
مهدي يوسف إبراهيم
في الثلاثين من يونيو للعام 1989 استيقظت الخرطومُ على صوتٍ مهووسٍ يجلِدُ شارع النيل جلداً بأنه “أمريكا روسيا قد دنا عذابُها” … وبعدها بسنوات عجافٍ شهدت (ذات الخرطومُ) جلادّها المخلوعَ وهو يجلسُ خافضَ الرأس والروح أمام الدب الروسي “بوتين” ، مستجديًا إياه أن يحميه من طغيان “بلاد العم سام”….
ذاك ظلً ديدنُهم : النفاق الذي يندى له جبين إبليس!! .
بدأ ليلُ المتأسلمين الكفيفُ البصرِ بشعار “فلنأكل مما نزرع ولنلبس مما نصنع” وانتهى بتدمير مشروع الجزيرة وقفل جلّ المصانع وتفكيكِ الرأسماليات الوطنية العريقة التاريخ … بدأ مشروعُهم بالدعوة لدولة الشريعة وانتهى بسَرِقة أموال النّفط وخصخصة مقدرات هذا الشعب العظيم … رفعوا شعارَ الكرامة الوطنية وانتهي عهدُهم المظلمُ و”حلايب” و”شلاتين” و “أبو رمادة” و “الفشقة” أسارى خارج حدود الوطن ، وأسدُهم المزعومُ مطاردٌ من قبل الجنائية ودعوات المظلومين … جاءونا بشعارات دينٍ يدعوا إلى العدل والمساواة لكنهم تخصصوا في قطع الأرزاق والأعناق بشهوةٍ للدماء لا تشبع … جاءوا إلى بلادٍ اشتُهر شعبُها في كل أرجاء الكون بالأمانة والشرف وسمو النفس ، فقلبوا الموازين رأسًا على عقب : من ناصرهم ارتقى ومن ناصبهم النضال دفع الثمن غاليًا ، حتى دُفنت الخدمة المدنية والتعليم وكرامة الشعب حيةً في الثرى ، وضجّت المنافي بكفاءات سودانيةٍ تسدُ عين الشمس.
ثم هرطق منهم رجلُ حقودٌ لدودٌ لئيمٌ قائلاً “إن الحُكومة ليست مسؤولةً عن هموم المأكل والمشرب والتعليم ولكنها معنيةٌ بربط الناس بالسماء” (وكأن عمرَ بن الخطاب كان يجوسُ دروب المدينة ليلاً بحثاً عمن يقيمون الليل لا استقصاءً للجوعى والمحتاجين).
لم يكن صراعُنا مع المتأسلمين يومًا صراعاً عقائداً كما يحاولون هم أن يصوّروه لقطيعهم، فنحنُ لم نكن نعبدُ البقر قبل مجيء الإنقاذ ، ولم نتعلم فرائضَ الوَضوء علي يد الدراكولا “علي عثمان” ، ولم ندرك حكمة مشروعية الزكاة من دروس الخبيث “نافع” ، ولم نفتح عيوننا على أركان الحج والعمرة على يد الرقيع “حاج نور” … لقد ظللنا شعباً يتنفسُ الإسلامَ في كل تفاصيل حياته : نطقاً بالشهادة حين نأتي إلى الحياة وحين نغادرها ، وأداءًا للصلاة والصوم والزكاة والحَج والعُمرة ودفناً للموتى وتطبيقاً لسياسات الميراث … إن صراعنا مع الكيزان صراعٌ سياسيٌ بحت … هو صراعٌ مع شرذمة شاذة الفكر تريد أن تنصّب من نفسها إمامًا علينا ، يحكم فينا بما يرى شيطانه دون أن نملك حق الاعتراض …
ولعله مما يثلجُ صدر المرء أن المتأسلمين لا يريدون أن يثوروا على ذهنيتهم المتقيّحة ويراجعوا حساباتِهم الدنيئة ويعيدوا النظر في خطابهم السياسي الفج ، فهم لا يزالون يصرون على التعامل معنا كأغبياء بلا ذواكر ، اشتكي الكيزانُ مع بوادر الثورة من الاقصاء وقد حكموا السودان حكماً شمولياً لثلاثين عاماً ، ودعوا للديموقراطية وقد جاءونا بانقلابٍ عسكري ، وتباكوا على حقوق الإنسان ووجدان الشعب لم ينزف من قصص بيوت الأشباح ، وجأروا بالشكوى لإقالة موظفين ينتمون إليهم وقد أغلقوا مئات الآلاف من البيوت بقانون اللا صالح اللا عام … فاللهم أدم علي بني كوزٍ نعمتي الغباء والتغابي يا رب العالمين …
ثلاثون عاماً والحذاءُ العسكريُ الثقيلُ يدوسُ على رقبة الوطن … ثلاثون عاماً ونحن منفيّون في بلادنا … ثلاثون عاماً امتلأت فيها السجون بالأحرار، والقبور بالثوّار حتى تحوّل الوطنُ كله إلى سجنٍ شاسع. ثلاثون عاماً سيطر فيها زبانيتهم على كل شيء : المال والاعلام والجيش والشرطة حتى قال لا نافعهم منتشياً “لن نسلمها سوى لعيسى”. ثلاثون عاماً انهار فيها كلُ شيء : التعليم والصِحة والعلاقات الدولية وكرامة السودان. ثلاثون عاماً استعر فيها العداء مع إخوةٍ لنا في الوطن في حربٍ كان يمكن تفاديها بشيءٍ من الحكمة و توزيع الثروة والسلطة، حتى قرر الجنوبُ مغادرة تراب بلد ورثناه مترامي الأطراف من لدن تهراقا . ثلاثون عاماً ونحن في قطيعةٍ مع إخوتنا في البشرية، لا يرتادُ بلادنا إلا الهاربون من العدالة، وشذّاذ الآفاق وصعاليكُ الفكر …
ثم قيّض اللهُ للوطنِ ثورةً حرّرته من براثن الهوس والجمود، ووجهته صوبَ آفاق الحرية والنماء. لكن ذلك لم يعجب بعض كلاب العواصم العربية التي تريد أرض السودان و ماءه وشواطئه، ووجدت ضالتها في بعض جنرالاتٍ يقتاتون من شركاتٍ جيشٍ ما عاد يعرفُ عن حماية الأرض والعرض وشرف الحروب شيئًا بعد أن تحوّل قادتُه إلى صبيةٍ يرفعُ لهم بعضُ أعراب الخليج أطراف الأنامل فيهرعون إليهم وألسنتُهم تتسابقُ فيها عباراتُ الخنوع بلعاب اشتهاء الأموال … وساعدهم في ذلك حزب ماسوني شيطاني ارتكب أعضاؤه كل موبقات الأرض ، والتهموا خيرات السودان على موائد إبليس … لكن كلمة الله تظل هي العليا …
اللهم احفظ السودان من جيران عروبةٍ بئيسة ، وجنرالات جيش عاهر ، وقادة دعم شيطان رجيمٍ ، وجهاز أمن سافل ، وأقلام مأجورة وأصوات مكسورة وبنادق مسعورة … يا الله يا الله … اللهم آمين …
عاش السودانُ حراً أبياً …
لا فض قلمك يا استاذ مهدي…
هولاء يفوقون سوء الظن العريض.. نسأل الله أن يحفظ السودان منهم و من شرورهم…
اما ابرهة هذا فهو كلب من كلاب السيسي…