بعد مقتل 9 متظاهرين.. اعتصامات الخرطوم تنذر بتصعيد جديد مع العسكريين
توسعت رقعة الاعتصامات الاحتجاجية في العاصمة السودانية الخرطوم، وسط تأزم المشهد السياسي عقب القمع العنيف لمظاهرات يوم الخميس الماضي وسقوط 9 قتلى من المتظاهرين، الذين يطالبون منذ 8 شهور بإنهاء الانقلاب العسكري واستعادة مسار الحكم الانتقالي المدني.
وحتى يوم الأحد، أقيمت اعتصامات في ثلاثة مواقع في العاصمة الخرطوم هي ”منطقة المؤسسة“ في مدينة الخرطوم بحري، و“امدرمان القديمة“، واعتصام ثالث قرب مستشفى الجودة، وسط الخرطوم، بينما يتوقع أن تقام اعتصامات جديدة في مناطق أخرى في العاصمة والولايات.
وتأتي هذه الاعتصامات امتداداً لسلسة الاحتجاجات المستمرة منذـ25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الرافضة للانقلاب الذي نفذه وقتها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان.
تضيق الخيارات
قال القيادي في الحرية والتغيير، عبد المطلب الختيم، لـ“إرم نيوز“، إن ”الاعتصامات الحالية هي واحدة من وسائل الضغط على السلطة الانقلابية لتستجيب لمطالب الشارع“.
وأشار الى أن ”الاعتصامات اقيمت في مساحات تمثل مداخل حيوية لقلب الخرطوم، كما انها قابلة للتمدد في أماكن أخرى، ما يجعل خيارات السلطة تضيق في كل يوم“، محذراً من محاولة التعامل بالعنف مع الاعتصامات ما يزيد من تأزيم المشهد ويقود البلاد إلى منعطف أكثر مأساوية.
وأشار عبد المطلب إلى ضرورة تدبير خيارات الحلول العقلانية التي تؤمن كيفية انسحاب العسكريين من مشهد الحكم، وتسليم السلطة للمدنيين.
ونوه إلى أن ”الاعتصامات تشكل ضغطا كبيراً على المؤسسة العسكرية قد يجبرها على الاستجابة لخيارات الشارع، لكن لن يتأتى ذلك إلا عبر خيار الحل التفاوضي الذي يؤمن ضمانات الاستقرار للحكم المدني وتوفير المخارج للممسكين بمفاصل القيادة، لإفساح المجال لهيكلة الجيوش المتعددة في إطار مؤسسي واحد“.
وكانت الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أطلقت عملية سياسية بين الأطراف السودانية للتوافق على كيفية إنهاء الأزمة التي دخلت فيها البلاد منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي.
وبناءً على ذلك انخرطت قوى الحرية والتغيير في اجتماعات مشتركة مع المكون العسكري بوساطة سعودية أمريكية، لكن يوم الأحد اتهم التحالف المعارض العسكريين في السلطة، بتدمير العملية السياسية، قائلاً إن الانتهاكات ضد المتظاهرين تُظهر عدم الجدية والإرادة للمكون العسكري.
ويأتي هذا الموقف، كأول ردة فعل من الحرية والتغيير، على القمع العنيف الذي واجهت به قوات الأمن السودانية، احتجاجات سلمية يوم الخميس الماضي، أسفر عن سقوط 9 متظاهرين بالرصاص وإصابة أكثر من 600 آخرين، حسب لجنة أطباء السودان.
أقوى أوراق الضغط
من جهته رأى المحلل السياسي، الدكتور حبيب فضل المولى، أن الاعتصامات الجديدة في ”أم درمان والخرطوم، والخرطوم بحري“ ضرورة أملتها ظروف البلاد بعد موجة العنف والقهر التي واجهها المتظاهرون السلميون طوال الفترة الماضية.
وقال لـ“إرم نيوز“ إن ”الاعتصامات ربما هي الطريقة الأخيرة التي لجأ إليها المتظاهرون، عسى ولعلها تكون حجرا في بركة المجلس السيادي الذي يسيطر عليه الجيش وحركات الكفاح المسلح“.
وأوضح المولى أن الاعتصامات تعتبر أقوى أوراق الضغط وقد تُجبر السلطات العسكرية على الاستجابة لمطالب المحتجين، بالامتثال لصوت العقل بشأن عملية الحكم والتحول في السودان وتغيير الأحوال الى أفضل مما هي عليه اليوم.
وأضاف أنه ”مع ذلك لا اتوقع نتائج إيجابية لصالح أهداف الثورة، بالنظر لتجربة اعتصام القيادة التي انتهت بفضه دون تحقيق الأهداف، وفي كل الحالات لا بد من تقديم تنازلات من كل الأطراف للخروج من الأزمة“.
وأشار المولى إلى أن ”حجم الخسائر التي تمخضت عن التظاهرات الأخيرة زاد من غضب الشباب المحتجين ودفعهم إلى مواصلة الاحتجاجات، كما تسبب القمع العنيف للاحتجاجات في توسيع الشقة بين القوى السياسية والعسكريين الممسكين بالسلطة“.
وتداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يظهر أحد أفراد الشرطة وهو يصوب سلاحه تجاه متظاهر في شارع الستين في الخرطوم، فيرديه قتيلا، كما يظهر شرطيا وهو يركل بحذائه المتظاهر الساقط على الأرض ليتأكد إذا ما كان قد فارق الحياة أم لا، في مشهد مثل صدمة للسودانيين.
وأثارت الحادثة انتقادات واسعة داخل السودان، واعتبرها ناشطون على وسائل التواصل جريمة ضد الإنسانية لما فيها من تمثيل بالجثة، مشيرين إلى أن المتظاهر القتيل يدعى علي زكريا (27 عامًا)، من أبناء منطقة الجريف غرب الخرطوم، حيث تعرض لإصابة قاتلة بالرصاص في البطن.
هاجس ضغط
بدوره، قال المحلل السياسي خالد الفكي، إن ”تمدد الاعتصامات يؤكد قدرة تنسيقات لجان المقاومة على الابتكار وابتداع وسائل المقاومة السلمية لتحقيق غايات الثورة وتطلعات رغبات الشباب نحو الحرية والتغيير والدولة المدنية“.
وأكد في حديث لـ“إرم نيوز“ أن ”الاعتصامات تشكل هاجسًا ضاغطاً كبيرًا على الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإحراجا كبيرا للقوى السياسية والمدنية التي فتحت بابا للحوار مع العسكريين“.
وأشار الفكي إلى أن ”أي محاولات من قبل الأجهزة الأمنية والعسكرية لفض الاعتصامات وإعادة سيناريو أحداث اعتصام القيادة العامة، سيعقد المشهد أكثر وقد يفتح أبوابا جهنمية على البلاد“، حسب تعبيره.
و قال: ”يجب على القوى السياسية والأطراف السودانية، الاستفادة من هذه الاعتصامات لتحقيق رابطة ووحدة القوى الثورية تحت قيادة ومظلة واحدة تجمع كل المناهضين للانقلاب“.