ردة قحت المعلنة وملامح التسوية السرية

يوسف حسين
مدخل اول.
في الثاني عشر من شهر مايو الماضي ،اصدرت قوي قوي الحرية والتغيير بيانا لخصت فيه ما أرادت تلخيصه عما دار في اجتماعها مع الآلية الثلاثية والذي كان للاستفسار عن رؤيتها لحل “الازمة السياسة” حسب تعبيرها ، والتي شرحتها بتفصيل اكثر في مذكرة الموقف التي قدمتها للآلية في نفس اللقاء .
في التاسع والعشرين من مايو الغي البرهان حالة الطوارئ التي فرضها عقب انقلابه في 25 اكتوبر 2021 ، وقبلها بشهر كان قد اطلق سراح قيادات قحت المعتقلين ، كلا الخطوتين كانتا استجابة لشروط قحت للشروع في الحوار التي اشترطت إضافة لذلك وقف العنف ضد مواكب الثورة .
في الأول من شهر يونيو الحالي ،دعت الآلية الثلاثية كل الأطراف الي لاجتماع فني في الثامن من يونيو .
في الخامس من يونيو نشرت قوي الحرية والتغيير رؤيتها حول “إنهاء الانقلاب والتأسيس الجديد للمسار المدني الديمقراطي” وقدمتها للشعب السوداني مع تأكيد غير معتاد في ادبياتها بانها وثيقة مفتوحة للنقاش والتطوير.
في السادس من يونيو رفضت قوى الحرية والتغيير دعوة الآلية الثلاثية لأولى جلسات الحوار المباشر ،بحجة أنه لا يخاطب طبيعة الأزمة ولانه تم” إغراقه بمؤيدي الانقلاب وذلك لن يؤدي إلى إنهاء حالة الانقلاب وقيام سلطة مدنية ديمقراطية.
انعقد الاجتماع في نفس موعده، بين العسكر ومؤيديهم ،وفي اليوم التالي للاجتماع نجحت مولي في مساعدة وزير الخارجية الامريكي للشئون الأفريقية، في جمع ممثلي قوي الحرية والتغيير مع عسكر اللجنة الامنية، في لقاء ببيت السفير السعودي في كافوري، ولم يوضح البيان الذي اصدرت قوي الحرية والتغيير بعد الاجتماع حقيقة ما دار فيه.
رغم كل هذا التحضير للحوار وشروط قحت لوقف العنف ضد المواكب وادانات المبعوث الأممي للقمع الوحشي للموكب ،الا ان الاعتداءعلي المواكب لم يتوقف ولا للحظة، وقبل يومين من اول جلسات الحوار قتل البرهان الشهيد رقم مائة منذ وقوع إنقلابه .
توطئة
هذا المقال هو ملخص لقراءة متأنية لما صدر عن قوى الحر منذ اجتماعها بالآلية الثلاثية،في الثاني عشر من مايو وحتى اجتماعها بالعسكر في بيت السفير السعودي. وتعتمد هذه القراءة بشكل حصري علي محتوى نصوص بيان الثاني عشر من مايو، ومذاكرة الموقف التي قدمتها الي الآلية في ذات التوقيت ،وميثاق رؤيتها حول إنهاء الانقلاب والتأسيس الجديد للمسار المدني الديمقراطي الذي قدمته للشعب السوداني في الخامس من يونيو .
البيان المذكور ووثيقة الرؤية الموجهان للشعب وللقاعدة الجماهيرية لقوى الحرية والتغيير، تمت صياغتها بعناية فائقة وبلغة شديدة الحرص والالتفاف، في محاولة من قوي الحرية والتغيير للتهوين من حجم التنازلات الفادحة التي قدمتها، ولإخفاء التفاصيل السرية والمراحل التي وصلت إليها في التسوية ، الا انها وبحكم التزامها بالعملية التي يتسارع ايقاعها ،وضغوط الرعاة بضرورة الدخول في المرحلة العلنية، كان لزاما عليها أيضا ان تشير إلى بعض من الذي تخوض فيه ، فكانت النتيجة ان ناقضت نفسها وفشلت في إخفاء كثير مما ارادت ان تبقيه سرا تكشف عنه بالتقسيط المريح.
(1)
البداية ستكون من بيان الثاني عشر من مايو حيث ورد في مطلعه وفي فقرة شديد الايجاز والالتفاف، ان الاجتماع استمع الي “اطروحة الآلية الثلاثية والمتمثلة في بداية المرحلة التحضيرية بتساؤلات حول رؤية الحرية والتغيير لإنهاء إنقلاب ٢٥ اكتوبر وطبيعة المؤسسات الانتقالية التي تتشكل وفقاً للإطار الدستوري الجديد”.
ورغم اجتهاد قحت في هذه الفقرة لايهامنا بان الاجتماع ومادار فيه كان في إطار الخطوات التحضيرية لتهيئة المناخ للحوار ، الا ان الفقرة المذكورة أعلاه هذه قد احتوت علي اهم وأخطر ما حاولت قحت اخفاؤه عن التسوية والمراحل التي بلغتها ، فتناول رؤيتها لكيفية إنهاء الانقلاب وطبيعة تشكيل المؤسسات الانتقالية في الفترة المتبقية من الفترة الانتقالية وفقا “للإطار الدستوري الجديد” ، يعني اولا وقبل شي ان هنالك اطار دستوري جديد متفق عليه ومعروف لكل الاطراف ويشكل المرجعية التي تبني وفقا لها الحلول المطروحة ، ويعني ايضا ان هذا الإطار الدستوري الجديد الذي لم يُعلَن عنه من قبل، قد تم الاتفاق حوله سرا في مفاوضات لا علم لاحد بها الا الأطراف الشريكة فيها ، والتوافق حول الاطار الدستوري وهو أعقد وارفع قضايا التفاوض في اي تسوية سياسية، يعني عمليا توصل اطرافها الي اتفاق سياسي شامل،ولذا يمكن القول، وبكل ثقة ان الاجتماع الذي يتحدث عنه البيان ، كان لتعبئة بعض شواغر الاتفاق الهامشية حول النسب وتقسيم حصص الأطراف الأخرى، وبالتالي يصبح كل ما يجري الان على مسرح التفاوض العلني مجرد رتوش ومراسم اخراجية، لاكساب تنازلات وردة قحت عن الثورة ، طابع المكاسب النضالية التي تم اقتلاعها بمشقة ونضال مرير .
فما هو حجم وتفاصيل ردة قحت المختبئة بين سطور ماصدر عنها. (2)
اول ردة لقوي الحرية والتغيير هو تخليها عن الثورة وانكارها لوجودها من الأساس، فقد شخصت قحت في بيانها المذكور وفي مذكرة موقفها وفي ميثاق رؤيتها لإنهاء الانقلاب، الذي يجري في السودان بأنه “ازمة سياسية” نتيجة للانقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر ، وزادت علي ذلك في مذاكرتها الموجهة للآلية بان اسمت الثورة “حراكا سلميا مقاوما”،وشتان ما بين تشخيصها وبين حقيقة الثورة المشتعلة في الشوارع منذ ساعات الانقلاب الاولي ، وبتشخيصها هذا تكون قوي الحرية والتغيير قد أعلنت للمجتمع الدولي ولرعاة العملية السياسية تبرؤها من الثورة ، وأنها ليست جزءا منها ، وأكثر من ذلك انها لا تعترف من الأساس بوجود ثورة في السودان.
الردة الثانية : هي تخلي قوي الحرية والتغيير بشكل قاطع عن شعار الثورة الثلاثي وعن أهداف الثورة ،بتبنيها للتسوية مع عسكر اللجنة الامنية خيار سياسيا اوحدا ،وبتحديدها لسقف مطالبها في هذه التسوية الوضيعة بالعودة للشراكة مع العسكر والتأسيس الدستوري لمسار ديمقراطي والتجهيز للانتخابات القادمة “تؤمن قوى الحرية والتغيير بالحل السياسي كأحد أدواتها التي تستخدمها في التعاطي مع أزمات البلاد الذي يكمل ولا يستبدل أدوات شعبنا المجربة والمستحدثة في المقاومة السلمية، ولكن الحل السياسي الذي نتبناه في وضعنا الراهن هو الذي يحقق مطالب الشارع المتمثلة في إنهاء الإنقلاب والتأسيس الدستوري لمسار ديمقراطي”.
الا انها وكعادتها في ممارسة الخداع و الاحتيال والالتفاف على المواقف والتنقل بين مخاطبة المجتمع الدولي بلسان والجماهير بلسان، عادت في وثيقة رؤيتها لإنهاء الانقلاب – الموجهة للجمهور – وفي الفصل الأول وتحت بند آليات إنهاء الانقلاب لتقول “ان الثورة الجماهيرية الشعبية السلمية التي تؤدي لإقامة سلطة الشعب المدنية الديمقراطية هي الآليةالرئيسية التي يعتمدها شعبنا وقوى الثورة والتغيير” وعبارة ” قوى الثورة والتغيبر” محض احتيال رخيص، أرادت به قوي الحرية ان تخدع بها القاري ليعتقد انها تتبنى الثورة كالية لإنهاء الاتقلاب . كما ذكرت أيضا في القسم الثاني من الرؤية وبنفس الذهنية الاحتيالية ان ” المخرج من الأزمة الحالية لا يتأتى إلا بإسقاط وإنهاء الحالة الانقلابية الحالية”.
الردة الثالثة لقحت هو تخليها عن المطلب الثوري المفصلي الوارد في الوثيقة الدستورية، بضرورة تفكيك التمكين في القوات المسلحة والاجهزة النظاميةواعادة هيكلتها على اسس قومية ، واستبدالها ذلك بعبارة غاية في الترهل والميوعة “إصلاح أمني وعسكري يؤدي إلى جيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة”،
ولم يفسر البيان اوالمذكرة ماهية او آلية ذلك الإصلاح المزعوم ولا الجهة التي سيوكل إليها أمره ، لكن وثيقة الرؤية تطرقت له بتوسع اكبر وبالطبع لم يخلو الأمر من محاولة خداع، فقد ورد في القسم الثاني عن الترتيبات السياسية ان عملية الإصلاح لابد فيها من “إشراك القوى السـيـاسـية والمجتمع المدني والحكومة المدنية الانتقالية في تحديد كافة جوانبها”وشددت على أنها “ليست حكراً على العسكريين في مراحل تصميم سياساتها او تنفيذها” ،ثم ما لبست ان ناقضت قولها أعلاه
و اسندت هذا المهمة لمجلس الأمن والدفاع المكون من رئيسه رئيس مجلس الوزراء، وعضـوية قادة القوات النظامية والحركات المسلحة والحكومة المدنية !! فاي إصلاح أمني اوعسكري نرجوه من تلك التركيبة المكونة من ضباط الحركة الإسلامية الانقلابيين، وقيادات الحركات المسلحة المتحالفة معهم كعقار وجبريل ومناوي، بالإضافة لمجموعة تكنوقراط بلا طعم ولا لون من اختيار قوي الهبوط الناعم بكل تنازلاتها تلك.
الردة الرابعة ولعلها الاخطر والأكثر حساسية هو موقف قوي الحرية والتغيير من قضية العدالة وتحقيقها ، والذي تعلنه لأول مرة بهذا الفجور، فقد اكدت في ذات الفقرة التي أعلنت فيها اختيارها للتسوية السياسيية طريقا اوحدا للحل وتخليها عن مبدا تفكيك التمكين في القوات المسلحة والأجهزة النظامية، ان العدالة التي تسعي لتحقيقها ليست هي العدالة القضائية التي تحاسب القتلة وتقتص منهم بالقانون ، بل هي جزء من صفقة التسوية السياسية مع اللجنة الأمنية، يتم فيها الاكتفاء بالكشف عن الجرائم وانصاف الضحايا ، في مقابل قبول العسكر بالتأسيس لنظام ديمقراطي وتكوين جيش موحد لا يقارب الشأن السياسي والتجهيز للانتخابات بعد نهاية الفترة الانتقالية “الحل السياسي الذي نتبناه في وضعنا الراهن هو الذي يحقق مطالب الشارع المتمثلة في إنهاء الإنقلاب والتأسيس الدستوري لمسار ديمقراطي يلبي تطلعات الشعب السوداني ويقود إلى إصلاح أمني وعسكري يؤدي إلى جيش واحد مهني وقومي ينأى عن السياسة، ويعالج قضايا العدالة بمنهج شامل يكشف الجرائم وينصف الضحايا، ويقود بنهاية المرحلة الانتقالية لانتخابات حرة ونزيهة”.
هذا هو موقف قوي الحرية والتغيير الحقيقي والرسمي من قضية العدالة الذي قدمته للآلية الثلاثية في مذكرة الموقف، وذكرته في بيان الثاني عشر عشر من مايو، و لاذكر فيه مطلقا لمبدأ المحاسبة او القصاص للشهداء او حق ذوي الضحايا في اللجوء للقضاء ، ولا مطالبة بالتحقيق في جرائم اغتيال شهداء الثورة بعد انقلاب البرهان في 25 اكتوبر او قبله،ولامطالبة بالكشف عن تقرير لجنة التحقيق في مجزرة فض الاعتصام ، وكذلك لا إشارة لجرائم الحرب و الابادة الجماعية والتطهير العرقي والاغتيال والاغتصاب الجماعي والتعذيب ، التي ارتكبها نظام الإنقاذ في دارفور طوال الثلاث العقود التي سبقت الثورة، ولا تلك التي اُرتِكَبت هنالك بعد الثورة، ولا إشارة مطلقا لبيوت الأشباح ولا لضحاياها من الشهداء والمعتقلين ولا لمجازر النظام الأخرى .وبالتأكيد إن هذا الموقف تكريس لظاهرة الافلات من العقاب ، وعفو شامل عن مجرمي النظام السابق واللجنة الأمنية الحالية علي كل ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب السوداني.
استدراكا منها لهذا المنزلق الذي سقطت فيه جاءت قوي الحرية والتغيير في وثيقة الرؤية لتجمل موقفها الحقيقي بالحديث عن جرائم النظام البائد وجرائم اللجنة الأمنية،مضيفة بضعة عبارات من شاكلة جرائم لا تسقط بالتقادم وعدم الإفلات من العقاب، ومطالبة باستكمال التحقيق في جريمة فض الاعتصام، وفتح تحقيق جديد حول مجازر انقلاب البرهان، الا ان كل ذلك حشو بلاقيمة ولا يغير شيئا من حقيقة موقفها الرسمي المعلن مسبقا من قضية العدالة، والتي زادتها بعدا عن التحقق حيث اوضحت في الوثيقة ان التسوية ستُنشِئ مفوضية للعدالة الانتقالية بموجب قانون سيتم سنه، وبالتاكيد فإن تكوين المفوضية وصيغة قانونها سيكونا خاضعين لطبيعة التسوية المعادية للثورة والمنحازة كليا للعسكر.
“تتطلب بلادنا عملية شاملة للعدالة الانتقالية التي تكشف الجرائم وتنصـف الضحايا وتبرئ الجراح وتضمن عدم تكرار الجرائم مرة أخرى، وذلك من خلال خطة مدروسـة للعدالة الانتقالية عبر مفوضية مختصة تنشأ بموجب قانون يؤكد على عدم الافلات من العقاب وانصاف الضحايا، ويشمل التدابير القضائية العادية والقضاء التكميلي وأشكال العدالة العرفية مع الاستفادة من تجارب الدول”
الردة الخامسة التي ارتكبتها قوي الحرية والتغيير واكدت عليها في وثأئقها الثلاث (البيان والمذكرة والوثيقة ) ، هو اعتبارها للحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية سلام جوبا ، فصيلا من القوى المناهضة للانقلاب التي يحق لها دخول العملية السياسية للتسوية بصفتها هذه ، رغم ادراكها التام للحقيقة التي يعلمها الجميع، وهي ان هذه الحركات هي حليفة لللجنة الأمنية وجزء من الانقلاب وشريكة فيه في كل مراحله، فقد كانت الطرف الأساسي في اعتصام الموز ، و اسست قوي حرية وتغيير بديلة لتكون حاضنة للانقلاب العسكري ،ثم ايدت الانقلاب عند وقوعه وشاركت منذ اليوم الأول ولاترال تشارك في حكومته ، وطوال هذه الفترة من الانقلاب لم يُخفِ قادتها بعدهم واستيائهم المباشر من الثورة ،ربما لشعورهم بتهديدها لمكتسابتهم ، ولعل تصريح عقار الأخير الذي وصف فيه المواكب السلمية المعارضة للانقلاب بالارهاب ضد الدولة أوضح دليل علي ذلك، وفي ذات سياق هذه الردة يأتي وجود ياسر عرمان في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير وهو الرجل الثاني والمنظر السياسي في تنظيم مالك عقار، وبالتاكيد هو أحد الصناع الرئيسيين لسياسات وخطاب قحت الحالي.
الردة السادسة:موافقة قوي إلحرية والتغيير على ضم الاسلاميين من فلول النظام بمختلف تنظيماتهم وواجهاتهم الي التسوية ، تحت مسمى توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية، كتبت ذلك في المذكرة المقدمة الي الآلية الثلاثية، بينما تجنب بيان الثاني عشر من مايو اثارة هذه النقطة ، فقد شددت قحت في مذكرتها الي الآلية على ضرورة توسيع قاعدة المشاركة في العملية السياسية، لتشمل أوسع قطاع ممكن من السودانيين/ات بمافيهم المدنيين الداعمين للانقلاب، وهي عبارة تعني تماما الاسلاميين من فلول النظام “أهمية شمول العملية السياسية وتمثيلها لأوسع قاعدة من السودانيين/ات، أطراف الأزمة الحالية هم معسكر الانقلابيين من جهة سـواءا كانوا عسكريين أو مدنيين”
اما الوثيقة ” فتفردت بتحديد المرحلة التي يعود فيها الاسلاميين وهي المرحلة الثالثة من التسوية وكما وصفتها قحت هي ” مرحلة التأسيس الجديد للمـسـار المدني التي تمثل فيها أوسـع قاعدة من الأطراف السودانية وتنتهي بالحوار الدستوري الذي يقود لمؤتمر دستوري في نهاية المرحلة الانتقالية” .
الردة السابعة : التخلي التام عن كل أهداف ومطالب الثورة، التي تم تجاهلها في البيان والمذكرة والوثيقة َ، مايعني انها لن يكون لها وجود في فضاء وادبيات التسوية الجديدة ، كتفكيك التمكين واسترداد الأموال المنهوبة وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، واصلاح المنظومة العدلية والقانونية ومعالجة الأزمة الاقتصادية والاصلاح الإقتصادي ، وولاية وزارة المالية على المال العام.
و بالطبع كان لابد لقوي الحرية والتغييير مجددا ان تمارس احتيالها ، فخصصت في الوثيقة فقرة كاملة للحديث عن لجنة تفكيك التمكين اشادت فيها بعملها دون أي تعهد او التزام بعودة اللجنة للعمل او وعد بتكوين لجنة جديدة ،فقط مجرد خداع وتضليل ( وقد قامت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 واسترداد الاموال العامة وفي إطار إزالةالتمكين بعمل كبير نجح في جبهات عديدة كما تقاصر في جبهات أخرى، مما يدفعنا مجدداً لتقديم كامل الدعم لمهامها واستكمال نواقصها وتحديث مناهج عملها استناداً على تقييم أمين وشفاف لعمل العامين الماضيين).
المفارقة الصادمة هنا أن خطوط الردة المنثورة في وثائق قحت جاءت مطابقة لأهداف انقلاب البرهان، و التي ورد بعضها في الاتفاق السياسي الذي وقعه مع حمدوك في 21نوفمبر 2021، كالتخلي عن الوثيقة الدستورية وعن فكرة تفكيك التمكين وعن فكرة اعادة هيكلة القوات المسلحة ، والتمسك باتفاقية جوبا للسلام، والعودة للشراكة بشروط جديدة ، و المناداة بعودة الاسلاميين، والتملص من كل أهداف الثورة ومهام الفترة الانتقالية والتركيز فقط على التجهيز للانتخابات بعد نهاية الفترة الانتقالية ، وان شئنا الحقيقة الاكثر مرارة فأن اتفاق البرهان /حمدوك رغم انه كان خذلانا وخيانة للثورة واحتَوي على اجندة الانقلاب،الا انه كان أقل انبطاحا ولم يكن بهذا القدر اللامحدود من الاستسلام الفاضح الذي انزلقت اليه قحت في في هذه التسوية.
(3)
هنالك ملاحظات عديدة على وثيقة رؤية قوي الحرية والتغيير حول إنهاء الانقلاب والتأسيس الجديد للمسار المدني الديمقراطي سأكتفي هنا بالتعقيب على اثنتين
-الأولي ان الحرية والتغيير قدمت الوثيقة لجميع أبناء وبنات الشعب السوداني للنقاش والتطوير باعتبار انها أرادت إشراك كل السودانيين/ات في صياغة موقفها التفاوضي ، فلو أخذنا بظواهر الأحداث وتخلينا عن الحقائق المثبتة القائلة بوجود اتفاق مسبق بين قحت والغسكر ، السؤال هو ما جدوى اصدار الوثيقة من الأساس،وقوي الحرية والتغيير بنفسها قد قالت قبل ثلاث اسابيع إنها قد سلمت رؤيتها للحل مكتوبة للآلية الثلاثية ، وكان يجب لولا بعض الخلافات الإجرائية أن تشارك في جلسة الحوار الأولى على ضوء تلك الرؤية التي قدمتها ؟ فلماذ طرحت قحت الوثيقة وطلبت من السودانيين/ات مناقشتها وتطويرها، هل ستتوقف مفاوضات التسوية في انتظار رأي الجمهور ؟ وهل ستقوم بتستبدال رؤيتها التي قدمتها بالتي سيطورها السودانيين/ات؟ ولماذا لم تقم بهذه وتستعن براى السودانيين/ات قبل اجتماعها بالآلية في التاني عشر من مايو والذي قدمت فيه مذكرة موقفها؟ للاسف لا إجابات فالأمر مجرد احتيال قذر وخداع وضيع تمارسه قحتمع مل الشعب السوداني لتنفي ضلوعها في تسوية سرية رخيصة باعت فيها الثورة ودماء الشهداء.
الثانية ان قوي الحرية والتغيير قد أكثرت في الوثيقة من استخدام تسمية قوي الثورة والتغيير و في بياناتها اللاحقة استخدمت أيضا تسمية قوي الثورة والمقاومة وجميعها هذه الاستخدامات محاولات فاشلة رخيصة للالتصاق بالثورة، فالقوى المقصودة هنا بهذه التسميات هي قوي الحرية والتغيير “مجموعة الهبوط الناعم” و التجمع الاتحادي ، والحركات المسلحة الحليفة للنظام ومن يقبل بالحوار من لجان مقاومة مزيفة. وجميعها جزء من هذه التسوية و هي التي ستكون مسئولة عن اختيار رئيس الوزراء، وعن اختيار الوزراء، وعن الإصلاح الأمني والعسكري وعن تكوين المجلس التشريعي والمفوضيات الخ.. فتخيل شكل مايمكن ان ينتج عنها .
(4)
المستجدات
تلاحقت الأحداث العلنية خلال الأيام القليلة الماضية ، رفضت قحت المشاركة في الجلسة الفنية لانطلاق المفاوضات المباشرة التي عقدت في فندق روتانا بحجة ان الحوار بهذه الصيغة المحشوة بمؤيدي الانقلاب لن يحقق انهاء الانقلاب، ثم اجتمعت بالامس الأول منفردة بعسكر اللجنة الأمنية بمجهود الوساطة الامريكية /السعودية ، واصدرت بيانا لم توضح فيه اي جديد . لكن بناء على المعطيات التي أكدت وجود اتفاق مسبق بين الطرفين على على كافة تفاصيل التسوية بينهما، وعلى ما افصحت عنه وثيقة رؤيا قحت لأنهاء الانقلاب والتأسيس الجديد ،من وجود ثلاث مراحل للتسوية يكون الاتفاق السياسي في المرحلة الأولى منها بين قوى الحرية والتغيير والعسكر، وتاتي بقية القوى الأخرى في المراحل اللاحقة، فإنه يمكن القول بكل ثقة ان اجتماع الأمس الأول كان لوضع اللمسات النهائية علي التسوية الشاملة بكافة مراحلهاالثلاث ، وللتأكد من سلامة اجراءات دمج بقية القوى السياسية فيها – قوي اتفاق سلام جوبا جوبا و القوى الانتهازية الاخري المشاركة في المفاوضات العلنية المباشرة التي بدأت علنيا يوم الأربعاء الماضي ،وهي عمليةلن تستغرق كتيرا من الوقت ، بحكم طبيعة الأطراف المشاركة فيها ، فقوي اتفاق سلام جوبا لديها مسبقا حصتها المضمونة والمتفق عليها من السلطة ، ولديها ترتيباتها الأمنية والعسكرية و لديها نصيبها من الثروة من حصة السلام والمقدر بمليارات الدولار، اما بقية المشاركين في هذه التسوية الوضعية فكل ما يعرض عليهم مهما كانت ضآلته مقبول ومجزي.
وجود الولايات المتحدة الراعي الأكبر للتسوية الحالية والهبوط الناعم من قبل بهذا الحضور الرفيع المستوى الممثل في مساعدة وزير الخارجية الأمريكيةللشئون الأفريقية، الموجودة للخرطوم منذ الخامس من يونيو في زيارة لمدة أربعة أيام يعكس تماما الأهمية القصوى التي توليها أمريكا لهذه التسوية ، ويؤكد ان العملية قد اكتملت بكافة مراحلها، فحضور مثل هكذا مسئولة للمرة الثانية وفي زيارة بهذا الطول، بالتأكيد لن يكون من أجل إطلاق حوار مائع متارجح النتائج. ويبدو الآن أن كل تبقى هو فقط بعض الجلسات والسيناريوهات اللازمة لإخراج التسوية في صورتها النهائية بصورة لائقة للعلن .
(5)
الخلاصة والملامح
كل المذكور أعلاه، يشير الي إننا امام مشهد اكتملت فيه تسوية غاية في الوضاعة، وخاضعة تماما لارادة رعاتها الدوليين ، ولعل اكبر تعبير عن ذلك هو أن أحد اهم لقاءاتها قد عُقِد في بيت السفير السعودي وبرعاية أمريكية ، فهذه التسوية ليست سوي عملية تفكيك شامل للثورة واهدافها،جري الاعداد لها والاتفاق حولها بكل تفاصيلها بإشراف لصيق من الرعاة الدوليين والاقليميين، وبالتأكيد بمشاركة كل الأطراف المعنية بها من عسكر اللجنة الامنية والإسلاميين والحركات المسلحة والقوي السياسية في قحت والتي عادت الي مسار هبوطها الأول قبل اندلاع الثورة وربما بعض التكنوقراط المُعَّدِين سلفا لتولي مناصب مفتاحية في حكومة التسوية القادمة.
انحياز أحزاب قحت الجذري لمصالحها الحقيقية وعودتها الي موقفها الطبيعي من الثورة لم يأت من فراغ، فالمؤكد ان الثورة التي تتجذر يوميا بين كل فئات المجتمع وخصوصا الشباب، وتتجسد في كل تفاصيل وواقع الحياة السودانية ، وتسيطر على كامل المشهد السياسي وتقترب من تكوين حاضنتها السياسية الخاصة بها من ثوار الشارع ولجان مقاومتها مع امتلاكها لكل هذا القدر الهائل من الانتشار والتنوع والقدرة على المناورة ، قد ارعبت جميع القوي التي ترى في الثورة تهديدا وجوديا لها، ومن ضمنهم بالتأكيد أحزاب تحالف الحرية والتغيير وقياداتها تحديدا والتي فقدت الشارع تماما وقد خبر بعضهم ذلك في مناسبات عديدة بعد الثورة.
نفس هذه المعطيات الثورية غير المسبوقةهي التي دفعت الرعاة الدوليين للتدخل المكثف، لادراكهم خطورة نموذج الثورة السودانية على شبكة مصالحهم المداخلة لو انتشر وتعمم في المنطقة ، فاستخدموا كل الآليات المتاحة من بعثة اممية ومنظمات اقليمية ومبعوثين خواص ومحاور وأجهزة مخابرات اقليمية وعالمية، لتكريس التسوية السياسية ، والتي يراد بها ان تحفظ للقوى السياسية الحليفة للرعاة والمشاركة في التسوية نفوذها السياسي ومصالحها الاقتصادية، لتستمر في صدارة المشهد السياسي السوداني، كواجهات مدنية للدولة التي ستترك فيها القرارات الاستراتيجية الكبري في يد العسكر – الحلفاء الحقيقيين لمصالح الرعاة الدوليين- في نموذج مشابه لما كان يحدث، في شراكة ماقبل الانقلاب حين كان جميع السادة في قحت والحكومة يتغزلون في الشراكة والانسجام مع العسكر، لدرجة ان حمدوك اسماه النموذج السوداني الذي يجب أن يدرس ولم يكن لهذا النموذج من عمل سوي واد الثور وعدم تحقيق مطالبها .
بالمجمل لا هدف لهذه التسوية سوي التجهيز لانتخابات مابعد انتهاء الفترة الانتقالية ، ومن الواضح أن تحالف التسوية خطط لخوضها وفي يده كل السلطة وادواتها مدعوما بنفوذ أمني/ عسكري/ مليشيوي وتمويل لا محدود من إمبراطورية اقتصادية هائلة الحجم تمسك بالاقتصاد السوداني رهينة بين يديها.
ومن ملامح هذه التسوية أيضا انها ستكون تكون صريحة العداء للثورة وشديدة الكراهية لها ، وما تصريح خالد سلك عن خوارج الثورة وضرَورة عزلهم، وكذلك تصريح فولكر في مجلس الأمن الذي وصف فيه معارضي التسوية بالمفسدين ومطالبته بعدم السماح لهم بتخريب العملية السياسية، ثم تصريح عقار الذي وصف الثورة بأنها فوضى وارهاب ضد الدولة الا مؤشرات أولية عن تلك العدائية الصريحة.
خاتمة
بالطبع ستنكر قوي الحرية والتغيير كل ما ذهب اليه المقال عن انخراطها في هذه التسوية السرية ، والتي علي أغلب ظني اكتمل التوافق حولها اثناء الضجيج الذي صاحب الاعتقال الاخير لقياداتها ، والذي وفر لها أيضا قدرا ضروريا من المصداقية حجبت الانظار عن رؤية انزلاق قياداتها في هكذا مستنقع.
و بالطبع لن تكف قحت عن تكرار احاديثها الملتوية عن المزج بين العملية السياسية والعمل الجماهيري المقاوم، ولن تخلو استعراضاتها من تاكيد حرصها على حماية الثورة من الفلول الذين في نفس الوقت تعمل علي ادخالهم في العملية السياسية، وستشدد من نبرة حديثها وستمتدح حكمة خيارتها السياسية في مقابل طيش وعدم مصداقية وحكمة مخالفيها من الثوار ولجان المقاومة َوالقوي السياسية الداعية لاسقاط النظام، الا ان كل ذلك لن يمنح قحت موضعا واحدا لتبرير ما انخرطت فيه لدواعي مصالحها وبكامل ارادتها .
وبالتأكيد للشارع والثورة وقواها الحية القول الفصل في فضاء الحقيقة والوطن والنصر الأكيد.
يوسف حسين
12 يونيو 2022
فاليصلو الي حلول يجنب البلاد شر الاهن … الحرية والتغيير لا يزال فيه رجال ثوريين حقيقيين وان لدغو المرة الفائتة لا اظنهم من غير ذكاء.
يا عم يوسف
ضيعت الموضوع بهذا الاسهاب … يا جماعة الزمن دا ما في زول فاضي يقرا موضوع طويل بهذه الصورة… لو قسمت الموضوع لحلقات لكان وجد قراء اكثر…
انا بديت الموضوع لكني توقفت عن اكماله لاني اكتشفت انه طويل جدا
يا عشميق الكاتب ده اصلوا من العصر الجاهلي يعني من شعراء المعلقات وكده عشان كده أسهب في الموضوع زي طرفة بني العبد يبدأ يوصف ليك ناقته وينط لخيمة حبيبته ويرجع لهجاء عمها وانت يروح ليك الدرب في الموية تطلع ما فاهم أبو النوم
من الاول قلنا السياسة فن الممكن لكنكم ضيعتم الفرصة بالعناد والمكابرة في شأن عام وليس شخصي.
عشميق الأصم ، أوافقك تماما علي رايك
شكرا يا استاذ يوسف حسين مقال قد عري قحت واصبحت كفرعون العريان رغم انها اصلا كانت عارية منذ تزويرها للوثيقة الدستورية واجتماع منزل حجار.
إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه وصدّق ما يعتاده من توهمِ
خيالك خصب جداً
مقال كله إفتراضات وتخوين
المفيد ما قاله الاستاذ سغد مدني وتعقيبنا عليه بتجهيز الحكومة المدنية التي تستلم من العسكر، ومن أراد أن يضيف أو يحذف أو يعدل فليتفضل وليت ناس قحت بشغلوا مخهم ويبتدئوا في تجهيز الحكومة المؤقتة بالتوافق عليها لأنه يحاول الفلول والعسكر تعجيزكم بالسؤال نسلمها لمن؟ مش قالوا الانتخابات أو التوافق فهذه حكومة يمكن التوافق عليها
تعليقك في انتظار المراجعة. هذه معاينة؛ سيكون تعليقك مرئيًا بعد الموافقة عليه.
((تسليم السلطة لحكومة مدنية كاملة، يكون على عاتقها فيما بعد انجاز العدالة، والاقتصاص من قتلة الشهداء، وتكوين الجيش الموحد، دون وجود لأي مليشيات أو قوات مسلحة خارجه، وهيكلة الخدمة المدنية والسلطة القضائية والعدلية، واصلاح الاقتصاد، وسيطرة السلطة المدنية على جهاز الشرطة والامن، وعلى دمج أو تسريح المليشيات والقوات المسلحة خارج نطاق القوات النظامية المعترف بها من قبل الدولة)) هذا هو برنامج الحكومة المدنية التي ستستلم وباقي فقط من هم أعضاء هذه الحكومة من رئيس وزراء ووزراء ومجلس سيادة من ثلاثة أعضاء برئاسة دورية كل شهر – ولكن يختارهم مين هي دي المشكلة إلا أن نبدأ بالمجلس التشريعي بترشيح أعضائه كما هو منصوص عليه في الوثيقة الدستورية (دا مش معناه ما زالت سارية) من كل حزب مرشح واحد ومن كل لجنة مقاومة في كل مدينة واحد أو واحدة – ومهمة المجلس التصويت على قبول مرشحي السيادة ورئيس مجلس الوزراء الذي يعين وزرائه بعد اعتمادهم من المجلس التشريعي وليس السيادي- وتشرف على كل هذه الاجراءات لجنة تضم عضو من كل حزب مسجل وممثلين للجان المقاومة المركزية واتحاد المهنيين. وهذه اللجنة تختار لها هيئة قيادة من خمس أشخاص هي التي تستلم السلطة من العسكر ومن لحظتها يخضع الجميع لهم باعتبارهم أعلا سلطة تأتمر بأمرها قيادة الجيش والشرطة وأي جهة أخرى مسلحة ويجوز لها بسلطة رأس الدولة أن تجري أي تعديلات مؤقتة في مؤسسات وهيئات الدولة بما يحقق مهامها وييسر أداءها ويجوز لها وقف أي موظف عام من العمل وممارسة صلاحيات منصبه إلى تكمل اللجنةمهامها بتكوين المجلس التشريعي ومجلس السيادة ومجلس الوزراء والتي تمارس كل منها مهامها حسب برنامج الفترة أو الحكومة الانتقالية التي تفضلت بذكرها.