن مولانا تاج السر، النائب العام آنذاك، أمر بتحويلها للجنة، لكننا رفضنا استلامها، وقلنا: (لا). وأوضحنا لهم أن تستمر البلاغات حتى تصل النيابة، ما نبحث عنه نحن في اللجنة المسؤولية الجنائية، مسؤولية الأشخاص المسؤولين عن هذه الجرائم، وليس كل شخص على حدا، الناس تركوا كل ذلك وأصبحوا ينتقدون اللجنة. اللجنة موضوعها كبير جداً، ولا تحتكر التحقيق في الجرائم التي صاحبت فض الاعتصام.
    ضعف الدعم المادي أقعد من عمل اللجنة
*نتعرف على طبيعة البينات؟
نقصد بها شهادة الشهود والوثائق والمستندات والأدلة المادية مثل الجثامين والقبور وخلافه، معلوم أن الأدلة المادية وبعض المستندات كالمقاطع الصوتية أو المصورة تحتاج لفحص فني لتدعيم موثوقيتها وصلتها بالجرائم المراد إثباتها، هذا الفحص لا تقوم به اللجنة بل تعتمد فيه على خبراء. لذلك فقد تم تفويض اللجنة بالاستعانة بالاتحاد الأفريقي، لكنه اعتذر، أخطرنا رئيس مجلس الوزراء بذلك وقتها، وطلبنا منه أن يأذن لنا بالاتصال بخبراء أجانب أو يقوم هو بذلك. لكنه طلب منا معرفة ما تريده اللجنة بالضبط، ووفر لنا خبراء أصحاب خبرة دولية طالبونا بالفيديوهات التي تم تحريرها بواسطة الشهود، وتم إخضاعها للفحص، لكن هؤلاء الخبراء غير متفرغين للعمل مع اللجنة، حاولنا الضغط عليهم للإسراع بفحص الأدلة، ولكن اشترطنا ألا يكون ذلك على حساب تجويد العمل.
*التحقيق كان من المفترض أن ينتهي في مايو؟
نعم، ولكن حدثت تغيرات سياسية أخرت الاختبارات الفنية المطلوبة لفحص الأدلة المادية. استجوبنا (٣) آلاف شاهد تقدموا من تلقاء أنفسهم للإدلاء بالشهادة. ومن خلال إفادات الشهود، ودرسنا مستندات كثيرة منها، ما تم نشره في الإعلام وتقارير المنظمات الحقوقية وتقارير تحقيقات، تم بواسطة النائب العام السابق، قبل تولي الحرية والتغيير السلطة، وأيضاً استعنا بتحقيق أجرته القوات المسلحة قبل تكوين اللجنة. تعرفنا على أشخاص بلغ عددهم (٥٠٠) شخص رأينا أن لهم صلة بما وقع حسبما كشفت عنه التحقيقات، فاستدعيناهم واستجوبناهم. يجدر بنا أن نشير إلى أن اللجان الفنية تأخرت نتيجتها لأن الخبراء لم يتمكنوا من نبش القبور وفحص الجثامين بالمشارح.
*لماذا لم يتم ذلك؟
حدث ذلك لأن السيد النائب العام السابق، مولانا مبارك محمود، نتيجة لسوء تفاهم، رفض منحهم الإذن فاضطروا للعودة إلى بلادهم دون القيام بالمطلوب منهم. وهذا كان قبل 25 أكتوبر وفي وجود الحكومة المدنية. أما بعد 25 أكتوبر، حدثت عرقلة لعمل الفنيين سببها غيبة الحكومة، وهناك أذونات حكومية إذا لم تُمنح لن يستطيع الخبراء الحضور للتحقيق، ونسبة لعدم وجود حكومة مدنية تمنح الأذن تعذر ذلك. حتى الدعم المادي أصبح عزيزاً وضنيناً جداً، نحن الآن في انتظار التقارير الفنية التي يؤخر عملها ويعرقلها غياب الحكومة، ولكن اللجنة الآن تعمل على دراسة شهادة الشهود والمستندات المتوفرة لها ومراجعة السوابق الدولية للجرائم المشابهة.
*هنالك غبن مجتمعي على اللجنة، الانتهاكات التي تمت في ميدان الاعتصام كانت واضحة، هل تحتاج كل هذا الوقت لإثباتها؟
تصريحات قيادة الجيش
لا أعتقد أنني بعد كل هذا الشرح محتاج لأن أدلي بأي إفادة في هذا الأمر، وسنستمر في عملنا دون الالتفات لمثل هذه المزاعم.
*هنالك ضغط من السلطة على اللجنة وضغط وعدم رضا من المجتمع؟
هنالك ضغوط من الناس ولكنها ليست بالحجم الظاهر، هنالك إساءات للجنة علمنا بعد بحثنا أنها تتم عبر دجاج إلكتروني مبرمج لإثارة الشكوك في عمل اللجنة، هو شغل موجه، وهنالك أناس لديهم مصالح في عرقلة عمل اللجنة حتى لا تصل للحقائق، وتتم زعزعتها وزعزعة المرحلة الانتقالية، لكنهم بالطبع أفلحوا في خداع بعض حسني النية من الذين أصيبوا بجرح نتيجة لحجم الجرائم التي صاحبت فض الاعتصام.
*أسر الشهداء ظلوا يهاجمونك دائماً وهم أصحاب المصلحة، هل أنت مضغوط من جهات رسمية لتبقى باللجنة؟
أولاً أصحاب المصلحة هم مجموع الشعب السوداني الذي تتمثل مصلحته في منع الإفلات من العقاب وإيقاف العنف الذي أساء للجسم السياسي السوداني، هذا لا يمنع أن أسر الشهداء لهم مصلحة في التحقيق، ولكن مصلحتهم تتمثل في الوصول لدعوى متماسكة ضد المسؤولين جنائياً عن هذا الفعل، وهذا ما نعمل من أجله، وكما أسلفت لهم مطلق الحرية في مطالباتهم القانونية بمعزل عن اللجنة. بالنسبة للمسؤولين لا توجد جهة تمارس علي ضغوطاً، وفي حال حدث ذلك سأقوم بفتح بلاغ ولن أسمح لأي شخص مهما علت مكانته في الدولة أن يمارس علي ضغوطاً أو يتدخل في عمل اللجنة.
*كيف تفتح بلاغاً في دولة اللاقانون، دولة بقوة السلطة، وأنت مجرد صاحب عمل، وهم الحَكَم والجلاد؟
لا أعتقد أننا نعيش في دولة اللاقانون، ولا أعتقد أن أي شخص في إمكانه أن يمنعني من أن أتخذ الإجراء القانوني الذي يضمن سير العدالة. احتمال هم يكونوا ما دايرين البلاغ، وأنا لا أتحدث عن شخص معين، أنا أتحدث عن السلطة.
*هل يسألك من هم في مركز السلطة عن التحقيق إلى أين وصل؟
بعض الناس يسألونني بقولهم: “أها التحقيق ما قرب ينتهي؟!” ويكون ردي عادياً: “ما نحن شغالين”.
*مع مَنْ تتعامل، ومَنْ تخاطب في ظل غياب الحكومة المدنية؟
أخاطب أمين مجلس شؤون مجلس الوزراء الحالي، عثمان حسين.
*عدم الرضا عن حكومة المجلس العسكري يشكك في تعاملك!؟
الذين أتعامل معهم في السابق من حكومة حمدوك موجودون، وما عندي (شغلة) بمجلس السيادة، تفويضي من مجلس الوزراء بالتعامل مع الموجود (قدامي).
*ولكن حدث إحلال وإبدال للوزراء عقب الانقلاب، والموجودون انقلابيون؟
قيادات شاركت في فض الاعتصام
نحن نتعامل الآن مع موظفين وليس وزراء، هم نفسهم من كانوا في حكومة حمدوك، لكن سلطاتهم بالطبع محدودة.
*وماذا عن المفقودين؟
لديهم لجنة مختصة كونها النائب العام برئاسة الطيب العباسي، بذلت مجهوداً وقامت بعمل كبير ومقدر، ونحن نقوم بالاستعانة بها.
*هل تعرفت على العدد الكلي للمفقودين؟
لسه.
*لم تصل إذن اللجنة إلى أي نتيجة؟
كل ما ذكرته ولم نصل لنتيجة؟
*في ظل الارتباك السياسي ستظل اللجنة محلك سر!؟
عدم وجود حكومة أمر تعاني منه البلاد بأسرها، واللجنة على أي حال جزء من هذا الوطن الذي يحتاج لحكومة.
*هل توفرت لكم ميزانية في الوقت الحالي في غياب رئيس مجلس الوزراء؟
كانت عهدة في فترة الحكومة الانتقالية ويتم توفيرها، الآن هنالك تأخير شديد في دفعها لجهة أننا في السابق كنا نتحدث مع رئيس مجلس الوزراء، ومع الوزير عمر مانيس، ومن بعده المهندس خالد عمر، وكانت الاستجابة سريعة نسبة لتفهمهم لعمل اللجنة، وحالياً نتعامل مع موظفين ما عندهم سلطة.
*كيف يكون الموظفون الذين تتعامل معهم من حكومة الفترة الانتقالية ولا يفهمون عمل اللجنة بتوفير الميزانية المطلوبة؟
لا توجد إجابة.
*هل التأخير في عمل اللجنة متعمد؟
وما مصلحتنا في التأخير؟ الجميع يعلم أننا لا نتقاضى مرتبات، وأن عملنا في اللجنة يتم على حساب عملنا الذي نأكل منه. من مصلحة أسر الشهداء أن نقدم قضية اتهام متماسكة، اللجنة لن تدين شخصاً، ولن تقرر من ارتكب الجرائم. اللجنة تقوم بصياغة اتهامات مدعومة ببينات، وإذا لم نقدم قضية اتهام قوية سيقوم القاضي بشطبها. والجاهل عدو نفسه، فصاحب الدعوى الذي يتعجل في تقديم قضيته دون أن يدعمها بالبيانات سيجني على دعواه، ونعلم أن الذين يشتموننا موجهون.
*في ظل عودة النظام البائد، هل يؤثر ذلك على عمل اللجنة؟
هذه اللجنة تعمل كجزء من مهام الفترة الانتقالية، مهمتها صياغة الاتهامات ورفعها للنائب العام، هو من يملك سلطة الاتهام في الدولة، وقد يقرر عدم السير في الدعوى.
*بعد ظهور بعض قوات الدعم السريع في فض الاعتصام، هل يمكنك توجيه اتهامات لمنسوبيها؟
لا أوجه اتهاماً لمؤسسة، أوجه الاتهام لأفراد، كل المسؤولين في السلطة تعاونوا مع اللجنة، ولم يعترض أي منهم على التحقيق معه، أو امتنع عن الإجابة. الفريق البرهان أجاب عن كل الأسئلة، وكان يرد باحترام.
*هل تطابقت المستندات والتحقيقات مع ما وصلت إليه اللجنة؟
لن أفصح عن ذلك لجهة أنه سيعمل على كشف اتجاه التحقيق.
*كيف تستعين اللجنة بتحقيقات قامت بها الجهات المشاركة في فض الاعتصام وغير الموثوق فيها؟
أصلاً الشعب لم يقبل التحقيق من كل الجهات، نحن لا نأخذ هذه التحقيقات على أنها وقائع، لكننا نستفيد منها في استجواب المتهمين.
*اللجنة كان من المفترض أن تفرغ من التحقيقات في مايو من هذا العام؟
تأخر وصول اللجنة للنتائج بسبب أن هنالك خبراء يجب أن يأتوا لنبش القبور، والتحقيق في المشارح، هم يحتاجون لإذن من الحكومة، ولن يسمح لهم بالتحقيق إلا بإذن، ويتم ذلك بواسطة الحكومة المدنية، ولأنه لا توجد حكومة مدنية تعذر ذلك، وحتى الدعم المادي أصبح عزيزاً وضنيناً جداً.

‫5 تعليقات

  1. الله يرحمهم غير انك ولجنتكم ذنب الشهداء ف رقبتك ومعاك شلة المرتزقة واشباه العسكر مليانين كروش ومخارات لعنة الله عليكم ثلاث سنوات والجريمة واضحة لا تحتاج تحيق كل هذة الفترة

  2. قال. لن أوجه اتهاما لمؤسسة نوجه الإتهام لأفراد
    يعني كل قيادات واعضاء لجنة البشير الأمنية وقيادة الدعم السريع وجهاز الامن والشرطة وتشكيلات الكيزان العسكرية
    كل هؤلاء أبرياء. يعني مافيش من خطط ومن قرر ومن اعطي الأوامر كل هؤلاء لا شان للجنة اديب بهم
    كل ما في الأمر تقديم بعض الأفراد البسطاء للمحاكمة ككبش فداء

  3. عبد المنعم عثمان-السودان

    كل السودانيين تقريبا ، من جميع الاتجاهات والبدون ،يتتبعون حكايات الثورة السودانية ، التى فى واقع الامر اخذت صفة العالمية بحق وحقيق ، وبالتالى اصبحت تهم القاصى والدانى بدرجة من الدرجات ولسبب من الاسباب . والكل ينتظر نتيجة نهائية برغم تباين الرغبات فى نوعية النتيجة المنتظرة . فالثوار ، مثلا ، ينتظرون نتيجة طبيعية ولاشك فى الوصول اليها ، وهى الانتصار . وانصار الثورة المضادة من فاعلين بحماس لأسترداد مافقد من اشياء اصبحت ضرورية لأستمرار حياة تعودوها لثلاث عقود ومن انصار فقدوا ماكان يسقط من جيوب وايدى اولئك بقصد وبدون قصد ، اضافة الى اللجنة الامنية التى استطاعت التخفى بدرجة او اخرى خلال السنوات الثلاث من عمر الانتقال ولكنها تحت الضغط الثورى والفشل الذريع فى ايجاد حاضنة سياسية ،او حتى من يقبل بلعب دور رئيس الوزراء استكمالا لمسرحية الخامس والعشرين من اكتوبر ، كل هؤلاء ينتظرون معجزة من السماء او من غيرها للحفاظ على الارواح اولا ومن ثم على شئ من الغنائم التى نتجت عن الاستغلال الكامل للسلطة مثلما فعل الذين من قبلهم . وبالتالى فهؤلاء سيبذلون قصارى جهدهم لاستمرار القتل بالرصاص وبالدهس فى محاولات يائسة لأيقاف المد الثورى الذى يملأ الشوارع ويزداد يوما بعد يوم ، وكذلك باللجوء الى المستشارين سواء جاؤوا من اقصى الغرب او الشرق او من الشرق الاوسط ، مثلما فعلوا اخيرا بالاستماع الى المخابرات الاسرائيلية ،التى اوصت بتخفيف الضغط الذى قد يؤدى الى انفجار لاتحمد عقباه ، وذلك بازالة قانون الطوارئ الذى لم يكن له وجود فى غير الورق الذى طبع به ، واطلاق سراح بعض المعتقلين حيث ان اعتقالهم لم يوقف مد المظاهرات المستمر ! وليقال ان هذه الاجراءات من الطرف الانقلابى لتهيئة المناخ من اجل الجلوس الى التفاوض !
    ولعل هذه تكون اول مدهشات امور السياسة السودانية فى الوضع المدهش بأكمله ،حيث يخطر السؤال التالى ببال اى انسان له عقل : تفاوض مع من وتحت اى اجندة ؟ الاجابة التى تأتى من عقلاء الثلاثية الدولية ومن مذيعى البرامج التلفزيونية ، وبالطبع من اصحاب الانقلاب وانصاره من مدنيين وعسكريين ، بان التفاوض لابد ان سيكون مع المكون العسكرى الذى يقبض السلطة رضى من رضى وابى من ابى ، وفى هذا الامر يندهش مذيع الجزيرة اللامع أحمد طه معبرا عن دهشته بالسؤال الذى يردده على من يشتركون معه من السودان : كيف تتوقعون حلا للمشكلة الصعبة التى يمر بها السودان من غير الجلوس الى التفاوض على من يمسك بالسلطة ؟ وينسى هؤلاء ان ما حدث من ازالة لبعض نظام الانقاذ وهو بكامل عتاده وعدته ويستعد لانتخابات قادمة يترشح فيها الرئيس البشير ، الذى بلغ به الاطمئنان ان ترك ملايين الدولارات تحت وسادته فى نفس الوقت الذى كان يصدر القرارات بمنع اصحاب الحسابات المصرفية من استلام مايعينهم على مجرد الحياة ! وقد صدق القائد عبدالواحد عندما رد على نفس السؤال بأن السبيل لأنهاء سلطة الامر الواقع ، التى هى اضعف من نظام الانقاذ بلاشك ، هو نفس السبيل الذى يسعى به الثوار الى ازالة نظام اللجنة الامنية ! صحيح ان الامر اصعب هذه المرة لا بسبب قوة النظام فى الداخل وانما بالسند الذى يلقاه بشكل مباشر اوغير مباشر من المجتمعين الاقليمى والدولى ، بل ومن بلدان متناقضة الاهداف بحيث ان بعضها يخوض حربا ضد الاخر ! وكذلك بسبب الصراع الداخلى بين القوى السياسية على الفوز بالكراسى حتى قبل اخلائها من الجالسين عليها حاليا !
    ومن المدهشات المستمرة مايصدر من تصريحات مسئولين عن التحقيق فى جريمة فض الاعتصام ، وكان آخر ماسمعته فى هذا الامر تصريح المسئول الاول من انه يحتاج الى تدخل الاقمار الاصطناعية وخبراء اجانب للقطع فى صحة بعض الفيديوهات ! وقد يكون هذا امر لابد منه قانونا لأهميته فى تقديم قضية متماسكة غير ان مصدر الدهشة فيه هو ان يجئ بعد مضى كل هذه المدة من عمر التحقيق فى امر بمثل هذه الاهمية . وقبل ذلك، هناك التصريح الشهير للفريق كباشى ،الذى من وجهة نظر رجل الشارع ،يثبت كل اركان القضية من تخطيط وقرارت تنفيذية اتخذت على اعلى مستوى وحتى التحوط القانونى لصحة ماأتخذ من قرارات . واذا سلمنا ان مثل هذه المسائل قد لا تجد قبولا من المحقق القانونى الذى يسعى الى تقديم القضية على اسس تضمن النتيجة ، فلا ادرى ان كانت بعض التصريحات التى صدرت عن شهود عيان لبعض او كل اجزاء المذبحة قد اخذت فى الاعتبار ، والتى من ضمنها ماوصلنى فى رسالة عن شهادة مسئول سابق ، هو وال سابق لولاية الخرطوم ، يؤكد صحتها انه استقال بسبب ماراى فى تلك المذبحة من بشاعة فاقت كل ما عرف من مذابح فى تاريخ البشرية .ولعل ماوجدته فى اقوال ذلك الرجل قد كان الدافع الرئيس لكتابة هذا المقال ، وبالتالى ارجو ان يسمح لى من وردت عنه ان انقل بعضها بكلماته الشجاعة والمدهشة حيث يقول :(لقد كان ماحدث أكبر من المذبحة وابلغ من المجزرة وتم بحق ناس نيام فى رحاب ميدان من ميادين دولتهم وتحت بصر قواتهم المسلحة و ( جيشهم الامين ) ..! وهى ليست مجرد مذبحة لأن القتل فيها تنوع ( بشكل لافت ) بين الرصاص بالوجه والصدر ، وبين الضرب بالسواطير والسكاكين واعقاب البنادق حتى الموت ، وبشدخ الرؤوس وتحطيم الجماجم ، وبين الالقاء فى البحر بعد ربط بلكات الصخر والاسمنت على ارجل واجساد الصبية .. لافرق ان يكونوا احياء او امواتا او فى حالة احتضار .. ثم كان من انواع القتل حرق الناس مع الخيام .. واعجب لدولة تفض مايمكن ان تسميه ماشأت مظاهرة أو اعتصام أو احتجاج عن طريق حرق الخيام بما تحتها من بشر وبغير تنبيه النائمين فى امان ربهم ) حتى يسنعدوا للموت ).
    وينتقل ذلك الرجل المسئول والشجاع حقا للمقارنة بين ماحدث فى ليلة فض الاعتصام مقارنا بينها وبين فظائع اخرى حدثت فى تاريخ الامم ، ليبين مدى فظاعة ماحدث فى بلادنا ، فيقول: (ماحدث فى ليلة فض الاعتصام فى سياقنا السودانى بحق مسالمين يجلسون امام بوابة (جيشهم الوطنى ) وتحت بصر الناس وايديهم فارغة حتى من عصا مقارعة كلاب الطريق .. هو فى سياقه وكيفيته وفى الغدر الذى صحبه .. أكبر وأفظع مما حدث فى مذابح الارمن ، وهجمات المغول والتتار ، ومذبحة دير ياسين ، ومذبحة القلعة، ومذبحة الاسكندرية ، ومذبحة رابعة العدوية بالقاهرة ، ومذبحة بحر البقر، ومذبحة جسر الشغور فى سوريا ، ومذبحة الجوازى فى بنغازى والاحد الدامى فى ايرلندا ، ومذبحة اكتيال فى المكسيك ، ومذبحة صبرا وشاتيلا ، ومذبحة الدامور فى الحرب اللبنانية .. ومذبحة دنشواى التى دخلت التاريخ والقتلى فيها اربعة اشخاص ..! لقد كنت فى السودان ورأيت مالا عين رأت .. مالا اذن يمكن ان تسمع.. ومالا يمكن ان يخطر على قلب بشر.. !) يقول الراوى لحديث اللواء مرتضى الذى كان واليا للخرطوم ، وفعلا لم يشرك فى التخطيط للمجزرة وعلم بها من شاشة التلفزيون وبسببها قدم استقالته : دا كله معروف وعادى * بس * الماعادى ولم يذكره اللواء مرتضى انه اثناء الاشتباك ذهب الى مكتب البرهان ودار نقاش حول ما يحدث .. شوف البرهان قال ليه شنو : يامرتضى عاوز تنط من المركب ؟ الزول الخواف بناته مابيعرسوهن .. وضحك البرهان .. فرد اللواء : ان شاء الله عمرهن ماعرسن .)
    الواحد بقى ماعارف يندهش من ايه ولاايه ! وقد كنت انوى المواصلةبعرض ماجد ويجد يوميا من مدهشات ولكنى رأيت ان اكتفى بهذا القدر الكافى لدرجة الاشباع وان اسأل السيد رئيس التحقيق ان كان قد سمع بهذا الحديث من رجل مسئول وشجاع بدرجة الاستقالة من وظيفة يسعى لها كثيرون ويرد على الرئيس بهذا الاسلوب ؟ ان كان قد سمع ولم يفعل فتلك مصيبة وان كان لم يسمع فالمصيبة اعظم ، اذ ان من البديهى لشخص فى موضعه ان يسعى لمقابلة هذا الشخص الذى استقال نهارا جهارا من اكبر منصب فى عاصمة البلاد لتأكيد ماقال وفيه من البينات مايكفى ويفيض لحاجة ألتحقيق اوتكذيبه وبالتالى تقديمه للمحاكمة !
    يقول الراوى لحديث اللواء مرتضى الذى كان واليا للخرطوم ، وفعلا لم يشرك فى التخطيط للمجزرة وعلم بها من شاشة التلفزيون وبسببها قدم استقالته : دا كله معروف وعادى * بس * الماعادى ولم يذكره اللواء مرتضى انه اثناء الاشتباك ذهب الى مكتب البرهان ودار نقاش حول ما يحدث .. شوف البرهان قال ليه شنو : يامرتضى عاوز تنط من المركب ؟ الزول الخواف بناته مابيعرسوهن .. وضحك البرهان .. فرد اللواء : ان شاء الله عمرهن ماعرسن .)

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..