مقالات سياسية

البرهان وقلة عقله: مختصر سيرة طائر الوقواق

عماد خليفة، كاليفورنيا

اشتهر طائر الوقواق بمقدرته الفائقة على المخادعة والمكر، إذ تقوم أنثى هذا الطائر بوضع بيضها في أعشاش الطيور الأخرى لتقوم بحضانته نيابة عنها، وعندما تفقس بيضة الوقواق يقوم الصغير وعقب خروجه مباشرة من البيضة بدفع كل البيض المتبقي داخل العش أرضا مستخدما جناحيه وراسه وبالتالي يخلو له العش وحده وتقوم صاحبة العش وزوجها في الاعتناء بتربيته و إطعامه حتى يقوى عوده ويعتمد على نفسه.
وتقول الحكمة المنسوبة للإمام علي رضي الله عنه (من جرب المجرب حلت عليه الندامة) دلالة على تحكيم العقل والبصيرة السليمة التى تقود الشخص السوي للاستفادة من تجاربه وتجارب الآخرين التي لم تنتج حلولا، وتجريب المجرب ربما يلقي بصاحبه إلى التهلكة وإذا سلم يضيع وقته دون جدوى.

اعلم عزيزي القارئ أن مجرد ذكر إسم هذا الدكتاتور الدموي النكرة و الخوض في سيرته العطِنة قد تُثير الاشمئزاز والغثيان، خاصة في هذه الايام المباركات. سأحاول تناول محطات قليلة جدا وبعض الشواهد للتوثيق لهذا الجنرال الكاذب الذي تسنم قيادة الدولة السودانية في غفلة من الزمان، نشهد جميعا تهاوى الوطن نحو الهاوية في عهده وأصبح على حافة التفكك والانهيار.

تنطبق مخادعة طائر الوقواق وسلوكه الغريب على الرجل تماما. فسيرة الجنرال المغمور عبد الوهاب البرهان التي أدلى بها وكتب عنها بعض معاصريه في الكلية الحربية وبعض من زاملوه في الخدمة العسكرية من الضباط الشرفاء. تُجمع كل هذه الكتابات والإفادات على أن الرجل مخادع من الدرجة الأولى و يكذب كما يتنفس ودائما يفعل عكس ما يقول تماما. البرهان أحد منفذي الإبادة الجماعية في دارفور، ساهم في تأسيس وتدريب قوات الجنجويد وهو من ساعد المجرم حميدتي للإطاحة بإبن عمه هلال وقام بتلميعه وساعده للوصول لهذه الرتبة الكبيرة دون مؤهلات. هو قائل العبارة الشهيرة التي لم يقلها قبله أي دكتاتور ب(أنه رب الفور) وهذه المقولة شهادة لا تقبل الجدال على الدموية والفجور في القمع والبطش وعمل كل ما هو مخالف للفطرة السليمة.

هذه العبارة لا ينطق بها شخص سوي كامل الاهلية، فإذا كنا نعيش في دولة محترمة لتم إبعاده فوراً عن الجيش وربما تمت محاكمته.

سعى الرجل بكل ما أوتي من خبرة في النفاق والخداع واجتهد وتآمر على لجنة البشير الامنية التي استلمت السلطة وتملق القوى السياسية حتى وضع نفسه في رئاسة مجلس السيادة. قام بعدها بمحاولته الانقلابية الأولى على ثورة الشعب والانفراد بالسلطة بعد قيامه بفض الاعتصام الذي تعهد كثيرا في أحاديث موثقة بعدم المساس به. أدى فض الاعتصام السلمي لإزهاق أرواح الثائرين والثائرات الطاهرة وهي أرواح عزيزة على الوطن قتلهم دون رحمة صبيحة وقفة عيد الفطر المبارك. ألغى بعدها كل ما تم التوافق عليه مع قوى الحرية والتغيير التي كانت تمثل الثورة آنذاك، وسرعان ما تراجع عن انقلابه الفاشل بعد طوفان ٣٠ يونيو ٢٠١٩، وأتى متملقا الثوار بخطبته الشهيرة للسانات والراسطات وأصحاب الرصة والمنصة.

كانت هذه المغامرة الفاشلة كافية لأن يتعلم هذا المأفون الدرس من هذه التجربة الساذجة، إلا أنه ولقلة عقله ظل يتربص بالثورة حتى ورط نفسه مرة أخرى في انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر بمعاونة وتخطيط الحركة الإسلامية التى تحلم بالعودة مرة أخرى للسلطة ومعها المتردية والنطيحة وما أكل السبع من أحزاب الفكة والانتهازيين ربائب الأنظمة الشمولية.

حاول الجنرال الحائر إثارة قضية الفشقة أكثر من مرة آملا أن تساعده في تماسك الجبهة الداخلية المنهارة ولكن دون طائل، لأن حتى الأطفال الصغار أصبحوا يعرفون أن الرجل كذاب أشر لا يمكن تصديقه أو الوثوق به. كشف الرجل سريعا كذبته الاخيرة عن الفشقة بلقائه رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد قبل عدة أيام في كينيا راميا خلفه ما قاله لجنوده في الفشقة عقب مسرحية مقتل الأسرى واعداُ إياهم بأنه لا مجال للحديث الكثير والتفاوض وأن الرد سيكون عمليا وعلى الأرض.

لم يبدِ البرهان أي شعور بالحسرة والندم على ما لحق بالبلاد من مخاطر ودمار وخراب في كل المناحي عقب انقلابه (الموكر)، بل ظل يُلقي اللوم على القوى السياسية لممانعتها من التوافق معه تارة، وتارة أخرى على فولكر والمجتمع الدولي، وأحيانا يعلق فشله على عدو الشموليات المتوهم (التآمر والاستهداف الخارجي).

أكثر ما يخشى الإنقلابي البرهان ويتحاشاه هو اللقاءات الجماهيرية المفتوحة التي تتيح له مخاطبة الجماهير مباشرة عن قضايا الأمن ومعاش الناس او حتى عن تصحيحه المزعوم كما يفعل القادة الكبار، لم نشهد للرجل لقاءً جماهيرياً واحداً طيلة رئاسته لمجلس السيادة حتى لو كان لقاءً مدفوع القيمة كما كان يفعل المخلوع البشير. تعود الرجل على مخاطبة الشعب السوداني من منصات القوات المسلحة. فكلما ضاق به الحال أمر بتنظيم فعالية يُدعى لها مجموعة مختارة من كبار الضباط يمرر خلالها تهديده ووعيده للجماهير مكررا مقولته الممجوجة ان الجيش هو الوصي على الشعب وأنه لن يسلم السلطة الا لحكومة يتوافق عليها الجميع (هكذا مطلقا) أو تأتي عبر إنتخابات. كما يتحاشى الإختلاف مع نائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي أساءه أبلغ إساءة وأساء لكل ضباط وقادة الجيش السوداني عندما أبدى أمام حشد جماهيري تمنياته بعودة نميري من قبره ليحكم السودان مرة أخرى لأنه حسب زعمه رجل محترم و(عسكري كارب قاشو) وهذا يعني أن البرهان وكل ضباط الجيش السوداني ليس فيهم (ضابط محترم كارب قاشو) كجعفر نميري. لم نسمع أي تعليق على حديث حميدتي من الخبراء الاستراتيجيين العسكريين الذين أصبحوا أضحوكة ومثاراً للسخرية والتندر لدى معدي البرامج وجمهور بعض القنوات العربية الكبرى، ولم ينطق المستشار الصحفي العميد أبو هاجه بكلمة واحدة، كما لم نقرأ مقالا واحدا للمقدم الحوري يدين فيه هذا الكلام والذي لو قاله شخص آخر خاصة لو كان ملكيا لرأينا سيل من المقالات والتصريحات والادانات وربما البلاغات بحجة إهانة المؤسسة العسكرية.

البرهان وقبله المخلوع البشير، إضافة لهؤلاء الجنرالات من قادة الجيش الذين شهدوا ونفذوا الابادات الجماعية على الشعوب السودانية في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق، ومجزرة فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة التي لم يكتفوا فيها بالتخاذل المهين عن حماية السودانيين بل ساهموا في قتلهم واغتصابهم وأمروا بإغلاق أبواب القيادة العامة أمامهم في سابقة لم تحدث في تاريخ الجيوش. تُؤكد الشواهد السابقة وبما لا يدع مجالا للشك على ضرورة إصلاح وهيكلة القوات المسلحة التي شهدت تدهورا مريعا شأنها شأن مؤسسات الدولة الأخرى خلال حكم الإنقاذ البائد، لتقوم بأدوارها المعرفة وفقا للدستور، وكذلك تُعتبر مُبررا كافيا على حتمية إبعاد الجيش عن السياسة، فإنشغال الجيش بالسياسة أشبه بحشر الدين فيها، يفسد السياسة ويدمر الجيش ويشوه الدين.

البرهان يعرف تماما انه لا يستطيع إكمال انقلابه الفاشل ولكنه يكابر بكل صلف وغرور. ولا يمانع من إختطاف الدولة مقابل بقائه في السلطة مهما بلغت الخسائر والتكلفة.

وأخيرا ليت الجنرال الأحمق يأخذ العبرة من سلفه وقائده الساقط البشير ومن ثورة الجياع في سريلانكا التي نجحت بالأمس في إجتياح القصر الرئاسي فلم يجد الرئيس مخرجا غير الهروب المخزي تتبعه لعنات الجماهير.

‫4 تعليقات

  1. المطالبة يا استاذ ليست بهيكلة الجيش الحالي بل بتسريحه وتأسيس جيش جديد يستبعد منه كل كوز دخل الكلية الحربية بعد 1986.

  2. يا ليت لو الكاتب أفرد مساحة وبين لنا: من هو يشكل خطورة على الآحر ، البرهان أم حميدتي ؟ وما مستقبل السودان وهما يتصدران الموقف السياسي ؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..