مقالات وآراء سياسية

التفاوض مع العصابة، نهايته تسوية معادية للثورة حتماً!!

د. أحمد عثمان عمر 
لا تتغشوا
وما تستامنو هادي العسكر
هادي العسكر ما ح تفوت
بالتي احسن ما ح تفوت
ناس لاتؤمن غير بالموت
ما ح تفوت بالهيني وليني
ولا ح تفوت بي كلمة حنيني
مجددا ارتقى شهيد مهرا لحرية قادمة تصنعها شوارع لا تخون. في مليونية السادس عشر من يونيو ٢٠٢٢ ، مشت الشوارع هتافا وتمددت مهابة، رفضا للمساومة والتفاوض مع عصابة الجريمة المنظمة الحاكمة، وجبرا على قواتها النظامية التي تؤكد يوما بعد يوم ، انها قد اوغلت في عدائها لشعبنا وتحولت لأداة للقتل خارج نطاق القانون، ولإذلال الأطفال والقاصرين في مراكز الشرطة بعد القبض والتنمر عليهم ، وتحريك اجراءات غير قانونية لا أساس لها في مواجهتهم.
سارت المواكب من مواقع مختلفة، وتقابلت في صمود وبسالة، وزادت الاعداد و دتكاثفت، كرد فعل طبيعي على خطوات التيار التسووي التخريبية، التي تسعى الى تسوية مع العصابة الحاكمة، بدت ملامحها منذ اللحظة. فالمتابع لتصريحات رموز التيار التسووي وتنوير رئيس العصابة للضباط، يعي تماماً الوجهة العامة التي تتجه اليها التسوية المرتقبة. فالتيار التسووي قصارى ما يسعى اليه هو إنهاء الانقلاب الكاشف، وهذا يعني بلا مواربة عودة الشراكة التي سبقت الانقلاب من حيث المبدأ، وإن زعم هذا التيار بانه لن يعود الى الشراكة. وحتى يتم تسويق هذا الادعاء، يروج هذا التيار لحكومة تكنوقراط ولوثيقة دستورية جديدة، وينسى أن الشراكة اساسها هو اتفاق سياسي يجعل من طرفيها شريكين في صناعة الوضع الدستوري وتحديد طبيعة السلطة، لا تولي المناصب واقتسام مقاعد السلطة التنفيذية الذي هو احد مظاهر الشراكة. ففي حال جلس هذا التيار مع العصابة الحاكمة، وتوصل معها لاتفاق سياسي، واصبح شريكا معها في صياغة وثيقة دستورية جديدة بغص النظر عن محتواها، يصبح شريكا في شراكة فعلية مع هذه العصابة وإن اختلف مظهر الشراكة. فجوهر هذه الشراكة هو الاعتراف بالعصابة الحاكمة كطرف ذو شرعية في صناعة الواقع السياسي والتشريع الدستوري له، من مواقع الندية والمساواة في احسن الفروض، او من مواقع الطرف ذو اليد العليا كما في الشراكة السابقة. فمجرد الجلوس للتفاوض مع العصابة الحاكمة حول الخارطة السياسية والطريق الى الخروج من حالة الانسداد السياسي التي خلقتها، هو شرعنة لهذه العصابة واعتراف بأحقيتها في المشاركة في صنع المستقبل السياسي للبلاد. وهذه الشرعنة التي لا تستحقها، تعيد لها شرعية الشراكة السابقة التي فقدتها بإنقلابها الكاشف الأخير، وتجعل منها شريكا اصيلا في التأسيس للوضع الانتقالي الذي من المفترض ان يهدم دولتها بهدم التمكين، وبناء دولة كل المواطنين. وكأننا بالتيار التسووي يقول لشعبنا بأنه سيصل الى تسوية مع العصابة، تقبل فيها بتقويض سلطتها وتقديم عناصرها للمحاسبة. والواضح هو ان القبول بالتفاوض مع العصابة، يعني القبول بها كشريك اصيل في صنع المستقبل السياسي لشعبنا، وصياغة دستوره الانتقالي الجديد بعد موت الوثيقة الدستورية المعيبة التي كانت مقدسة عند التيار التسووي. فمجددا يريد ان يعيد هذا التيار تجريب المجرب، بشرعنة العصابة الحاكمة واعطائها صفة الشريك في صياغة مستقبلنا السياسي، عبر التفاوض معها حول هذا المستقبل، والدخول معها في تسوية ينتج عنها اتفاق سياسي ووثيقة دستورية جديدة، حتما ستخرج من رحم الانقلاب الجديد كما خرجت القديمة من رحم انقلاب القصر، بحيث تستمد التجربة الجديدة مشروعيتها من الانقلاب أيضا!! و الانقلاب لن يلد حتماً وضعا انتقاليا يقود الى تحول ديمقراطي، ولا وضعا يسمح بتصفية دولته، ولا وضعا يسمح بمحاسبة العصابة التي حكمت عبره.
فمجرد التفاوض مع العصابة الحاكمة، اعتراف بالانقلابيين كشركاء مستقبليين ، وكجهة ذات حيثية ومشروعية سياسية مستقبلية مشاركة في صياغة الخارطة السياسية، وكوجود مؤسسي عبر مكتسبات لن يتنازل عنها عبر التفاوض،  خصوصا فيما يخص الشق الاقتصادي والعسكري والامني، وبالتبعية السماح للمجرمين بالافلات من المحاسبة والعقاب.
لذلك يظل شعار لا تفاوض شعارا سليما، فكما ظل الشعار دائماً لا تفاوض مع الإرهابيين على مستوى السياسة الدولية، يجب أن يصبح شعار لا تفاوض مع الانقلابيين شعارا مستداما في السياسة السودانية.  ولن تجد التيار التسووي محاولاته التضليلية لتحويل الأمر من رفض التفاوض الى القبول بتفاوض مشروط، فتنوير زعيم العصابة لضباطه كان واضحا حين صرح بعدم قبول حتى هذه الشروط التضليلية. فهو مصر على مشاركة الفلول في التفاوض ومصمم على ذلك. مما يضع التيار التسووي امام خيارات جميعها صعبة، فإما ان يقبل بمشاركة الفلول في التفاوض وصناعة المستقبل السياسي وفي اقتسام السلطة برعاية الآلية الثلاثية، او أن ينسحب من التفاوض ويعود الى الشارع، او ان يواصل التفاوض سرا كما تريد الولايات المتحدة الامريكية، ويفرض ما يتوصل اليه من اتفاق على الشارع السياسي بالتعاون مع العصابة الحاكمة والمجتمع الدولي.
ولسنا في حاجة للقول بأن التيار التسووي ليس لديه الرغبة ولا الارادة في العودة إلى الشارع الذي لا يؤمن به أصلاً، ومن الصعب عليه كذلك التنازل عن اشتراطه عدم مشاركة الفلول، مما  يرجح أن يختار التفاوض سرا وفقا لرغبة رعاته، إذا لم  تتنازل له العصابة و تطرد الفلول من عملية التفاوض وتتفاوض نيابة عنهم، وهذا أمر غير مستبعد.
في كل الاحوال، تفاوض التيار التسووي لن ينتج سوى شراكة دم جديدة، قائمة على شرعنة العصابة الحاكمة وقبولها كشريك في صنع مستقبل البلاد السياسي، مع قبول تمكينها الاقتصادي والعسكري والامني، وكذلك افلاتها من المحاسبة والعقاب.
ومثل هذه التسوية الحتمية التي تهدف الى تصفية الثورة، لن يقبلها الشارع ولن تمر. فالشوارع رضيت مقاديرها واحتضنت جماهيرها، وقدمت شهدائها الابرار، لتصنع بنفسها مستقبلها السياسي وتحاسب القتلة. وعلى لوائها معقود النصر.
وقوموا الى ثورتكم يرحمكم الله!! .
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..