
محمد حسن شوربجي
ما يحدث في بلادنا منذ ميلاد ثورة ديسمبر المجيدة يوضح لنا جليا أن هناك “أمة جديدة في طور التكوين”… وأن هناك “غمة قديمة في دور التكوير” والدفن والزوال… فهناك انقلاب وعي كامل قد جري في السودان… وهو مطابق لقانون التغير الطبيعي الذي كان يجب ان يكون … فبلادنا قد تصدعت كثيرا بسبب تسلط نظام الانقاذ الذي كان كل همه تغذية التنظيم العالمي للاخوان المسلمون الذي كان يعمل من اجل نظام اسلاموي عالمي متطرف … ولم لا فقد امسكوا طويلا بخناق شعب السودان وخيراته ولأكثر من ثلاثون عاما… عاني الشعب فيها كثيرا… وكان خلالها ينتفض ويقمع … وامتلأت السجون وبيوت الاشباح بالشرفاء… وإزاء هذا الوضع المأساوي وجدنا انفسنا اليوم نعيش حالة ميلاد أمة جديدة … ثلاثون عاما سوداء مرت لتخرج لنا أمة من تحت الرماد والأنقاض بعدما أتى الكيزان على كل الأخضر واليابس … فكان التقاتل الدائم ودون طائل هو العنوان الرئيس لحياة اهل السودان … وكان طمس الهوية وتجنيس الغرباء دعما لذلك التنظيم الشيطاني … وكان قتل الانفس بالملايين في جنوبنا الحبيب واكثر من ثلاثمائة الف نفس دارفور وحدها وفي حروب لم تُبق ولم تذر … فشيدت معسكرات الايواء والفقر والجوع بكل اركان غربنا الحبيب …وتحول السودان الي دولة متسولة يأتيها رزقها اعانات وهبات تخجل الشرفاء … وبعد طول عذاب ومعاناة توقف القتل والاحتراب بقرار كارثي بفصل الجنوب … وبعد أن اتضح للعالم كله أنه لم يبق أي سبب جوهري يستدعي استمرارية ذلك الاقتتال… فانفصل الجنوب بنفطه وخيراته … وفقد السودان ربع مساحته الكلية … وفقد ما بين 21 – 33 في المئة من موارده البشرية… و25 في المئة من الأرض وهي بكر صالحة للزراعة طول العام لوجود الأمطار … و 60 في المئة من الثروة الغابية … و 70 في المئة من الحياة البرية … وفقد الكثير من المسطحات المائية من مياه النيل الأبيض وروافده … و 55 في المئة من الثروة الحيوانية … و 60 في المئة من الثروة السمكية … وفقد ما يقارب ال 80 في المئة من النفط … فماتت الدولة السودانية حينها شر ميتة … واستمر تخبط الانقاذ طويلا لاحياء تلك الجثة الهامدة … حتي اذن الله بسقوطها بيد الشعب الذي ضاق بها ذرعا … فمن طبيعة الاستبداد أنه يأتي بالانحرافات والموبقات ويوجب التقهقر والتأخر في البلاد … ويسبب إذلال العباد … ويؤخر ويدمر البلاد … اما الحكم الرشيد والاستقرار السياسي والاجتماعي فهو الذي يضع الأمة على طريق الحياة الحرة الكريمة… ويتيح لها فرص التنمية والبناء … ويمكنها من التوجه للتحديات الخارجية … ومع انعدام الاستقرار يبقى التطلع للوحدة مجرد شعار وأمنيات … فقد تتلاشى اهتمامات التقدم والبناء وتضعف الأمة أمام مواجهة التحديات … فلا شك ان مجتمعنا يحتاج إلى ثورات وثورات … ثقافية واجتماعية وسياسية… وتحتاج كذلك لقبول التعددية ودون تحديد دين بعينه… ويحتاج كذلك لاحترام الرأي الآخر… واجتناب كل اساليب العنف … فلا شك اخوتي ان تاريخ الاستبداد الطويل الذي عاشته بلادنا قد مسخ الكثير من معالم الثقافية والانسانية … لذا لا بد من حركة ثورية ثقافية جديدة وواسعة تعود بالأمة إلى معالم حياة ملؤها الانفتاح … شريطة ان تربي فيها أجيالنا على الحوار وآداب الاختلاف وقبول الآخر… وتربي علي مبادئ التعايش والحرية والسلام والعدالة … دعونا اخوتي نبدأ التحليق بالوطن بعيدا عن مجاهل التخلف … نريد سودانا يقود كل الامم باخلاقه وعلمه وادبه وسلوكه الحضاري الراقي فهل نكون؟؟؟؟ وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حرٍ * يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ وَمَن يَسقى وَيَشرَبُ بِالمَنايا * إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا… وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا * وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ * وَفي الأَسرى فِدًى لَهُمُ وَعِتقُ…. وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ * بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ…
