مقالات وآراء

الثورة السُودانية المُستدامة ..

 نضال عبدالوهاب

ما دعاني للكتابة في هذا الأمر هو إنزعاج بعض الأخوة من الفاعلين والمشاركين في قيادة التغيير الحالي في السودان من مواقع مختلفة بعد نقاش داخلي لمسألة الإعتصامات الحالية وما صاحبها من أحداث وكذلك تخوف البعض من مسألة عدم تواجد أعداد كبيرة في الإعتصامات ما بعد ٣٠ يونيو الأخيرة قد تقلل من فاعليته كاداة مقاومة مدنية ناجحة و”مُجربة” ..
ولأهمية الأمر آثرت وفضلت إشراك كُل الثوريين والمهتمين بالتغيير الحقيقي في البلد والعاملين لإنجاح الثورة وإنتصارها ووصولها لجميع أهدافها ..
الثورة السُودانية ومع تفرّدها وعظمتها كواحدة من أهمّ الثورات في العالم علي الأقل في العصر الحديث ، بل يتفق كثيرون علي أنها الأهم والأعظم من بينها ، إلا أنها ليست إستثناء من بين عدد من الثورات التي سبقتها من حيث حالات صعودها وهبوطها لدرجة تشابه فيضان النيل مابين القمة وأدني درجات الإنحسار .. حدث هذا ودون الدخول في تفاصيل في الثورة الفرنسية والروسية والبرتغالية و التايلندية وحتي في الثورة التونسية الحديثة ولكل هذا أسبابه مابين النظام القامع والمُسيطر والثورات المُضادة إلي الأزمات الإقتصادية وغيرها من مُسببات تجعل من إرتفاع المدّ الثوري علي وتيرة واحدة أمر غير قابل للحدوث ولكن مع هذا وكما تقول روزا لوكسمبرج إحدي القيادات عبر تاريخ الثورات والتغيير أن “الثورة هي الحرب الوحيدة التي يكون فيها الإنتصار بعد عدد من الهزائم” .. في واقعنا في السُودان هنالك أسباب مُباشرة أدت لضُعف المد الثوري من فترة لإخري لكن مع إستمراريته في الشارع وفي طرق وأدوات المقاومة وتنوعها ، مابين تظاهر سلمي ومواكب وإعتصامات ووقفات إحتجاجية وعصيان وإضرابات وهكذا .. وكلها أدوات للمقاومة المدنية الثورية السّلمية ظل شعبنا في ثورته الحالية يستخدمها ، ما قبل إزاحة البشير إلي إنقلاب ٢٥ أكتوبر ومابينهما وبعده وإلي اللحظة الحالية حتي الوصول لهدف الإنتصار وتحقيق أهداف التغيير ..
برغم كُل آلة القمّع والعُنف إلا أن هذا لم يُجهض الثورة ، وبرغم كُل محاولات الثورة المُضادة وجهاز الدولة القديم والنظام السابق وحلفاؤه في الداخل والخارج والتآمر ومحاولات الإختراق وشراء الثوار والفاعلين لتصفية وإنهاء الثورة وبرغم إستخدام كافة الوسائل هذه وغيرها إلا أن التصميم علي بلوغ الهدف هو الغالب علي كُل المشهد هذا ، وهذا تجده مع خروج أي موكب أو تظاهرة وتراه في أعين وأدمغة كل الثوار والشباب في الأحياء ولجان المقاومة ، بل في البيوت وتجمعات الأتراح والأفراح وفي المدارس والجامعات وفي أهازيج الأطفال في كل قري وريف ومُدن السُودان ..
العامل الإقتصادي والأزمات الكبيرة فيه أيضاً أثرّت بشكل كبير في وجود حالات الطلوع والنزول للمّد الثوري ، فالبحث عن ما يمكن أن يسدّ الجوع في أبسط درجاته لغالبية السُودانيين بسبب مافعله العسكر والإسلاميون من إخوان وكيزان وبقية المُسميات وحلفاء هذه العصابات الفاسدة في السُودان بعد حُكمهم المباشر لثلاثون عام وإمتداداته الحالية حتي إنقلاب ٢٥ أُكتوبر ومابعده ، الأزمات الإقتصادية عامل مؤثر جداً لما نحن فيه الآن من حالة الإنحسار الثوري في بعض الأحايين ، ولكن هذا العامل تُغطي عليه عوامل أخري موجودة علي الأرض علي رأسها القدرة علي التنظيم الجيد وتجاوز العثرات وتصميم الشباب والثوار وكل العاملين للتغيير مع الإعتراف أن الأزمات الإقتصادية تؤثر .. أما أهمّ الأسباب في تقديري هو عدم وجود تنسيق كافي ووحدة لقوي الثورة في إتخاذ قرارات مباشرة في شكل التصعيد وأدواته الميدانية ، وإن كان هذا لا يُلغي وجود حالة ثورية حتي للمُختلفين تجعلهم في الحد الأدني سواء لتظاهر أو إعتصام مُشاركون ، ويظل التحدي قائماً في الوصول للتنسيق الكامل بين جميع القوي السياسية والمدنية والثورية في الحركة والأهداف وفي الحد الأدني الذي نُجمع عليه جميعاً لإسقاط الإنقلاب وإستعادة التحول الديمُقراطي وصولاً للدولة المدنية الديمُقراطية وإستقرارها ورسوخها ..
وهذا مجهود مُتصل يعمل ويُشارك فيه الجميع ، إستمرار تحالف كل المؤمنين بالديمُقراطية والتغيير شرط هام جداً للإنتصار ، وقدرتهم علي تجاوز كُل الإحباطات وحالات الضُعف وعدم التركيز في الخلافات الثانوية أيضاً هام جداً ومطلوب خاصة في هذه المرحلة .. إستمرار التصعيد الثوري السّلمي ضروري جداً الآن بكافة أشكاله وأدواته ..
علينا جميعاً الدفع في إتجاه أكبر تحالف لتحطيم جهاز الدولة القديم في السُودان ، هذا التحالف قوامه كُل القوي الديمُقراطية سواء الحديثة منها أو التقليدية وكل صاحب مصلحة في وضع السُودان في طريق الديمُقراطية وإبعاد العساكر وتحقيق سُودان جديد مدني ديمُقراطي فيه الحريات والعدالة بكافة مستوياتها والعيش الكريم ..
الحالة الحالية ما بعد اربعة سنوات من الثورة يُمكن أن يُطلق عليها إستدامة الثورة السُودانية ، وهي الحالة التي تُغذيها درجات الغضب الناتجة من قمّع النظام ومن تآمر الثورة المُضادة ، مع إستمرار الحياة الإعتيادية للشعب السُوداني وفي ذات الوقت إستمرار الثورة كسلوك للشعب السُوداني يظهر في إتقاد جزوة الثورة وإشتعالها الدائم حتي تتحقق جميع أهدافنا ومطالبنا وننتصر ..

‫2 تعليقات

  1. الاخ نضال لك التحية و الاحترام مقالك جميل متوازن و لكن إلا تعتقد أن تأخر قيام تحالف ضد الانقلاب الفاشل سببه ان نخب السودان قد ضرب لا شعورها بانها خارج التاريخ بفكرها التقليدي لان ما نعتقد في انها قوة حديثة هي ليس كذلك لانه ما زالت لا تقبل و لا ترضى بنمط الانتاج الراسمالي كما راينا اتباع نسخة الشيوعية السودانية و هي تقليدية مقارنة باحزاب شيوعية في الغرب و اشتراكية رضيت بنمط الانتاج الرأسمالي منذ ثلاثينيات القرن المنصرم مستفيدة من افكار غرامشي و هذا يجعلنا نقول بان ما نعتقده في الحزب الشيوعي السوداني انه قوة حديثة ليس صحيح بل العكس تمام هو أكثر تقليدية من الاحزاب التقليدية أصلا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..